الطريبيلي
12-02-2010, 12:47 PM
مفهوم العبودية لله
ذكر العارفون بالله تعالى أن العبودية جوهرة كنهها الربوبية. وهذا يعني أن للعبودية
أركان وأسس، من أدركها وفهمها وأسس عبوديته عليها، فإنه حتما سوف يصل إلى معرفة
حقيقة وجوده والمراد منه.
فالعبودية لله تعالى هي التذلل والافتقار للواحد القهار مالك الحكم والاختيار، وهي
الإستسلام والإنقياد لله تعالى في كل حال.
وهذه المعاني تقتضي منا معرفة أوصاف العبودية حتى يتحقق بها العبد، وأهم تلك
الأوصاف، هي الضعف والجهل والذل والفقر من العبد بين يدي ربه وسيده، فمن تحقق بها
وما يبتنى عليها من أوصاف، يكون قد حقق معنى العبودية في ذاته وسلوكه.
ويقابل كل صفة من صفات العبودية صفة من صفات الربوبية لا يجوز للعبد أن يتجاوزها أو
يتعدى عليها فالذل والفقر من أوصاف العبودية يقابلهما العز والكبرياء من أوصاف
الربوبية فقد روى أحمد والحاكم والنسائي وابن ماجة ومسلم في صحيحه عن ابن عباس
وغيره الحديث القدسي قال _ قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن
نازعني واحدا منهما قصمته. وفي لفظ آخر - ألقيته في جهنم.
وإذا نظرنا إلى صفات الله، وأخذنا كل صفة من صفات الربوبية فإن عكسها يكون للعباد،
فهو الخالق ونحن المخلوقين وهو الرب ونحن العبيد وهو الملك ونحن المملوكون وهو
الغفار ونحن المذنبون وهو العليم ونحن الجهلاء، وهكذا بقية الصفات.
وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذه المعاني وبشكل صريح في القرآن الكريم، نذكر عددا من
الآيات الشريفة توضح ذلك.
قال تعالى في سورة فاطر الآية: 15 {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو
الغني الحميد}. فنحن الفقراء وهو الغني.
وقال تعالى في سورة هود الآية 66 {إن ربك هو القوي العزيز}. فهو عز وجل القوي
العزيز ونحن الضعفاء الأذلاء.
وقال تعالى في سورة النساء الآية139 {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}.
وقال تعالى في سورة البقرة الآية 216 {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن
تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. فهو العالم ونحن لا نعلم.
ومن تمعن في آيات القرآن الكريم فإنه يجد مئات الآيات التي تبين أوصاف الربوبية
وأوصاف العبودية، ولذلك فإن العبد المؤمن الصالح الذي يعمل على تحقيق أوصاف
العبودية يستمد قوته من الله القوي ويعالج فقره بالله الغني، ويستمد علمه من الله
العالم، ويرفع ذلته بالله العزيز، فهو غني بالله قوي بالله عزيز بالله عالم بالله
قال تعالى في سورة البقرة الآية 282 {واتقوا الله ويعلمكم الله}.
وعليه فإن على العبد أن يجلس على بساط العبودية في هذه الحياة ويعمل على أن يتحقق
بما منحه الله من أوصاف، حتى يتأكد معنى الصلة بين العبد وربه، ويتجسد معنى
العبودية عند أداء العبد العبادات كالصلاة والحج والصيام والدعاء والتضرع والمناجاة
وغيرها من الطاعات كالزكاة والصدقات بالكيفية التي علمنا الله إياها. فإذا حقق
العبد من خلال العبادة، التخشع والتذلل والخضوع والفقر وأداها لله خالصة، كان من
جناب الربوبية القبول والمدد بالعزة والقوة، وكانت الصلة بالله أقوى وأوثق. فكلما
كان التحقيق بأوصاف العبودية أقوى كانت الصلة بالله أوثق والقبول والإستجاية أوكد.
قال تعالى في سورة غافر الآية 60 {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}. وربما يدرك العبد معنى العبودية أكثر كلما كانت
الضرورة لحاجات الحياة أكثر وأشد، فلو أخذنا مثلا من العبادات صلاة الإستسقاء، عند
انحباس المطر وفقد عنصر من أهم عناصر الحياة، فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر
والمسكنة والذلة مع التوبة النصوح. وقد استسقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فخرج
إلى المصلى متواضعا متذللا
متخشعا متوسلا متضرعا وحسبك به فكيف بنا ولا توبة معنا إلا العناد ومخالفة رب
العباد.
طاعة رسول الله والأئمة من أهم مظاهر العبودية:
وأرجوا أن نلاحظ الآيات التالية التي تضيف معنى آخر للعبودية، وهي طاعة رسول الله
وأوصياءه لأن طاعتهم عبودية لله تعالى واستسلاما لأمره، ويستحيل تحقيق معنى
العبودية لله تعالى بدون طاعتهم وولايتهم، وأي عمل لا يرتبط بهم وبولايتهم وطاعتهم
لا يقبل.
روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام، فصلى، وصام، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت
محمد دخل النار). رواه الطبراني، وفي كنز العمال، وفي مجمع الزوائد، ورواه ابن حبان
وقال رجاله رجال الصحيح.
ومن أجل تأكيد دورهم، وكيف أن الله تعالى قد خصهم بالمدد الإلهي الخاص حتى يكونوا
وسيلة بيننا وبين الله تعالى حتى يعلموا الجهلاء ويغنوهم ويزكوهم، ويتفضلوا على
عباد الله بالنور والهداية أثناء رحلة تحقيق معنى العبودية في ذاتنا وسلوكنا
وظاهرنا وباطننا، فقد جعل الله تعالى طاعته مقترنة بطاعتهم، وقضاءه بقضائهم، وحربه
حربهم، وسلمه سلمهم وغير ذلك من ما بينته الآيات القرآنية، وسأذكر بعضا منها على
سبيل المثال والإختصار، ولا يتسع المجال لذكرها مفصلة. ولكن وقبل ذلك أذكر بأن الله
قد شرط على العباد قبول طاعاتهم إذا تقدمها ذكر محمد وآل محمد، فالصلاة وإن تحققت
فيها أوصاف العبودية غير أنه لم يصلى فيها على محمد وآل محمد لن تقبل، وهذا ما أجمع
عليه كل علماء المسلمين، وبشتى طوائفهم.
قال تعالى في سورة النساء الآية 80 {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}. وقال تعالى في
سورة آل عمران الآية 132 {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}.
كتاب الإبتلاء ُسنَة إلهية على بساط العبودية للدكتور صلاح الدين الحسيني (ص 13 - ص 24)
وقال تعالى في سورة النساء. الآية: 59 {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون
بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
روى الطبري والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم كثير عن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب!
إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على
هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت:
يا نبي الله! أكون وزيرك عليه؟ فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم،
فاسمعوا له وأطيعوا.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 59 {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا
حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون}.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 74 {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من
فضله}.
وقال تعالى سورة البقرة الآية151 {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا
ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}. أي أنه تعالى فوض
أمر تعليم العباد وتزكيتهم لرسوله صلى الله عليه وآله، جعله المصدر لذلك والواسطة
بيننا وبين ربنا، والوسيلة للوصول إليه.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 105 {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون}. وهذه تدل على أن أعمالنا مراقبة في ظل رؤية الله لنا ومتابعة الرسول
والأئمة المعصومين لأعمالنا.
وقال تعالى في سورة الأحزاب. الآية: 36 {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
جعل الله قضاءه وقضاء رسوله واحدا، وعصيان العباد لقضاء رسول الله هو نفس عصيان
قضاء الله تعالى.
وقال تعالى في سورة الفتح الآية 10 {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}.
وقال تعالى في سورة البقرة الآية 279 {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.
أي حرب رسول الله هي حرب الله نفسها. وهناك عشرات الآيات غير التي ذكرنا، تدلل بشكل
واضح وصريح على أن العبودية لله تعالى تمر من خلال طاعة رسول الله وأهل بيته
الطاهرين المعصومين، كما أن الأحاديث النبوية الصحيحة المتعلقة بطاعة وولاية أهل
البيت أكثر من أن تحصى في مصادر كل طوائف المسلمين.
روى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى
الله عليه وآله وسلَّم من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع
عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني. ورواه في كنز العمال.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى ذكر أهل البيت عبادة، وفرض على المسلمين الصلاة على
رسول الله بشرط أن يذكر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام معه، كما أنه تعالى اسمه
جعل النظر إلى وجوههم عبادة.
فقد روى السيوطي في الجامع الصغير، والديلمي في مسند الفردوس عن أم المؤمنين عائشة
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (ذكر علي عبادة). ورواه في كنز العمال،
وروى الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين وعن عبد الله بن
مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (النظر إلى وجه علي عبادة). ورواه
ابن عساكر، وفي مجمع الزوائد، وابن حبان. والحديث ورد من رواية أحد عشر صحابيا بعدة
طرق وتلك طرق عدة التواتر.
مصير من ترفع عن العبودية وتطاول على الربوبية:
ولنعد إلى موضوع العبودية وأوصافها، ونضرب بعض الأمثلة من القرآن والسنة حتى يتضح
المعنى ويتوضح.
فإذا ادعى إنسان القوة التي اختصها الله لنفسه، وجعلها من أوصاف الربوبية ولا تصلح
للعبد إلا إذا كانت بالله ومن الله، فلو ادعاها عبد ضعيف ولم يستمد قوته من الله
القوي العزيز، فإنه يضع نفسه في موضع لم يرضاه الله له، لأنه
بالأصل ضعيف، وأنى له القوة إذا لم تكن من الله مالك القوة جميعا، وبالتالي فإن ذلك
العبد سوف يخرج عن معنى العبودية لله ويدعي الربوبية لنفسه، ثم يكون مصيره أن يؤكد
الله تعالى له ضعفه وعجزه ويقصمه ثم يلقي به في جهنم، وهذا ما حصل مع الطاغية
فرعون، الذي ادعى القوة لنفسه ثم تطور إلى التجرؤ على رب العزة، وادعاء الربوبية
والتأله على العباد، فأهلكه الله تعالى بعد أن كشف ضعفه وفقره وذلته. وهذا يبشر
بمصير كل الطواغيت في هذا العصر، الذين يدعون التفرد بالقوة ويتسلطون على خلق الله
وعباده المؤمنين بالظلم والقهر والأذى، فتلك نهاية محتومة لمن خرجوا عن عبوديتهم
لله، وفطرتهم التي فطرهم الله عليها.
قال تعالى في سورة النازعات الآية 15 - 26 {هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد
المقدس طوى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى،
فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى،
فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وقال تعالى في سورة القصص {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد
لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من
الكاذبين، واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون،
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة
يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم
القيامة هم من المقبوحين}.
وكذلك لو ادعى عبد الغنى الذي لا يصلح للعبد إلا بالله، فإنه يخرج عن حقيقته
البشرية، فنحن الفقراء إلى الله وهو تعالى الغني. فالإنسان مهما امتلك في هذه
الدنيا الفانية، ووصل إلى أعلى حالات الغنى والتملك، فإن ذلك لا يخرجه عن حقيقة
فقره وحاجته إلى الله تعالى ومدده. فإذا خرج عن أصله ولم يستمد غناه من الله، فإنه
سوف يدعي التفرد بالغنى ويدعي ما ليس له، ومن ادعى ما ليس له فضحته شواهد الإمتحان،
وسوف يكون مصيره مثل مصير قارون
الذي ادعى الغنى لنفسه، ولم ينسبه إلى الله تعالى، ولم يعترف بالعبودية لله، فخسف
الله به وبماله الأرض، ليكون عبرة لكل من يتفرد بالغنى ويدعيه لنفسه ويخرج عن طور
العبودية لله الغني الحميد، وهذا يبشر بمصير المتجبرين الذين يتلاعبون في أرزاق
عباد الله المؤمنين، ويظنون أنهم هم الذين يرزقون الناس ويتفضلون عليهم بالإنتعاش
الإقتصادي والرفاهية ولو على حساب العبودية لله تعالى.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص الآيات: 76-82 {إن قارون كان من قوم موسى
فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له
قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس
نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب
المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي، أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من
القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه
في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ
عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها
إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما
كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق
لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}.
وقال تعالى قي سورة العنكبوت. الآية: 39 - 40 {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم
موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين، فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من
أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا
وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
وقال تعالى في سورة فصلت الآية 13 - 16 {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة
عاد وثمود، إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم
ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون،
فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله
الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون، فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في
أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا
ينصرون}.
وقال تعالى في سورة العلق {كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى}.
تلك كانت بعض الأمثلة على من ادعى ما ليس له من أوصاف الربوبية التي لا تنبغي
للعباد، فظلموا أنفسهم وعتوا وتجبروا واستكبروا على العبودية، وتطاولوا على مقام
الربوبية، فكانت النتيجة أن أهلكهم الله تعالى. بعد أن أظهر ضعفهم وعجزهم وخستهم
وذلتهم، حتى يكونوا عبرة لكل من يخرج عن مقام العبودية لله تعالى.
كتاب الإبتلاء ُسنَة إلهية على بساط العبودية
للدكتور صلاح الدين الحسيني
ذكر العارفون بالله تعالى أن العبودية جوهرة كنهها الربوبية. وهذا يعني أن للعبودية
أركان وأسس، من أدركها وفهمها وأسس عبوديته عليها، فإنه حتما سوف يصل إلى معرفة
حقيقة وجوده والمراد منه.
فالعبودية لله تعالى هي التذلل والافتقار للواحد القهار مالك الحكم والاختيار، وهي
الإستسلام والإنقياد لله تعالى في كل حال.
وهذه المعاني تقتضي منا معرفة أوصاف العبودية حتى يتحقق بها العبد، وأهم تلك
الأوصاف، هي الضعف والجهل والذل والفقر من العبد بين يدي ربه وسيده، فمن تحقق بها
وما يبتنى عليها من أوصاف، يكون قد حقق معنى العبودية في ذاته وسلوكه.
ويقابل كل صفة من صفات العبودية صفة من صفات الربوبية لا يجوز للعبد أن يتجاوزها أو
يتعدى عليها فالذل والفقر من أوصاف العبودية يقابلهما العز والكبرياء من أوصاف
الربوبية فقد روى أحمد والحاكم والنسائي وابن ماجة ومسلم في صحيحه عن ابن عباس
وغيره الحديث القدسي قال _ قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن
نازعني واحدا منهما قصمته. وفي لفظ آخر - ألقيته في جهنم.
وإذا نظرنا إلى صفات الله، وأخذنا كل صفة من صفات الربوبية فإن عكسها يكون للعباد،
فهو الخالق ونحن المخلوقين وهو الرب ونحن العبيد وهو الملك ونحن المملوكون وهو
الغفار ونحن المذنبون وهو العليم ونحن الجهلاء، وهكذا بقية الصفات.
وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذه المعاني وبشكل صريح في القرآن الكريم، نذكر عددا من
الآيات الشريفة توضح ذلك.
قال تعالى في سورة فاطر الآية: 15 {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو
الغني الحميد}. فنحن الفقراء وهو الغني.
وقال تعالى في سورة هود الآية 66 {إن ربك هو القوي العزيز}. فهو عز وجل القوي
العزيز ونحن الضعفاء الأذلاء.
وقال تعالى في سورة النساء الآية139 {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}.
وقال تعالى في سورة البقرة الآية 216 {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن
تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. فهو العالم ونحن لا نعلم.
ومن تمعن في آيات القرآن الكريم فإنه يجد مئات الآيات التي تبين أوصاف الربوبية
وأوصاف العبودية، ولذلك فإن العبد المؤمن الصالح الذي يعمل على تحقيق أوصاف
العبودية يستمد قوته من الله القوي ويعالج فقره بالله الغني، ويستمد علمه من الله
العالم، ويرفع ذلته بالله العزيز، فهو غني بالله قوي بالله عزيز بالله عالم بالله
قال تعالى في سورة البقرة الآية 282 {واتقوا الله ويعلمكم الله}.
وعليه فإن على العبد أن يجلس على بساط العبودية في هذه الحياة ويعمل على أن يتحقق
بما منحه الله من أوصاف، حتى يتأكد معنى الصلة بين العبد وربه، ويتجسد معنى
العبودية عند أداء العبد العبادات كالصلاة والحج والصيام والدعاء والتضرع والمناجاة
وغيرها من الطاعات كالزكاة والصدقات بالكيفية التي علمنا الله إياها. فإذا حقق
العبد من خلال العبادة، التخشع والتذلل والخضوع والفقر وأداها لله خالصة، كان من
جناب الربوبية القبول والمدد بالعزة والقوة، وكانت الصلة بالله أقوى وأوثق. فكلما
كان التحقيق بأوصاف العبودية أقوى كانت الصلة بالله أوثق والقبول والإستجاية أوكد.
قال تعالى في سورة غافر الآية 60 {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}. وربما يدرك العبد معنى العبودية أكثر كلما كانت
الضرورة لحاجات الحياة أكثر وأشد، فلو أخذنا مثلا من العبادات صلاة الإستسقاء، عند
انحباس المطر وفقد عنصر من أهم عناصر الحياة، فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر
والمسكنة والذلة مع التوبة النصوح. وقد استسقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فخرج
إلى المصلى متواضعا متذللا
متخشعا متوسلا متضرعا وحسبك به فكيف بنا ولا توبة معنا إلا العناد ومخالفة رب
العباد.
طاعة رسول الله والأئمة من أهم مظاهر العبودية:
وأرجوا أن نلاحظ الآيات التالية التي تضيف معنى آخر للعبودية، وهي طاعة رسول الله
وأوصياءه لأن طاعتهم عبودية لله تعالى واستسلاما لأمره، ويستحيل تحقيق معنى
العبودية لله تعالى بدون طاعتهم وولايتهم، وأي عمل لا يرتبط بهم وبولايتهم وطاعتهم
لا يقبل.
روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام، فصلى، وصام، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت
محمد دخل النار). رواه الطبراني، وفي كنز العمال، وفي مجمع الزوائد، ورواه ابن حبان
وقال رجاله رجال الصحيح.
ومن أجل تأكيد دورهم، وكيف أن الله تعالى قد خصهم بالمدد الإلهي الخاص حتى يكونوا
وسيلة بيننا وبين الله تعالى حتى يعلموا الجهلاء ويغنوهم ويزكوهم، ويتفضلوا على
عباد الله بالنور والهداية أثناء رحلة تحقيق معنى العبودية في ذاتنا وسلوكنا
وظاهرنا وباطننا، فقد جعل الله تعالى طاعته مقترنة بطاعتهم، وقضاءه بقضائهم، وحربه
حربهم، وسلمه سلمهم وغير ذلك من ما بينته الآيات القرآنية، وسأذكر بعضا منها على
سبيل المثال والإختصار، ولا يتسع المجال لذكرها مفصلة. ولكن وقبل ذلك أذكر بأن الله
قد شرط على العباد قبول طاعاتهم إذا تقدمها ذكر محمد وآل محمد، فالصلاة وإن تحققت
فيها أوصاف العبودية غير أنه لم يصلى فيها على محمد وآل محمد لن تقبل، وهذا ما أجمع
عليه كل علماء المسلمين، وبشتى طوائفهم.
قال تعالى في سورة النساء الآية 80 {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}. وقال تعالى في
سورة آل عمران الآية 132 {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}.
كتاب الإبتلاء ُسنَة إلهية على بساط العبودية للدكتور صلاح الدين الحسيني (ص 13 - ص 24)
وقال تعالى في سورة النساء. الآية: 59 {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون
بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
روى الطبري والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم كثير عن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب!
إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على
هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت:
يا نبي الله! أكون وزيرك عليه؟ فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم،
فاسمعوا له وأطيعوا.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 59 {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا
حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون}.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 74 {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من
فضله}.
وقال تعالى سورة البقرة الآية151 {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا
ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}. أي أنه تعالى فوض
أمر تعليم العباد وتزكيتهم لرسوله صلى الله عليه وآله، جعله المصدر لذلك والواسطة
بيننا وبين ربنا، والوسيلة للوصول إليه.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 105 {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون}. وهذه تدل على أن أعمالنا مراقبة في ظل رؤية الله لنا ومتابعة الرسول
والأئمة المعصومين لأعمالنا.
وقال تعالى في سورة الأحزاب. الآية: 36 {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
جعل الله قضاءه وقضاء رسوله واحدا، وعصيان العباد لقضاء رسول الله هو نفس عصيان
قضاء الله تعالى.
وقال تعالى في سورة الفتح الآية 10 {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}.
وقال تعالى في سورة البقرة الآية 279 {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.
أي حرب رسول الله هي حرب الله نفسها. وهناك عشرات الآيات غير التي ذكرنا، تدلل بشكل
واضح وصريح على أن العبودية لله تعالى تمر من خلال طاعة رسول الله وأهل بيته
الطاهرين المعصومين، كما أن الأحاديث النبوية الصحيحة المتعلقة بطاعة وولاية أهل
البيت أكثر من أن تحصى في مصادر كل طوائف المسلمين.
روى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى
الله عليه وآله وسلَّم من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع
عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني. ورواه في كنز العمال.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى ذكر أهل البيت عبادة، وفرض على المسلمين الصلاة على
رسول الله بشرط أن يذكر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام معه، كما أنه تعالى اسمه
جعل النظر إلى وجوههم عبادة.
فقد روى السيوطي في الجامع الصغير، والديلمي في مسند الفردوس عن أم المؤمنين عائشة
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (ذكر علي عبادة). ورواه في كنز العمال،
وروى الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين وعن عبد الله بن
مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (النظر إلى وجه علي عبادة). ورواه
ابن عساكر، وفي مجمع الزوائد، وابن حبان. والحديث ورد من رواية أحد عشر صحابيا بعدة
طرق وتلك طرق عدة التواتر.
مصير من ترفع عن العبودية وتطاول على الربوبية:
ولنعد إلى موضوع العبودية وأوصافها، ونضرب بعض الأمثلة من القرآن والسنة حتى يتضح
المعنى ويتوضح.
فإذا ادعى إنسان القوة التي اختصها الله لنفسه، وجعلها من أوصاف الربوبية ولا تصلح
للعبد إلا إذا كانت بالله ومن الله، فلو ادعاها عبد ضعيف ولم يستمد قوته من الله
القوي العزيز، فإنه يضع نفسه في موضع لم يرضاه الله له، لأنه
بالأصل ضعيف، وأنى له القوة إذا لم تكن من الله مالك القوة جميعا، وبالتالي فإن ذلك
العبد سوف يخرج عن معنى العبودية لله ويدعي الربوبية لنفسه، ثم يكون مصيره أن يؤكد
الله تعالى له ضعفه وعجزه ويقصمه ثم يلقي به في جهنم، وهذا ما حصل مع الطاغية
فرعون، الذي ادعى القوة لنفسه ثم تطور إلى التجرؤ على رب العزة، وادعاء الربوبية
والتأله على العباد، فأهلكه الله تعالى بعد أن كشف ضعفه وفقره وذلته. وهذا يبشر
بمصير كل الطواغيت في هذا العصر، الذين يدعون التفرد بالقوة ويتسلطون على خلق الله
وعباده المؤمنين بالظلم والقهر والأذى، فتلك نهاية محتومة لمن خرجوا عن عبوديتهم
لله، وفطرتهم التي فطرهم الله عليها.
قال تعالى في سورة النازعات الآية 15 - 26 {هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد
المقدس طوى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى،
فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى،
فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وقال تعالى في سورة القصص {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد
لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من
الكاذبين، واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون،
فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة
يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم
القيامة هم من المقبوحين}.
وكذلك لو ادعى عبد الغنى الذي لا يصلح للعبد إلا بالله، فإنه يخرج عن حقيقته
البشرية، فنحن الفقراء إلى الله وهو تعالى الغني. فالإنسان مهما امتلك في هذه
الدنيا الفانية، ووصل إلى أعلى حالات الغنى والتملك، فإن ذلك لا يخرجه عن حقيقة
فقره وحاجته إلى الله تعالى ومدده. فإذا خرج عن أصله ولم يستمد غناه من الله، فإنه
سوف يدعي التفرد بالغنى ويدعي ما ليس له، ومن ادعى ما ليس له فضحته شواهد الإمتحان،
وسوف يكون مصيره مثل مصير قارون
الذي ادعى الغنى لنفسه، ولم ينسبه إلى الله تعالى، ولم يعترف بالعبودية لله، فخسف
الله به وبماله الأرض، ليكون عبرة لكل من يتفرد بالغنى ويدعيه لنفسه ويخرج عن طور
العبودية لله الغني الحميد، وهذا يبشر بمصير المتجبرين الذين يتلاعبون في أرزاق
عباد الله المؤمنين، ويظنون أنهم هم الذين يرزقون الناس ويتفضلون عليهم بالإنتعاش
الإقتصادي والرفاهية ولو على حساب العبودية لله تعالى.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص الآيات: 76-82 {إن قارون كان من قوم موسى
فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له
قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس
نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب
المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي، أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من
القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه
في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ
عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها
إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما
كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق
لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}.
وقال تعالى قي سورة العنكبوت. الآية: 39 - 40 {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم
موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين، فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من
أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا
وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
وقال تعالى في سورة فصلت الآية 13 - 16 {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة
عاد وثمود، إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم
ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون،
فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله
الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون، فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في
أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا
ينصرون}.
وقال تعالى في سورة العلق {كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى}.
تلك كانت بعض الأمثلة على من ادعى ما ليس له من أوصاف الربوبية التي لا تنبغي
للعباد، فظلموا أنفسهم وعتوا وتجبروا واستكبروا على العبودية، وتطاولوا على مقام
الربوبية، فكانت النتيجة أن أهلكهم الله تعالى. بعد أن أظهر ضعفهم وعجزهم وخستهم
وذلتهم، حتى يكونوا عبرة لكل من يخرج عن مقام العبودية لله تعالى.
كتاب الإبتلاء ُسنَة إلهية على بساط العبودية
للدكتور صلاح الدين الحسيني