المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله


ابو بسام قصار
12-26-2009, 01:39 AM
منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله
قبضت بطون قريش على مقاليد الأمور حتى قبل أن يدفن رسول الله، وكانت أول المراسيم التي أصدرتها دولة الخلافة أن منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول -.
لأن كتابة ورواية أحاديث الرسول - تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس!!! هكذا ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة، وجاء بالمرسوم أيضا: (فمن سألكم عن شئ فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة، ولا بوسع غيرهم أن يروي حديثا أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث مؤيد لدولة الخلافة أو لسلوكها أو لاتجاهاتها، أو لسياساتها عندئذ يصبح هذا الحديث، أو ذلك سندا شرعيا لوجود دولة الخلافة، أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها. كذلك لم يعد بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول، بل شجعت الدولة على حرق المكتوب من أحاديث الرسول، وبدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب ولما أصبح الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل بكتاب الله شئ، ولما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول الله، وظن الناس أنه يريد أن يدونها ويكتبها فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها، وكان يوصي جيوشه قبل توجهها للقتال بعدم التحديث عن رسول الله!! حتى لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!!
وكان يقرع بشدة الذين يحدثون عن رسول الله!! وكان يحبس بعضهم بتهمة الإكثار من التحديث عن رسول الله، وأحيانا يضرب بعضهم، لأنه لا يريد إلا القرآن، ولأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!! وقد سبقت هذه الحملة الرسمية حملة سرية قادتها بطون قريش، حتى والرسول على قيد الحياة، ونهت أولياءها من أن يكتبوا أحاديث رسول الله بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب والرضى!!
والأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية، وكان بإمكان الخليفة وبكل أعصاب هادئة أن يخالفها تماما، فالرسول مجتهد والخليفة مجتهد، ولا حرج أن خالف المجتهد مجتهدا مثله!!! فعلى سبيل المثال كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة، وهكذا فعل الخليفة الأول، ولما آلت الخلافة إلى الخليفة الثاني رأى أن الأنسب والأصوب عدم المساواة بين الناس في العطاء، بل عطاء الناس حسب منازلهم، فاجتهد وعمل جدولا للمنازل،.
ووزع العطاء حسب هذا الجدول!! وحسب هذا الجدول لم يساو حتى بين زوجات النبي، وقد أدت عدم التسوية في العطاء إلى نشوء الطبقات فملك بعض الناس الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف العيش، ولما رأى الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال وبكل بساطة: (لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي وصاحبه ولأسوين بين الناس بالعطاء)!!!!!
ولما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول والثاني. واستمر المنع الشامل على كتابة ورواية أحاديث الرسول. خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي والسنة النبوية بشكل عام وارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة التي تلت موت النبي. فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها وانتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبة بالدرجة الأولى والأخيرة على تمجيد قريش وإبراز مكانتها كعشيرة النبي، وعلى فضائل الخلفاء الثلاثة ومصاهرتهم للنبي، ومكانتهم عنده، ودورهم البارز في نصرة النبي.
والتركيز على أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين، فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون، أما الأحاديث والسنن المتعلقة بالأحكام والعبادات والمعاملات، فلا حرج من روايتها إن كانت لا تتعارض مع اجتهادات الخلفاء وعلومهم، واجتهادات وعلماء أولياء الخلفاء.
وهكذا خضعت كتابة ورواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة، فمنع رواية الحديث وكتابته شامل وكامل، ولكن السلطة أذنت بل وشجعت على رواية وكتابة ما يخدم سياستها وتوجهاتها العامة، وما يرغم أنوف معارضيها ويكبتهم، وقربت رواة تلك الأحاديث، فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغى إليه، ويتكلم ويسأل، وتقرب مكانته، وأبو ذر، وحذيفة وعمار بن ياسر يجبرون على السكوت، ويطاردون في الأرض، ويضربون وينفون من الأرض.
وما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالإمامة أو الولاية من بعد النبي،.
والأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم كانت محظورة ومحصورة حصرا تاما، وحيل بين الناس وبين معرفتها، وتم تجاهل أهل بيت النبوة سياسيا تجاهلا تاما، وتم استبعادهم وأولياؤهم عن كافة مراكز التأثير والخطر فتأخروا وهم المتقدمون، وتقدم عليهم كافة المتأخرين، فمع وجود علي بن أبي طالب يتمنى عمر بن الخطاب لو أن سالم مولى أبي حذيفة حيا ليوليه الخلافة، وسالم هذا مولى لا يعرف له نسب في العرب، فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده وموازينه أن سالم مولى أبي حذيفة هو أولى بخلافة النبي من علي بن أبي طالب ابن عم النبي، وأول المؤمنين به، وزوج ابنته ووالد سبطيه، وفارس الإسلام والولي الرسمي لكل مؤمن ومؤمنة، وسيد العرب وسيد المسلمين وإمامهم بالنص الشرعي!!
وعندما تمنى عمر لو أن سالم أو خالد، أو أبا عبيدة، أو معاذ بن جبل أحياء لولى أحدهم الخلافة، ويوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت سمعت نبيك يقول، ويروي حديثا سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين تمنى عمر حياتهم!! والمثير حقا أن عمر نفسه سمع النبي يقول: (من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وسمع النبي وهو يقول عن علي: (إنه وليكم من بعدي) وسمعه وهو يقول له أنت سيد العرب، وأنت سيد المسلمين وإمام المتقين، والاهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام علي بالولاية في غدير خم...
لكنها سياسة لجم الحديث النبوي وإلزامه على السير بما يتلاءم مع توجهات السلطة وإرغام أنوف معارضيها.
لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب، وبايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت الخلفاء الثلاثة، وجد أن دائرة الحصار والخطر على كتابة أحاديث الرسول محكمة تماما وأنه ليس من اليسير اختراقها وبيان الحقائق الشرعية للناس، لأن مضامين هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجا تربويا وتعليميا رسميا للناس خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول، فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة وفتح نوافذ فيها، فكان يشهد ويحدث شخصيا بما سمعه من النبي، وكان يغتنم فرصة
تجمع الصحابة في اجتماع عام ويناشد قائلا: (نشدت الله امرءا مسلما سمع رسول الله في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم... فيقوم العشرة والعشرون، ليشهدوا على أن الرسول قد قال كذا بالفعل، وكان يصدف أن بعض شانئي أهل بيت النبوة الذين سمعوا رسول الله لا يقومون، وإمعانا بإقامة الحجة عليهم يسألهم الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول وهو يقول...
فيدعون النسيان، ويصدف أن يدعوا الإمام على بعضهم، ويستجيب الله لدعوة الإمام، ويحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة ولقد استطاع الإمام علي خلال مدة حكمه أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه، طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي، وبمكانة أهل بيت النبوة، وفضائلهم. وجاء معاوية فسن ما يمكن أن نسميه بحرب الفضائل، فسخر كافة موارد الدولة وإمكانياتها للحط من مكانة أهل بيت النبوة، وللتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب وأولياءه عن منصب القيادة من بعد النبي، وللتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول الله عن أهل بيته، ولخلط الأوراق خلطا عجيبا أمر معاوية كافة ولاته وعماله أن لا يدعوا فضيلة يرويها أحد من المسلمين في علي وأهل بيت النبوة إلا وجاءوا بمثلها لأحد من الصحابة، فسالت سيول الفضائل، وانفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من الرواة، فرووا عشرات الألوف من الفضائل ونسبوها للرسول، ثم أمرت الدولة بتدريس هذه المرويات في المدارس والمعاهد والجامعات، وفرضت دراستها على العامة والخاصة، فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات، ثم انتقلت هذه المرويات من جيل إلى جيل واقتصر اهتمام المسلمين عليها، وبقي الحظر والمنع على رواية وكتابة أحاديث الرسول ساريا على ما سواها، وإمعانا بإرغام أنوف أهل بيت النبوة ومن والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا عليا بن أبي طالب وأهل بيته كما تلعن الشياطين، وأن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة، وأن يقطعوا عطاءهم ويهدموا دور الذين يوالونهم. (راجع كتاب الأحداث للمدائني، وقول ابن نفطويه في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم).
ولما تولى الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة.
منع كتابة ورواية أحاديث الرسول، وخشي أن يندرس هذا العلم ويموت ما تبقى من أهله، فكتب إلى واليه على المدينة وكلفه بكتابة أحاديث الرسول، ولأن الخليفة على علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء، واندراس علم الحديث.
فاحتج علماء عصره، وضج المجتمع الإسلامي الذي تربى على ثقافة معينة!! وتساءل الناس متعجبين ؟ كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على اقتراف ما نهى عنه الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان!!! وأهمل أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز عمليا ولم ينفذ، لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك، فمن غير الممكن أن يسمح بكتابة ورواية أحاديث صدرت عن رسول الله، تتضمن فضائل علي بن أبي طالب، مثلا في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه!!
والتبروء منه!! ولا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل ومكانة أهل بيت النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة وأعداء المجتمع!! ولكن على الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عمليا إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك، وإعداد علمي للمجتمع ليرقى من طور إلى طور!!
وبعد قرابة مائة عام على موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة كتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهدد وجودها أو يمس استقرارها، فإيديولوجيتها الواقعية قد رتبت عمليا واستقرت في أذهان العامة خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسميا كتابة ورواية أحاديث الرسول، لهذا كله أذنت دولة الخلافة برواية وكتابة أحاديث الرسول، أو على الأقل لم تعترض على هذا التوجه الجديد!!

الأستاذ
12-26-2009, 08:05 AM
جزاكم الله خيرا اخي العزيز

ابو بسام قصار
12-26-2009, 03:24 PM
ممنون مرورك الكريمم موفقين باذن الله