المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الامام علي الهادي عليه السلام والمتوكل؟؟


ابو بسام قصار
12-21-2009, 03:09 AM
الإمام علي الهادي والمتوكل:
كان الخليفة العباسي المتوكل يبغض سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وذريته، ولما بلغه مقام الإمام علي الهادي في المدينة، وميل الناس إليه، خاف منه، ودعا يحيى بن هرثمة "، وأمره بالذهاب إلى المدينة، وإحضار الإمام الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأن الإمام الهادي كان محسنا للناس، ملازما للمسجد، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
ويتحدث " يحيى بن هرثمة " عن ذلك فيقول: " لما دخلت المدينة ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس بمثله، خوفا على الإمام الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا إليهم، ملازما للمسجد ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكنهم، وأحلف أني ما أمرت به بسوء، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا المصاحف، والأدعية، وكتب العلم، فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته.
وما أن وصل الإمام إلى " سامراء " واستقر به المقام، حتى بعث إليه المتوكل جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلا، وحملوه إلى المتوكل على الحالة التي كان عليها، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبلا القبلة.
وكان المتوكل حين دخل عليه الإمام الهادي في مجلس الشراب، حاملا الكأس بيده، فلما رآه هابه وعظمه، وكان في المجلس " علي بن الجهم "، فسأل المتوكل: من أشعر الناس؟ فذكر " ابن الجهم " الشعراء في الجاهلية والإسلام، فسأل الإمام الهادي عن ذلك؟ فقال: أشعر الناس الحمامي، حيث يقول:
لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمط خدود وامتداد أصابع
فلما تنازعنا المقال قضي لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع
فإن رسول الله أحمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع
فقال له المتوكل: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (1).
وفي رواية الحافظ ابن كثير: وكان أبو الحسن علي الهادي: عابدا زاهدا، نقله المتوكل إلى سامراء فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر، ومات بها سنة 254 هـ وقد ذكر للمتوكل أن بمنزله سلاحا وكتبا كثيرة من الناس، فبعث كبسه، فوجده جالسا مستقبل القبلة، وعليه مدرعة من صوف، وهو على التراب، ليس دونه حائل، فأخذوه كذلك، فحملوه إلى المتوكل، وهو على شرابه، فلما مثل بين يديه أجله وأعظمه، وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، لم يدخل بطني، ولم يخالط لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، ثم قال له: أنشدني شعرا، فأنشده:
باتوا على قلل الجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
نادى بهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل
فافصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وما لبسوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
قال: فبكى المتوكل، حتى بل الثرى، وبكى من حوله بحضرته، وأمر
____________
(1) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 246 - 247
برفع الشراب، وأمر له بأربعة آلاف دينار، وتحلل منه، إلى منزله مكرما، رحمه الله (1).
ويروي صاحب " مروج الذهب " عن ابن الأزهري أنه قال: حدثني القاسم بن عباد، قال حدثني يحيى بن هرثمة قال: وجهني المتوكل إلى المدينة لإشخاص " علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر "، لشئ بلغه عنه، فلما صرت إليها ضج أهلها، وعجوا ضجيجا وعجيجا، ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته، فلم أجد فيه، إلا مصحفا ودعاء، وما أشبه ذلك، فأشخصته وتوليت خدمته، وأحسنت عشرته.
فبينا أنا نائم يوما من الأيام، والسماء صاحية، والشمس طالعة، إذ ركب وعليه ممطر، وقد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها، ونالنا من المطر أمر عظيم جدا، فالتفت إلي، وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت، وتوهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية، فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما أصبحت هبت ربح لا تخلف، وشممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك.
فلما قدمت مدينة السلام (بغداد) بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري - وكان على بغداد - فقال لي: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والمتوكل من تعلم، وإن حرضته على قتله، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، خصمك.
فقلت: والله ما وقفت له، إلا على كل أمر جميل.
فصرت إلى " سامراء " فبدأت ب‍ " وصيف التركي " - وكنت من أصحابه
____________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 11 / 15، المسعودي: مروج الذهب 2 / 476 - 477، وفيات الأعيان 3 / 272 - 273.
فقال - فقال: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري.
فعجبت من قولهما، وعرفت المتوكل ما وقفت عليه، وما سمعت من الثناء عليه، فأحسن جائزته، وأظهر بره وتكرمته (1).
هذا وقد حدث أبو عبد الله محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد (2) قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم: ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟
قال: وما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض الله طاعة بنيه على خلقه، وافترض طاعته على بنيه؟
فأمر له بمائة ألف درهم، وإنما أراد أبو الحسن طاعة الله على بنيه فعرض.
ومن كرامات آل البيت في عهد المتوكل، ما حدث به موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة الأسدي، عن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب - وكان واليا على
____________
(1) المسعودي، مروج الذهب 2 / 546.
(2) المبرد: هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان الثمالي الأزدي البصري، المعروف بالمبرد النحوي، نزل بغداد، وكان إماما في النحو واللغة، وله التواليف النافعة في الأدب، وأهمها كتاب الكامل، وكتاب الروضة والمقتضب وغيرها، أخذ الأدب عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه " نفطويه " وغيره من الأئمة، وكان المبرد - ومعاصره أبو العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب صاحب كتاب الفصيح - قد ختم بها تاريخ الأدباء، وقد ولد المبرد في يوم الاثنين يوم عيد الأضحى عام 210 هـ وقيل عام 207 م وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة - وقيل ذي القعدة - عام 286 هـ وقيل 285 هـ - ودفن في مقابر باب الكوفة، وصلى عليه " أبو محمد يوسف بن يعقوب القاضي " (وفيات الأعيان 4 / 313 - 322).
بغداد - أنه رأى في منامه كأن النبي (صلى الله عليه وسلم)، يقول له: إطلق القاتل، فارتاع لذلك روعا عظيما.

ابو بسام قصار
12-21-2009, 03:11 AM
ونظر في الكتب الواردة لأصحاب الحبوس، فلم يجد فيهم ذكر قاتل، فأمر بإحضار السندي وعباس، فسألهما: هل رفع إليهما أحد ادعي عليه بالقتل؟
فقال له العباس: نعم، وقد كتبنا بخبره.
فأعاد النظر في الكتاب في أضعاف القراطيس، وإذا الرجل قد شهد عليه بالقتل، وأقر به. فأمر إسحاق بإحضاره، فلما دخل عليه، ورأى ما به من الارتياع، قال له: إن صدقتني أطلقتك. فابتدأ يخبره بخبره، وذكر أنه كان هو وعدة من أصحابه يرتكبون كل عظيمة، ويستحلون كل محرم، وأنه كان اجتماعهم في منزل بمدينة أبي جعفر المنصور، يعكفون فيه على كل بلية.
فلما كان في هذا اليوم جاءتهم عجوز كانت تختلف إليهم للفساد، ومعها جارية بارعة الجمال، فلما توسطت الجارية الدار صرخت صرخة، فبادرت من بين أصحابي، فأدخلتها بيتا وسكنت روعها، وسألتها عن قصتها، فقالت: الله الله في، فإن هذه العجوز خدعتني، وأعلمتني أن في خزانتها حقا لم ير مثله، فشوقتني إلى النظر إلى ما فيه، فخرجت معها، واثقة بقولها، فهجمت بي عليكم، وجدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأمي فاطمة، وأبي الحسن بن علي، فاحفظوهم في.
قال الرجل: فضمنت خلاصها، وخرجت إلى أصحابي فعرفتهم بذلك، فكأني أغريتهم بها، وقالوا: لما قضيت حاجتك منها، أردت صرفنا عنها، وبادروا إليها، وقمت دونها أمنع عنها. فتفاقم الأمر بيننا، إلى أن نالتني جراح، فعمدت إلى أشدهم كان في أمرها، وأكلبهم على هتكها، فقتلته، ولم أزل أمنع عنها، إلى أن خلصتها سالمة.
وتخلصت الجارية آمنة مما خافته على نفسها، فأخرجتها من الدار،
فسمعتها تقول: سترك الله، كما سترتني وكان لك، كما كنت لي.
وسمع الجيران الضجة، فتبادروا إلينا، والسكين في يدي، والرجل يشحط في دمه، فرفعت على هذه الحالة.
فقال له إسحاق: قد عرفت لك ما كان من حفظك للمرأة، ووهبتك لله ورسوله.
قال: فوحق من وهبتني له، لا عاودت معصية، ولا دخلت في ربية، حتى ألقى الله فأخبره إسحاق بالرؤيا التي رآها، وأن الله تعالى لم يضيع له ذلك، وعرض عليه برا واسعا، فأبى قبول شئ من ذلك (1).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن المؤرخين يجمعون - أو يكادون - على أن الخليفة العباسي " المتوكل " - كما أشرنا آنفا - إنما كان شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظا على جماعتهم، وكان وزيره " عبيد الله بن يحيى بن خاقان " على سنته، ومن ثم فقد حسن له كل قبيح في معاملتهم.
وقد استعمل المتوكل على المدينة ومكة - كما يقول صاحب " مقاتل الطالبيين - " عمر بن الفرج الرخجي "، فمنع آل أبي طالب من التعرض للناس، ومنع الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحدا تقرب منهم بشئ، وإن قل، إلا أنهكه عقوبة، وأثقله غرما، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه، واحدة بعد واحدة، ثم يرفعنه، ويجلسن على مغازلهن عواري حاسرات.
وهكذا شاع من يسمونه " أمير المؤمنين "، المتوكل على الله " أن تقبع العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات، يتبادلن القميص المرقع عند الصلاة،
____________
(1) المسعودي 2 / 478 - 479.
وأن تختال الفاجرات العاهرات بالحلي، وحلل الديباج بين الإماء والعبيد (1).
وكان المتوكل يقرب " علي بن جهم "، لا لشئ، إلا لأنه كان يبغض أمير المؤمنين علي المرتضى، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، وكان ابن الجهم هذا مأبونا، سمعه أبو العيناء يوما يطعن على الإمام علي، فقال له: إنك تطعن على الإمام علي، لأنه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط، وأنت أسفلهما (2).
وكان ابن السكيت من كبار العلماء والأدباء في زمانه، وقد ألزمه المتوكل تعليم ولده المعتز، فقال له يوما: أيهما أحب إليك، ابناي هذان، المعتز والمؤيد، أو الحسن والحسين؟
فقال ابن السكيت (810 - 857 م) والله إن " قنبرا " خادم علي بن أبي طالب، خير منك ومن ابنيك.
فقال المتوكل للأتراك (من جنده): سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا، فمات (3).
وكان عند المتوكل مخنث يدعى " عبادة " فيشد على بطنه مخدة، ويرقص
____________
(1) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيين ص 597 محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 169 - 170.
(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 3 / 123 (وروى ابن أبي الحديد عن أبي الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني: أن علي بن الجهم خطب امرأة من قريش فلم يزوجوه، وبلغ المتوكل ذلك، فسأل عن السبب: فحدث بقصة بني سامة بن لؤي، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان أدخلهم فيها، وأن عليا عليه السلام أخرجهم منها، فارتدوا، وأنه قتل من ارتد منهم، وسبى بقيتهم، فباعهم من مصقلة بن هبيرة، فضحك المتوكل، وبعث إلى علي بن الجهم، وأخبره بما قال القوم (شرح نهج البلاغة 3 / 126) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 348 - 349.
(3) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 348 - 349، وفيات الأعيان 6 / 400 وانظر عن ابن السكيت (وفيات الأعيان 6 / 395 - 401، تاريخ بغداد 14 / 273 الفهرست ص 72، شذرات الذهب 2 / 106
بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون: أقبل البطين، خليفة المسلمين - وهم يعنون عليا أمير المؤمنين عليه السلام -، والمتوكل يشرب ويضحك.
وفعل ذلك، وابنه المنتصر حاضر، فقال لأبيه: إن الذي يحكيه هذا الكلب، ويضحك منه الناس، هو: " ابن عمك، وشيخ أهل بيتك، وبه فخرك، فكل أنت لحمه، إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب

دموع الشرقية
12-21-2009, 04:36 PM
http://abeermahmoud.jeeran.com/339-thanks.gif

ابو بسام قصار
12-21-2009, 08:17 PM
ممنون مروركم الكريم موفقة باذن الله