الطريبيلي
12-02-2010, 02:49 PM
من آداب الصداقة
« قال الإمام الصادق (عليه السلام) لجميل : خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وفي ذلك مرغمة للشيطان ، وتزحزح عن النيران ، ودخول الجنان ، ثمّ قال : يا جميل ! أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك ، قلت : ومن غرر أصحابي ؟ قال (عليه السلام) : هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر ».
لقد ذكرنا في الفصول السابقة بعض الأخبار المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام)في حدود الصداقة ، وقضاء حوائج المؤمنين ، وبقي علينا أن نشير إلى بعض آداب الصداقة ، فإنّ لكلّ شيء حريم وإطار وحدود ، من يتعدّها يفقد ذلك الشيء المقصود ، وكذلك عالم الصداقة والأصدقاء ، له حريم وآداب خاصّة ، لا بدّ من مراعاتها ، حتّى تدوم الصداقة ، ويدوم الصفاء والمحبّة والوفاء والإخاء والخلّة.
وقد اشتهر على لسان الناس المثل المعروف : ( بين الأحباب تسقط الآداب ) ، فإذا كان يعني ذلك كما هو الظاهر الكلفة والتكلّف ، فهذا صحيح « فإنّ شرّ الإخوان من تكلّف له » كما ورد في الحديث الشريف ، ولكن إذا كان بمعنى سقوط الاحترام والحشمة ، فهذا من الكلم القبيح ، لأنّ الآداب الحميدة من الحسن ، فإذا كان ذلك حسناً من الغرباء ، فلماذا تبخل به على الأصدقاء ، فهم أولى بذلك ، فإنّ بين الأحباب تسمو الآداب ، وتنمو وتعين على قوّة الارتباط ، وشدّ أواصر العلاقة الأخويّة والخلّة المبدئية والصداقة الإيمانية.
ثمّ هناك مجموعة من الآداب القيّمة قد شرّعها الإسلام لسعادة الناس ، ولتؤتي الصداقة ثمارها ، ويعيش الجميع في أجواء هادئة ، تسودها الطمأنينة والإخاء ، متعاضدين ومتلاحمين في الحياة.
فمنها : الاستئذان للدخول ، فإنّ الدخول على الصديق في داره أو حجرته من دون الاستئذان أو الإخبار بالقدوم ، فيه استهانة بالآخرين وإهانة للنفس ، فربما يسمع منه تقريعاً في ذلك ، وقال الله سبحانه في كتابه الكريم : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً غَيْرَ بُيوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسوا وَتُسَلِّموا عَلى أهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ )[1] (http://ebook/8.html#_ftn1) . وقال عزّ من قائل : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لِيَسْتَأذِنكُمُ الَّذينَ مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ وَالَّذينَ لَمْ يَبْلُغوا الحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّات مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحينَ تَضَعونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاث عَوْرات لَكُمْ وَإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلـْيَسْتَأذِنوا كَما اسْتَأذَنَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )[2] (http://ebook/8.html#_ftn2) . ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ليستأذن أحدكم من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيوت ، فإنّما اُمرتم بالاستئذان من أجل العين ، فإن قيل : ادخل ، فليدخل ، وإن قيل : ارجع ، فليرجع ، ولا أن يسمع أهل البيت . والثانية : يأخذ أهل البيت حذرهم ، والثالثة : يختار أهل البيت إن شاؤوا أذنوا ، وإن شاؤوا لم يأذنوا ».
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)يريد فاطمة (عليها السلام) وأنا معه ، فلمّـا انتهينا إلى الباب وضع يده الشريفتين عليه ثمّ قال : السلام عليكم ، قالت فاطمة : وعليكم السلام يا رسول الله ؟ قال : أدخل ؟ قالت : إدخل يا رسول الله ، قال : أأدخل أنا ومن معي ؟ قالت : يا رسول الله ليس على رأسي قناع . فقال : يا فاطمة خذي فضلا من مدحتك ، فغطّي به رأسك ، ففعلت ، وبدأ رسول الله يستأذن من جديد ، ثمّ قال : السلام عليكم . فقالت : وعليكم السلام يا رسول الله ، قال : أأدخل ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قال : أنا ومن معي ؟ قالت : ومن معك ، ودخل رسول الله ودخلت معه ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ليستأذن الرجل على بنته واُخته إذا كانتا متزوّجتين ».
ومنها : السلام قبل الكلام ، فإنّ قولك : ( السلام عليكم ) لمن تلقّاه إنّما هو دعاء له بالسلامة والصحّة والعافية وإعلان الحبّ والصداقة والاُخوّة ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » . ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّ الله يحبّ إفشاء السلام » ، فإنّ السلام من أسمائه جلّ جلاله ، ويحبّ الله أن تظهر لأسمائه مظاهر ، فهو السلام ويحبّ إفشاء السلام ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « من التواضع أن تسلّم على من لقيت » ، ويقول (عليه السلام) : « ليسلّم المارّ على القاعد ، والراكب على الجالس ، والعدد القليل على الكثير ».
وفي الحديث الشريف : « من تواضع لله رفعه » ، وفي آخر : « لا رافع لمن وضعت ولا واضع لمن رفعت » ، ومن التواضع أن تسلّم على كلّ من تلقاه ، والنتيجة أنّ الله يرفعك ويعزّك بين الناس ، ولا يمكن لأحد أن يضعك ويقلّ من شأنك ، فإنّ الله يرفعك ، ولا واضع لمن رفعه الله سبحانه ، فاغتنم السلام ، وانشره في المجتمع الإسلامي ليسوده السلام.
ومنها : احترام الصديق إذا دخل في مجلس ، فإنّه ورد في الحديث الشريف : « المؤمن أعظم حرمةً من الكعبة » ، ويقول الإمام الكاظم (عليه السلام) : « لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك ، وابقَ منها ، فإنّ ذهابها ذهاب الحياة » ، وقال الرسول الأكرم : « إذا أتاكم سيّد قوم فاعرفوا سؤدده » ، فاحترام القادم لازم ، لا سيّما الصديق فيقام له إجلالا وإكباراً ، إلاّ أنّه ورد في مكارم الأخلاق للمرحوم الطبرسي : أنّ النبيّ كان يكره القيام له ، وكان يقول : « لا يقومنّ بعضكم لبعض كما يقوم العجم بل تزحزحوا عن مكانكم » ، ولكن ورد في الخبر أيضاً : « من قام لأخيه المؤمن سلخه الله من ذنوبه كما تسلخ الحيّة جلدها » ، والجمع بين الروايتين كما يظهر من التعليل في الاُولى والتشبيه بالعجم ، أنّه تارة يقام لشخص لمكانته الدنيوية ، كالغني وإن كان فاسقاً ، أو السلطان وإن كان جائراً ، أو العالم وإن كان سوءاً ، فهذا من قيام العجم ، كما يحدّثنا التأريخ به فهو مذموم ، وكان النبيّ يكره ذلك ، ولنا في رسول الله اُسوة حسنة ، واُخرى نقوم للشخص لإيمانه وتقواه ، وإن كان فقيراً وأسوداً حبشياً ، فإنّ النار لمن عصى الله وإن كان سيّداً قرشياً ، والجنّة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً ، فمثل هذا القيام الذي يكون لله سبحانه ، وتعظيماً لمقام العلم المقرون بالحلم والعمل الصالح ، وتكريماً للإيمان المقرون مع التقوى ، فإنّه ممدوح ويوجب غفران الذنوب ، فتأمّل.
ومنها : التوسّع في المجلس ، فإنّ من حقّ الداخل إلى المجلس ، لا سيّما الصديق والأخ على أخيه ، أن يكرمه بالتوسّع له في المجلس ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ثلاث يصفين ودّ المرء لأخيه المسلم : يلقاه بالبشر إذا لقيه ، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه ، ويدعوه بأحبّ الأسماء إليه » ، وفي آخر : « إذا أخذ القوم مجالسهم فإذا دعا رجل أخاه فأوسع له في مجلسه ، فليأتِ ، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه ، وإن لم يوسع له أحد ، فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه » ، وقال : « لئن يوسع أحدكم لأخيه في المجلس خير من عتق رقبة » ، ولقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام)عن السبب الذي دعى جماعة إلى أن يقولوا لنبيّهم : إنّا نراك من المحسنين ، فقال (عليه السلام) : « كان يوسع للجليس ويستقرض للمحتاج ويعين الضعيف » . وقال الله سبحانه وتعالى : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا إذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحوا في الَمجالِسِ فَافْسَحوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ )[3] (http://ebook/8.html#_ftn3) ، كان رسول الله إذا دخل منزلا ، قعد في أدنى المجلس حين يدخل ، وقال الإمام العسكري (عليه السلام) : « من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلّون عليه حتّى يقوم » ، « إذا أخذ القوم في مجالسهم فإن دعا رجل أخاه ، وأوسع له في مجلسه فليأته ، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه ، وإن لم يوسع له أحد فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه ».
ومنها : أن تذكره بكنيته في حضوره ، وتسمّه في غيابه ، فإنّ في الكنية احتراماً للصديق . يقول الإمام الرضا (عليه السلام) : « إذا كان الرجل حاضراً فكنّه ، وإذا كان غائباً فسمّه » ، فإنّك عندما تذكر صديقك في حضوره بكنيته وتناديه ( يا أبا فلان ) فإنّ ذلك يدلّ على تقديرك له واحترامك إيّاه ، ولكن لو كان غائباً وأردت تعريفه ، فتذكره بالإسم.
ومنها : مراعاة أدب الجلوس والحضور معه ، فإنّه ينمّ ويخبر عن الاحترام والتقدير له ، ويكون الجلوس بكلّ تواضع ولين ، ولا يتخطّى الرقاب لأجل أن يجلس في صدر المجلس ، فإنّ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول : لا ينبغي للمؤمن أن يجلس إلاّ حيث ينتهي به الجلوس ، فإنّ تخطّي أعناق الرجال سخافة » ، « أمّا حقّ جليسك ، فأن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنه ، وتنسى زلاّته وتحفظ خيراته ، ولا تسمعه إلاّ خيراً » . ومن أوصاف النبيّ أنّه ما رئي مقدّماً رجله بين يدي جليس له قطّ.
« قال الإمام الصادق (عليه السلام) لجميل : خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وفي ذلك مرغمة للشيطان ، وتزحزح عن النيران ، ودخول الجنان ، ثمّ قال : يا جميل ! أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك ، قلت : ومن غرر أصحابي ؟ قال (عليه السلام) : هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر ».
لقد ذكرنا في الفصول السابقة بعض الأخبار المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام)في حدود الصداقة ، وقضاء حوائج المؤمنين ، وبقي علينا أن نشير إلى بعض آداب الصداقة ، فإنّ لكلّ شيء حريم وإطار وحدود ، من يتعدّها يفقد ذلك الشيء المقصود ، وكذلك عالم الصداقة والأصدقاء ، له حريم وآداب خاصّة ، لا بدّ من مراعاتها ، حتّى تدوم الصداقة ، ويدوم الصفاء والمحبّة والوفاء والإخاء والخلّة.
وقد اشتهر على لسان الناس المثل المعروف : ( بين الأحباب تسقط الآداب ) ، فإذا كان يعني ذلك كما هو الظاهر الكلفة والتكلّف ، فهذا صحيح « فإنّ شرّ الإخوان من تكلّف له » كما ورد في الحديث الشريف ، ولكن إذا كان بمعنى سقوط الاحترام والحشمة ، فهذا من الكلم القبيح ، لأنّ الآداب الحميدة من الحسن ، فإذا كان ذلك حسناً من الغرباء ، فلماذا تبخل به على الأصدقاء ، فهم أولى بذلك ، فإنّ بين الأحباب تسمو الآداب ، وتنمو وتعين على قوّة الارتباط ، وشدّ أواصر العلاقة الأخويّة والخلّة المبدئية والصداقة الإيمانية.
ثمّ هناك مجموعة من الآداب القيّمة قد شرّعها الإسلام لسعادة الناس ، ولتؤتي الصداقة ثمارها ، ويعيش الجميع في أجواء هادئة ، تسودها الطمأنينة والإخاء ، متعاضدين ومتلاحمين في الحياة.
فمنها : الاستئذان للدخول ، فإنّ الدخول على الصديق في داره أو حجرته من دون الاستئذان أو الإخبار بالقدوم ، فيه استهانة بالآخرين وإهانة للنفس ، فربما يسمع منه تقريعاً في ذلك ، وقال الله سبحانه في كتابه الكريم : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً غَيْرَ بُيوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسوا وَتُسَلِّموا عَلى أهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ )[1] (http://ebook/8.html#_ftn1) . وقال عزّ من قائل : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لِيَسْتَأذِنكُمُ الَّذينَ مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ وَالَّذينَ لَمْ يَبْلُغوا الحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّات مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحينَ تَضَعونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاث عَوْرات لَكُمْ وَإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلـْيَسْتَأذِنوا كَما اسْتَأذَنَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )[2] (http://ebook/8.html#_ftn2) . ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ليستأذن أحدكم من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيوت ، فإنّما اُمرتم بالاستئذان من أجل العين ، فإن قيل : ادخل ، فليدخل ، وإن قيل : ارجع ، فليرجع ، ولا أن يسمع أهل البيت . والثانية : يأخذ أهل البيت حذرهم ، والثالثة : يختار أهل البيت إن شاؤوا أذنوا ، وإن شاؤوا لم يأذنوا ».
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)يريد فاطمة (عليها السلام) وأنا معه ، فلمّـا انتهينا إلى الباب وضع يده الشريفتين عليه ثمّ قال : السلام عليكم ، قالت فاطمة : وعليكم السلام يا رسول الله ؟ قال : أدخل ؟ قالت : إدخل يا رسول الله ، قال : أأدخل أنا ومن معي ؟ قالت : يا رسول الله ليس على رأسي قناع . فقال : يا فاطمة خذي فضلا من مدحتك ، فغطّي به رأسك ، ففعلت ، وبدأ رسول الله يستأذن من جديد ، ثمّ قال : السلام عليكم . فقالت : وعليكم السلام يا رسول الله ، قال : أأدخل ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قال : أنا ومن معي ؟ قالت : ومن معك ، ودخل رسول الله ودخلت معه ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ليستأذن الرجل على بنته واُخته إذا كانتا متزوّجتين ».
ومنها : السلام قبل الكلام ، فإنّ قولك : ( السلام عليكم ) لمن تلقّاه إنّما هو دعاء له بالسلامة والصحّة والعافية وإعلان الحبّ والصداقة والاُخوّة ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » . ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّ الله يحبّ إفشاء السلام » ، فإنّ السلام من أسمائه جلّ جلاله ، ويحبّ الله أن تظهر لأسمائه مظاهر ، فهو السلام ويحبّ إفشاء السلام ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « من التواضع أن تسلّم على من لقيت » ، ويقول (عليه السلام) : « ليسلّم المارّ على القاعد ، والراكب على الجالس ، والعدد القليل على الكثير ».
وفي الحديث الشريف : « من تواضع لله رفعه » ، وفي آخر : « لا رافع لمن وضعت ولا واضع لمن رفعت » ، ومن التواضع أن تسلّم على كلّ من تلقاه ، والنتيجة أنّ الله يرفعك ويعزّك بين الناس ، ولا يمكن لأحد أن يضعك ويقلّ من شأنك ، فإنّ الله يرفعك ، ولا واضع لمن رفعه الله سبحانه ، فاغتنم السلام ، وانشره في المجتمع الإسلامي ليسوده السلام.
ومنها : احترام الصديق إذا دخل في مجلس ، فإنّه ورد في الحديث الشريف : « المؤمن أعظم حرمةً من الكعبة » ، ويقول الإمام الكاظم (عليه السلام) : « لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك ، وابقَ منها ، فإنّ ذهابها ذهاب الحياة » ، وقال الرسول الأكرم : « إذا أتاكم سيّد قوم فاعرفوا سؤدده » ، فاحترام القادم لازم ، لا سيّما الصديق فيقام له إجلالا وإكباراً ، إلاّ أنّه ورد في مكارم الأخلاق للمرحوم الطبرسي : أنّ النبيّ كان يكره القيام له ، وكان يقول : « لا يقومنّ بعضكم لبعض كما يقوم العجم بل تزحزحوا عن مكانكم » ، ولكن ورد في الخبر أيضاً : « من قام لأخيه المؤمن سلخه الله من ذنوبه كما تسلخ الحيّة جلدها » ، والجمع بين الروايتين كما يظهر من التعليل في الاُولى والتشبيه بالعجم ، أنّه تارة يقام لشخص لمكانته الدنيوية ، كالغني وإن كان فاسقاً ، أو السلطان وإن كان جائراً ، أو العالم وإن كان سوءاً ، فهذا من قيام العجم ، كما يحدّثنا التأريخ به فهو مذموم ، وكان النبيّ يكره ذلك ، ولنا في رسول الله اُسوة حسنة ، واُخرى نقوم للشخص لإيمانه وتقواه ، وإن كان فقيراً وأسوداً حبشياً ، فإنّ النار لمن عصى الله وإن كان سيّداً قرشياً ، والجنّة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً ، فمثل هذا القيام الذي يكون لله سبحانه ، وتعظيماً لمقام العلم المقرون بالحلم والعمل الصالح ، وتكريماً للإيمان المقرون مع التقوى ، فإنّه ممدوح ويوجب غفران الذنوب ، فتأمّل.
ومنها : التوسّع في المجلس ، فإنّ من حقّ الداخل إلى المجلس ، لا سيّما الصديق والأخ على أخيه ، أن يكرمه بالتوسّع له في المجلس ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ثلاث يصفين ودّ المرء لأخيه المسلم : يلقاه بالبشر إذا لقيه ، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه ، ويدعوه بأحبّ الأسماء إليه » ، وفي آخر : « إذا أخذ القوم مجالسهم فإذا دعا رجل أخاه فأوسع له في مجلسه ، فليأتِ ، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه ، وإن لم يوسع له أحد ، فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه » ، وقال : « لئن يوسع أحدكم لأخيه في المجلس خير من عتق رقبة » ، ولقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام)عن السبب الذي دعى جماعة إلى أن يقولوا لنبيّهم : إنّا نراك من المحسنين ، فقال (عليه السلام) : « كان يوسع للجليس ويستقرض للمحتاج ويعين الضعيف » . وقال الله سبحانه وتعالى : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا إذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحوا في الَمجالِسِ فَافْسَحوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ )[3] (http://ebook/8.html#_ftn3) ، كان رسول الله إذا دخل منزلا ، قعد في أدنى المجلس حين يدخل ، وقال الإمام العسكري (عليه السلام) : « من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلّون عليه حتّى يقوم » ، « إذا أخذ القوم في مجالسهم فإن دعا رجل أخاه ، وأوسع له في مجلسه فليأته ، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه ، وإن لم يوسع له أحد فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه ».
ومنها : أن تذكره بكنيته في حضوره ، وتسمّه في غيابه ، فإنّ في الكنية احتراماً للصديق . يقول الإمام الرضا (عليه السلام) : « إذا كان الرجل حاضراً فكنّه ، وإذا كان غائباً فسمّه » ، فإنّك عندما تذكر صديقك في حضوره بكنيته وتناديه ( يا أبا فلان ) فإنّ ذلك يدلّ على تقديرك له واحترامك إيّاه ، ولكن لو كان غائباً وأردت تعريفه ، فتذكره بالإسم.
ومنها : مراعاة أدب الجلوس والحضور معه ، فإنّه ينمّ ويخبر عن الاحترام والتقدير له ، ويكون الجلوس بكلّ تواضع ولين ، ولا يتخطّى الرقاب لأجل أن يجلس في صدر المجلس ، فإنّ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول : لا ينبغي للمؤمن أن يجلس إلاّ حيث ينتهي به الجلوس ، فإنّ تخطّي أعناق الرجال سخافة » ، « أمّا حقّ جليسك ، فأن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنه ، وتنسى زلاّته وتحفظ خيراته ، ولا تسمعه إلاّ خيراً » . ومن أوصاف النبيّ أنّه ما رئي مقدّماً رجله بين يدي جليس له قطّ.