ابو بسام قصار
12-23-2009, 01:41 AM
ينبغي للعلماء الأفاضل الذين واجبهم السفر في أيام عاشوراء ، أن يتذكروا أن تبليغ الإسلام ونشره من أهم الواجبات ، وأن يستفيدوا من هذا الظرف الزماني أيام عاشوراء الذي هو أهم ظرف في العالم . فالزمن الذي وقع في هذا الظرف وصفه الإمام بكلمة قطعية: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.
ينبغي أن نستفيد الكثير من أسماء السور في القرآن، فأسماؤها تعطي أضواء على عمود الموضوع في السورة ، ومنها سورة باسم (التغابن) لقوله تعالى فيها: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْم الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾. وكما نلاحظ فإن أسماء القيامة في القرآن متعددة ، وقد استعمل في هذا الآية اسمين منها ، وهذه نقطة مهمة لا أدري هل تعرض المفسرون لها وما هو الإرتباط بين الإسمين: الجمع والتغابن ، ولماذا قال: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فأشار الى جمع لغير يوم الجمع، وما الفرق بين قوله تعالى: ﴿ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ﴾، وقوله: ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ﴾، (سورة الجاثـية: 26) ثم لماذا استعمل هنا الإشارة بالبعيد فقال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ؟!
مهما يكن ، فقد سميت السورة بالتغابن وهو من التفاعل ، فما السر في هذا التفاعل التغابني؟وأي معان عظيمة ولطائف يقصدها الله تعالى من التغابن بين البشر في يوم القيامة ؟
لابد لفهم القرآن من طلب المدد من كلمات الوحي من كلام النبي وأهل بيته الأطهار صلى الله عليه وآله بقدرة فكرية وقوة فقهية ، لنفهم به كلام الله تعالى .
وهنا حديث عن النبي صلى الله عليه وآله كما في عدة الداعي لابن فهدالحلي قدس سره ص 103: (إنه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار . فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً ، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور مالو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار ، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه.
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه !
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها مايسره ولايسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات، ما لايوصف . ومن هذا قوله تعالى: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) . انتهى.
فكل ساعة من عمر أحدنا خزانة ، لابد أن يفتحها يومئذ ليرى بماذا ملأها: إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً . (سورة الإسراء:14 ) ونلاحظ أن تفسير التغابن عند الخزانة الثالثة عندما يرى تلك الخزانة الفارغة الخالية ، فالغبن هو أن يكون ما حصل عليه أقل مما ذهب منه ، أن يكون المثمن أقل من الثمن الى حد الغبن! وبهذا الغبن اهتزت قاعدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وجعلت أصالة اللزوم في العقود في الشريعة من أجل تدارك ما فات بالغبن! إن الفقيه الذي يفقه خيار الغبن، يجب أن يفهم سورة التغابن ، ويدرك هذا الحديث النبوي ، وينظر في ساعات عمره التي تمضي ، خاصة في الظرف الممتاز من ساعات العمر ، كيف يجب أن يستفيد منها؟!
إن ساعاتكم في عاشوراء الحسين عليه السلام فيها تغابن لايقاس بأي تغابن آخر! والعمدة في الموضوع أن العالم الديني عليه أن يعمل بما استطاع لاجتناب الوقوع في تلك الحسرة التي تفوق الوصف: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. ( سورة مريم:39 )
أما كيف نجبر ذلك الغبن وننجو من يوم التغابن ، فإن النبي صلى الله عليه وآله بين لنا الطريق على لسان الإمام العسكري عليه السلام إذ قال: ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى.
يقول صلى الله عليه وآله : بعلومنا، لا بأي علم !
ويقول: وعلمه شريعتنا ، لا أي شريعة ! فذلك الذي هو موضوع الكلام ، وذلك الذي يكون معهم في الرفيق الأعلى . أما معلم العلوم الأخرى فللكلام عنه موضع آخر .
إن عاشوراء بالنسبة الى كل عالم وخطيب، مَنْجَمٌ للحصول على تلك الجواهر فما هو واجبه وتكليفه ؟
من أول ما ينبغي أن يعرفه العالم أن كل ما له قدر وقيمة ، موجود بعد القرآن في كلام النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، أما كلام زيد وعمر فلا قيمة له لكي يستحق أن يطرحه على الناس ويجعله محوراً !
إن ما يجب أن يكون مستندكم ومنبع كلامكم مع الناس ، أنتم الذين قضيتم عمراً في الدرس والبحث ، هو القرآن والسنة فقط! ماذا قال الله تعالى؟ وماذا أوضح النبي وأهل بيته المعصومون صلى الله عليه وآله ؟
كونوا علماء بعلم هؤلاء صلوات الله عليهم ، فإن كنتم كذلك وهديتم في عاشوراء شخصاً واحداً وأرشدتموه وعلمتموه من علمهم وفقههم الأصيل ، التي هي شريعة الله سبحانه ، عندئذ يكون الأجر والجزاء: كان معنا في الرفيق الأعلى !!
كان معنا.. لايتصور مقام أعلى من هذا المقام ! فاعرفوا مقامكم ، واعرفوا مع من تتعاملون ، وإلى من تتركون أولادكم ونساءكم عندما تذهبون الى منطقة فيها جهال بالعقيدة والشريعة ، فترشدون ولو يتيماً واحداً من أيتام آل محمد الى معرفة مقامهم وعلومهم وشريعتهم.
مقامكم معهم، ومقام المعية للنبي وآله الطاهرين لايتصور أعلى منه ! ولم يكتف الحديث بإضافة المعية ، فأضاف اليها إضافة الظرفية ! أما إضافة المعية فهي الرجوع اليهم عند الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. (سورة الفجر: 27- 30 ) . وأما الإضافة الظرفية فهي:كان معنا في الرفيق الأعلى، ولنترك بحثه الى وقت آخر.
المهم الآن أن نفهم عاشوراء ما هي؟ ويوم من هي؟ هنا يتحير أهل العقول!
يوجد حديث يعرف قيمته أهل الخبرة بالحديث وأهل الفهم للأحاديث، ويفهمون أنه إكسير لا مثيل له ، رواه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي ، والصدوق أعلى الله مقامه في كمال الدين ، وبقية المشايخ من كبار المحدثين والفقهاء، وهو معروف باسم (حديث اللوح) هذا الحديث جاء به جبرئيل عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، مكتوباً على لوح زبرجد، تحفةً لفاطمة الزهراء عليها السلام ، تهنئةً لها بولادة الإمام الحسين عليه السلام ، وفيه أسماء الأئمة من أولادها ، مع ذكر أهم خصوصياتهم صلوات الله علييهم. ومن نصه: (عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله إله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين، وديان الدين. إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين . فإيايَ فاعبد، وعليَّ فتوكل. إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي،وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ) . انتهى.
في هذا الحديث ثمانية مقامات للإمام الحسين عليه السلام عدا أن الحديث في أصله تهنئةٌ وبشرى من رب العالمين عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله ، ولوصيه علي وللصديقة الزهراء أم الأئمة ، بمناسبة ولادة الإمام الحسين عليهم السلام .
أولها: وجعلت حسيناً خازن وحيي، فما هو الوحي الذي جعل الله الحسين خازناً له؟ ومن أين يبدأ وحي الله ، وأين ينتهي؟ يبدأ من قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَىالْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وينتهي عند قوله تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى. !!
هذا الوحي كله مخزون في قلب الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام !!
وجعلت حسيناً خازن وحيي، ومتى نحن عرفناه صلوات الله عليه، حتى نفهم عاشوراءه ما هي؟ ونعرف ماذا حدث في ذلك اليوم؟ ودم أي شخص أريق؟ إن كلمات الله تعالى لا أستطيع أنا ولا غيري أن يفهم عمقها ، إنما ندرك منها شعاعاً ! ومن يستطيع أن يفهم معنى: خازن الوحي، وشخصية خازن الوحي، إلا الذي يعرف الوحي ما هو؟! فذلك الذي يعرف حقيقة الوحي ، ويعرف الفرق بين الوحي والعقل والفكر !
إن الكلمات التي كلم الله بها موسى عليه السلام وقال عنها عز وجل: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً. (سورة النساء:164 )، ذكرها بصيغة المفعول المطلق وأجملها إجمالاً ، لأنها شعبةٌ من الموضوع ، وكلماتٌ من الكلمات . أما تمام هذه الكلمات فهي مخزونة في قلب الحسين بن علي عليه السلام ! القلب الذي وقع فيه ذلك السهم في يوم عاشوراء والقلب الذي أريق منه ذلك الدم يوم عاشوراء !
إقرأ كامل الزيارات لتفهم ماذا يقول الأئمة عن مقام الإمام الحسين عليهم السلام !
إن حول قبره عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً ، مهبطٌ للملائكة من السماء ومعراجٌ لهم ! والأهم هذه الجملة قوله عليه السلام : فليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسين، ففوج يهبط وفوج يصعد! (2) (http://www.ansarh.com/maaref_detail.php?id=1074#hamesh_2)
هذا هو الإمام الحسين عليه السلام ، الذي غير ماهية يوم عاشوراء فصار: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله . الذي يأتي لزيارته كل ليلة جمعة ، كل الأنبياء عليهم السلام بلا استثناء ، من آدم النبي الخاتم ، وكل الأوصياء عليهم السلام بلا استثناء !!
من خصوصيات الإمام الحسين عليه السلام أن الفاتحة التي تقرأ لروح الأموات المدفونين بجواره في كربلاء، لو قسمت لوصل الى الواحد منهم ما لا يحصيه القلم ! ذلك هو سيد الشهداء ، وذلك هو دمه الشريف , وأي دم ؟!
هذا الدم الطاهر لا تجعلوه تجارة ، ولا تستعملوه من أجل منصب فلان وفلان! إنه رأس مال حق ، يجب أن يستفاد منه للحق . والحق ثلاث كلمات فقط، الملك الحق: ﴿ فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾. (سورة طـه:114)، والثانية الدين الحق: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾. (سورة التوبة:33 )، والثالثة: السلام على الحق الجديد . صلوات الله عليه.
والنتيجة: أن عاشوراء يجب حصر إنفاقها في التعريف بالله تعالى ودينه ، وحجته إمام العصر صلوات الله عليه ، لأنه صاحبها عندما أريق دمه قال: بسم الله وبالله وفي سبيل الله.. بسم الله وبالله وفي سبيل الله.. فاستفيدوا من هذا الدم في سبيل الله ، لكي تروا خير الدنيا والآخرة ، ولا يكون أحدنا ممن: ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ . ( سورة الحج: 11 )
ينبغي أن نستفيد الكثير من أسماء السور في القرآن، فأسماؤها تعطي أضواء على عمود الموضوع في السورة ، ومنها سورة باسم (التغابن) لقوله تعالى فيها: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْم الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾. وكما نلاحظ فإن أسماء القيامة في القرآن متعددة ، وقد استعمل في هذا الآية اسمين منها ، وهذه نقطة مهمة لا أدري هل تعرض المفسرون لها وما هو الإرتباط بين الإسمين: الجمع والتغابن ، ولماذا قال: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فأشار الى جمع لغير يوم الجمع، وما الفرق بين قوله تعالى: ﴿ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ﴾، وقوله: ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ﴾، (سورة الجاثـية: 26) ثم لماذا استعمل هنا الإشارة بالبعيد فقال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ؟!
مهما يكن ، فقد سميت السورة بالتغابن وهو من التفاعل ، فما السر في هذا التفاعل التغابني؟وأي معان عظيمة ولطائف يقصدها الله تعالى من التغابن بين البشر في يوم القيامة ؟
لابد لفهم القرآن من طلب المدد من كلمات الوحي من كلام النبي وأهل بيته الأطهار صلى الله عليه وآله بقدرة فكرية وقوة فقهية ، لنفهم به كلام الله تعالى .
وهنا حديث عن النبي صلى الله عليه وآله كما في عدة الداعي لابن فهدالحلي قدس سره ص 103: (إنه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار . فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً ، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور مالو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار ، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه.
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه !
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها مايسره ولايسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات، ما لايوصف . ومن هذا قوله تعالى: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) . انتهى.
فكل ساعة من عمر أحدنا خزانة ، لابد أن يفتحها يومئذ ليرى بماذا ملأها: إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً . (سورة الإسراء:14 ) ونلاحظ أن تفسير التغابن عند الخزانة الثالثة عندما يرى تلك الخزانة الفارغة الخالية ، فالغبن هو أن يكون ما حصل عليه أقل مما ذهب منه ، أن يكون المثمن أقل من الثمن الى حد الغبن! وبهذا الغبن اهتزت قاعدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وجعلت أصالة اللزوم في العقود في الشريعة من أجل تدارك ما فات بالغبن! إن الفقيه الذي يفقه خيار الغبن، يجب أن يفهم سورة التغابن ، ويدرك هذا الحديث النبوي ، وينظر في ساعات عمره التي تمضي ، خاصة في الظرف الممتاز من ساعات العمر ، كيف يجب أن يستفيد منها؟!
إن ساعاتكم في عاشوراء الحسين عليه السلام فيها تغابن لايقاس بأي تغابن آخر! والعمدة في الموضوع أن العالم الديني عليه أن يعمل بما استطاع لاجتناب الوقوع في تلك الحسرة التي تفوق الوصف: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. ( سورة مريم:39 )
أما كيف نجبر ذلك الغبن وننجو من يوم التغابن ، فإن النبي صلى الله عليه وآله بين لنا الطريق على لسان الإمام العسكري عليه السلام إذ قال: ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى.
يقول صلى الله عليه وآله : بعلومنا، لا بأي علم !
ويقول: وعلمه شريعتنا ، لا أي شريعة ! فذلك الذي هو موضوع الكلام ، وذلك الذي يكون معهم في الرفيق الأعلى . أما معلم العلوم الأخرى فللكلام عنه موضع آخر .
إن عاشوراء بالنسبة الى كل عالم وخطيب، مَنْجَمٌ للحصول على تلك الجواهر فما هو واجبه وتكليفه ؟
من أول ما ينبغي أن يعرفه العالم أن كل ما له قدر وقيمة ، موجود بعد القرآن في كلام النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، أما كلام زيد وعمر فلا قيمة له لكي يستحق أن يطرحه على الناس ويجعله محوراً !
إن ما يجب أن يكون مستندكم ومنبع كلامكم مع الناس ، أنتم الذين قضيتم عمراً في الدرس والبحث ، هو القرآن والسنة فقط! ماذا قال الله تعالى؟ وماذا أوضح النبي وأهل بيته المعصومون صلى الله عليه وآله ؟
كونوا علماء بعلم هؤلاء صلوات الله عليهم ، فإن كنتم كذلك وهديتم في عاشوراء شخصاً واحداً وأرشدتموه وعلمتموه من علمهم وفقههم الأصيل ، التي هي شريعة الله سبحانه ، عندئذ يكون الأجر والجزاء: كان معنا في الرفيق الأعلى !!
كان معنا.. لايتصور مقام أعلى من هذا المقام ! فاعرفوا مقامكم ، واعرفوا مع من تتعاملون ، وإلى من تتركون أولادكم ونساءكم عندما تذهبون الى منطقة فيها جهال بالعقيدة والشريعة ، فترشدون ولو يتيماً واحداً من أيتام آل محمد الى معرفة مقامهم وعلومهم وشريعتهم.
مقامكم معهم، ومقام المعية للنبي وآله الطاهرين لايتصور أعلى منه ! ولم يكتف الحديث بإضافة المعية ، فأضاف اليها إضافة الظرفية ! أما إضافة المعية فهي الرجوع اليهم عند الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. (سورة الفجر: 27- 30 ) . وأما الإضافة الظرفية فهي:كان معنا في الرفيق الأعلى، ولنترك بحثه الى وقت آخر.
المهم الآن أن نفهم عاشوراء ما هي؟ ويوم من هي؟ هنا يتحير أهل العقول!
يوجد حديث يعرف قيمته أهل الخبرة بالحديث وأهل الفهم للأحاديث، ويفهمون أنه إكسير لا مثيل له ، رواه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي ، والصدوق أعلى الله مقامه في كمال الدين ، وبقية المشايخ من كبار المحدثين والفقهاء، وهو معروف باسم (حديث اللوح) هذا الحديث جاء به جبرئيل عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، مكتوباً على لوح زبرجد، تحفةً لفاطمة الزهراء عليها السلام ، تهنئةً لها بولادة الإمام الحسين عليه السلام ، وفيه أسماء الأئمة من أولادها ، مع ذكر أهم خصوصياتهم صلوات الله علييهم. ومن نصه: (عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله إله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين، وديان الدين. إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين . فإيايَ فاعبد، وعليَّ فتوكل. إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي،وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ) . انتهى.
في هذا الحديث ثمانية مقامات للإمام الحسين عليه السلام عدا أن الحديث في أصله تهنئةٌ وبشرى من رب العالمين عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله ، ولوصيه علي وللصديقة الزهراء أم الأئمة ، بمناسبة ولادة الإمام الحسين عليهم السلام .
أولها: وجعلت حسيناً خازن وحيي، فما هو الوحي الذي جعل الله الحسين خازناً له؟ ومن أين يبدأ وحي الله ، وأين ينتهي؟ يبدأ من قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَىالْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وينتهي عند قوله تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى. !!
هذا الوحي كله مخزون في قلب الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام !!
وجعلت حسيناً خازن وحيي، ومتى نحن عرفناه صلوات الله عليه، حتى نفهم عاشوراءه ما هي؟ ونعرف ماذا حدث في ذلك اليوم؟ ودم أي شخص أريق؟ إن كلمات الله تعالى لا أستطيع أنا ولا غيري أن يفهم عمقها ، إنما ندرك منها شعاعاً ! ومن يستطيع أن يفهم معنى: خازن الوحي، وشخصية خازن الوحي، إلا الذي يعرف الوحي ما هو؟! فذلك الذي يعرف حقيقة الوحي ، ويعرف الفرق بين الوحي والعقل والفكر !
إن الكلمات التي كلم الله بها موسى عليه السلام وقال عنها عز وجل: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً. (سورة النساء:164 )، ذكرها بصيغة المفعول المطلق وأجملها إجمالاً ، لأنها شعبةٌ من الموضوع ، وكلماتٌ من الكلمات . أما تمام هذه الكلمات فهي مخزونة في قلب الحسين بن علي عليه السلام ! القلب الذي وقع فيه ذلك السهم في يوم عاشوراء والقلب الذي أريق منه ذلك الدم يوم عاشوراء !
إقرأ كامل الزيارات لتفهم ماذا يقول الأئمة عن مقام الإمام الحسين عليهم السلام !
إن حول قبره عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً ، مهبطٌ للملائكة من السماء ومعراجٌ لهم ! والأهم هذه الجملة قوله عليه السلام : فليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسين، ففوج يهبط وفوج يصعد! (2) (http://www.ansarh.com/maaref_detail.php?id=1074#hamesh_2)
هذا هو الإمام الحسين عليه السلام ، الذي غير ماهية يوم عاشوراء فصار: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله . الذي يأتي لزيارته كل ليلة جمعة ، كل الأنبياء عليهم السلام بلا استثناء ، من آدم النبي الخاتم ، وكل الأوصياء عليهم السلام بلا استثناء !!
من خصوصيات الإمام الحسين عليه السلام أن الفاتحة التي تقرأ لروح الأموات المدفونين بجواره في كربلاء، لو قسمت لوصل الى الواحد منهم ما لا يحصيه القلم ! ذلك هو سيد الشهداء ، وذلك هو دمه الشريف , وأي دم ؟!
هذا الدم الطاهر لا تجعلوه تجارة ، ولا تستعملوه من أجل منصب فلان وفلان! إنه رأس مال حق ، يجب أن يستفاد منه للحق . والحق ثلاث كلمات فقط، الملك الحق: ﴿ فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾. (سورة طـه:114)، والثانية الدين الحق: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾. (سورة التوبة:33 )، والثالثة: السلام على الحق الجديد . صلوات الله عليه.
والنتيجة: أن عاشوراء يجب حصر إنفاقها في التعريف بالله تعالى ودينه ، وحجته إمام العصر صلوات الله عليه ، لأنه صاحبها عندما أريق دمه قال: بسم الله وبالله وفي سبيل الله.. بسم الله وبالله وفي سبيل الله.. فاستفيدوا من هذا الدم في سبيل الله ، لكي تروا خير الدنيا والآخرة ، ولا يكون أحدنا ممن: ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ . ( سورة الحج: 11 )