متيم بحب علي
06-08-2012, 02:50 AM
كان ذلك في عام 1967 م ، وكنت يومها معلمة في إحدى المدارس في جنوب طهران ، في ميدان غار ،
دخلت إلى الصف لأول مرة ، وبعد برهة قدّمت نفسي للتلميذات ، ثم أخذت اقرأ الأسماء في دفتر الحضور والغياب
وكان يهمني أن اعرف أسماء الطالبات .
ومن بين كل الطالبات اسنحوذت طالبة نحيلة شاحبة الوجه على اهتمامي ،
وبدأت ألاحظها في دقائق الفرص وأراقبها من بعيد .
وأصبح لغزاً مستعصياً أن أراها كل يوم تتعمد مغادرة المدرسة حتى اللحظة الأخيرة ،
حتى قررت أن أسألها ذات يوم عن سرَ ذلك .
أجابت الفتاة بحسرة وحزن :
أنا مضطرة لذلك ، فـ العجوز الأعمى الذي يجلس في رأس الزقاق هو أبي ، ويتعيّن علي أن آخذ بيده إلى البيت ،
وشيء آخر هو أني أجمع ما ترميه الطالبات في سلّة المهملات من أوراق لأكتب عليه واجباتي المنزلية .
مضى على ذلك عدة شهور ، وبدأ فصل الشتاء وكان الجو قارس البرد ، هطلت الثلوج ثلاث مرات ،
وكان معظم الطالبات يحضرن بأحذية مهترئة ، خاصةً تلك الطالبة التي كانت ترتدي حذاءاً رجالياً ممزقاً ،
حتى أننا نمضي وقتاً طويلاً من أجل تدفئة أقدامهن ، واضطررت أن أحسم جزءً من راتبي الشهري
لاشتري به عدة أزواج من الأحذية .
وجئت إلى المدرسة ذات يوم وأنا أحمل 8 أزواج من الأحذية أخفيتها في الصف ، ولدى انتهاء الحصص ذلك اليوم ،
طلبت من الطالبات اللائي كن في مساس الحاجة إلى الحذاء أن يتأخرن في مغادرة المدرسة ،
وحصل ذلك وكنت أتوقع في اليوم التالي أن أرى الجميع وهن يرتدين أحذيتهن الجديدة الدافئة .
ولكن ما حصل أن تلك الطالبة الفقيرة جاءت ترتدي ذات الحذاء الرجالي الممزق !
شعرت بالغيظ من أجل ذلك ، ولكني تظاهرت باللامبالاة ، وفي آخر الدوام استدعيتها وسألتها عن سبب عدم
ارتدائها الحذاء الجديد فأجابت باقتضاب :
- يا سيدتي لقد رأيتني دون حذاء فاشتريت لي ذلك ، ولكن هل رأيتِ فاطمة في الصف الآخر ؟!
قلت :
- كلا !
سكتت لحظة وقالت :
- صحيح أني يتيمة الأم ، ولكن لي أب أعمى يستطيع أن يهيء لي حذاءاً ،
ولكن فاطمة المسكينة ليس لها أم ولا أب ، وهي تأتي كل يوم حافية إلى المدرسة ..
من أجل ذلك أعطيتها حذائي . .!
مرّت لحظات شعرت أنني أغوص في نفسي ، ...
لقد علمتني درساً لن أنساه طوال حياتي ، لقد فجّرت في اعماقي روح الفداء والتضحية ..
شعرت أنها تحطم الرقم القياسي لـ كرم " حاتم الطائي " .. ذلك أنها وهبت ما كانت في امس الحاجة إليه .
مر عام على تلك الحادثة وانتقلت إلى مدرسة أخرى وانقطعت عني أخبار تلك الطالبة .
وعندما انفجرت الثورة الإسلامية لمحتها في زحمة المتظاهرين من شباب الجامعة ،
كانت ما تزال نحيلة الجسم شاحبة الوجه ، تأكدت أنها هي تلك الطالبة التي تعرّفت عليها منذ 11 عاماً .
[ مجلة رشد معلم - من ذكريات السيدة كرماني ]
دخلت إلى الصف لأول مرة ، وبعد برهة قدّمت نفسي للتلميذات ، ثم أخذت اقرأ الأسماء في دفتر الحضور والغياب
وكان يهمني أن اعرف أسماء الطالبات .
ومن بين كل الطالبات اسنحوذت طالبة نحيلة شاحبة الوجه على اهتمامي ،
وبدأت ألاحظها في دقائق الفرص وأراقبها من بعيد .
وأصبح لغزاً مستعصياً أن أراها كل يوم تتعمد مغادرة المدرسة حتى اللحظة الأخيرة ،
حتى قررت أن أسألها ذات يوم عن سرَ ذلك .
أجابت الفتاة بحسرة وحزن :
أنا مضطرة لذلك ، فـ العجوز الأعمى الذي يجلس في رأس الزقاق هو أبي ، ويتعيّن علي أن آخذ بيده إلى البيت ،
وشيء آخر هو أني أجمع ما ترميه الطالبات في سلّة المهملات من أوراق لأكتب عليه واجباتي المنزلية .
مضى على ذلك عدة شهور ، وبدأ فصل الشتاء وكان الجو قارس البرد ، هطلت الثلوج ثلاث مرات ،
وكان معظم الطالبات يحضرن بأحذية مهترئة ، خاصةً تلك الطالبة التي كانت ترتدي حذاءاً رجالياً ممزقاً ،
حتى أننا نمضي وقتاً طويلاً من أجل تدفئة أقدامهن ، واضطررت أن أحسم جزءً من راتبي الشهري
لاشتري به عدة أزواج من الأحذية .
وجئت إلى المدرسة ذات يوم وأنا أحمل 8 أزواج من الأحذية أخفيتها في الصف ، ولدى انتهاء الحصص ذلك اليوم ،
طلبت من الطالبات اللائي كن في مساس الحاجة إلى الحذاء أن يتأخرن في مغادرة المدرسة ،
وحصل ذلك وكنت أتوقع في اليوم التالي أن أرى الجميع وهن يرتدين أحذيتهن الجديدة الدافئة .
ولكن ما حصل أن تلك الطالبة الفقيرة جاءت ترتدي ذات الحذاء الرجالي الممزق !
شعرت بالغيظ من أجل ذلك ، ولكني تظاهرت باللامبالاة ، وفي آخر الدوام استدعيتها وسألتها عن سبب عدم
ارتدائها الحذاء الجديد فأجابت باقتضاب :
- يا سيدتي لقد رأيتني دون حذاء فاشتريت لي ذلك ، ولكن هل رأيتِ فاطمة في الصف الآخر ؟!
قلت :
- كلا !
سكتت لحظة وقالت :
- صحيح أني يتيمة الأم ، ولكن لي أب أعمى يستطيع أن يهيء لي حذاءاً ،
ولكن فاطمة المسكينة ليس لها أم ولا أب ، وهي تأتي كل يوم حافية إلى المدرسة ..
من أجل ذلك أعطيتها حذائي . .!
مرّت لحظات شعرت أنني أغوص في نفسي ، ...
لقد علمتني درساً لن أنساه طوال حياتي ، لقد فجّرت في اعماقي روح الفداء والتضحية ..
شعرت أنها تحطم الرقم القياسي لـ كرم " حاتم الطائي " .. ذلك أنها وهبت ما كانت في امس الحاجة إليه .
مر عام على تلك الحادثة وانتقلت إلى مدرسة أخرى وانقطعت عني أخبار تلك الطالبة .
وعندما انفجرت الثورة الإسلامية لمحتها في زحمة المتظاهرين من شباب الجامعة ،
كانت ما تزال نحيلة الجسم شاحبة الوجه ، تأكدت أنها هي تلك الطالبة التي تعرّفت عليها منذ 11 عاماً .
[ مجلة رشد معلم - من ذكريات السيدة كرماني ]