الطريبيلي
11-25-2010, 04:14 PM
الشرح والتفسير
قبل البدء بتفسير الاية ولأجل اعداد الاذهان للاستيعاب الاعمق نذكر هنا باقتضاب شأن نزولها.
ان التحجج او التذرع بالحجج هو من مواصفات المنافقين. ان المنافق يتحجج ويماطل ويتذرع بالتبريرات الباطلة في كل قضية ومسألة، انه لا يهتم بتوجهات المخاطب ومواقفه; وذلك لانه ينظر إلى القضية من موقف مخالف ويعمل على اساس هذه الرؤية. وكمثال على ذلك نفرض ان شخصاً او اشخاصاً بنوا مركزاً اسلامياً يضم مسجداً و مكتبة ومصلى ومستشفى وداراً للعجزة و.. ففي هذه الحالة سيعرب المنافق عن شعوره بالكلمات التالية:
هل من الصحيح بناء مركز بهذه الضخامة والكلفة في هذه المدينة رغم ما تضم من الفقراء والجياع؟ الم يكن من الصحيح ان تصرف هذه المبالغ لاجل اشباع الفقراء وسد رمقهم؟ الم يكن من الأفضل ان تصرف هذه المبالغ لاجل تزويج الشباب العزاب؟ ألم يكن من الأفضل أن يداوى بهذه المبالغ المرضى من المحتاجين والفقراء؟ ألم يكن من الافضل أنْ تصرف هذه المبالغ في سبيل تعليم الشباب وتربيتهم؟!
إنّ هذا الشخص او الاشخاص الخيرين لو صرفوا هذه المبالغ لاجل اطعام المساكين واعانة الشباب ومداواة المرضى و.. لاحتج هذا المنافق بحجج اخرى ولتمسك بذرائع من قبيل قوله: أي اسلام هذا واي مسلمين هؤلاء، فانا لا نجد في هذه المدينة مسجداً، وقد خصصتم هذه المبالغ الطائلة لامور تافهة لا فائدة فيها، انكم قد ضيّعتم الاسلام باعمالكم هذه !
تعلّموا من اليهود والنصارى; فانهم يبنون معابد فخمة وجميلة تجذب الانسان نحوها تعلموا من الهندوس فإنهم يبنون معابد عظيمة لاصنامهم الجامدة.
والخلاصة; إنّ غاية المنافق هي المشاكسة والمخالفة وزرع بذور الشك والاختلاف وايذاء الآخرين.
ومع الالتفات إلى هذه المقدمة نقوم بشرح الاية المذكورة.
عندما نزلت بعض الامثال القرآنية بدأ المنافقون بالترديد في المسألة والاشكال فيها والقول: (ما هذه الامثال التي جاءت في القرآن)؟ إنّ شأن الله أرفع من ان يمثل بموجودات ضعيفة مثل الذباب(1) والعنكبوت، او ان يمثل بموجودات جامدة مثل الرعد والبرق(2) وقد كانوا يهدفون من هذا الحديث القاء التشكيك في الهية القرآن ومصدره الرباني، وان القرآن ليس من الوحي الالهي.
بالطبع، لو لم تنزل هذه الايات والامثال او نزلت بكلمات وصياغات معقدة لتمسك المنافقون - قطعاً - بذرائع اخرى ولقالوا: (كيف يمكن لهذا ان يكون كلام الله مع انا لا نفهم منه شيئاً)؟ او لقالوا: (لماذا لم ينزل الله هذه المفاهيم والحقائق بلغة بسيطة يفهمها الجميع)؟ كما ان هذا قد حصل لشعيب (عليه السلام) وقد حكته الآية الشريفة (91) من سورة هود:
(قَالُوا يَا شُعَيْبُ ما نَفْقَه كَثِيراً مِمّا تَقُولُ وَإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاك وَمَا أنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز).
يستفاد من الآية ان التمسك بالذرائع كان منطقهم، من جانب اخر كانوا يقولون: (لا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ) أي لا نفهم ما تقول، ومن جانب اخر يقولون: (لَوْلا رهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ)أي لولا قبيلتك لقتلناك فيجيبهم شعيب(عليه السلام): (قَالَ يَا قَوْم أرَهْطِى أعزُّ عَليْكُمْ مِنَ الله؟!).(3)
بما ان المنافقين اللجوجين كانوا يشككون ويحتجون على التمثيل بالجمادات او الموجودات الضعيفة جاءت الاية 26 من سورة البقرة لتجيب عليهم وتدحض حججهم: (إنّ اللهَ لا يَسْتَحِي أنْ يضرِبَ مَثلا ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها...).
إنّ بلاغة الكلام تقتضي تارة التمثيل بالموجودات الكبيرة وتارة بالموجودات الصغيرة; فكلما اريد من التمثيل بيان العظمة شبّه بشيء كبير، واذا ما اريد بيان ضعف الشيء وخواءه
1. الآية 73 من سورة الحج: «يَا أيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّ الِبُ والمَطْلُوبُ».
2. يأتي شرحها في المثل الأول والثاني.
3. هود الآية 92 - 93.
شبّه بشيء ضعيف وصغير من الحيوانات والجمادات.
وعلى هذا; فان التمثيل بالشيء الكبير لا يدل على فصاحة الكلام وبلاغته دائماً. اذن، لا اشكال على القران عند تمثيله بشيء يتناسب مع موضوع المثل والهدف منه مهما كان صغيراً او كبيراً.
ان المؤمنين والصالحين، حيث يعلمون بحقيقة هذه الامثال ومحتواها، يعلمون بانها الحق وأنها من ربهم ولا ينكرونها، لكن المنافقين والكافرين لتعصبهم ولجاجتهم يقولون: «مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ويَهْدِى بِه كَثِيراً»؟!.
من كتاب أمثال القرآن
آية الله العظمى مكارم الشيرازي
قبل البدء بتفسير الاية ولأجل اعداد الاذهان للاستيعاب الاعمق نذكر هنا باقتضاب شأن نزولها.
ان التحجج او التذرع بالحجج هو من مواصفات المنافقين. ان المنافق يتحجج ويماطل ويتذرع بالتبريرات الباطلة في كل قضية ومسألة، انه لا يهتم بتوجهات المخاطب ومواقفه; وذلك لانه ينظر إلى القضية من موقف مخالف ويعمل على اساس هذه الرؤية. وكمثال على ذلك نفرض ان شخصاً او اشخاصاً بنوا مركزاً اسلامياً يضم مسجداً و مكتبة ومصلى ومستشفى وداراً للعجزة و.. ففي هذه الحالة سيعرب المنافق عن شعوره بالكلمات التالية:
هل من الصحيح بناء مركز بهذه الضخامة والكلفة في هذه المدينة رغم ما تضم من الفقراء والجياع؟ الم يكن من الصحيح ان تصرف هذه المبالغ لاجل اشباع الفقراء وسد رمقهم؟ الم يكن من الأفضل ان تصرف هذه المبالغ لاجل تزويج الشباب العزاب؟ ألم يكن من الأفضل أن يداوى بهذه المبالغ المرضى من المحتاجين والفقراء؟ ألم يكن من الافضل أنْ تصرف هذه المبالغ في سبيل تعليم الشباب وتربيتهم؟!
إنّ هذا الشخص او الاشخاص الخيرين لو صرفوا هذه المبالغ لاجل اطعام المساكين واعانة الشباب ومداواة المرضى و.. لاحتج هذا المنافق بحجج اخرى ولتمسك بذرائع من قبيل قوله: أي اسلام هذا واي مسلمين هؤلاء، فانا لا نجد في هذه المدينة مسجداً، وقد خصصتم هذه المبالغ الطائلة لامور تافهة لا فائدة فيها، انكم قد ضيّعتم الاسلام باعمالكم هذه !
تعلّموا من اليهود والنصارى; فانهم يبنون معابد فخمة وجميلة تجذب الانسان نحوها تعلموا من الهندوس فإنهم يبنون معابد عظيمة لاصنامهم الجامدة.
والخلاصة; إنّ غاية المنافق هي المشاكسة والمخالفة وزرع بذور الشك والاختلاف وايذاء الآخرين.
ومع الالتفات إلى هذه المقدمة نقوم بشرح الاية المذكورة.
عندما نزلت بعض الامثال القرآنية بدأ المنافقون بالترديد في المسألة والاشكال فيها والقول: (ما هذه الامثال التي جاءت في القرآن)؟ إنّ شأن الله أرفع من ان يمثل بموجودات ضعيفة مثل الذباب(1) والعنكبوت، او ان يمثل بموجودات جامدة مثل الرعد والبرق(2) وقد كانوا يهدفون من هذا الحديث القاء التشكيك في الهية القرآن ومصدره الرباني، وان القرآن ليس من الوحي الالهي.
بالطبع، لو لم تنزل هذه الايات والامثال او نزلت بكلمات وصياغات معقدة لتمسك المنافقون - قطعاً - بذرائع اخرى ولقالوا: (كيف يمكن لهذا ان يكون كلام الله مع انا لا نفهم منه شيئاً)؟ او لقالوا: (لماذا لم ينزل الله هذه المفاهيم والحقائق بلغة بسيطة يفهمها الجميع)؟ كما ان هذا قد حصل لشعيب (عليه السلام) وقد حكته الآية الشريفة (91) من سورة هود:
(قَالُوا يَا شُعَيْبُ ما نَفْقَه كَثِيراً مِمّا تَقُولُ وَإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاك وَمَا أنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز).
يستفاد من الآية ان التمسك بالذرائع كان منطقهم، من جانب اخر كانوا يقولون: (لا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ) أي لا نفهم ما تقول، ومن جانب اخر يقولون: (لَوْلا رهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ)أي لولا قبيلتك لقتلناك فيجيبهم شعيب(عليه السلام): (قَالَ يَا قَوْم أرَهْطِى أعزُّ عَليْكُمْ مِنَ الله؟!).(3)
بما ان المنافقين اللجوجين كانوا يشككون ويحتجون على التمثيل بالجمادات او الموجودات الضعيفة جاءت الاية 26 من سورة البقرة لتجيب عليهم وتدحض حججهم: (إنّ اللهَ لا يَسْتَحِي أنْ يضرِبَ مَثلا ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها...).
إنّ بلاغة الكلام تقتضي تارة التمثيل بالموجودات الكبيرة وتارة بالموجودات الصغيرة; فكلما اريد من التمثيل بيان العظمة شبّه بشيء كبير، واذا ما اريد بيان ضعف الشيء وخواءه
1. الآية 73 من سورة الحج: «يَا أيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّ الِبُ والمَطْلُوبُ».
2. يأتي شرحها في المثل الأول والثاني.
3. هود الآية 92 - 93.
شبّه بشيء ضعيف وصغير من الحيوانات والجمادات.
وعلى هذا; فان التمثيل بالشيء الكبير لا يدل على فصاحة الكلام وبلاغته دائماً. اذن، لا اشكال على القران عند تمثيله بشيء يتناسب مع موضوع المثل والهدف منه مهما كان صغيراً او كبيراً.
ان المؤمنين والصالحين، حيث يعلمون بحقيقة هذه الامثال ومحتواها، يعلمون بانها الحق وأنها من ربهم ولا ينكرونها، لكن المنافقين والكافرين لتعصبهم ولجاجتهم يقولون: «مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ويَهْدِى بِه كَثِيراً»؟!.
من كتاب أمثال القرآن
آية الله العظمى مكارم الشيرازي