ابو بسام قصار
12-21-2009, 01:28 AM
ذكر ما فعله يزيد بالشيعة:
وازداد حال الشيعة سوءاً وشدّة مع تصرّم السنين والأيّام إلى أن دنت منيّته وحلّ أجله فختم صحيفة أعماله السوداء بعهده ليزيد وقوله له: إنّ لك من أهل المدينة يوماً فإن فعلوها فارمهم بمسلم ـ بل بمجرم ـ بن عقبة فإنّه
رجل قد عرفنا نصيحته(1) ، ففعل ما أوصاه به أبوه فكانت وقعة الحَرّة، وما أدراك ما الحرّة؟! حدثت فيها من المآسي والويلات تكاد السماوات يتفطّرن من هولها، فقد أباحوا مدينة الرسول ثلاثة أيّام حتّى بالت الدواب وراثت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحتّى افتضّ فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والأنصار(2) ، وقتل يومئذ من قريش والمهاجرين والأنصار ووجوه الناس ألف وسبعمئة، ومن سائر المسلمين اللائذين بضريح سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، ولم يبق بعدها بدري(3) ، وقتل من النساء والصبيان عدد كثير، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أُمّه ويضرب به الحائط فينتشر دماغه على الأرض وأُمّه تنظر إليه(4) ، ثمّ أُمروا بالبيعة على أنّهم خَوَلٌ وعبيد ليزيد إن شاء استرقّ وإن شاء أعتق فبايعوه على ذلك، وفيهم جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وغيرهم من بقيّة الصحابة، مع ما هم فيه من سفك الدماء وهتك الأعراض وسلب الأموال.
ثمّ بعث مسلم ـ بل مجرم ـ بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلمّا أُلقيت بين يديه قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً
ثمّ قالوا: يا يزيد لا تشلْ
حين حلّت بفنائها برّكها
واستحرّ القتل في عبد الأشهلْ
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحيٌ نزلْ
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعلْ
____________
(1) تاريخ خليفة بن خياط ص 182، تاريخ الطبري ج 3 ص 359، العقد الفريد ج 3 ص 372، تاريخ دمشق ج 58 ص 104.
(2) البداية والنهاية ج 8 ص 177، وفيات الأعيان ج 6 ص 276، الفخري ـ لابن الطقطقي ـ ص 116، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ص 249، الإتحاف ص 66.
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 237 و ص 239، تاريخ ابن كثير ج 8 ص 177.
(4) الإمامة والسياسة ج 1 ص 238.
فقال له رجال من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين! قال: بلى، نستغفر الله! قال: والله لا ساكنتك أرضاً أبداً، وخرج عنه(1) .
ـ وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب " الأحداث " قال: كتب معاوية نسخة واحدةً إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر، يلعنون عليّاً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ; وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام) ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنّه كان منهم أيّام علي (عليه السلام) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم من العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق، ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم
____________
(1) العقد الفريد ج 3 ص 374، تاريخ ابن كثير ج 8 ص 179 ـ 180، وغيرها.
وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك، حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً.
ثمّ كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته،
وازداد حال الشيعة سوءاً وشدّة مع تصرّم السنين والأيّام إلى أن دنت منيّته وحلّ أجله فختم صحيفة أعماله السوداء بعهده ليزيد وقوله له: إنّ لك من أهل المدينة يوماً فإن فعلوها فارمهم بمسلم ـ بل بمجرم ـ بن عقبة فإنّه
رجل قد عرفنا نصيحته(1) ، ففعل ما أوصاه به أبوه فكانت وقعة الحَرّة، وما أدراك ما الحرّة؟! حدثت فيها من المآسي والويلات تكاد السماوات يتفطّرن من هولها، فقد أباحوا مدينة الرسول ثلاثة أيّام حتّى بالت الدواب وراثت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحتّى افتضّ فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والأنصار(2) ، وقتل يومئذ من قريش والمهاجرين والأنصار ووجوه الناس ألف وسبعمئة، ومن سائر المسلمين اللائذين بضريح سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، ولم يبق بعدها بدري(3) ، وقتل من النساء والصبيان عدد كثير، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أُمّه ويضرب به الحائط فينتشر دماغه على الأرض وأُمّه تنظر إليه(4) ، ثمّ أُمروا بالبيعة على أنّهم خَوَلٌ وعبيد ليزيد إن شاء استرقّ وإن شاء أعتق فبايعوه على ذلك، وفيهم جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وغيرهم من بقيّة الصحابة، مع ما هم فيه من سفك الدماء وهتك الأعراض وسلب الأموال.
ثمّ بعث مسلم ـ بل مجرم ـ بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلمّا أُلقيت بين يديه قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً
ثمّ قالوا: يا يزيد لا تشلْ
حين حلّت بفنائها برّكها
واستحرّ القتل في عبد الأشهلْ
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحيٌ نزلْ
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعلْ
____________
(1) تاريخ خليفة بن خياط ص 182، تاريخ الطبري ج 3 ص 359، العقد الفريد ج 3 ص 372، تاريخ دمشق ج 58 ص 104.
(2) البداية والنهاية ج 8 ص 177، وفيات الأعيان ج 6 ص 276، الفخري ـ لابن الطقطقي ـ ص 116، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ص 249، الإتحاف ص 66.
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 237 و ص 239، تاريخ ابن كثير ج 8 ص 177.
(4) الإمامة والسياسة ج 1 ص 238.
فقال له رجال من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين! قال: بلى، نستغفر الله! قال: والله لا ساكنتك أرضاً أبداً، وخرج عنه(1) .
ـ وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب " الأحداث " قال: كتب معاوية نسخة واحدةً إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر، يلعنون عليّاً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ; وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام) ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنّه كان منهم أيّام علي (عليه السلام) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم من العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق، ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم
____________
(1) العقد الفريد ج 3 ص 374، تاريخ ابن كثير ج 8 ص 179 ـ 180، وغيرها.
وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك، حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً.
ثمّ كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته،