الطريبيلي
11-19-2010, 05:18 PM
أركان التوبة وشرائطها
وهنا نفتتح الحديث بالكلام المرويّ عن إمامنا أمير المؤمنين ، فقد رُوي أ نّه قال ـ لقائل بحضرته: أستغفر الله ـ : «ثكلتك أُمّك أتدري ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العلّيين، وهو اسم واقع على ستة معان: أوّلها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تَبِعَة، والرابع أن تَعْمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها، والخامس أنّ تَعْمدَ إلى اللحم الذي نبت على السُّحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تُذيقَ الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول:
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/94، الباب 95 من جهاد النفس، الحديث 5.
(2) نفس المصدر السابق، الحديث 4.
(3) نفس المصدر السابق: ص93، الحديث 3.
أستغفر الله»(1).
والأوّلان من هذه الاُمور ركنان للتوبة، والثالث والرابع شرطان لقبول التوبة، والأخيران شرطان لكمال التوبة، وإليك قليل من التفصيل عن الأركان والشرائط.
الركن الأوّل ـ الندم :
وكونه ركناً للتوبة من الواضحات، فإنّ التوبة تعني: الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، أو الرجوع إلى الفطرة الطاهرة التي تدنّست بالذنب، وهذا لا يمكن أن يكون من دون الندم على ما فات.
ولنعم عبد يندم على ذنبه قبل أن يمضي على ذلك سبع ساعات; وذلك لأنّ الروايات العديدة دلّت على أنّ كاتب السيئات لا يكتب السيئة التي تصدر عن العبد لمدّة سبع ساعات، وهذا يعني: أنّه إذا وقعت التوبة قبل السبع ساعات فلن يرى العبد ذنبه في يوم القيامة في صحيفة عمله، بينما لو وقعت التوبة بعد السبع ساعات فقد يرى ذنبه في صحيفة عمله يوم القيامة، وإن كان يرى بعد ذلك توبته أيضاً.
فعن الصادق قال: «قال رسول الله : أربع من كنّ فيه لم يهلك على الله بعدهنّ إلاّ هالك: يهمّ العبد بالحسنة فيعملها، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته، وإن هو عملها كتب الله له عشراً. ويهمّ بالسيّئة أن يعملها، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أُجّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يُتبعها بحسنة تمحوها، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (... إنّ الحسنات يذهبن السيئات)(2)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 6/36 ـ 37 نقلاً عن النهج، راجع ـ أيضاً ـ نهج البلاغة: 745، رقم الحكمة: 417.
(2) السورة 11، هود، الآية: 114.
أو الاستغفار ، فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه، لم يكتب عليه شيء، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات: اكتب على الشقيّ المحروم»(1).
والمقصود طبعاً بالاستغفار: طلب المغفرة المقترن بالتوبة بقرينة ما في ذيل الصيغة التي ذكرها للاستغفار، وهو قوله: وأتوب إليه، وبقرينة روايات أُخر من قبيل ما ورد عن الباقر من قوله: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ»(2).
وورد في حديث تام السند التأجيل من الغدوة إلى الليل، فعن زرارة بسند تام قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «إن العبد إذا أذنب ذنباً أُجّل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم تُكتَب عليه»(3).
وفي رواية أُخرى عن رسول الله : «صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: لا تعجل، وأنظره سبع ساعات، فإن مضت سبع ساعات ولم يستغفر قال: اكتُب فما أقلّ حياء هذا العبد»(4).
والركن الثاني ـ العزم على ترك العود :
وكون هذا ركناً ـ أيضاً ـ من الواضحات; إذ بدونه لا يصدق عنوان الرجوع إلى الله أو الرجوع إلى الفطرة الصافية.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/64 ـ 65، باب 85 من جهاد النفس، الحديث 1.
(2) الوسائل 16/74، الباب 86 من جهاد النفس، الحديث 8.
(3) الوسائل 16 / 65، الباب 85 من جهاد النفس، الحديث 4.
(4) الوسائل 16/70.
والندم في الغالب يستبطن العزم على عدم العود.
وقد ورد في الحديث عن ربعي، عن الصادق ، عن أمير المؤمين : «إن الندم على الشرّ يدعو إلى تركه»(1) وعليه تحمل روايات فرض الندامة، هي: التوبة، من قبيل مرسلة الصدوق قال: من ألفاظ رسول الله «الندامة توبة»(2).
وما عن عليّ الجهضمي عن الباقر : «كفى بالندم توبة»(3).
وأمّا باقي الشرائط :
فمنها ـ تدارك ما هضمه من حقوق الله وحقوق الناس، وقد مضى ذلك في حديث علي في نهج البلاغة لمن قال بحضرته: أستغفر الله، ونظيره وارد ـ أيضاً ـ عن عليّ في حديثه لكميل في نقل تحف العقول حيث قال في عدّ معاني التوبة: «... والثالث أن تؤدّي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم، والرابع أن تؤدّي حقَّ الله في كلِّ فرض...»(4) حتى أ نّه ورد في سند صحيح عن هشام بن الحكم، عن الصادق شرط هداية من أضلّه
وإليك نصّ الحديث :
عن هشام بن الحكم (وفي بعض النقول: عن هشام بن الحكم وأبي بصير جميعاً) عن الصادق قال: «كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من الحلال فلم يقدر عليها، وطلبها من الحرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: ألا أدلّك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تبعك؟ فقال: بلى، قال: تبتدع ديناً، وتدعو الناس إليه. ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب من الدنيا،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16 / 61، الباب 83 من جهاد النفس، الحديث 3.
(2) نفس المصدر السابق: ص62، الحديث 5 .
(3) نفس المصدر السابق: ص62، الحديث 6.
(4) البحار 6/27 نقلاً عن تحف العقول.
ثُمّ إنه فكّر فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً، ودعوت الناس إليه ما أرى لي من توبة إلاّ أن آتي من دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول: إنّ الذي دعوتكم إليه باطل، وإنّما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت هو الحقّ، ولكنّك شككت في دينك، فرجعت عنه. فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتّد لها وتداً، ثُمّ جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتى يتوب الله ـ عزّ وجلّ ـ عليَّ، فأوحى الله ـ عزّ وجل ـ إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان: وعزّتي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه»(1).
وإنّنا نرجو أن يكون مفاد هذا الحديث خاصّاً بمورده، وهو: ابتداع الدين، أمّا لو كان مفاده عامّاً لكلّ من ضيّع حقاً ثُمّ عجز عن أدائه، أو لكل من ضيّع حقاً من حقوق الناس ثُمّ عجز عن أدائه، فإنّني أخشى أن يكون كثير منّا مبتلى بمفاده، فتبقى توبتنا ناقصة، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وعلى أيّة حال، فالتوبة واجبة حتى بمقدارها الناقص، ونرجو أن تنفعنا ولو نفعاً ناقصاً.
ثُمّ إنّه لا يبعد أن يكون قيد العمل الصالح الوارد في بعض آيات التوبة إشارة إلى هذا الشرط من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً...)(2).
2 ـ (وإنّي لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)(3).
3 ـ (ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)(4).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/54، الباب 79 من جهاد النفس، الحديث 1.
(2) السورة 19، مريم، الآية: 60.
(3) السورة 20، طه، الآية: 82.
(4) السورة 16، النحل، الآية: 119.
وقد يُفترض أنّ تدارك الذنب بأداء حقوق الله، وحقوق الناس، داخل في الإنابة لا في التوبة، فالتوبة: رجوع إلى الله اعتذاراً عن الذنب. والإنابة: رجوع إليه إصلاحاً لما فرّط فيه. والتوبة: رجوع إليه عهداً. والإنابة: رجوع إليه وفاءً(1).
إلاّ أنّ الظاهر: أنّ التوبة والإنابة لهما معنىً واحد، وهو: الرجوع .
وعلى أ يّة حال، فليس هذا إلاّ مشاحّة في الاصطلاح.
ومنها ـ أن يكون ذلك قبل انكشاف اُمور الآخرة أو قبل معاينة الهلاك كما ورد في القرآن: (وليست التوبة للذين يعملون السيِّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن...)(2).
وقال ـ أيضاً ـ عزّ من قائل في قِصَّة فرعون: (حتى إذا أدركه الغَرَق قال آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين * الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين)(3).
والأحاديث بهذا الصدد كثيرة من قبيل :
ما عن رسول الله : «من تاب قبل موته بسنة قَبلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قَبِلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ الشهر لكثير، ثُمّ قال: من تاب قَبلَ موته بجمعة قَبل الله توبته، ثُمّ قال: وإنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قَبلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين قَبلَ الله توبته»(4).
وقد ورد في سند صحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر قال : «إذا بلغت
--------------------------------------------------------------------------------
(1) راجع منازل السائرين لعبدالله الأنصاري باب الإنابة، وهو الباب الرابع من أبواب البدايات.
(2) السورة 4، النساء، الآية: 18.
(3) السورة 10، يونس، الآيتان: 90 ـ 91.
(4) الوسائل 16/87 ، الباب 93 من جهاد النفس، الحديث 3.
النفس هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ لم يكن للعالم توبة ، وكانت للجاهل توبة »(1).
وقد يقال: إنّ من نعم الله ـ تعالى ـ على عبده أنّ الموت يبدأ بالرجل، وينتهي إلى الرأس دون العكس، فتكون للإنسان مهلة التوبة قبل أن يغرغر بروحه، ويعاين أمر الآخرة.
ومن الأحاديث الصحيحة سنداً الدالّة على سَعَة الوقت بمعنى قبول التوبة متى ما وقعت قبل ساعة الموت وإن كانت هي من الواجبات الفورية ما ورد عن محمد بن مسلم، عن الباقر : «يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنّها ليست إلاّ لأهل الإيمان، قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة ؟ قال : يا محمّد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثُمّ لا يقبل الله توبته؟! قلت: فإنّه فعل ذلك مراراً يذنب ثُمّ يتوب ويستغفر ؟ فقال : كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة، وإنّ الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تقنّط المؤمنين من رحمة الله»(2).
ولعلّ السرّ في شرط عدم حضور الموت لقبول التوبة أحد أمرين:
أوّلا ـ أنّ الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب، أمّا الإيمان بالشهود فلا قيمة مهمّة له، فإنّ الإيمان بالشهود أمر سهل يفعله كلّ أحد، وإنّما الخروج من الامتحان يكون بالإيمان بالغيب واتّباعه; ولهذا قال سبحانه وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين* الذين يؤمنون
وهنا نفتتح الحديث بالكلام المرويّ عن إمامنا أمير المؤمنين ، فقد رُوي أ نّه قال ـ لقائل بحضرته: أستغفر الله ـ : «ثكلتك أُمّك أتدري ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العلّيين، وهو اسم واقع على ستة معان: أوّلها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تَبِعَة، والرابع أن تَعْمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها، والخامس أنّ تَعْمدَ إلى اللحم الذي نبت على السُّحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس أن تُذيقَ الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول:
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/94، الباب 95 من جهاد النفس، الحديث 5.
(2) نفس المصدر السابق، الحديث 4.
(3) نفس المصدر السابق: ص93، الحديث 3.
أستغفر الله»(1).
والأوّلان من هذه الاُمور ركنان للتوبة، والثالث والرابع شرطان لقبول التوبة، والأخيران شرطان لكمال التوبة، وإليك قليل من التفصيل عن الأركان والشرائط.
الركن الأوّل ـ الندم :
وكونه ركناً للتوبة من الواضحات، فإنّ التوبة تعني: الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، أو الرجوع إلى الفطرة الطاهرة التي تدنّست بالذنب، وهذا لا يمكن أن يكون من دون الندم على ما فات.
ولنعم عبد يندم على ذنبه قبل أن يمضي على ذلك سبع ساعات; وذلك لأنّ الروايات العديدة دلّت على أنّ كاتب السيئات لا يكتب السيئة التي تصدر عن العبد لمدّة سبع ساعات، وهذا يعني: أنّه إذا وقعت التوبة قبل السبع ساعات فلن يرى العبد ذنبه في يوم القيامة في صحيفة عمله، بينما لو وقعت التوبة بعد السبع ساعات فقد يرى ذنبه في صحيفة عمله يوم القيامة، وإن كان يرى بعد ذلك توبته أيضاً.
فعن الصادق قال: «قال رسول الله : أربع من كنّ فيه لم يهلك على الله بعدهنّ إلاّ هالك: يهمّ العبد بالحسنة فيعملها، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته، وإن هو عملها كتب الله له عشراً. ويهمّ بالسيّئة أن يعملها، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أُجّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يُتبعها بحسنة تمحوها، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (... إنّ الحسنات يذهبن السيئات)(2)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 6/36 ـ 37 نقلاً عن النهج، راجع ـ أيضاً ـ نهج البلاغة: 745، رقم الحكمة: 417.
(2) السورة 11، هود، الآية: 114.
أو الاستغفار ، فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه، لم يكتب عليه شيء، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات: اكتب على الشقيّ المحروم»(1).
والمقصود طبعاً بالاستغفار: طلب المغفرة المقترن بالتوبة بقرينة ما في ذيل الصيغة التي ذكرها للاستغفار، وهو قوله: وأتوب إليه، وبقرينة روايات أُخر من قبيل ما ورد عن الباقر من قوله: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ»(2).
وورد في حديث تام السند التأجيل من الغدوة إلى الليل، فعن زرارة بسند تام قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «إن العبد إذا أذنب ذنباً أُجّل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم تُكتَب عليه»(3).
وفي رواية أُخرى عن رسول الله : «صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: لا تعجل، وأنظره سبع ساعات، فإن مضت سبع ساعات ولم يستغفر قال: اكتُب فما أقلّ حياء هذا العبد»(4).
والركن الثاني ـ العزم على ترك العود :
وكون هذا ركناً ـ أيضاً ـ من الواضحات; إذ بدونه لا يصدق عنوان الرجوع إلى الله أو الرجوع إلى الفطرة الصافية.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/64 ـ 65، باب 85 من جهاد النفس، الحديث 1.
(2) الوسائل 16/74، الباب 86 من جهاد النفس، الحديث 8.
(3) الوسائل 16 / 65، الباب 85 من جهاد النفس، الحديث 4.
(4) الوسائل 16/70.
والندم في الغالب يستبطن العزم على عدم العود.
وقد ورد في الحديث عن ربعي، عن الصادق ، عن أمير المؤمين : «إن الندم على الشرّ يدعو إلى تركه»(1) وعليه تحمل روايات فرض الندامة، هي: التوبة، من قبيل مرسلة الصدوق قال: من ألفاظ رسول الله «الندامة توبة»(2).
وما عن عليّ الجهضمي عن الباقر : «كفى بالندم توبة»(3).
وأمّا باقي الشرائط :
فمنها ـ تدارك ما هضمه من حقوق الله وحقوق الناس، وقد مضى ذلك في حديث علي في نهج البلاغة لمن قال بحضرته: أستغفر الله، ونظيره وارد ـ أيضاً ـ عن عليّ في حديثه لكميل في نقل تحف العقول حيث قال في عدّ معاني التوبة: «... والثالث أن تؤدّي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم، والرابع أن تؤدّي حقَّ الله في كلِّ فرض...»(4) حتى أ نّه ورد في سند صحيح عن هشام بن الحكم، عن الصادق شرط هداية من أضلّه
وإليك نصّ الحديث :
عن هشام بن الحكم (وفي بعض النقول: عن هشام بن الحكم وأبي بصير جميعاً) عن الصادق قال: «كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من الحلال فلم يقدر عليها، وطلبها من الحرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: ألا أدلّك على شيء تكثر به دنياك وتكثر به تبعك؟ فقال: بلى، قال: تبتدع ديناً، وتدعو الناس إليه. ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب من الدنيا،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16 / 61، الباب 83 من جهاد النفس، الحديث 3.
(2) نفس المصدر السابق: ص62، الحديث 5 .
(3) نفس المصدر السابق: ص62، الحديث 6.
(4) البحار 6/27 نقلاً عن تحف العقول.
ثُمّ إنه فكّر فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً، ودعوت الناس إليه ما أرى لي من توبة إلاّ أن آتي من دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول: إنّ الذي دعوتكم إليه باطل، وإنّما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت هو الحقّ، ولكنّك شككت في دينك، فرجعت عنه. فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتّد لها وتداً، ثُمّ جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتى يتوب الله ـ عزّ وجلّ ـ عليَّ، فأوحى الله ـ عزّ وجل ـ إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان: وعزّتي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى تردّ من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه»(1).
وإنّنا نرجو أن يكون مفاد هذا الحديث خاصّاً بمورده، وهو: ابتداع الدين، أمّا لو كان مفاده عامّاً لكلّ من ضيّع حقاً ثُمّ عجز عن أدائه، أو لكل من ضيّع حقاً من حقوق الناس ثُمّ عجز عن أدائه، فإنّني أخشى أن يكون كثير منّا مبتلى بمفاده، فتبقى توبتنا ناقصة، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وعلى أيّة حال، فالتوبة واجبة حتى بمقدارها الناقص، ونرجو أن تنفعنا ولو نفعاً ناقصاً.
ثُمّ إنّه لا يبعد أن يكون قيد العمل الصالح الوارد في بعض آيات التوبة إشارة إلى هذا الشرط من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً...)(2).
2 ـ (وإنّي لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)(3).
3 ـ (ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)(4).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل 16/54، الباب 79 من جهاد النفس، الحديث 1.
(2) السورة 19، مريم، الآية: 60.
(3) السورة 20، طه، الآية: 82.
(4) السورة 16، النحل، الآية: 119.
وقد يُفترض أنّ تدارك الذنب بأداء حقوق الله، وحقوق الناس، داخل في الإنابة لا في التوبة، فالتوبة: رجوع إلى الله اعتذاراً عن الذنب. والإنابة: رجوع إليه إصلاحاً لما فرّط فيه. والتوبة: رجوع إليه عهداً. والإنابة: رجوع إليه وفاءً(1).
إلاّ أنّ الظاهر: أنّ التوبة والإنابة لهما معنىً واحد، وهو: الرجوع .
وعلى أ يّة حال، فليس هذا إلاّ مشاحّة في الاصطلاح.
ومنها ـ أن يكون ذلك قبل انكشاف اُمور الآخرة أو قبل معاينة الهلاك كما ورد في القرآن: (وليست التوبة للذين يعملون السيِّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن...)(2).
وقال ـ أيضاً ـ عزّ من قائل في قِصَّة فرعون: (حتى إذا أدركه الغَرَق قال آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين * الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين)(3).
والأحاديث بهذا الصدد كثيرة من قبيل :
ما عن رسول الله : «من تاب قبل موته بسنة قَبلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قَبِلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ الشهر لكثير، ثُمّ قال: من تاب قَبلَ موته بجمعة قَبل الله توبته، ثُمّ قال: وإنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قَبلَ الله توبته، ثُمّ قال: إنّ يوماً لكثير، من تاب قبل أن يعاين قَبلَ الله توبته»(4).
وقد ورد في سند صحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر قال : «إذا بلغت
--------------------------------------------------------------------------------
(1) راجع منازل السائرين لعبدالله الأنصاري باب الإنابة، وهو الباب الرابع من أبواب البدايات.
(2) السورة 4، النساء، الآية: 18.
(3) السورة 10، يونس، الآيتان: 90 ـ 91.
(4) الوسائل 16/87 ، الباب 93 من جهاد النفس، الحديث 3.
النفس هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ لم يكن للعالم توبة ، وكانت للجاهل توبة »(1).
وقد يقال: إنّ من نعم الله ـ تعالى ـ على عبده أنّ الموت يبدأ بالرجل، وينتهي إلى الرأس دون العكس، فتكون للإنسان مهلة التوبة قبل أن يغرغر بروحه، ويعاين أمر الآخرة.
ومن الأحاديث الصحيحة سنداً الدالّة على سَعَة الوقت بمعنى قبول التوبة متى ما وقعت قبل ساعة الموت وإن كانت هي من الواجبات الفورية ما ورد عن محمد بن مسلم، عن الباقر : «يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنّها ليست إلاّ لأهل الإيمان، قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة ؟ قال : يا محمّد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثُمّ لا يقبل الله توبته؟! قلت: فإنّه فعل ذلك مراراً يذنب ثُمّ يتوب ويستغفر ؟ فقال : كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة، وإنّ الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تقنّط المؤمنين من رحمة الله»(2).
ولعلّ السرّ في شرط عدم حضور الموت لقبول التوبة أحد أمرين:
أوّلا ـ أنّ الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب، أمّا الإيمان بالشهود فلا قيمة مهمّة له، فإنّ الإيمان بالشهود أمر سهل يفعله كلّ أحد، وإنّما الخروج من الامتحان يكون بالإيمان بالغيب واتّباعه; ولهذا قال سبحانه وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين* الذين يؤمنون