ابو بسام قصار
12-10-2009, 02:38 PM
صلاح الدين الأيوبي بين الخيانة والغدر والإدمان على الخمر
<B>الأستاذ إبراهيم محمد جواد
خيانة صلاح الدين وغدره بأولياء نعمته
أولاً- خيانته للخليفة الفاطمي العاضد:
يقول السيد حسن الأمين: (في عام 564هـ كان الصليبيون يهددون مصر (الفاطمية) ويتحفزون للوثوب عليها، بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في أحداث ليس هنا مكان سرد تفاصيلها، فرأى الخليفة الفاطمي (العاضد)، أن لا قبل لمصر بمدافعة الصليبيين، لكثافة قواهم وتفوقها على القوى المصرية، فتجلّت وطنيته على أبرز صورها، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار، وتجاهل ما يحملونه له من عداوة، وأغضى عما طالما بيتوه له ولأسرته من تآمر، وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر، مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته.
ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين، وأرسل في كتب الاستنجاد شعور النساء وقال له: (هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهنّ من الفرنج)(1) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#1).
ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين.
فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، ... وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، وتطلع إلى الوزارة بضعة رجال من قواد الجيش الذي قدم مع أسد الدين، وكان التزاحم بينهم شديداً، ولكن العاضد آثر عليهم جميعاً صلاح الدين.
يقول أبو شامة في كتابه (الروضتين): (فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه).(2) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#2)
وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.
يقول المقريزي: (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة ...إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط ...، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد، أرسل إليّ مدة إقامة الفرنج على دمياط ألف ألف دينار، سوى ما أرسله إليّ من الثياب وغيرها)(3) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#3).
ويقول يحيى بن أبي طي الحلبي، في كتابه الذي ألفه في سيرة صلاح الدين، واصفاً المدى الذي بلغته محبة العاضد لصلاح الدين: (وبلغ من محبته له، أنه كان يدخل إلى القصر راكباً، فإذا حصل عنده أقام معه في قصره اليوم والعشرة، لا يُعلَمُ أين مقرّه... وحكّمه في ماله وبلاده، فحسده من كان معه بالديار المصرية من الأمراء الشامية، ثم إنهم فارقوه وصاروا إلى الشام)(4) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#4).
ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)(5) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#5).
ولم يترك (العاضد) وسيلة تشيد بصلاح الدين، وترفع من شأنه وتزيد في تكريمه إلاّ اتّبعها، من ذلك أنه لما ارتحل (نجم الدين أيوب) والد صلاح الدين إلى مصر بأهله وجماعته، وسار إلى القاهرة، ركب العاضد بنفسه لاستقباله والترحيب به، وخلع العاضد عليه ولقّبه (الملك الأفضل)، وحمل إليه من القصر الألطاف والتحف والهدايا، كما يقول ابن أبي طي في كتابه السابق الذكر(6) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#6).
فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. وكيف قابل نجم الدين كرمه وأريحيته وحسن استقباله؟!. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين وأبوه نجم الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعهم من التآمر عليه وعلى دولته.
كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.
وهكذا يكون العاضد ودولته قد نكبا، وراحا ضحية مطامع نور الدين زنكي، وخيانات صلاح الدين وأبيه من طرف، ومن طرف آخر، إخلاص العاضد للإسلام، ووطنيته تجاه بلده مصر، وإيثاره الاستنجاد بإخوته المسلمين، بدلاً من التفاوض مع الصليبيين والرضوخ إلى ابتزازهم والنزول عند شروطهم، كما فعل صلاح الدين، وكثير غيره من الحكام والسلاطين المسلمين.
يقول المقريزي عن صلاح الدين: (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر البتة)(7) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#7).
والأنكى من ذلك، أن صلاح الدين الذي كان يتحدث عن كرم العاضد وحسن رفادته وضيافته، قد قابل كرم العاضد وحبه الشديد له بالجحود والنكران، فيقول المقريزي: وعاد فكثر القول عن صلاح الدين وأصحابه في ذم العاضد(8) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#8).
يقول أبو شامة في الروضتين: (إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد - وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً... واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين، وكان قد دخل مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، وقد رأيناه بالموصل كثيراً، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا ابتدئ به(9) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#9).
وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً(10) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#10).
ثانياً - خيانته لولي نعمته نور الدين:
كان نور الدين زنكي قد عزم على التخلص من الصليبيين والقضاء عليهم، وبنى خطته على أن يزحف هو من الشام، ويزحف صلاح الدين من مصر، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين، وسار صلاح الدين كما يقول ابن العديم في الجزء الثاني من كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب): (فنازل حصن الشوبك وحصره... فلما سمع نور الدين بذلك، سار من دمشق ليدخل بلاد الإفرنج من الجهة الأخرى، فقيل للملك الناصر صلاح الدين، إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب، ملك بلاد الإفرنج، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام، وإن جاء وأنت هاهنا، فلا بد من الاجتماع به، ويبقى هو المتحكم فيك يما يشاء، والمصلحة الرجوع إلى مصر، فرحل عن الشوبك إلى مصر)(11) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#11).
ولزيادة البيان، ورفع بعض اللبس في النص المتقدم، فقد كرر ابن العديم الرواية في مكان آخر قائلاً: (واتفق نور الدين وصلاح الدين على أن يصل كل منهما من جهة، وتواعدا على يوم معلوم أن يتفقا على قتال الإفرنج، وأيهما سبق أقام للآخر منتظراً أن يقدم عليه، فسبق صلاح الدين ووصل الكرك فحصره، وسار نور الدين فوصل الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان، فخاف صلاح الدين واتفق رأيه ورأي أهله على العودة إلى مصر)(12) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#12).
ويبدو جلياً أن صلاح الدين لم يتوقع النصر السريع على الصليبيين، لذلك زحف متجهاً إلى الكرك، فلما بدت طلائع النصر نكص على عقبيه، مؤثراً الاحتماء من نور الدين بالصليبيين، على معاضدة نور الدين عليهم، فاضطر نور الدين إلى الرجوع غاضباً على صلاح الدين، لإخلاله بخطة نور الدين التي كانا قد اتفقا عليها.
ولم يكن نور الدين بالذي يفوته قصد صلاح الدين من نكوصه عن تنفيذ ذلك الاتفاق، فعزم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدبه، كما نص على ذلك ابن الأثير وأبو شامة وابن العديم وغيرهم، ونكتفي هنا بنص أبي شامة إذ يقول: (وكان نور الدين قد شرع بتجهيز السير إلى مصر، لأخذها من صلاح الدين، لأنه رأى منه فتوراً في غزو الفرنج من ناحيته، فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر، يطلب العساكر ليتركها بالشام لمنعه من الفرنج، ليسير هو بعساكره إلى مصر، فإنه- صلاح الدين - كان يعتقد أن نور الدين متى زال عن طريقه الفرنج أخذ البلاد منه، فكان يحتمي بهم عليه، ولا يؤثر استئصالهم)(13) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#13).
ويتابع أبو شامة كلامه قائلاً: وكان نور الدين لا يرى إلاّ الجدّ في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو وعلم غرضه، تجهز بالسير إليه، فأتاه أمر الله الذي لا يُرَد)(14) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#14)، ولولا الموت الذي وافى نور الدين قبل تنفيذ عزمه، لكان تم تأديب صلاح الدين على يديه، وأقل ما كان يناله منه هو القتل، لأنه هو وحده جزاء من يحتمي بأعداء الأمة.
</B>
<B>الأستاذ إبراهيم محمد جواد
خيانة صلاح الدين وغدره بأولياء نعمته
أولاً- خيانته للخليفة الفاطمي العاضد:
يقول السيد حسن الأمين: (في عام 564هـ كان الصليبيون يهددون مصر (الفاطمية) ويتحفزون للوثوب عليها، بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في أحداث ليس هنا مكان سرد تفاصيلها، فرأى الخليفة الفاطمي (العاضد)، أن لا قبل لمصر بمدافعة الصليبيين، لكثافة قواهم وتفوقها على القوى المصرية، فتجلّت وطنيته على أبرز صورها، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار، وتجاهل ما يحملونه له من عداوة، وأغضى عما طالما بيتوه له ولأسرته من تآمر، وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر، مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته.
ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين، وأرسل في كتب الاستنجاد شعور النساء وقال له: (هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهنّ من الفرنج)(1) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#1).
ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين.
فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، ... وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، وتطلع إلى الوزارة بضعة رجال من قواد الجيش الذي قدم مع أسد الدين، وكان التزاحم بينهم شديداً، ولكن العاضد آثر عليهم جميعاً صلاح الدين.
يقول أبو شامة في كتابه (الروضتين): (فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه).(2) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#2)
وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.
يقول المقريزي: (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة ...إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط ...، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد، أرسل إليّ مدة إقامة الفرنج على دمياط ألف ألف دينار، سوى ما أرسله إليّ من الثياب وغيرها)(3) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#3).
ويقول يحيى بن أبي طي الحلبي، في كتابه الذي ألفه في سيرة صلاح الدين، واصفاً المدى الذي بلغته محبة العاضد لصلاح الدين: (وبلغ من محبته له، أنه كان يدخل إلى القصر راكباً، فإذا حصل عنده أقام معه في قصره اليوم والعشرة، لا يُعلَمُ أين مقرّه... وحكّمه في ماله وبلاده، فحسده من كان معه بالديار المصرية من الأمراء الشامية، ثم إنهم فارقوه وصاروا إلى الشام)(4) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#4).
ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)(5) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#5).
ولم يترك (العاضد) وسيلة تشيد بصلاح الدين، وترفع من شأنه وتزيد في تكريمه إلاّ اتّبعها، من ذلك أنه لما ارتحل (نجم الدين أيوب) والد صلاح الدين إلى مصر بأهله وجماعته، وسار إلى القاهرة، ركب العاضد بنفسه لاستقباله والترحيب به، وخلع العاضد عليه ولقّبه (الملك الأفضل)، وحمل إليه من القصر الألطاف والتحف والهدايا، كما يقول ابن أبي طي في كتابه السابق الذكر(6) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#6).
فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. وكيف قابل نجم الدين كرمه وأريحيته وحسن استقباله؟!. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين وأبوه نجم الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعهم من التآمر عليه وعلى دولته.
كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.
وهكذا يكون العاضد ودولته قد نكبا، وراحا ضحية مطامع نور الدين زنكي، وخيانات صلاح الدين وأبيه من طرف، ومن طرف آخر، إخلاص العاضد للإسلام، ووطنيته تجاه بلده مصر، وإيثاره الاستنجاد بإخوته المسلمين، بدلاً من التفاوض مع الصليبيين والرضوخ إلى ابتزازهم والنزول عند شروطهم، كما فعل صلاح الدين، وكثير غيره من الحكام والسلاطين المسلمين.
يقول المقريزي عن صلاح الدين: (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر البتة)(7) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#7).
والأنكى من ذلك، أن صلاح الدين الذي كان يتحدث عن كرم العاضد وحسن رفادته وضيافته، قد قابل كرم العاضد وحبه الشديد له بالجحود والنكران، فيقول المقريزي: وعاد فكثر القول عن صلاح الدين وأصحابه في ذم العاضد(8) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#8).
يقول أبو شامة في الروضتين: (إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد - وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً... واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين، وكان قد دخل مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، وقد رأيناه بالموصل كثيراً، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا ابتدئ به(9) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#9).
وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً(10) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#10).
ثانياً - خيانته لولي نعمته نور الدين:
كان نور الدين زنكي قد عزم على التخلص من الصليبيين والقضاء عليهم، وبنى خطته على أن يزحف هو من الشام، ويزحف صلاح الدين من مصر، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين، وسار صلاح الدين كما يقول ابن العديم في الجزء الثاني من كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب): (فنازل حصن الشوبك وحصره... فلما سمع نور الدين بذلك، سار من دمشق ليدخل بلاد الإفرنج من الجهة الأخرى، فقيل للملك الناصر صلاح الدين، إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب، ملك بلاد الإفرنج، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام، وإن جاء وأنت هاهنا، فلا بد من الاجتماع به، ويبقى هو المتحكم فيك يما يشاء، والمصلحة الرجوع إلى مصر، فرحل عن الشوبك إلى مصر)(11) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#11).
ولزيادة البيان، ورفع بعض اللبس في النص المتقدم، فقد كرر ابن العديم الرواية في مكان آخر قائلاً: (واتفق نور الدين وصلاح الدين على أن يصل كل منهما من جهة، وتواعدا على يوم معلوم أن يتفقا على قتال الإفرنج، وأيهما سبق أقام للآخر منتظراً أن يقدم عليه، فسبق صلاح الدين ووصل الكرك فحصره، وسار نور الدين فوصل الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان، فخاف صلاح الدين واتفق رأيه ورأي أهله على العودة إلى مصر)(12) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#12).
ويبدو جلياً أن صلاح الدين لم يتوقع النصر السريع على الصليبيين، لذلك زحف متجهاً إلى الكرك، فلما بدت طلائع النصر نكص على عقبيه، مؤثراً الاحتماء من نور الدين بالصليبيين، على معاضدة نور الدين عليهم، فاضطر نور الدين إلى الرجوع غاضباً على صلاح الدين، لإخلاله بخطة نور الدين التي كانا قد اتفقا عليها.
ولم يكن نور الدين بالذي يفوته قصد صلاح الدين من نكوصه عن تنفيذ ذلك الاتفاق، فعزم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدبه، كما نص على ذلك ابن الأثير وأبو شامة وابن العديم وغيرهم، ونكتفي هنا بنص أبي شامة إذ يقول: (وكان نور الدين قد شرع بتجهيز السير إلى مصر، لأخذها من صلاح الدين، لأنه رأى منه فتوراً في غزو الفرنج من ناحيته، فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر، يطلب العساكر ليتركها بالشام لمنعه من الفرنج، ليسير هو بعساكره إلى مصر، فإنه- صلاح الدين - كان يعتقد أن نور الدين متى زال عن طريقه الفرنج أخذ البلاد منه، فكان يحتمي بهم عليه، ولا يؤثر استئصالهم)(13) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#13).
ويتابع أبو شامة كلامه قائلاً: وكان نور الدين لا يرى إلاّ الجدّ في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو وعلم غرضه، تجهز بالسير إليه، فأتاه أمر الله الذي لا يُرَد)(14) (http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/15.htm#14)، ولولا الموت الذي وافى نور الدين قبل تنفيذ عزمه، لكان تم تأديب صلاح الدين على يديه، وأقل ما كان يناله منه هو القتل، لأنه هو وحده جزاء من يحتمي بأعداء الأمة.
</B>