مشاهدة النسخة كاملة : تفسير بعض من آيات سورة البقرة ( متسلسل )
عبد القهار
11-27-2012, 05:45 PM
(الم ) إنّ الحروف التي في أوائل السور كلّ حرفٍ منها يرمز إلى كلمة ، والحرف يكون في أوّل الكلمة ، فالألف معناه إقرأ ، والخطاب للنبيّ (ع ) ، وهذه أوّل سورة نزلت على النبيّ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . واللام معناه لَهم أي للناس ، والميم يرمز إلى إسم محمّد ، فيكون المعنى : إقرأ للناس يا محمّد ، أو إقرأ لَهم يا محمّد ، والمعنى واحد .
(ذَلِكَ الْكِتَابُ ) ويريد بالكتاب ما نزل من السوَر والآيات قبل سورة البقرة وكتبها أصحاب النبيّ عندهم ، وهي سورة القلم والمزمّل والمدثّر وغيرها ، لأنّ الكلام الذي لا يُكتب في القرطاس وغيره لا يسمّى كتاباً ، وإنّ جبرائيل (ع ) لم ينزل بكتاب من السماء ، بل نزل بسور وآيات كان يتلوها على محمّد ، ولَمّا كتبها أصحابه وحفظوها عندهم حينئذٍ جاز تسميتها بالكتاب ، فلفظة ذلك وتلك تشير إلى ما كتبوه من السور والآيات قبل نزول هذه السورة ، كقوله تعالى في سورة يونس {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}.
17 – (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) أي مثَل هؤلاء المنافقين كمثَل أصحاب الذي استوقد ناراً ، يعني طلب إيقاد النار ، وهو موسى بن عمران . قال الله تعالى في سورة القصص {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } .
والمعنى : مثَل هؤلاء النافقين وفعلهم معك يا محمّد كمثَل المنافقين من قوم موسى وفعلهم معه ، ومِمّا يؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} .
(فَلَمَّا أَضَاءتْ ) يعني فلمّا أضاءت الشجرة التي كلّم الله تعالى منها موسى وهي شجرة الزيتون ، أضاءت بالعلم والهداية (مَا حَوْلَهُ ) يعني أضاءت على موسى ومن حوله وهم بنو إسرائيل بأن أنقذهم من يد فرعون وخلّصهم من عذابه ، وفعلاً كانت الشجرة تضيء بالنور ولذلك ظنّها موسى ناراً . فكفر بنو إسرائيل بعد ذلك وفسقوا وخيّم الجهل عليهم فقالوا أرِنا الله جهرةً فأخذَتهم الصاعقة وصارت ظلمة ، وهذا معنى قوله تعالى (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ) أي بنور الهداية من فاسقي بني إسرائيل (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) الجهل (لاَّ يُبْصِرُونَ ) الحقّ .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
11-28-2012, 01:24 AM
19 – (أَوْ ) مثَلهم (كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء ) أي كأصحاب الصيّب ، وهو السحاب الكثير الصوب ، والصوب هو المطر الشديد ، ومن ذلك قول الحسين (ع ) : "بين أناسٍ لا سُقوا صوب المزن" . والمعنى : أو مثَلهم كمثَل قومٍ أخذَتهم السماء بالسحاب والمطر والظلمة والبرق والرعد ليخوّفهم الله بالصواعق ويردعهم كي يرجعوا عن غيّهم ويتركوا طلبتهم التي ساروا خلفها يطلبونها ولكنّهم لم يرتدعوا بتلك الحوادث ولم يرجعوا عن غيّهم بل أخذوا يسيرون عند إنارة البرق ويقيمون عند الظلمة لأنّ سفرهم كان بالليل ، وذلك قوله تعالى [ في الآية التالية] : {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} وهم قوم فرعون ساروا في طلب موسى وقومه وكان مسيرهم ليلاً ، فردعهم الله تعالى بالمطر والرعد والبرق والصواعق فلم يرتدعوا بل ساروا في طلبهم حتّى أدركوهم صباحاً فأغرقهم الله في البحر وأهلكهم جزاءً لعنادهم ، فكذلك المنافقون من قومك يا محمّد إن لم يرجعوا عن غيّهم ويصلحوا أعمالهم فإنّ الله يهلكهم كما أهلك فرعون وقومه ، وذلك قوله (فِيهِ) أي في ذلك الصيّب يعني السحاب (ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) الضمير يعود لأصحاب الصيّب وهم قوم فرعون (مِّنَ الصَّوَاعِقِ) أي من شدّة الصواعق وأصوات الرعد (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خوفاً من أن يموتوا (واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) يعني لا يفوتونه مهما لزموا الحذر .
وإليك بعض آراء المفسّرين حول هذه الآية كي تقارن بين تفسيري وتفسيرهم .
آراء المفسّرين
عن كتاب مجمع البيان للشيخ الطبرسي المجلّد الأوّل صفحة 56 قال :
"مثَل هؤلاء المنافقين في جهلهم وشدّة عنادهم (كَصَيِّبٍ ) أي كأصحاب مطر (مِّنَ السَّمَاء) أي منزل من السماء (فِيهِ ) أي في هذا المطر أو السماء لأنّ المراد بالسماء السحاب فهو مذكّر (ظُلُمَاتٌ ) لأنّ السحاب يغشى الشمس بالنهار والنجوم بالليل فيظلم (وَرَعْدٌ ) وقيل إنّ الرعد صوت ملّك يزجر السحاب وقيل الرعد هو ملّك موكّل بالسحاب يسبّح ، روِي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وهو المروي عن أئمّتنا عليهم السلام ، وقيل هو ريح تختنق تحت السماء رواه أبو الجلد عن ابن عباس ، وقيل هو صوت اصطكاك أجرام السحاب ، ومن قال أنّه ملَك قدّر فيه صوتاً كأنّه قال فيه ظلمات وصوت رعد لأنّه روي أنّه يزعق كما يزعق الراعي بغنمه ، وقوله (وَبَرْقٌ ) قيل أنّه مخاريق الملائكة من حديد تضرب به السحاب فتنقدح عنه النار عن علي (ع ) ، وقيل أنّه سوط من نور يزجر به الملَك السحاب عن ابن عباس ، وقيل هو مصع ملَك عن مجاهد والمصاع المجالَدة بالسيوف وغيرها ، وقيل أنّه نار تنقدح من اصطكاك الأجرام ، وفي تأويل الآية وتشبيه المثَل أقوال أحدها أنّه شبّه المطر المنزل من السماء بالقرآن وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء وبما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر وما فيه من البرق بما فيه من البيان وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد آجلاً والدعاء إلى الجهاد عاجلاً عن ابن عباس ، وثانيها أنّه مثل للدنيا شبّه ما فيها من الشدّة والرخاء بالصيّب الذي يجمع نفعاً وضرراً وأنّ المنافق يدفع عاجل الضرر ولا يطلب آجل النفع ، وثالثها أنّه مثل الإسلام لأنّ فيه الحياة وشبّه ما فيه من الظلمات بما في أسلافهم من إبطان الكفر وما فيه من الرعد بما في الإسلام من فرض الجهاد وخوف القتل ولِما يخافونه من وعيد الآخرة لشكّهم في دينهم وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وموارثتهم ، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل .
ورابعها ما روِي عن ابن مسعود وجماعته من الصحابة أنّ رجلين من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله (ص) فأصابهما المطر الذي ذكره الله تعالى فيه رعد شديد وصواعق وبرق وكلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما مخافة أن تدخل الصواعق في آذانهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا فأقاما فجعلا يقولان يا ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يديه فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين الرجلين مثلاً لمنافقي المدينة وأنهم إذا حضروا النبي جعلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء كما كان ذلك الرجلان يجعلان أصابعهما في آذانهما وكلما أضاء لهم مشوا فيه يعني إذا كثرت أموالهم وأصابوا غنيمة أو فتحاً مشوا فيه وقالوا دين محمد صحيح وإذا أظلم عليهم قاموا يعني إذا هلكت أموالهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد فارتدوا كما قام ذانك الرجلان إذا أظلم البرق عليهما وقولـه: { والله محيط بالكافرين } يحتمل وجوهاً: أحدها: أنه عالم بهم فيعلم سرائرهم ويطلع نبيّه على ضمائرهم عن الأصم وثانيها: أنه قادر عليهم لا يستطيعون الخروج عن قدرته قال الشاعر:
أَحَطْنَا بِهِمْ حتَّى إِذَا مَا تَيَقَّنُوا بِما قَدْ رَأوا مَالُوا جَميعاً إلى السِّلْمِ
أي قدرنا عليهم وثالثها: ما روي عن مجاهد أنه جامعهم يوم القيامة يقال أحاط بكذا إذا لم يشذّ منه شيء ومنه أحاط بكل شيء علماً أي لم يشذ عن علمه شيء ورابعها: أنه مهلكهم يقال أحيط بفلان فهو محاط به إذا دنا هلاكه قال سبحانه { وأحيط بثمره } [الكهف: 42] أي أصابه ما أهلكه وقولـه: { إلاّ أن يحاط بكم } معناه أن تهلكوا جميعاً." انتهى .
أقول لو صحّ ما روِي عن ابن مسعود في أمر الرجلين وأنّ الله تعالى ضرب بِهما مثَلاً لَجاء سياق الآية والكلام على التثنية ، ولم يأتِ على الجمع فكيف وقد قال الله تعالى {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} وقال أيضاً {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} ، وهم قوم فرعون ساروا ليلاً في طلب موسى وقومه حتّى أدركوهم صباحاً .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
11-29-2012, 07:03 AM
23 – (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شكّ ، والخطاب للمشركين (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) محمّد (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) يعني من مثل القرآن فصاحة وبلاغة (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم) جمع شهيد وهو الجليس الذي تراه وتجالسه ، والمعنى : وادعوا أصنامكم التي تجلسون عندها وتنظرون إليها ، ومن كانت هذه صفته فليس بإله ؛ فإنّ الله تعالى لا تجالسه البشر ولا تراه العيون ، وقوله (مِّن دُونِ اللّهِ) أي التي اتّخذتموها بدلاً عن الله مع كونِها حقيرة، والتقدير : وادعوا شهداءكم من دون الله فليستجيبوا لكم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) في دعواكم بأنّ الأصنام آلهة تدعونَها فتستجيب .
24 – (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) يعني فإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم عن ذلك ولن يستجيب لكم شهداؤكم عند دعائكم لهم ، إذاً (فَاتَّقُواْ النَّارَ) بإيمانكم ، أي صدّقوا محمّداً كي تتّقوا النار ولا تتعذّبوا فيها تلك (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ) يعني تكون الناس لَها مقام الحطب (وَالْحِجَارَةُ) هي نار البراكين والأحجار المبيضة من شدة الحرارة التي تقذف بِها البراكين من جوف الأرض ، وقد سبق تفسيرها في كتابنا (الكون والقرآن) ، (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) أي هيّئت لهم .
آراء المفسّرين
لقد اختلف المفسّرون في كلمة { شُهَدَاءكُم} فظنّوها جمع شاهد ، ولذلك لم يفهموا معنى الآية وإليك أقوالهم عن [مجمع البيان] صفحة 62: " { وادعوا شهداءكم } قال ابن عباس يعني أعوانكم وأنصاركم الذين يظاهرونكم على تكذيبكم وسمى أعوانهم شهداء لأنهم يشاهدونهم عند المعاونة والشهيد يكون بمعنى المشاهد كالجليس والأكيل ويسمى الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه بأنه شهيد أيضاً وقولـه: { من دون الله } أي من غير الله كما يقال ما دون الله مخلوق يريد وادعوا من اتخذتموهم معاونين من غير الله: { إن كنتم صادقين } في أن هذا الكتاب يقولـه محمد من نفسه. وقال الفراء: أراد وادعوا آلهتكم وقال مجاهد وابن جريج: أراد قوماً يشهدون لكم بذلك ممن يقبل قولـهم وقول ابن عباس أقوى لأن معناه استنصروا أعوانكم على أن يأتوا بمثله لأن الدعاء بمعنى الإستعانة كما قال الشاعر:
فَلَمَّا الْتَقَتْ فرْسانُنا وَرِجالُنَا دَعَوْا يا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنَا لِعامِرِ
وقال آخر:
وَقَبْلَكَ رُبَّ خَصْمٍ قَدْ تَمالُوا عَلَيَّ فَما جَزَعْتُ وَلاَ دَعَوْتُ
وأما قول مجاهد فلا وجه له لأن الشاهدين لا يخلو إما أن يكونوا مؤمنين أو كفاراً فالمؤمنون لا يكونون شهداء للكفار والكفار لا بّد أن يسارعوا إلى إبطال الحق أو تحقيق الباطل إذا دعوا إليه فمن أي الفريقين يكون شهداؤهم ولكن ينبغي أن يجري ذلك مجرى قولـه تعالى:
{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }
[الإِسراء: 88] وقال قوم إن هذا الوجه جائز أيضاً صحته لأن العقلاء لا يجوز أن يُحملوا نفوسهم على الشهادة بما يفتضحون به في كلام أنه مثل القرآن ولا يكون مثله كما لا يجوز أن يُحملوا نفوسهم على أن يعارضوا ما ليس بمعارض على الحقيقة." انتهى .
25 – (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ ) سبق تفسيرها في كتابنا (الإنسان بعد الموت) .
26 - (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا) يعني مثلاً من الأمثال من صغير الحشرات إلى كبار الحيوانات ، وذلك قوله تعالى (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) أي فما تجاوزها وزاد عليها ، لأنّ الله تعالى لَمّا ضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قوم من المشركين وعابوا ذكره وقالوا ماذا أراد الله بالعنكبوت فيضرب به مثلاً ، وما هذه الأمثال إلاّ من محمّد ؛ فأنزل الله هذه الآية ، ومعنى {لاَ يَسْتَحْيِي} يعني لا يرى في ذلك من حياء ، أي لا يرى من عيب في ضرب الأمثال بالحشرات لأنّه هو الذي خلقها وهو أعلم بضعفها وقوّتِها وطباعها ولا فرق بينكم وبينها في الخلقة فهي مخلوقاته وأنتم عبيده . والبعوض صغار البقّ وإنّما لم يقل بعوضةً فما أكبر منها ، لأنّ ذلك يدلّ على الكبر فقط ، وأراد سبحانه بلفظة {فَمَا فَوْقَهَا} الغريزة والقوّة والكبر ، (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) أي القرآن منزل من ربّهم وليست هذه الأمثال من محمّد (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا) أي بالحشرات فيضرب بِها (مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) لأنّ الناس على قسمين صالح وفاسق : فالصالح من كانت أخلاقه حسنة صادق القول كريم النفس رحيم القلب رؤوف بالمساكين لا يتكبّر على الضعفاء ، وأمّا الفاسق فهو عكس ذلك كاذب في قوله متكبّر في نفسه ظالم جائر نمّام بخيل ، فإن لم تكن هذه الصفات كلّها فيه فبعضها . فالصالحون يتّبعون المحكم من القرآن فيهتدون به ويتركون حكم المتشابه إلى الله . أمّا الفاسقون فيتركون المحكم ويعترضون على المتشابه فيضلّون به ، وذلك قوله تعالى {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} يعني كثيرٌ من الناس يضلّون عن الحقّ باتباعهم المتشابه من القرآن ، وكثيرٌ من الناس يهتدون باتباعهم المحكم من القرآن دون الالتفات إلى المتشابه (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) يعني إلاّ من كان سيّء الأخلاق . ثمّ أخذ سبحانه في ذمّ الفاسقين فقال :
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
11-30-2012, 02:42 AM
27 – (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) يعني ينقضون العهد الذي عاهدوا به أنبياء الله الماضين بان لا يشركوا بالله شيئاً ولا يقتلوا النفس التي حرّم الله قتلها ولا يزنوا ، وقد أخلفوا الله ما عاهدوه (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) يعني ويقطعون صلة الرحم التي أمر الله بصلتها (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) بالفتن وقطع السبيل ويصدّون من آمَن بمحمّد (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فأبدلوا النعيم بالجحيم .
28 – (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) إنّ هذه الآية لَها معنيان أحدهما يدلّ على خلق آدم والثاني يدلّ على خلق نسله ، أمّا خلق آدم فقد شرحتها شرحاً وافياً في كتابي (الكون والقرآن) تحت عنوان (الحياة انتقالية) ، أمّا خلق نسله فخلقهم من عناصر أرضية فكان منها الغذاء وكان من الغذاء المني وكان من المني الجنين ، فقوله تعالى {كُنتُمْ أَمْوَاتاً} يعني كنتم جماداً فجعلكم أحياء تسمعون وتبصرون . ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة ياسين {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} . فجسم الإنسان يتكوّن من مواد أرضية وذلك من مركّبات الكبريت والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم والكلس والحديد ، فالأشجار تمتصّ هذه المواد من الأرض فتصبح فيها فاكهة فإذا أكلها الإنسان أخذ جسمه ينمو ويكبر بِهذه الأغذية ( ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انتهاء أعماركم ( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) الحياة الأثيرية ، وذلك بعد الموت في عالم الأثير (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، أي يرجع حكمكم إليه فيحكم بينكم بالعدل .
29 – (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) من جبال وأنهار ونبات وأنعام ، وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن)في تعريف السماوات الغازية :
لسماوات_الغازيّة_
30 – (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) يخلف مَن مضى قبله من الأمم (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) كما فسدت الأمم الماضية 1 ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ألا تكتفي بنا عبيداً (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي أنا أعلم أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ولكن لي منهم نخبة وفيهم الكفاية فهؤلاء يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ، ويريد بذلك الأنبياء والهداة . وقد سبق شرح هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن) .
-------------------------------------------
1[بينما المفسّرون السابقون يخالون أنّه تعالى جعل آدم خليفة لله , ويا عجباً كيف ظنّوا ذلك والخليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء ! والمؤلّف هو أوّل من أوضح الخلافة هذه وبيّن كون أبينا آدم هذا آخر أب للجنس الرابع . – المراجع]
31- (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) أي أسماء الأنبياء والهداة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ) أي عرض كنيتهم على الملائكة ، فقال تعالى : أتعرفون خليلي منهم ؟ قالوا : لا ، قال : أتعرفون كليمي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون روحي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون حبيبي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون أمري منهم ؟ قالوا : لا نعرف ، (فَقَالَ) الله تعالى للملائكة (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء) الدعاة إلى الله (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) بأنّكم تعلمون أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
11-30-2012, 03:22 PM
32 – (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) أي تنزيهاً لك عن الخطأ فإنّك لا تخلق الخلق إلاّ لمصلحة فإنّنا لا علم لنا بالغيب إلاّ ما أنبأتنا عنه (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ) بِما غاب عنّا (الْحَكِيمُ) في مخلوقاتك لا تخلق شيئاً عبثاً .
33- (قَالَ) الله تعالى (يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ) أي علّمْهم بأسماء هؤلاء الدعاة إلى الله الذين يأتون من نسلك ، فقال آدم للملائكة : إسم خليله إبراهيم ، واسم كليمه موسى ، واسم روحه عيسى ، واسم حبيبه محمّد ، واسم أمره محمّد أيضاً : المهدي صاحب الزمان ، وهكذا أعلمهم آدم أسماء الدعاة إلى الله : من ذكرنا ومن لم نذكر ، (فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ) الله تعالى للملائكة (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي أعلم ما غاب عنكم في السماوات وفي الأرض (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ) أي ما تظهرون (وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) أي وما تخفون في ضمائركم .
آراء المفسّرين
في قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا}قال الطبرسي في صفحة 76 : "أي علمه معاني الأسماء إِذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لإشارة الفضيلة بها وقد نبه الله تعالى الملائكة على ما فيها من لطيف الحكمة فأقروا عندما سئلوا عن ذكرها والإخبار عنها أنه لا علم لهم بها فقال الله تعالى { يا آدم أنْبِئهم بأسمائهم } عن قتادة وقيل إنه سبحانه علمه جميع الأسماء والصناعات وعمارة الأرضين والأطعمة والأدوية واستخراج المعادن وغرس الأشجار ومنافعها وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير, وعن أكثر المتأخرين.
وقيل إنه علمه أسماء الأشياء كلها ما خلق وما لم يخلق بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده بعده عن أبي علي الجبائي وعلي بن عيسى وغيرهما قالوا فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا تكلم كل قوم بلسان ألفوه واعتادوه وتطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه ويجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح (ع) فلما أهلك الله الناس إلا نوحاً ومن تبعه كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا وتفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها وتركوا ما سواه ونسوه.
وقد روي عن الصادق (ع) أنه سئل عن هذه الآية فقال: الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال وهذا البساط مما علمه وقيل إنه علمه أسماء الملائكة وأسماء ذريته عن الربيع, وقيل إنه علمه ألقاب الأشياء ومعانيها وخواصها وهو أن الفرس يصلح لماذا والحمار يصلح لماذا وهذا أبلغ لأن معاني الأشياء وخواصها لا تتغير بتغير الأزمنة والأوقات وألقاب الأشياء تتغير على طول الأزمنة."
وقالوا في تفسير قوله تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} صفحة 77 قال :
" واختلف في كيفية العرض على الملائكة فقيل إنما عرضها على الملائكة بأن خلق معاني الأسماء التي علّمها آدم حتى شاهدتها الملائكة وقيل صوّر في قلوبهم هذه الأشياء فصارت كأنهم شاهدوها وقيل عرض عليهم من كل جنس واحد وأراد بذلك تعجيزهم ..الخ ".
أقول إنّ الله تعالى لم يقل : علّمنا آدم اللغات والصناعات واستخراج المعادن وغير ذلك مِمّا ذكر المفسّرون ولا قدرة للإنسان أن يتعلّم جميع اللغات والصناعات ولو أنّه قضّى حياته في المدارس والكلّيات وكيف يتعلّم جميع اللغات والإنسان شديد النسيان وقد قال الله تعالى في سورة طا ها {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} ، وقد خاطب الله حبيبه خاتم الأنبياء بقوله في سورة الأعلى {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى . إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ} ، وقال أيضاً في سورة الأنعام {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ، ثمّ لو كان المراد بذلك أسماء الأشياء لقال تعالى : ثمّ عرضها على الملائكة ، فكيف وقد قال تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} يعني عرض هؤلاء الأشخاص على الملائكة ، يعني كنيتهم ، فقال تعالى {أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ولم يقل أنبؤوني بأسماء الجبال والأودية والشعاب إن كنتم صادقين . ثانياً إنّ كلمة {هَـؤُلاء} تشير إلى أشخاص ولا يجوز استعمالها للجمادات ، فلو صحّ ما ذهب إليه المفسّرون لقال تعالى : أنبؤوني بأسماء تلك الأشياء إن كنتم صادقين ، ولم يقل {بِأَسْمَاء هَـؤُلاء} .
ثمّ إنّ مدار الحديث واعتراض الملائكة كان حول نسل آدم فكان الجواب من الله تعالى حول نفس الموضوع ، وذلك قوله تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يعني أنا أعلم ما سيكون من نسل آدم من رجال هداة تقاة صالحين لا يفسدون ولا يسفكون بل يصلحون ويعبدون وإن كان الكثير من نسله يفسدون ويسفكون .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-01-2012, 01:33 PM
35 – (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) البستان تسمّى بلسان العرب جنّة ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم:
كانتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهرةٌ فيها الفراديسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
فإنّ الله تعالى خلق آدم وحوّاء على جبل من جبال الأرض ، وكان فيه كثير من الأشجار والفواكه وفيه ينابيع المياه ويكتنف أصناف الطيور والأنعام ، ولذلك قال الله تعالى (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا) أي وكلا من ثمار الجنة وطيورها وأنعامها واشربوا من ألبانِها ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
بَيْنَمَا المَرْءُ تَراهُ نَاعِمــاً يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
(وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ) لأنّ فيها شوكاً يمزّق ثيابَهما ويخدش أيديهما عند تناولِهما من ثمرتِها ولذلك منعهما من التقرّب إليها 1 وهي شجرة العلّيق "علگة" (فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) لأنفسكما بتناولكما من ثمرتِها .
وذلك الجبل هو قطعة من كوكب كان مسكوناً في قديم الزمان وكان فيه من البشر والحيوان والنبات وغير ذلك من الأحياء ، فلمّا قامت قيامته تمزّق فصارت نيازك سقط بعضها على أرضنا فصارت جبالاً ، ولَمّا سقطت عليها الأمطار وكان في تلك الجبال بذور الأشجار والنباتات أخذت تنبت وتنمو وأصبحت بساتين فوق تلك الجبال ، قال الله تعالى في سورة الرعد (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ) ، والمعنى (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ) ليست من الأرض 2 سقطت عليها فصارت جبال (مُّتَجَاوِرَاتٌ) جاور بعضها بعضاً (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ) أي بساتين من أعناب ، يعني من فواكه . ولَمّا نمت النباتات والأشجار على تلك الجبال خلق الله تعالى عليها طيوراً وأنعاماً وخلق آدم وحوّاء فوق جبل من تلك الجبال .
----------------------------------------------
1[والمؤلّف أوّل من فرّق بين تحريم الاقتراب منها وبين الأكل منها كما زعم أكثر المفسّرين ، ولو كانت الشجرة محرّم أكلها لَضلّ ذلك حتّى اليوم ، فالبرّ والتفّاح من أعمدة الحياة وضرورات الغذاء ، والتفّاح من أهمّ الفواكه وأكثرها احتواءً على الحديد ، فلا يعقل تحريمهما ، لكن شجرة العلّيق مِمّا يحذر الاقتراب منها حتّى هذا الزمن – المراجع ]
2[قال المراجع : أثبت علم الجيولوجيا أنّ جبال همالايا ليست من أرضنا , بل أنّها رست عليها بعد أن كانت تدور حول الأرض . ]
36 – (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) أي فأذهبهما الشيطان عن تلك الجنة وأبعدهما بوسوسته وإغوائه (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) من النعم لأنّهما أكلا من تلك الشجرة وهو توت العلّيق (وَ) عصيا ربّهما (قُلْنَا اهْبِطُواْ ) من الجبل إلى الأرض المستوية ، يعني آدم وحوّاء والأنعام والطيور التي كانت في تلك الجنة كلّهم نزلوا إلى الأرض (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يعني جعلنا بينكم عداوة جزاءً لِعصيانكم أمر ربّكم ، فصار إبليس عدوّاً لآدم وأولاده ، وصار آدم عدوّاً لإبليس ، فصار أولاد آدم بعضهم يعادي بعضاً (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي راحة وسكون (وَمَتَاعٌ) من المأكل والملبس والأثاث وكلّ شيء يتمتّع به الإنسان (إِلَى حِينٍ) أي إلى يوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فتخرج النفوس منها وتنتشر في الفضاء .
القصّة : لَمّا أكل آدم من تلك الشجرة أخذت الينابيع تجفّ لأنّها شقّت طريقاً من أسفل الجبل وصارت تجري على الأرض ، ولَمّا جفّت المياه فوق الجبل يبست الأشجار ونفدت الثمار فلم يبقَ في تلك البستان ما يعيشون عليه فشكَوا إلى ربّهم فأوحى إليهم أن اهبطوا إلى الأرض المستوية ، فقالا ربّنا نخاف أن لا نجد عليها ما نأكل ونشرب ، فأخذ سبحانه يحثّهم على النزول فقال تجدون فيها ما تأكلون وتشربون ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين . وأراد سبحانه أن يفرّقهم في الأرض كي ينتشروا فيها ويتكاثروا .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-03-2012, 04:09 AM
37 – (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) نزل بِها جبرائيل فعلّمه إيّاها فدعا بِها آدم وهي : "اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فارحمني إنّك أنت أرحم الراحمين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فتبْ عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ." (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) لِمن عمل سيّئة بجهالة ثمّ تاب في مدّة قريبة (الرَّحِيمُ ) بعباده التائبين النادمين .
آراء المفسّرين
في الجنة : صفحة (85 ) قال الطبرسي : "اختلف في الجنة التي أسكن فيها آدم فقال أبو هاشم هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد لأن جنة الخلد أكُلها دائم ولا تكليف فيها وقال أبو مسلم هي جنة من جنان الدنيا في الأرض" "{ ولا تقربا هذه الشجرة } أي لا تأكلا منها فمعناه لا تقرباها بالأكل ويدل عليه أن المخالفة وقعت بالأكل بلا خلاف لا بالدنو منها." "واختلف في الشجرة التي نهي عنها آدم فقيل هي السنبلة عن ابن عباس وقيل هي الكرمة عن ابن مسعود والسدّي وقيل هي التينة عن ابن جرير وقيل هي شجرة الكافور. وقيل هي شجرة العلم علم الخير والشر عن الكلبي وقيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة عن ابن جذعان." وقيل هي شجرة التفّاح .
أقول : إنّ نبتة الحنطة لا تسمّى شجرة ، وأمّا التين والعنب والتفّاح فهي من الفواكه الطيّبة المباح أكلها ، وأمّا علم الخير والشرّ فليس له أشجار ، وأمّا الكافور فلا يُؤكل .
40 – ثمّ أخذ سبحانه في خطاب بني إسرائيل فقال : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) في الماضي ، أراد بذلك النعم التي أنعم بِها على أسلافهم من كثرة الأنبياء فيهم والكتب ونجاتِهم من فرعون ومن الغرق وإنزال المنّ والسلوى عليهم وكون الملك فيهم في زمن داود وسليمان وغير ذلك (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي) أي بما عاهدتموني عليه من الإيمان والطاعة بي وأن لا تشركوا بي شيئاً وكان العهد على يد موسى نبيّكم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) أي بِما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أي خافوني في نقض العهد . 1
وإليك بعض العهود التي عاهدوا الله عليها ، فقد جاء في التثنية من التوراة في الإصحاح الخامس قال :
"وَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل وَقَال لهُمْ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا قَطَعَ مَعَنَا عَهْداً فِي حُورِيبَ . فَقَال: لا يَكُنْ لكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي . لا تَصْنَعْ لكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ . لا تَسْجُدْ لهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ "
هذه بعض العهود التي أخذها عليهم ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم و عشتاروث وغير ذلك .
------------------------------------------------
1 [وقد أكثر موسى (ع ) من تذكير قومه بلزوم قصر عبادتهم بالله تعالى وأكّد ذلك غير مرّة ، ومنها الفصل 30 من التثنية حتّى النفَس الأخير وهو يردّد "وقد أشهدتُ عليكم اليوم السماء والأرض" 15-20 – المراجع ]
42 – (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ) أي لا تخلطوا الحقّ بالباطل ، والحقّ يريد به التوراة ، والباطل كلامهم ، ويريد بذلك ما حرّفوه وبدّلوه من التوراة (وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ ) أي تكتموا صفة محمّد التي جاء ذكرها في التوراة والإنجيل (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّ وراءكم حساب وعقاب ، والخطاب موجّه إلى علمائهم .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-04-2012, 03:01 PM
45 – (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) الآية معطوفة على قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ..الخ ) من آية 21 والخطاب لقريش ، وذلك لَمّا قال النبي (ع ) : آمِنوا ، فقال بعضهم إذا آمنّا فإنّ قومنا يؤذوننا ويأخذون أموالنا 1 ، وذلك قوله تعالى في سورة القصص {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) يعني آمِنوا واستعينوا على قومكم بالصبر وإنّ الله ينصركم عليهم ، وقوله (وَالصَّلاَةِ ) يعني واستعينوا عليهم أيضاً بالصلاة والدعاء إلى الله وهو ينجيكم منهم وينصركم عليهم (وَإِنَّهَا ) أي الصلاة (لَكَبِيرَةٌ ) أي لثقيلة على الناس فلا يواظبون عليها وخاصّةً المتكبّرون منهم (إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) أي المتواضعين لا تثقل عليهم لأنّهم وطّنوا أنفسهم على أدائها وإنّهم لا يأنفون من الركوع والسجود .
-----------------------------------------------
1 [ومِمّا يؤسف له أنّ بين ظهرانينا من الأحبار والرهبان من يعلم الحقّ الصريح ويبتعد لمثل الأسباب التي ذكرها المؤلّف الفاضل عن هداية قومه إلى الدين الصحيح . – المراجع ]
46 – ثمّ أخذ سبحانه في وصف الخاشعين فقال (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ) يعني ما يلاقونه من الرحمة مجازاةً لأعمالِهم ،كقوله في سورة الحاقة {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} ، (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أي يرجع أمرهم إليه فهو يتولّى أمرهم وشؤونهم .
50 – (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) يعني وعده بأن يعطيه التوراة ، والتقدير : واذكروا إذ واعدنا موسى بأن نعطيه التوراة فأعطيناه إيّاها بعد أربعين ليلة ، لأنّ الله تعالى وعده ثلاثين ليلة ثمّ اقتضت المصلحة الإلاهية بأن يضيف لَها عشرة أخرى فصارت أربعين ليلة ، وذلك قوله تعالى في سورة الأعراف {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ؛ فإنّ الله تعالى ذكر الأربعين في هذه السورة مجملاً وفي سورة الأعراف مفصّلاً (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) إلاهاً تعبدونه (مِن بَعْدِهِ ) أي من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور في وادي سيناء (وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ) لأنفسكم بِما استحققتم من العقاب على ذلك .
والتوراة هي عشر كلمات ، أي عشر وصايا كتبها الله تعالى بقلم قدرته في لوحين من حجر ذلك الجبل ، والكتابة في وجهيهما ، وهي كما يلي :
لا يكن لك آلهة أخرى أمامي .
لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً . لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ لأنّي أنا الربّ إلاه غيور .
لا تنطق باسم الربّ إلاهك باطلاً .
إحفظ يوم السبت .
أكرم أباك وأمّك .
لا تقتل .
ولا تزنِ .
ولا تسرق .
ولا تشهد شهادة زور .
ولا تشته امرأة قريبك ولا حقله ولا عبده ولا أمَته ولا ثورَه ولا حمارَه ولا كلّ ما لقريبك .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#45)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-05-2012, 02:11 PM
53 – (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) يعني التوراة التي كتبها على ألواح الحجر (وَالْفُرْقَانَ) يعني الوصايا والأحكام الدينية التي جاءت متفرّقة وكتبها قوم موسى في الرقوق ، يعني في جلد الغزال (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى طريق الحقّ .
54 – (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ) الذين عبدوا العجل (يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ ) أي أضررتم أنفسكم وعرّضتموها للعقاب (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) معبوداً (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ ) يعني إلى مخلّصكم ومسلّمكم من يد فرعون، وذلك من قولهم برئ فلان من مرضه ، أي تخلّص ونجا ، وتبرّأ فلان من دعوته أي تخلّص منها ، وبرئ القلم ، أي أنهاه من كثرة البري (فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) أي ليقتل بعضكم بعضاً ، يعني الذين لم يعبدوا العجل يقتلون من عبدوه ، فقتل في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل 1 ، (ذَلِكُمْ ) إشارة إلى التوبة والقتل لأنفسهم (خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) من أن تمتنعوا عن ذلك ، لأنّ في امتثالكم لأوامر ربّكم غفران ذنوبكم ، وفي امتناعكم عن ذلك عقاب لكم (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أي ومن فضله عليكم أن قبِل توبتكم واكتفى بقتلكم ولم يترك عقابكم إلى الآخرة فتهلكوا في جهنّم (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) عن التائبين (الرَّحِيمُ) بِهم .
------------------------------------------------------------------
1 [راجع سفر الخروج من التوراة الاصحاح 32 عدد 29 - المراجع ]
55 – (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ) أي لن نصدّقك بأنّ الله يكلّمك ويوصيك بِهذه الوصايا (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) أي علانية (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي نار تنزل من السماء (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) النار والحادث الذي أصابكم . وهم سبعون رجلاً صعدوا فوق الجبل مع موسى ، فقال موسى ربِّ أرني أنظر إليك . قال الله تعالى لن تراني . فنزلت صاعقة من السماء عليهم فغشي على موسى ومات من كان معه فوق الجبل ، فلمّا أفاق موسى وجد قومه موتى فدعا لَهم وتضرّع إلى الله أن يحييهم فأحياهم ورجعوا إلى قومِهم . [ وهذا قوله تعالى في الآية اللاحقة (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ]
57 – (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) أي السحاب ، كان يظلّهم عن الشمس وذلك في التيه (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) المنّ 1 شيء كالسكّر أبيض اللون حلو الطعم ينحلّ في الشمس ويكون لزجاً يسقط على الأشجار أو على الأرض في أماكن مخصوصة ويكون سقوطه من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، ويسقط أحياناً في لواء [محافظة] السليمانية من ألوية [محافظات] العراق ، وأصله إفرازات حشرة أكبر من الذبابة وأصغر من الزنبور تطير في الفضاء وفوق الأشجار وتفرز المنّ قبل طلوع الشمس ، وهي كالنحلة التي تفرز العسل .
والسلوى طير يعرف بالسمّاني 2 كانت تعيش على شاطئ البحر فأرسل الله عليها ريحاً فرفعتها وألقتها على بني إسرائيل بكثرة فأخذوا يصيدونَها و يأكلونَها (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) أي وقلنا لهم كلوا من هذه الطيّبات التي جعلناها رزقاً لكم ، وهي المنّ والسلوى والأنعام التي كانت معهم عندما خرجوا بِها من مصر (وَمَا ظَلَمُونَا) أي وما أصابونا من ضرر (وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لأنّ شرّهم يعود عليهم .
------------------------------------------------
1 [لَمّا رأوه قال بعضهم لبعض (من هو ) يعني ما هذا الذي نراه , فقال موسى هو الطعام الذي وعدكم الله به . فمن ذلك سمّي (المنّ ) – المراجع ]
2 [وهي تشبه الدرّاج وقد تكون الدرّاج عينه – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-06-2012, 11:18 PM
58 – (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ ) أي قرية أريحا ، فإنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يحاربوا الكنعانيين ويأخذوا بلادهم (فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) من حبوبِها وأثمارها وأنعامها وطيورها (رَغَداً ) أي موسّعاً عليكم (وَادْخُلُواْ الْبَابَ ) يعني باب القرية (سُجَّداً ) أي منقادين لأمرنا طائعين غير عاصين ، لأنّهم امتنعوا عن دخولِها خيفة أهلها ، أي خوف الحرب ، وقد ذكرها سبحانه في سورة المائدة أيضاً فقال : {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} ولكنّهم امتنعوا عن الدخول و{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) الحطّة طلب الغفران من الله ، وباب حطّة في المقدس ، يعني باب الغفران ، والمعنى : استغفروا لذنوبكم وقولوا الله حطّ عنّا أوزارنا (نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) التي سبقت إذا فعلتم ما أمِرتم به (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) منكم زيادة على ما يستحقّونه من الأجر والثواب .
59 – (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) قومهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) : لَمّا أمرهم الله تعالى أن يدخلوا أرض كنعان بعث موسى إثني عشر رجلاً من كلّ سبط واحداً ليتجسّسوا أرض كنعان وذلك حسب طلب بني إسرائيل ، فقالوا لَهم اذهبوا وتجسّسوا هل هي كثيرة الخيرات من المزارع والبساتين والفواكه والأنعام أم هي عكس ذلك ، ويجب عليكم أن تقولوا الحقّ في ذلك ولا تكذبوا ، فإن كانت كثيرة الخيرات كما أخبرنا موسى فإننّا نحارب الكنعانيّين وندخلها ، وإذا كانت عكس ذلك فلا نحارب ولا ندخلها .
فلمّا ذهب الرجال وتجسّسوا خيراتِها وجدوها على أحسن ما يكون ولكن رأوا أهلها أقوياء طوالاً غلاظاً فخافوا منهم . فلمّا رجعوا لم يتكلّموا عنها بما هو الصواب بل أخذوا في ذمّها وذلك خيفة أن يقاوموا أهلها بالحرب ، إلاّ رجلين منهم تكلّما بالصواب وأخذا في مدحها ومدح خيراتِها وأتيا بعنب وتين ورمّان من بساتينها .
فلمّا سمع قوم موسى أنّ هؤلاء العشرة يذمّونَها امتنعوا عن دخولِها وعن محاربة أهلها ، فهذا معنى قوله تعالى (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ) قومهم (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) يعني كان جوابُهم على غير ما أوصوا به ، حيث أنّ قومهم أوصوهم بأن يقولوا الحقّ ويتكلّموا الصدق ، ولكنّهم فعلوا عكس ذلك تكلّموا بالباطل وكذبوا على قومهم وعلى نبيّهم وظلموهم بذلك وكانوا سبب امتناعهم عن الدخول إلى تلك الأرض (فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء) أي عذاباً من السماء، فإنّ الله تعالى أنزل الطاعون على هؤلاء العشرة فماتوا ، وأمّا الإثنان اللذان تكلّما بالصدق فلم ينزل عليهما الطاعون بل أطال الله عمريهما حتّى دخلا أرض كنعان بعد ذلك وأكلا من أثمارها وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة ، وقوله (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) أي كان الطاعون جزاءً على أعمالِهم السيّئة .
آراء المفسّرين
جاء في مجمع البيان صفحة 119 في تفسير قوله تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} قال : "إنّ الله تعالى قال لَهم {قُولُواْ حِطَّةٌ} ، فبدّلوا وقالوا حنطة وقيل أنّهم قالوا بالسريانية (هاطاسماقاتا) ومعناه حنطة حمراء فيها شعيرة ، وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر ."
60 – (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ) أي طلب الماء لقومه لَمّا عطشوا ، وذلك في البرّية في موضع يسمّى رفيديم (فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ) كان جبل في تلك الصحراء يسمّى جبل حوريب وفيه حجر كبير ظاهر من الجبل فضرب موسى ذلك الحجر بعصاه (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) من الماء ، يعني اثنا عشر ينبوعاً من ذلك الجبل (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) أي قد علِم كلّ سبط من أسباط إسرائيل موضع شربِهم ، لأنّ موسى قسّم تلك الينابيع عليهم (كُلُواْ ) من المنّ والسلوى (وَاشْرَبُواْ ) من هذه الينابيع ، ذلك (مِن رِّزْقِ اللَّهِ) أعطاكم الله إيّاه (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) العثوّ هو التخبّط في المكان أو بالشيء حتّى يتلفه أو يفسده ولا تزال هذه الكلمة مستعملة في الموصل [في العراق] ، والمعنى : لا تُفسدوا في الأرض بأخلاقكم السيّئة .
فشرب بنو إسرائيل من تلك الينابيع ما داموا هناك ، ولَمّا ارتحلوا أخذوا يبحثون عن آبار وينابيع أخرى ليشربوا منها .
وقد انفجر الماء مرّتين الأولى في رفيديم تفجّر من جبل حوريب بالماء اثنتي عشرة عيناً ، وانفجر الحجر بعين واحدة من الماء لَمّا ضربه موسى بعصاه أيضاً وذلك في برّية صين في موضع يسمّى قادش ، وإنّما انفجرت عين واحدة في قادش ولم تنفجر اثنتا عشرة عيناً لأنّ الله تعالى أمر موسى أن يكلّم الحجر في هذا المكان بأن يعطي ماءً 1 ، ولكن موسى لم يكلّم الحجر بل ضربه بالعصا كما في المرّة الأولى ولذلك انفجرت عين واحدة ، ففعل موسى في هذا الموضع بخلاف ما أمره الله فعاتبه الله تعالى على ذلك ، وهناك ماتت مريم أخت موسى وهارون ودُفنت هناك .
-----------------------------------------------------
1 [ "خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك وكلّما الصخرة على عيونِهم فتعطي مياهها " عدد 20: 8 ؛ وتريد الآية إفهام بني إسرائيل أنّ الحجر يفهم ويعطي الماء ، ولكنّهم أسوء حالاً من الصخر – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-07-2012, 08:48 PM
61 – (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ) وهو المنّ ، وأمّا السلوى لم تنزل عليهم على الدوام بل في بعض الأحيان (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا ) أي الخضروات (وَقِثَّآئِهَا ) وهو خيار تعروزي (وَفُومِهَا ) أي الثوم ، وكان اسمه فوم في قديم الزمان ولكن عند اختلاف الألسن واللغة الأجنبية صاروا يسمّونه بالثوم ، والشاهد على ذلك قول الشاعر وهو يصف بستاناً ويصف زرعها :
كانتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهرةٌ فيها الفراديسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
وإنّما قال الشاعر فومان لأنّ الثوم نوعان وهما الثوم العادي وثوم العجم ويسمّى عند العرب "سير" ، (وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ ) الله تعالى جواباً لسؤالِهم (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يعني أتستبدلون الخضروات والثوم والبصل بالمنّ والسلوى ؟ (اهْبِطُواْ مِصْراً ) يعني ادخلوا مصراً من الأمصار 1 (فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ) يعني تجدون فيها ما أردتم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) وذلك بطردهم من البلاد وتيههم أربعين سنة في القفر (وَالْمَسْكَنَةُ ) يعني الفقر (وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ) أي ورجعوا بعد عزّهم بغضب من الله ، وذلك الطاعون الذي أصابَهم فأهلك كثيراً منهم في البرّية والأفاعي التي كانت تلدغهم ، فإنّ الله تعالى أرسل عليهم الأفاعي فأخذت تلدغهم وذلك في طريق بحر سوف من جبل هور إلى أرض أدوم فمات كثير منهم من لدغ الأفاعي (ذَلِكَ ) إشارة إلى الذلّ والمسكنة والطاعون والأفاعي (بِمَا عَصَواْ ) أمر ربّهم ، أي بسبب عصيانِهم ومخالفتهم أمر ربّهم (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على ضعفائهم .
-----------------------------------------------
1 [أي إحدى المدن ، وليس قطر مصر كما توهّم بعض المفسّرين وكتّاب هذا العصر في أحاديثهم المتيسّرة ومجلاّتِهم . – المراجع ]
62 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ من آمن من جميع الأمم وصدّق رسله وسار على سننهم فلم يغيّر شرايع الله وعمل صالحاً فله أجره عند ربّه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ) بمحمّد ، يعني المسلمين (وَالَّذِينَ هَادُواْ ) يعني اليهود (وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ) الذين ماتوا قبل مجيء محمّد ( مَنْ آمَنَ ) منهم (بِاللَّهِ) إيماناً خالصاً وصدّق رسله (وَالْيَوْمِ الآخِرِ) يعني صدّق بيوم القيامة (وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من الشياطين في عالم البرزخ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) على فراق الدنيا بعد موتِهم .
63 – ثمّ عاد سبحانه إلى خطاب بني إسرائيل فقال (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني أخذنا عليكم الميثاق في زمن موسى بأن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تجترئوا على المعاصي ، فنقضتم المواثيق ونكثتم العهود وعصيتم أمر ربّكم وعبدتم العجل في زمن موسى والبعل بعد وفاته (وَ ) اذكروا أيضاً إذ أخذنا عليكم الميثاق لَمّا (رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل الذي كان موسى يناجي فوقه ، وذلك لَمّا نزل بالألواح إليهم في المرّة الثانية قالوا ومن يصدّق أنّها من عند الله ، وكانوا تحت الجبل فاهتزّ الجبل وانشقّ ومالت الشقّة فوقهم وكادت تسقط عليهم فتقتلهم لولا أنّهم صاحوا آمَنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشقّة بِمكانِها ولم تسقط عليهم ، فأخذ موسى العهد عليهم بأن لا يعودوا إلى تكذيبه ، وقال لَهم : (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) من الألواح (بِقُوَّةٍ) يعني بقوّة عزم ويقين ، واعملوا بِما فيها من الأحكام ولا تكونوا شاكّين متردّدِين (وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ ) يعني واتّعظوا بِما في الكتاب أي التوراة ، فالذكر معناه الموعظة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عقابه إن اتّعظتم وعملتم بِما في التوراة . ونظير هذه الآية في سورة الأعراف قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
64 – (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم) أي رجعتم عن طاعة الله (مِّن بَعْدِ ذَلِكَ) الميثاق (فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بأن بعث فيكم أنبياء وهداة (لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ) في الآخرة .
65 – (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ) يا بني إسرائيل قصة يهوذا والصوريّين الساكنين في يهوذا (الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ ) بأن اشتغلوا وباعوا واشتروا وصادوا السمك ، وكان محرّماً عليهم ذلك في السبت (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين كالقردة .
فإنّ الله تعالى أوحى إلى نحميا بن حكليا أن يؤنّب رؤساء يهوذا على أعمالِهم وأن يغلق أبواب المدينة ليلة السبت لكيلا يأتي أحد من هؤلاء ليبيع ويشتري في السبت ، فأمر نحميا غلمانه بأن يغلقوا أبواب المدينة ولا يفتحوها إلاّ بعد السبت ، فبات هؤلاء خارج المدينة أذلاّء مطرودين بلا غطاء ولا وطاء ، وصعد نحميا فوق السور وأنّبهم على أعمالهم وأنّب رؤساء يهوذا على أعمالِهم فكان كلٌّ منهم يقول رأيت بني فلان يصيدون فصدنا نحن ورأينا بني فلان يبيعون فبعنا نحن ، فقال لَهم نحميا : إنّ القردة تقلّد الإنسان في أعماله فأنتم أصبحتم كالقردة تقلّدون عاملي الشرّ فلماذا لا تنهون عن عمل الشرّ بل تعملون كعملهم ؟
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-09-2012, 03:01 PM
66 – (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء المنافقين (أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم) كما كتبنا على بني إسرائيل فقتلوا أنفسهم لَمّا عبدوا العجل وخرجوا من ديارهم من مصر مع موسى ، فلو أمرنا هؤلاء المنافقين بذلك (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) وهم الذين سيتوبون في المستقبل ويصلحون أعمالهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي المنافقين (فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ) من إطاعة الرسول والاستغفار لذنوبهم ، وذلك من قوله تعالى في سورة النساء {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ..الخ} ، (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) من بقائهم على النفاق (وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) لقلوبهم على الإيمان ، أي وأشدّ ثباتاً على الإيمان .
76 – (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) أمّا المنافقون فيقاتلون في سبيل الغنيمة (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ) من قريش (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) يعني في سبيل الطاغية وهو أبو سفيان (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ) يعني اتباع أبي سفيان ومن يواليه (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ) نحو المؤمنين (كَانَ ضَعِيفًا) لأنّ الله خاذله وفاشي سرّه للمؤمنين وناصرهم عليه وعلى أتباعه .
77 – كان جماعة من المسلمين يلقون من المشركين أذىً شديداً وهم بِمكّة قبل أن يهاجروا إلى المدينة فشكوا إلى رسول الله وقالوا إئذن لنا في قتالهم ، فقال كفّوا عن قتالهم وأقيموا الصلاة فإنّي لم أؤذن في ذلك ، فلمّا أمرهم النبيّ بقتال المشركين وهم في المدينة شقّ على بعضهم وتثاقلوا فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ) بمكّة (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ) عن القتال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) بالمدينة بعد الهجرة (إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ) أي قسم منهم (يَخْشَوْنَ النَّاسَ) أي يخافون القتل من الناس (كَخَشْيَةِ اللّهِ) في عقابه (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) يعني وبعضهم يخشى الناس أشدّ من خشية الله (وَقَالُواْ) من شدّة خوفهم (رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) في هذه السنة (لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) يعني إلى السنة القادمة كي نرتاح في هذه السنة ونقضي بعض أشغالنا (قُلْ) يا محمّد لهم (مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ) بالنسبة للآخرة ، والدنيا دار عمل وعناء لا دار راحة وهناء وعمركم فيها قليل لا تسعكم للراحة فاعملوا في دنياكم وارتاحوا في آخرتكم (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) من الدنيا (لِّمَنِ اتَّقَى) المعاصي وأطاع الله (وَلاَ تُظْلَمُونَ) في جزاء أعمالكم (فَتِيلاً) بل يضاعف لكم في أعمالكم ولا ينقصكم منها شيئاً .
78 – ثمّ أخذ سبحانه في خطاب هؤلاء المنافقين فقال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ) يعني أينما كنتم من المواضع والأماكن ينزل بكم الموت ويلحقكم (وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) يعني عامرة ومرتفعة ، والبروج تكون في أركان الحصون في كلّ ركن واحد ، والبرج يكون محكم البناء مستدير الشكل يجلس فيه الحرس والمراقبون وقت الحرب (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) من ظفر وغنيمة (يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) من مكروه وهزيمة (يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ) يعني بسوء تدبيرك (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المنافقين (كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) فإن كانت غنيمة فظفر وانتصار ، وإن كانت هزيمة فبلاء واختبار (فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ) أي ما شأن هؤلاء المنافقين (لاَ يَكَادُونَ) أي لا يقاربون (يَفْقَهُونَ) أي يفهمون (حَدِيثًا) أي قولاً ، والمعنى أنّهم لا يقربون من الوعظ والخطبة وقراءة القرآن ليتّعظوا وإن اقتربوا لا ينصتوا له وإن أنصتوا لا يعملوا به .
79 – كان النبيّ يملك جبّة فأتاه رجل يلتمس منه رداءً فخلع النبيّ جبّته وأعطاها له فأصابه البرد ، وكان يوماً عنده ثلاثة أرغفة من الخبز فجاءه سائل فأعطاه الخبز كلّه وبقي مع أهله بلا غذاء فأصابته خصاصة ، فنزلت هذه الآية (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أي من نعمة (فَمِنَ اللّهِ) أنعم بِها عليك (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ) يعني من برد ومجاعة (فَمِن نَّفْسِكَ) لأنّك أعطيت جبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد ثمّ أعطيت خبزك كلّه للسائل فأصابتك خصاصة . وذلك قوله تعالى في سورة الحشر {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي مجاعة (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ليقتدوا بك ويتعلّموا منك فلا تعطِ كلّ ما عندك فتعرّض نفسك للمرض (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) على أعمالك وحسن أخلاقك ، أي كفى بالله مراقباً لأعمالك وحسن فعالك .
80 – قال النبيّ لأصحابه سنذهب بعد بضعة أيام إلى قتال المشركين فاستعدّوا لهم . فقالوا سمعاً وطاعة . فأخذ المؤمنون يستعدّون أمّا المنافقون فإنّهم اجتمعوا ليلاً وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : قولوا للنبيّ انتظرنا شهراً واحداً كي نقضي أشغالنا ثمّ نخرج جميعاً ، فإنّه سيتركنا ويذهب بمن معه ، فلمّا سمع النبيّ كلامهم اغتمّ لذلك فنزلت هذه الآية تسليةً للنبيّ (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ) ويستعدّ للقتال (فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) لأنّ الرسول يعمل بأمر الله (وَمَن تَوَلَّى) عنه ولم يخرج للقتال فإنّ الله سيعاقبه فلا يهمّك تخلّفه (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ) يا محمّد (عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) أي تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها فإنّ الملائكة تحفظ أعمالهم وسنجازيهم عليها يوم القيامة فلا تغتمّ لذلك .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/4.htm#النساء)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-11-2012, 01:12 PM
81 – (بَلَى ) تمسّهم النار ويعذّبون فيها كلّ عل مقدار خطيئته ، وليس الأمر على ما زعموا أنّهم يتعذّبون سبعة أيام (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) يعني ذنباً (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ ) يعني واظب عليها ولم يتب إلى الله منها (فَأُوْلَـئِكَ ) المواظبون على الخطايا (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي باقون دائمون ، فالسيّئة هي الصغائر من الذنوب وليست من الكبائر ولا الإشراك والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، يعني إن تجتنبوا الكبائر من الذنوب نغفر لكم الصغائر .
فقوله تعالى (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) يعني من كسب ذنباً من العلماء ، لأنّ الآية خاصة بعلماء اليهود ، وتشمل علماء النصارى والإسلام أيضاً ، والمعنى إنّ العلماء إذا أذنبوا ذنباً وإن كان صغيراً فإنّهم يستحقّون عليه النار لأنّ حكم العالم غير حكم الجاهل ، فالذنب من العالم أعظم من الإشراك الذي يكون من الجاهل ؛ لأنّ الجاهل يلقي نفسه في النار فقط ، والعالم يلقي نفسه ومن يقتدي به . 1
والذنب العظيم الذي يكون من العالم ليس التهاون والتماهل في الطاعات ولا التعرّض إلى بعض المحرّمات التي تخصّ نفسه ، ولكنّ الذنب العظيم الذي يصدر منه سنّة يسنّها فيعمل بِها قومه ومن يقتدي به ، أو يفتي فتوى أو حكماً لا يرضي الله ، أو يرى قومه وأهل مذهبه قد ساروا على غير طريق الحقّ فلا يرشدهم إلى الصواب بل يطابقهم أو يسكت عن الحقّ لئلاّ يمقتوه ، أو لئلاّ يمنعوا عنه الحقوق فلا يعطوه بعد ذلك من الدراهم كالزكاة أو الخمس أو حقّ الإمام أو مردّ مظالم أو غير ذلك ، فإذا سكت عن الحقّ لأجل الدراهم أو المناصب أو غير ذلك فإنه مسئول عند الله يوم القيامة ، فحينئذٍ يقول الله تعالى للملائكة [كما في سورة الصافات] : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} ، ويقول الله تعالى لذلك العالم : يا هذا إنّي أعطيتك علماً وحكماً لترشد عبادي إلى طريق الحقّ وقد وجدتَ قومك ضالّين عن الطريق فلماذا سكتّ عن الحق ولم ترشدهم ، أشتريتَ الدنيا بالآخرة وأبدلت رضا المخلوق بسخط الخالق ؟ ثمّ يأمر به إلى جهنّم ، وذلك قوله تعالى (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
-------------------------------------------------
1 [يريد بذلك البدعة ، وما أكثر البدع التي زجّها الشعوبيّون في الإسلام بقصد أو بدون قصد . - المراجع ]
84 – (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني ميثاق أسلافكم الذين كانوا في زمن موسى وقلنا لهم (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ) يعني لا يقتل بعضكم بعضاً (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) أي ولا تحاربوا قوماً منكم فتهزموهم وتخرجوهم من ديارهم (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) بالميثاق وقبلتم به (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ) على أنفسكم بالميثاق وقبوله .
ونظيرها قوله تعالى في سورة الأعراف {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا} .
85 - ثمّ بيّن سبحانه أنّهم نكثوا العهد وخانوا الميثاق وقتلوا النفوس وسفكوا الدماء وأخرجوا قومهم من ديارهم فقال (ثُمَّ أَنتُمْ ) أبناء (هَـؤُلاء ) الذين أخذنا عليهم الميثاق (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ) يعني يقتل بعضكم بعضاً (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ ) يعني وتخرجون بعض قومكم من ديارهم تطردونهم وتغصبونَها (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) أي متعاونين على إخراجهم بالظلم والعدوان (وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ) يعني وإذا وجدتم أسيراً من قومكم في أيدي أعدائكم تفكّون أسره بالفدية (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) من ديارهم ، فلماذا تخرجونَهم من ديارهم ثمّ تفادونَهم ؟ (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) يعني تصدّقون بعض أحكام التوراة وتعملون بِها وتنكرون الأحكام الأخرى ولا تعملون بِها ، (فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، والخزي الذي أصابهم هي الجزية التي وضعها النبيّ عليهم ، وإخراج بني النضير من ديارهم (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) أيها اليهود من الأعمال السيّئة .
88 – (وَقَالُواْ ) يعني اليهود (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي عليها غلاف لا نفهم ما تقول يا محمّد ، وذلك عناداً منهم وتكبّراً (بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ) والمعنى كذبوا في قولِهم قلوبنا غلف ، بل يفهمون ولكن عناداً منهم وتكبّراً فلا ينقادون للحقّ فلهم اللعنة جزاءً لكفرهم ولهم سوء الدار (فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) يعني قليل منهم يؤمنون بك يا محمّد ويصدّقونك .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-13-2012, 03:59 PM
89 – (وَلَمَّا جَاءهُمْ ) أي اليهود الذين كانوا في زمن محمّد (كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) من أمر التوحيد في الكتب السماوية وأنّ العبادة لا تجوز لغير الله (وَكَانُواْ) أي اليهود (مِن قَبْلُ ) مبعث النبي ونزول القرآن (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ ) أي يخبرون مشركي العرب بمجيء نبيّ ويعلمونهم صفاته ، ولفظة "يستفتحون" معناها ينبئون ويبشّرون بحدوث شيء فيه خير (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ ) يعني فلمّا جاءهم محمّد الذي عرفوا وصفه واستفتحوا بمجيئه على المشركين (كَفَرُواْ بِهِ ) أي جحدوه وأنكروه ولم يصدّقوه (فَلَعْنَةُ اللَّه ) أي غضبه وعقابه (عَلَى الْكَافِرِينَ ) به . 1
------------------------------------------------
1[ وكذا سيكون حال بعض المعاندين إذ يجحدون المهدي عند ظهوره رغم معرفتهم بانطباق السمات والعلامات الموجودة في كتبهم مع أنّهم أوّل المستفتحين به على من سواهم . – المراجع]
90 – (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ) أي بئس المال الذي أبدلوه بأنفسهم وآثروا دنياه على آخرتِهم ، لأنّهم كفروا بمحمّد طلباً للمال وحباً للرياسة 1 (أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ ) يعني كان خسرانهم بسبب أنّهم كفروا بما أنزل الله ، وهو القرآن (بَغْياً ) أي حسداً منهم وعدواناً (أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) يعني كان حسدهم لمحمّد وعداوتُهم له لكونه عربياً ولم يكن منهم ، ولكنّ الله يؤتي الحكمة والنبوّة لِمن يشاء من عباده فلا يلتفت إلى عشيرة ولا إلى قبيلة بل يختار من الناس من كان حسن السريرة كريم الأخلاق طيّب النفس يتمكّن أن يقوم بهذا الواجب . (فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ) أي فرجعوا إلينا مستحقين غضباً على غضب ، يعني أعددنا لهم ضعفين من العذاب ، فالغضب الأوّل لكفرهم بعيسى والثاني لكفرهم بمحمّد (وَلِلْكَافِرِينَ ) أمثالهم (عَذَابٌ مُّهِينٌ ) يوم القيامة .
----------------------------------------------
1 [ وكذا سيكون حال جاحدي المهدي ، إذ يقاومونه لحبّهم المال وطلبهم في الترأس ، وإن كانت دعوته إسلامية تدعوهم إلى تنفيذ أحكام القرآن . – المراجع ]
91 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) أي لليهود (آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ) على محمّد وهو القرآن (قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) يعنون التوراة (وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ ) أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم يكفرون بما جاء بعد التوراة كالإنجيل والقرآن (وَهُوَ الْحَقُّ ) أي وهو كلام الله وليس من كلام البشر (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ) أي أنزل الله القرآن مصدّقاً لِما معهم من الأحكام الشرعية التي في التوراة ومتمّماً للشرايع (قُلْ ) يا محمّد لهم (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ ) نزول القرآن كيحيى وزكريا وغيرهما (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون ؟ أليس الله حرّم عليكم قتل النفس في التوراة فكيف تقتلون أنبياءه ؟
----------------------------------------------
[على الهامش
والحقيقة أنّ اليهود الحاليين والمعاصرين للرسول الأكرم لم يؤمنوا بالتوراة أيضاً ، فلو آمنوا بِها لصدّقوا رسالة محمّد عليه السلام بإطاعتهم للتوراة التي ألزمتهم بالطاعة والإذعان للرسول العربي ؛ فقد جاء في سفر التثنية " أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم بكلّ ما أوصيه به ويكون أنّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبه " 18 : 19 ، والمعنى أنّ الله تعالى يبعث لليهود ولغيرهم نبياً من أفضل أولاد إسماعيل أخ إسحاق هو كموسى ، ولا يعرف الكتابة بل كلّ ما يسمعه من جبريل يذيعه ويبلّغه لهم ولسواهم ، والذي لا يذعن لقوله يكون الله تعالى الطالب ويصبح هو المطلوب ولن يكون على أمره إلاّ مغلوب ."
انتهى الهامش – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-16-2012, 11:53 AM
93 – (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ) يعني أخذنا عليكم العهد والميثاق بأن لا تشركوا بالله شيئاً (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل لَمّا مال عليهم وكانوا تحته ، فقلنا لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) من الأحكام الشرعية (بِقُوَّةٍ ) أي بعزيمة ويقين ، وقد سبق تفسيرها ، وقوله (وَاسْمَعُواْ ) أي أصغوا لقولنا وامتثلوا أوامرنا (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) يعني صارت أعمالهم كمن قال سمعنا وعصينا ، لأنّهم لم يمتثلوا أمر ربّهم ولم يعملوا به إلاّ القليل (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) أي دخل حبّ العجل في شغاف قلوبِهم ، لأنّهم كانوا معتادين على عبادة الأوثان في مصر قبل مجيء موسى إليهم (قُلْ ) يا محمّد لَهم (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ) يعني إذا كان إيمانكم يأمركم بعبادة العجل وقتل الأنبياء وتكذيب الرسل فذلك بئس الإيمان (إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون : نؤمن بما أنزل علينا .
96 – (وَلَتَجِدَنَّهُمْ ) أي اليهود (أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) يعني أحرص الذين هم أهل كتاب مثلهم (وَ ) أحرص (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) كالمجوس وعبدة الأوثان . ثمّ بيّن سبحانه زيادة حرصهم على البقاء في دار الدنيا فقال (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) يعني لو يعيش هذه المدّة (وَمَا هُوَ ) يعني عمره (بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) يعني وما عمره بمخلّصه من عذاب جهنّم (أَن يُعَمَّرَ ) أي مهما عمّر ، فلفظة زحزح يعني خروجه من جهنّم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .
والمعنى ولو أنّ أحدهم بقي في الدنيا ألف سنة يفكّر في حيلة تنجيه من عذاب الله فلا يتوصّل إلى ذلك إلاّ بالإيمان والطاعة (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعاقبهم على أعمالهم .
97 – إنّ بعض اليهود سألوا النبيّ فقالوا من يأتيك بالوحي ، قال جبرائيل يأتيني به ، فقال أحد اليهود لرفقائه إنّي عاديت جبرائيل ولا أودّه بعد اليوم فلماذا ينزل بالوحي على رجل من العرب ولا ينزله على رجل منّا ؟ فنزلت هذه الآية (قُلْ ) يا محمّد لهؤلاء اليهود (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني إنّ جبريل نزل بالوحي على قلبك يا محمّد بإذن الله لا باختياره ، فما ذنب جبريل معهم فيعادونه ؟ (مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) يعني جبرائيل مصدّقاً للكتاب الذي بين يدي محمّد (وَهُدًى ) لمن يهتدي به ، يعني القرآن (وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) بدخول الجنة .
100 – (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ ) الله (عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ) يعني من اليهود ، ويريد بذلك العهود التي أخذها الأنبياء على قومهم ، والمعنى : وكلّما عاهدوا أنبياءهم عهداً بأن لا يشركوا ولا يقتلوا ولا يفسقوا نبذ العهد فريق من اليهود الماضين ، والألف من قوله (أَوَكُلَّمَا ) للاستفهام ، ومعناه أيفعل اليهود الحاضرون كما فعل الماضون ؟ وهنا حذف في الكلام ، والتقدير : وهم غير مؤمنين ، ولذلك قال بعدها (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) يعني أكثرهم نبذوا العهود وهم مع ذلك غير مؤمنين .
ومن جملة العهود التي نبذها اليهود ما كان بين رسول الله وبين بني قريظة والنضير : عاهدوا أن لا يعينوا عليه أحداً بالحرب فنقضوا ذلك العهد وأعانوا عليه قريشاً يوم الخندق .
101 – (وَلَمَّا جَاءهُمْ ) أي اليهود (رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) يعني محمّداً (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) من أمر التوحيد ونبذ الأوثان والأصنام [كما ذُكِر] في الكتب السماوية (نَبَذَ ) أي ترك (فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ) يعني من علماء اليهود (كِتَابَ اللّهِ ) يعني التوراة (وَرَاء ظُهُورِهِمْ ) يعني تركوها ونبذوها ولم ينظروا فيها ويتصفّحوها ليطابقوا صفة محمّد مع صفة الأنبياء ، ودعواه إلى التوحيد كما دعوا ، وأعماله كما عملوا ، ونبذه الأصنام وتكسيرها كما فعلوا في الماضي ، وبذلك يعلمون أنّه رسول من ربّ العالمين حيث طابقت أعماله أعمال الأنبياء ودعواه دعوة الرسل وذلك إنْ خفي عليهم اسمه في التوراة وضاعت صفاته في الرقوق التي مزّقها نبوخذ نصّر ، ولكنّهم نبذوا التوراة ولم يلتفتوا إلى الصفات وتركوا الأدلّة والبيّنات وقالوا إنّما هو ساحر اجتمع عليه أهل الفلاة فتجاهلوا أمره وأنكروا صدقه ورفضوا قوله حسداً منهم لِما جاء به من العلم وتكبّراً لِما دعا إليه من الدين (كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) قصص الأنبياء الماضية وكتبهم الباقية ، فيفهمون أنّه ليس ساحراً بل هو رسول من ربّ العالمين .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-19-2012, 12:18 AM
102 – (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ ) يعني أنّ علماء اليهود تتبّعوا قول الشياطين وقالوا كقولهم (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) يعني قالت اليهود في محمّد كما قالت الشياطين في ملك سليمان . فإنّ الشياطين قالوا لم ينل سليمان هذا الملك إلاّ بسحره ، وكذلك اليهود قالوا إنّ محمّداً لم ينل هذه المنزلة ولم يجتمع إليه الناس إلاّ بسحره ، وذلك لشدّة حسدهم وبغضهم إيّاه .
ثمّ بيّن سبحانه أنّ سليمان لم يعمل بالسحر ولم يكتم الحقّ كما كتمه هؤلاء اليهود فقال (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ) فكلمة كفر معناها تغطية الشيء وكتمانه ، والمعنى : ما كتم سليمان الحقّ وما عمل بالسحر ، (وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ) أي كتموا الحقّ وعملوا بالسحر ، وقد ضرب الله مثلاً في هذه الآية فجعل محمّداً مقام سليمان ، وهؤلاء اليهود مقام الشياطين ، والمعنى : لقد قلتم أيّها اليهود في أمر محمّد كما قالت الشياطين في أمر سليمان ولكنّ الأمر عكس ذلك ، فإنّ محمّداً ليس ساحراً ولا كافراً بل أنتم كافرون حيث كتمتم الحقّ في أمر نبوّته وأخفيتم على الناس حقّه مع علمكم بصحّة قوله وإيضاح تبيانه . ثمّ بيّن سبحانه بأنّ السحر من أعمال اليهود وعاداتهم لا من أعمال المسلمين ونبيّهم فقال (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) فهم شياطين الإنس يعلّمون الناس السحر (وَ ) يعلّمون الناس أيضاً (مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ) من التفرقة ، والملكان هما من ملاّكي بني إسرائيل أي من رؤسائهم وكانا من جملة الأسرى الذين أخذهم نبوخذنصّر إلى أرض بابل في العراق ، وهما (هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) وكانا يعلّمان الناس السحر ويأخذان أجرة عليه .
ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الرجلين وإن كانا ساحرَين لا يغشّان الناس ولا يكتمان الحقّ كهؤلاء اليهود الذين كتموا أمر محمّد بعد أن اتّضح لهم أنّه نبي ، فقال تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ) من الناس (حَتَّى يَقُولاَ ) له (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) أي محنة واختبار فلا تفتتن بنا (فَلاَ تَكْفُرْ ) أي فلا تعمل بالسحر فتكتم الحقّ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا ) أي من الرجلين (مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) أي بين الرجل وزوجته (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ ) من الناس (إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) أي إلاّ بإرادته ، والمعنى : وما هؤلاء المتعلّمون من الملكين بضارّين أحداً من الناس إلاّ بإرادة الله ، لأنّ الله تعالى يصرف ذلك الضرر عمّن يشاء ، ويخلّي بينه وبين من يشاء (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ) أي ما يضرّ بهؤلاء المتعلّمين لأنّ المتعلّمين يعملون ذلك لقومهم ومعلوم ما في ذلك من الضرر ، لأنّهم يفرّقون بين الزوجين (وَلَقَدْ عَلِمُواْ ) أي ولقد علم الناس (لَمَنِ اشْتَرَاهُ ) أي لمن اشترى ذلك السحر من الملكين وتعلّمه منهما (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) وهنا حذف في الكلام تدلّ عليه اللام من قوله (لَمَنِ ) والتقدير : ولقد علموا لمن اشتراه عذاباً وما له في الآخرة من خلاق ، أي ما له من نصيب في الجنة ، لأنّ الساحرين كانا يشترطان مع الناس فيقولان : من تعلّم منّا هذا العلم وعمل به فله عذاب يوم القيامة وما له في الآخرة من نصيب .
فكان بعض الناس يقبل بهذا الشرط ويتعلّم منهما ، وبعضهم لا يقبل بذلك . ثمّ عاد سبحانه إلى ذمّ اليهود وعلمائهم فقال (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ) أي بئس الشيء الذي باعوا به أنفسهم ، لأنّهم ألقوا بأنفسهم في جهنّم لأجل المال والرياسة (لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) العاقبة .
آراء المفسّرين
في قوله تعالى {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } جاء في مجمع البيان ص 174 قال : "{ واتبعوا ما تتلوا} معناه تقرأ عن عطاء وقتادة, وقيل معناه تكذب عن أبي مسلم يقال تلا عليه إذا كذب ، وقولـه: { على ملك سليمان } قيل معناه في ملك سليمان كقول أبي النجم: (فهي على الأفق كعين الأحولِ) أي في الأفق, ثم إن هذا يحتمل معنيين: أحدهما: في عهد ملك سليمان , وقال أبو مسلم معناه ما كانت تكذب الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين ، { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } بيَّن بهذا أن ما كانت تتلوه الشياطين وتَأَثُره وترويه كان كفراً إذ برأَ سليمان (ع) منه ولم يبين سبحانه بقولـه {ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} أنها أي شيء كانت تتلو الشياطين ثم لم يبيّن بقولـه سبحانه {وما كفر سليمان} أن ذلك الكفر أيّ نوع من أنواع الكفر حتى قال: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } فبّين سبحانه إن ذلك الكفر كان من نوع السحر فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر وزعموا أن ملكه كان به فبرأَه الله منه وهو قول ابن عباس وابن جبير وقتادة.
واختلف في السبب الذي لأجله أضافت اليهود السحر إلى سليمان (ع) فقيل إن سليمان كان قد جمع كتب السحرة ووضعها في خزانته وقيل كتمها تحت كرسيه لئلا يطلع عليها الناس فلما مات سليمان استخرجت السحرة تلك الكتب وقالوا إنما تم ملك سليمان بالسحر وبه سخر الإنس والجن والطير ، عن السندي. وفي قولـه تعالى { يعلمون الناس السحر} قولان: أحدهما: أنهم ألقوا السحر إليهم فتعلموه والثاني: إنهم دَلّوهم على استخراجه من تحت الكرسي فتعلموه ..الخ ".
اختصرنا آراء المفسّرين لئلاّ يطول الكلام ، فانظر كيف اختلفت آراء المفسّرين في ذلك وتناقضت أقوالهم ، لأنّهم لم يهتدوا إلى الحقيقة .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-21-2012, 03:21 PM
105– (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) بمحمّد (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) أي اليهود (وَلاَ الْمُشْرِكِينَ ) من أهل مكة (أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم ) أيها المسلمون (مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) يعني لا يحبّون أن ينزل الوحي عليكم بالقرآن بل يريدون ذلك لهم (وَ ) لكن (اللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ ) أي بالوحي والحكمة والنبوّة (مَن يَشَاء ) من عباده ، لا من تختاره الناس (وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) على أنبيائه ومن اقتدى بهم .
106 – لَمّا نزل قوله تعالى في سورة الأنعام {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ...إلخ} قال النبيّ : "اللّهمّ خفّف على أمّتي الأحكام ولا تشدّد " فنزلت هذه الآية (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) في التوراة ، يعني ما نبطل من حكم كان في التوراة عليكم أيها المسلمون (أَوْ نُنسِهَا ) يعني أو نترك حكم الآية كما هو نقيمه عليكم (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ) في القرآن ، يعني بخير من ذلك الحكم وأيسر منه تخفيفاً عليكم أيها المسلمون (أَوْ مِثْلِهَا ) يعني أو نأتيكم بحكم مثل ما في تلك الآية التي لم تنسخ من التوراة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فيأتيك بأحكام أيسر مِمّا في التوراة وأخفّ .
فالمنسوخ هو في التوراة والناسخ لتلك الأحكام هو القرآن .
فالنسخ هنا هو بطلان حكم وتبديله بآخر ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الحج {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} أي يبطل ويغيّر ما يلقي الشيطان على قلب الرسول من وساوس . والاستنساخ هو الكتابة على الورق ، ومنه قوله تعالى في سورة الجاثية {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني كنّا نكتب أعمالكم نسخة بعد نسخة .
والنسي هو ترك الشيء على حالته ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا} يعني نتركهم في جهنّم كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا لأجله .
ونظير هذه الآية في سورة النحل قوله تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، فقوله تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} يعني إذا بدّلنا حكم آية في القرآن مكان آية في التوراة {قَالُواْ} اليهود {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} يا محمّد لأنّك تأتي بأحكام لا تنطبق مع أحكام التوراة .
فالقرآن ليس في أحكامه تبديل وتغيير كما يظنّ المسلمون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} وقال أيضاً {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} و قال تعالى في سورة يونس {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
ومن جملة ما أبطل حكمه على المسلمين وجعله حلالاً لهم اللحوم والشحوم التي حرّمها على اليهود في التوراة ، وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي حيوان ذي ظفر مشقوق ، {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} ، وغير هذا كثير لا مجال لشرحه .
أمّا الأحكام التي حرّمها على المسلمين كما هي محرّمة على اليهود في التوراة من جملتها لحم الخنزير والميتة والدم وما أهلّ به لغير الله . ومن جملتِها شرب الخمر فهو محرّم في التوراة على اليهود ، وقد أبقى تحريمه على المسلمين في القرآن ، وذلك قوله تعالى في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وقد جاء تحريم الخمر في التوراة في سفر الأمثال في الإصحاح الثالث والعشرين آية 29-35 "لِمَن الويلُ لِمَن الشقاوة لِمَن المخاصَمات لِمَن الكربُ لِمَن الجروحُ بلا سببٍ لِمَن ازمهرار العينين ، لِلّذينَ يدمنونَ الخمر الّذينَ يدخلون في طلب الشراب الممزوج ، لا تنظرْ إلى الخمر إذا احمرّت حين تُظهرُ حبابَها في الكأس و ساغت مرَقرِقةً. في الآخر تلسع كالحيّة و تلدغ كالأفعوان. عيناك تنظران الأجنبيّات و قلبك ينطق بأمورٍ ملتويةٍ. و تكون كمضطجعٍ على رأس ساريةٍ. تقول ضربوني و لم أتوجّع، لقد لكأوني و لم أعرف. متى أستيقظ. أعود أطلبُها بعد."
و جاء في سفر إشعيا في الإصحاح الخامس الآية 11-12 :
"ويلٌ للمبكّرين صباحاً يتبعون المسكّر، للمتأخّرينَ في العتمة تلهبُهم الخمر، وصار العود والرباب والدفّ والناي والخمر ولائمَهم وإلى فعل الربّ لا ينظرون ... لذلك وسّعت الهاويةُ نفسَها وفغرت فاها."
108- (أَمْ تُرِيدُونَ ) أيها المسلمون ، ومعناه أتريدون ، أمّا الميم من قوله (أَمْ ) معناه أتتجاهلون أمر نبيّكم أم تريدون (أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ ) محمّداً (كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ ) أي كما سألت بنو إسرائيل من موسى المحالات ، وذلك لأنّ المنافقين قالوا يا رسول الله لولا أنزل عليك القرآن جملة واحدة مكتوباً في قرطاس لكيلا تنساه .فنزلت هذه الآية وهي تبكيت وتأنيب للمنافقين على قولهم (وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ ) أي ومن يستبدل الكفر بالإيمان منكم أيها المسلمون وذلك بسؤاله المحالات من النبيّ (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) أي فقد ضلّ عن طريق الحقّ . 1
---------------------------------------------------------------------
1 [وسيعرّض المهدي نفسه إلى سؤال بعض قومه المحالات منه . – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2a.htm#البقرة)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-23-2012, 03:48 PM
109 – (وَدَّ ) أي تمنّى (كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) يعني من اليهود (لَوْ يَرُدُّونَكُم ) أيها المسلمون (مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ ) بمحمّد (كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ) يعني من عند قومهم وأبناء دينهم ، ومثال هذا قوله تعالى في سورة التوبة {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } يعني من قومكم و عشيرتكم . وذلك أنّ حي بن أخطب مع جماعة من اليهود دخلوا على النبيّ وتباحثوا معه ، ولَمّا خرجوا سألوا حييّ : "ما تقول في محمّد هل هو نبيّ ؟ " فقال : "هو هو"، فقالوا : "أتؤمن به وهو من العرب وليس منّا ؟ " فقال : "أنا عدوّه إلى الموت ." (مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) في محمّد ، وذلك قول حييّ بن أخطب : "هو هو" لأنّه عرفه باسمه وأوصافه وأنّه النبيّ الموعود ثمّ عاداه . ثمّ أخذ سبحانه في خطاب النبيّ والمسلمين فقال (فَاعْفُواْ ) عن أغلاطهم التي تكلّموا بِها (وَاصْفَحُواْ ) عنهم ماداموا لو يتعرّضوا لكم بأذى ولم يحاربوكم (حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ) يعني حتّى يأتي أمر الله فيقاتلهم إن شاء قتالهم ، وأمر الله هو المهدي (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فهو القادر أن يهديهم إلى الإسلام وهو القادر على إهلاكهم . 1
------------------------------------------------------------------
1 [وهلاكهم هو الكائن كما قال السيّد المسيح "فإنّه سوف تأتي أيام عليك ويحيط بك (أورشليم ) أعداؤك بمتراس ويحدقون بكِ ويحاصرونكِ من كلّ ناحية (هذا بعد وحدة أمة العرب) ويقلبونك وبنيكِ فيكِ ولا يتركون حجراً على حجر " إنجيل لوقا 19: 43-44 – المراجع .]
118 – (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) وهم مشركو العرب لأنّهم ليسوا أهل كتاب فيعلمون به (لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ ) فيقول لنا إنّ محمّداً صادق في دعواه فاتّبعوه (أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ) أي معجزة تكون دلالة على صدقه كما جاء موسى بالعصا ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم ) أي من تقدّمهم من الأمم الماضية الذين اعترضوا على الرسل وطلبوا المحالات (مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ) أي قالوا مثل قول المشركين من العرب وإنّ هؤلاء الماضين لَمّا رأوا الآيات التي طلبوها من رسلهم قد حصلت لم يصدّقوا بِها ولم يؤمنوا بل قالوا هذا سحر مبين ، وكذلك أنتم يا مشركي العرب لو أعطيناكم ما طلبتم من المعجزات لَما آمنتم ولَما صدّقتم بل لقلتم هذا سحر مبين . لقد تشابهت في ذلك آراؤكم واتفقت أقوالكم وما ذلك إلاّ لجهلكم وعنادكم .
وأمّا الذين يفهمون ويعلمون فإنّهم يوقنون ويصدّقون بمجرّد النظر إلى ما خلق الله في الكون من شمس وقمر وماء وشجر وشعر ووبر وطين ومدر . فكيف لا تؤمنون وقد أنزلنا القرآن كلّه آيات بيّنات تدلّ على صدق محمّد ، ألم تكفكم هذه الآيات فتفكّروا فيها وتتدبّروا معانيها ؟ وقوله ( تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) يعني تشابهت في الكفر والقسوة والاعتراض على الأنبياء والتعنّت والعناد (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ ) يعني آيات القرآن الدالّة على صدق محمّد (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) بِها .
120 – كان النبي يسامح اليهود والنصارى ويتطلّب رضاهم ليدخلوا في دين الإسلام ، فعاتبه الله تعالى على ذلك فقال (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) أي لا يرضون عنك يا محمّد مهما سامحتهم حتّى تتّبع دينهم (قُلْ ) يا محمّد لهم (إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى ) أي إنّ القرآن هو الهدى ، ومعناه إنّ القرآن هو الذي يهديكم إلى طريق الحقّ فاتّبعوه ، فالهدى يريد به القرآن والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} ، ثمّ أخذ سبحانه يحذّر نبيّه من كيدهم فقال (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) الذي أعلمناك به (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمرك (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصرك عليهم ، لأنّك لو اتّبعت أهواءهم لخذلوك ثمّ قتلوك كما قتلوا يحيى وزكريّا وغيرهم من الأنبياء .
وملخّص الآية يقول الله تعالى : يا محمّد لا تتطلّب رضا اليهود ولا النصارى لكي يدينوا بدين الإسلام بل ادعهم إلى القرآن وجادلهم بالحكمة والموعظة فمن اهتدى منهم فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنت عليه بوكيل .
=================
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-25-2012, 01:54 PM
121– (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يريد بهم الذين أسلموا من علماء اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام وشعبة بن عمرو وتمام بن يهوذا وأسد وأسيد ابنَي كعب وابن بامين هؤلاء من اليهود , وأمّا النصارى كالرهبان الثمانية الذين ركبوا في السفينة وقدموا مع جعفر بن أبي طالب ، والكتاب يريد به القرآن (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ) أي يقرؤونه على الناس حقّ قراءته ولا يخافون أحداً (أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) ويوقنون أنّه منزل من الله (وَمن يَكْفُرْ بِهِ ) من اليهود أو النصارى أو غيرهم (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) في الآخرة .
124 – (وَإِذِ ابْتَلَى ) أي اختبر (إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) أي اختبره بكلمات ، وذلك حين كان إبراهيم يسأل ويبحث عن خالقه ، فبعث الله له جبريل فقال سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، فأتمّهنّ إبراهيم فقال : سبّوح قدّوس ربّنا وربّ الملائكة والروح ، فحينئذٍ أوحى الله إليه بقوله (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يقتدى بك (قَالَ ) إبراهيم (وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل من ذرّيتي أئمة أيضاً (قَالَ ) الله تعالى (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) يعني أعطيتك ما سألتَ ولكن لا ينالها منهم من كان ظالماً للناس ، وإنّما قال (عَهْدِي ) معناه لقد عاهدتك أن يكون من ذرّيتك أئمة ولكن لا ينال عهدي الظالمين منهم .
138 – (صِبْغَةَ اللّهِ ) الصبغ هو تحسين الشيء وتلوينه ، يقال صبغ ضرع الناقة ، يعني امتلأ لبناً وحسن منظره , ويقال أصبغ النخل يعني نضج بسره فحسن لونه ، ومن ذلك قول أمية :
في صِبغةِ اللهِ كانَ إذْ نسِيَ العهدَ وخلّى الصوابَ إذْ عرَفا
فقول الشاعر " في صِبغةِ اللهِ كانَ " يعني كان في ريعان شبابه لَمّا نسِي العهدَ ، أي لَمّا صبغه الله بماء الشباب وحسّنه بِرَيعانِه . والآية معطوفة على ما تقدّم من قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ..الخ} ، والتقدير : وقولوا إنّ الشريعة التي نحن عليها هي صبغة الله ، أي حسّنها الله لنا وزيّنها في قلوبنا حتّى هدانا لها ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الحجرات {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} . (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ) أي لا أحد أحسن من الله صبغة (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) أي وقولوا نحن لا نعبد سواه .
143 – (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) الآية معطوفة على ما سبق من قوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} ، والتقدير : كما جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً ، كذلك جعلناكم أمةً وسطاً ، والخطاب للمسلمين ، يعني جعلناكم فصحاء بلغاء أذكياء ، لأنّ الوسط معناه الذكيّ والفاهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة القلم {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} يعني قال أذكاهم وأعلمهم . ومن ذلك قول زهير :
هم وسطٌ يرضى الأنام بحكمهمْ إذا طرقت إحدى الليالي بعظيمِ
ثمّ بيّن سبحانه لأيّ سبب جعلهم أمةً وسطاً ، فقال (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) أي لتكونوا خطباء على الناس ومعلّمين ومرشدين (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) أي خطيباً ومرشداً ، فالشهيد معناه الجليس الذي يحضر مجلسك ويخاطبك وتخاطبه 1 والشهيد معناه الخطيب أيضاً ، ومن ذلك سمّي اللسان شاهداً ، يقال في المثل "ما له رواء ولا شاهد" أي ما له منظر ولا لسان . وقوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي جعلناك تترك القبلة التي كنت عليها وتتّجه إلى الكعبة إلاّ لنعلم من يتّبع الرسول في ذلك مِمّن ينقلب على عقبيه ولا يتّبع (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ) أي وإن كانت تلك التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة تشقّ عليكم وتعظم لأنّ من تعوّد شيئاً يعظم عليه تغييره (إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ ) أي ولكنّ الذين هداهم الله لا يشقّ ذلك عليهم لأنّهم يمتثلون أمر الله ويسمعون كلام النبيّ ويطيعون ما أمِروا به (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) أي وما كان الله ليضيع أجر تصديقكم وإطاعتكم أمر ربّكم ، حيث (إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
---------------------------------------------
1 [ومن هنا يتّضح المقصود من السيّد المسيح في إنجيل يوحنّا : "الذي يشهد لي هو آخر وأنا أعلم أنّ شهادته التي يشهدها لي حقّ 5 : 31 وأمّا أنا فلي شهادة أعظم من يوحنّا ، يريد المهدي أعظم من يوحنّا ، والآب الله نفسه الذي أرسلني يشهد لي 5: 37 ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم "يخاطبه ويشافهه ويجالسه " من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي 15: 26 أي أنّ المهدي يحضره السيّد المسيح – المراجع]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-27-2012, 02:13 PM
144 – في بدء الأمر كره النبيّ أن يصلّي نحو الكعبة لأنّ الأصنام كانت تحيط بِها ، وأراد أن تكون صلاته خالصة لله ، ولئلاّ يتوهّم أحد من قريش أنه يسجد للأصنام ، فلذلك أخذ النبيّ يتّجه بصلاته نحو بيت المقدس ، وكان ذلك باختياره ولم يكن بأمرٍ من الله . وبقي على ذلك سنوات ، فلمّا عابت اليهود المسلمين في ذلك وقالوا لو لم يكن ديننا أحقّ من دينهم ما صلّوا نحو قبلتنا ، فحينئذٍ سأل النبيّ من الله أن ينزّل إليه أمراً في ذلك هل يبقى على قبلة المقدس أم يتّجه نحو الكعبة ، فلمّا صار الليل خرج النبيّ خارج المدينة وهو يقلّب طرفه نحو السماء منتظراً أن تنزل عليه آية في ذلك . ولَمّا لم ينزل عليه شيء في تلك الليلة رجع إلى داره ، وفي الغد نزلت هذه الآية (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ) يا محمّد (فِي السَّمَاء ) لانتظارك الوحي في أمر القبلة (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) أي فلنصرفنّك إلى قبلة ترضى بِها (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي حوّل وجهك نحو الكعبة (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ ) أيّها المسلمون من الأمكنة (فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ) أي نحوه (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) يعني علماء اليهود (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) أي يعلمون بأنّ القرآن حقّ وهو منزّل من ربّهم ، لأنّ أمر تحويل القبلة مذكور عندهم وقد أخبرتهم بذلك رسلهم بأنّ النبيّ الذي يأتي آخر الزمان يصلّي نحو القبلتين ، ولكنّهم يخفون ذلك حسداً منهم (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) أي عمّا يعمل اليهود مع محمّد من المكر والحسد .
145 – فلَمّا أدار النبيّ بوجهه إلى الكعبة واتّخذها قبلة قالت اليهود : لقد ترك محمّد بيت المقدس الذي بناه داوود وسليمان واتّخذ الكعبة قبلة ، فقال النبيّ : إنْ كان داوود وسليمان وقومهما بنَوا بيت المقدس فإنّ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل ، وإبراهيم أبو الجميع ، فهلاّ يتبعون قبلة أبيهم وهي أقدم من بيت المقدس . فنزلت هذه الآية (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ) يعني المعاندين من اليهود والنصارى (بِكُلِّ آيَةٍ ) أي بكلّ حجّة ودلالة (مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ ) يا محمّد لأنّ من تعوّد شيئاً يصعب عليه تغييره و تبديله (وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ) أي وكذلك أنت يا محمّد لا يهوى قلبك قبلتهم بل تهوى قبلة آبائك وأجدادك وهي الكعبة ، وإنّما صلّيت نحو قبلتهم اضطراراً لأنّك وجدت الأصنام تحيط بالكعبة ، ولَمّا كسّرتَ الأصنام وطهّرتَ الكعبة منها ، صار قلبك يهواها ولا تهوى بيت المقدس (وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) يعني فلا اليهود تهوى قبلة النصارى ولا النصارى تهوى قبلة اليهود، فاليهود تصلّي نحو بيت المقدس والنصارى تصلّي نحو المشرق وبعضهم لا يتّجه نحو قبلة والصابئة تصلّي نحو الجدي وهو نجم في السماء (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم ) يا محمّد ، يعني لشن اتّبعت آراءهم وعقائدهم الفاسدة (مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) بالحقائق والوحي الذي أنزله الله عليك (إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسك ولقومك ، فإيّاك أن تتبع أهواء اليهود والنصارى .
146 – (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني بذلك علماء اليهود والنصارى (يَعْرِفُونَهُ ) أي يعرفون الكتاب الذي جاء به محمّد هو حقّ (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ) قال عبد الله بن سلام : أنا أعلم به مني بابني ، قال عمر :ولِمَ ؟ قال : لأنّي لست أشكّ في محمّد أنّه نبيّ ولا في القرآن ، أمّا ولدي فلعلّ والدته خانت ، فقبّل عمر رأسه (وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ ) أي من أهل الكتاب (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) حسداً منهم وعناداً (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّه نبيّ . وإنّما خصّ فريقاً منهم بكتمان الحقّ لأنّ بعضهم أسلموا .
147 – لَمّا نزل الوحي على محمّد في بادئ الأمر وجاء إلى قريش و أخبرهم بأنه أوحي إليه وأنّه نبيّ بعثه الله إليهم كذّبوه واستهزؤوا به وقالوا إنّ الذي أوحى إليك شيطان 1 ولم يصدّقه أحد إلاّ زوجته وابن عمّه ، فحينئذٍ اعتراه شكّ في نفسه وتصاغر فقال لو كنت نبياً لصدّقتني قريش كلّها وصدّقتني اليهود والنصارى ، فما أنا وما قدري حتّى أكون نبياً ! فنزلت هذه الآية (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) يا محمّد ، فالحقّ يريد به الوحي وهو كلام الله ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} والمعنى : إنّ الوحي الذي جاءك يا محمّد هو من ربّك لا من الجنّ ولا من الشياطين كما يظنّ هؤلاء المشركون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} ، وقوله (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) أي من الشاكّين ، يعني لا تشكّ في نفسك يا محمّد وتقول لو كنت نبياً لأطاعوني وصدّقوني ، فإنّ الأنبياء الذين بعثناهم قبلك كذّبتهم أقوامهم وأهانوهم وضربوهم واستهزؤوا بِهم فلا تستنكر ذلك واصبر حتّى ينصرك الله عليهم .
---------------------------------------------
1[وكذا سيكون في زمن المهدي وإعلان دعوته ، لأنّ الأمين يعدّونه خائناً ويسير الناس أسراباً وراء الخائنين – المراجع ]
148 – (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعني لكلّ ملّة من اليهود والنصارى والصابئة والإسلام قبلة الله موجّههم إليها (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) أي تسابقوا إلى فعل الخيرات لتجدوا جزاء أعمالكم يوم القيامة (أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا ) يعني حيثما متّم من بلاد الله يأتِ بكم الله إلى المحشر يوم القيامة (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يصعب عليه جمعكم .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
12-31-2012, 01:07 PM
149 – قال المسلمون : يا رسول الله فإنْ كنّا في سفر فإلى أين نتّجه في صلاتنا ؟ فنزلت هذه الآية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) يا محمّد إلى مكان في سفرك (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ) وأصلها : وإنّه الحقّ من ربّك ، فألصق الألف باللام سهواً من النسّاخ
= والسبب في ذلك أنّ القدماء كانوا يكتبون الألف مائلاً من أسفله إلى جهة اليسار فيكون مثل اللام فإذا كان الحبر في القلم كثيراً التصق الألف باللام الذي بعده ، فإنْ شئت أن تنظر ذلك بعينك فاذهبْ إلى متحف بالموصل تجد فيه محراباً من آثار أحد الجوامع التي بناها العبّاسيّون في الموصل مكتوب عليه آية الكرسي وهو حجر منحوت والكتابة بارزة =
والضمير في (وإنّه) يعود للقرآن والوحي ، والمعنى : وإنّ الوحي الذي يأتيك يا محمّد هو من ربّك فلا تلتفت إلى قول المشركين حيث قالوا : إنّ الوحي الذي يأتيك هو من الشيطان (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) وأصلها : عمّا يعملون ، يعني عمّا يعمل المشركون ، وهذا تهديد لهم بالعذاب على أقوالهم وأعماله السيّئة .
150 – لمّا نزلت الآية الآنفة الذكر قال المسلمون : يا رسول الله إنّ هذا الأمر خاصّ بك وفي سفرك ، فما حكمنا نحن في السفر ؟ فنزلت (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي لئلا يكون للعرب عليكم حجّة إذا تحاججتم معهم في أمر القبلة (إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ) وهم أهل مكّة الذين منعوكم عن الحجّ والدخول إليها فإنّهم لا يتحاججون بل يقاتلون فأولائك لا تفيد معهم الأدلّة والبراهين بل الحرب والقتال (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ ) أي فلا تخافوهم في الحرب (وَاخْشَوْنِي ) فلا تخالفوا أمري (وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) بأن جعلت لكم قبلة خاصّة غير قبلة اليهود ولو بقيتم على قبلتهم لاستحقروكم وعابوكم (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى عبادة ربّكم .
157 – (أُولَـئِكَ ) الصابرون (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) الصلاة هي الصلة بين العبد وخالقه ، ومعناه إنّ الله تعالى يصل هؤلاء الصابرين بالخير ويتعطّف عليهم بالإحسان (وَرَحْمَةٌ ) أي ونعمة ، وهي النعمة التي يعطيها الله تعالى للمؤمنين في عالم البرزخ (وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) إلى طريق الجنّة يوم القيامة .
158 – كان في الصفا صنم يقال له إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة , وكان المشركون إذا طافوا بِهما مسحوهما ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بينهما لأجل الصنمين ، فجاء رجل من المسلمين إلى النبيّ وقال : يا رسول الله إنّ الطواف بين الصفا والمروة كان على عهد الجاهلية وإنّي لأرى في ذلك حرجاً فهلاّ نغيّر هذه العادة فنعطي بدلها دراهم للفقراء والأيتام ، فنزلت هذه الآية (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ ) والتقدير : إنّ الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، أي من علائم متعبّداته ، جمع شعيرة وهي العلامة . والصفا والمروة موقعان معروفان بمكّة ، فالصفا اسم لكلّ فسحة من الأرض يجتمع فيها الناس للبيع والشراء ولا يزال هذا الاسم مستعملاً في لواء المنتفج "الناصرية" [محافظة ذي قار حالياً] بالعراق ، والمروة اسم لكلّ أرض ذات حصى ، (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ ) يعني فمن قصده بالأفعال المشروعة (أَوِ اعْتَمَرَ ) يعني أو زار البيت ، لأنّ لفظة "عمرة" معناها الزيارة ، فالحجّ زيارة البيت في وقت مخصوص والعمرة في أيّ وقت كان ، والحجّ للبعيد عن مكّة ، والعمرة لمن كان قريباً منها (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ ) أي فلا حرج على من حجّ البيت أو اعتمر (أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) يعني يطوف ما بين الصفا والمروة ، ويكون ذلك سبع مرّات ذهاباً وإياباً (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي ومن تبرّع خيراً من الخيرات ، والخير الذي يتبرّع به الحاج يكون للفقراء والأيتام فيعطي سبع دراهم لفقير وسبعاً ليتيم (فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ ) لتطوّعه فيجازيه على ذلك أضعافاً (عَلِيمٌ ) بمن يتطوّع بالخيرات ومن يمتنع عنها .
159 – ثمّ حثّ الله سبحانه على إظهار الحقّ وتبيانه ونهى عن إخفائه وكتمانه فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ) أي يخفون (مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) أي من الأدلّة على توحيد الله (وَالْهُدَى ) إلى طريق الحقّ (مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ) يعني في الكتب السماوية كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن ، ويريد بذلك علماء الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم الذين يعرفون الحقّ ويكتمونه عن الناس لأجل غاياتهم ولأجل المال (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ ) أي يمقتهم ويغضب عليهم (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) أي ويلعنهم مقلّدوهم من الناس وذلك يوم القيامة حين يشاهدون العذاب .
فإنّ أكثر العلماء رأوا قومهم ضالّين عن الطريق يشركون بالله فسكتوا على ذلك ولم يرشدوهم إلى طريق الحقّ وذلك لأجل المال وخيفةً من أن يمقتهم قومهم فهؤلاء الذين لعنهم الله ويلعنهم قومهم يوم القيامة لَمّا يرون العذاب .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-02-2013, 02:26 PM
168 – كان بعض العرب تحرّم على أنفسها من الأنعام وذلك ما يسمّونَها بالبحيرة والسائبة والوصيلة ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ ) من الأنعام (حَلاَلاً ) أي أحللناه لكم ولم نحرّمه ، ومع كونه حلالاً فهو (طَيِّباً ) أيضاً أي يستطاب في المأكل فلماذا تحرّمونه ؟ (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) بتحريم الأنعام ، أي لا تتّبعوا ما زيّنه لكم الشيطان وخطّه ، وهذا مثل يقال في الاتّباع والتقليد ، والخطوة في الأصل ما بين قدمي الماشي ، يقال فلان يتّبع خطوات فلان أي يقتدي به (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) أي ظاهر العداوة .
171 – (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) في عنادهم وامتناعهم عن الإيمان (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ ) أي بالذي لا يسمع ، يقال نعق الراعي بالغنم ، إذا صاح بها زجراً ، ومن ذلك قول الأخطل :
فَانعَقْ بضأنِكَ يا جريرُ فإنّما لَعَنتكَ نفسُكَ في الخلاءِ ضَلالا
والذي نعق بما لا يسمع هو إبراهيم الخليل عليه السلام 1 ، وذلك لَمّا قدّم الطعام إلى الأصنام فقال [ كما في سورة الصافات]: {أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} ، والمعنى يقول الله تعالى : مثلك يا محمّد مع هؤلاء الكافرين وكلامك معهم كمثل إبراهيم ونعقه بالأصنام التي لا تسمع ولا تفهم ، فكذلك الكافرون لا يسمعون ما تقول لهم عناداً منهم وتكبّراً (إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء ) يعني لم يكن كلامك يا محمّد مع هؤلاء المشركين إلاّ دعاءً ونداءً ذهب أدراج الرياح ، لأنّهم (صُمٌّ ) عن استماع الحقّ (بُكْمٌ ) عن النطق به (عُمْيٌ ) عن النظر إلى الآيات والبراهين (فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) لأنّهم مقلّدون ، والمقلّد لا يستعمل عقله .
آراء المفسّرين
جاء في مجمع البيان صفحة 250 في تفسير هذه الآية قال : " ثم ضرب الله مثلاً للكفار في تركهم إِجابة من يدعوهم إلى التوحيد وركونهم إلى التقليد فقال { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } أي يصوّت { بما لا يسمع } من البهائم { إِلا دعاء ونداءً } واختلف في تقدير الكلام وتأويله على وجوه :
(أولها) أن المعنى مثل الذين كفروا في دعائك إِياهم أي مثل الداعي لهم إلى الإِيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإِنما تسمع الصوت فكما أن الأنعام لا يحصل لها من دعاء الراعي إِلا السماع دون تفهّم المعنى فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إِياهم إلى الإِيمان إِلا السماع دون تفهّم المعنى لأنهم يعرضون عن قبول قولك وينصرفون عن تأمّله فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه ، وهذا معنى قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وهو اختيار الجبائي والرماني والطبري ،
(وثانيها) أَن يكون المعنى مثل الذين كفروا ومثلنا أو مثل الذين كفروا ومثلك يا محمد كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً ، أي كمثل الأنعام المنعوق بها والناعق الراعي الذي يكلّمها وهي لا تعقل فحذف المثل الثاني اكتفاء بالأول ، وهو قول الأخفش والزجاج وهذا لأن في الآية تشبيه شيئين بشيئين, تشبيه الداعي إلى الإِيمان بالراعي وتشبيه المدعوين من الكفار بالأنعام ، فحذف ما حذف للإِيجاز وأبقى في الأول ذكر المدعو وفي الثاني ذكر الداعي وفيما أبقى دليل على ما ألقى ،
(وثالثها) أن المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام كمثل الراعي في دعائه الأنعام فكما أن من دعا البهائم يعدّ جاهلاً فداعي الحجارة أشد جهلاً منه لأن البهائم تسمع الدعاء وإِن لم تفهم معناه والأصنام لا يحصل لها السماع أيضاً عن أبي القاسم البلخي وغيره ،
(ورابعها) أن مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام وهي لا تعقل ولا تفهم كمثل الذي ينعق دعاء ونداء بما لا يسمع صوته جملة ويكون المثل مصروفاً إلى غير الغنم وما أشبهها مما يسمع وإِن لم يفهم وعلى هذا الوجه ينتصب دعاء ونداء بيَنْعِقُ وإِلاّ ملغاة لتوكيد الكلام ،
(وخامسها) أن يكون المعنى ومثل الذين كفروا كمثل الغنم الذي لا يفهم دعاء الناعق فأضاف سبحانه المثل الثاني إلى الناعق وهو في المعنى مضاف إلى المنعوق به ، ثم وصفهم سبحانه بما يجري مجرى التهجين والتوبيخ فقال { صمٌّ بكم عمي فهم لا يعقلون }" انتهى
فانظر إلى تفسيرهم لقوله تعالى (بِمَا لاَ يَسْمَعُ ) فقالوا هي الغنم . أقول : كيف يعبّرون ذلك بالغنم أفليست الغنم لها آذان فهي تسمع وتفهم نعق الراعي ؟
-----------------------------------------------------
1[لم يرد في أيّ كتاب من كتب التفسير ، ولا في أيّ كتاب سواها مَن وضّح المقصود من كلمة (الذي) مطلق ، غير سماحة المؤلّف ، فهو أوّل من وضّحه . – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-05-2013, 03:46 PM
173 – (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) وهو ما يموت من الحيوانات (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ) لأنّه من الخبيث (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ) الإهلال بالشيء هو الفرح به ، ومن ذلك قولهم أهلاً وسهلاً ، وسمّي العلال هلالاً لأنّهم يفرحون عند رؤيته ، وفي ذلك قال الشاعر :
يُبشّرُني الهلالُ بِنقصِ عُمري وأفرحُ كلّما هلّ الهلالُ
وقال يزيد بن معاوية :
لأَهلّوا وأستهلّوا فرَحاً ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تُشَلْ
ومِمّا يفرحون بذبحه ذبيحة السلامة وذبيحة النذور ، وكان المشركون يذبحون تلك الذبائح للأصنام ، فإنّ الله تعالى حرّم ذبحها للأصنام وحرّم أكل لحمها على المسلمين ، والمعنى : وحرّم عليكم ماذُبح لغير الله (فَمَنِ اضْطُرَّ ) إلى أكل هذه المحرّمات من اللحوم ضرورةً أو مجاعةً (غَيْرَ بَاغٍ ) اللذة ، أي غير طالبٍ بذلك لذّة المأكل بل ضرورة المجاعة أو خوفاً من القتل إن لم يأكل (وَلاَ عَادٍ ) يعني ولا يعود إلى أكل ذلك مرّةً ثانية ، لأنّ من أكل شيئاً يتعوّد عليه (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في الأكل إذا كانت مرّة واحدة (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) يغفر له ذلك (رَّحِيمٌ ) بالمضطرّين يغفر لهم خطاياهم .
أقول : واليوم أصبحت بعض فرق الإسلام تأكل مِمّا ذُبِح لغير الله ، وذلك لحم النذور وذبيحة السلامة وغير ذلك ، فينذرون للأئمّة والمشايخ والأنبياء ثمّ يوزّعون لحمها على الناس فيأكلونه ، وهذا لا يجوز ولحمها حرام على من يأكله كلحم الخنزير لأنّّّها ذُبِحت لغير الله . ولا يجوز النذر لغير الله ولو كان ذلك للنبيّ محمّد ، وكذلك لا يجوز أكل الخبز الذي يوزّع باسم العبّاس فيسمّى "خبز العبّاس" وكذلك الشكرات [أو الحلويات] التي توزّع باسم الأئمّة والمشايخ .
174– ثمّ عاد سبحانه إلى ذمّ علماء اليهود وغيرهم الذين يغمضون أعينهم عن الحقّ ولا يرشدون قومهم إلى الصواب ، يرون قومهم يتخبّطون في الضلال وفي نهج الإشراك فيسكتون على ما يشاهدون منهم كأنّهم لا يعلمون ، وذلك خيفة أن يمقتهم قومهم إن صرّحوا لهم بالحقّ وخيفة أن يقطعوا عنهم الهدايا والأموال التي يحصلون عليها باسم الدين وخيفة على الرياسة التي هم فيها ، فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ ) أي في الكنب السماوية من أمر التوحيد والنهي عن الإشراك وغير ذلك من أمور الدين (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي يستبدلون بذلك من مال الدنيا الذي هو قليل بالنسبة للآخرة (أُولَـئِكَ ) الذين كتموا الحقّ ولم يصرّحوا به (مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ) أي لا يدخل في بطونهم ولا يأكلون في أفواههم (إِلاَّ النَّارَ ) وذلك لأنّهم أرواح أثيرية والنار تدخل في جوفهم من كلّ مكان لا يمنعها حاجز ، وقد سبق تفسيرها في أوّل الكتاب (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) بل يكلّم المتّقين بالتهنئة بدخول الجنة (وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ) أي ولا يمحو ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم موجع .
175 – (أُولَـئِكَ ) العلماء الذين سبق ذكرهم (الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ ) أي استبدلوا (الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ) لأنّهم سكتوا على أعمال قومهم السيّئة ولم يرشدوهم إلى الصلاح وكانوا قادرين على إصلاحهم ولم ينهوهم عن الإشراك خيفة أن يمقتهم قومهم ولا يعطوهم من المال (فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) يعني لو أنّهم ذاقوا عذاب تلك النار دقيقة واحدة لتركوا المال والرياسة وصاروا يطلبون الآخرة والمغفرة من الله وذلك بامتثال أمر ربّهم ودعوة قومهم إلى التوحيد ونهيهم عن الإشراك ، ولكن شغلَهم حبّ المال والرياسة عن الآخرة والمغفرة .
176 – (ذَلِكَ ) العذاب لهم (بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) أي بأنّ الله نزّل الكتب السماوية كلّها تدعو إلى التوحيد وإلى عبادة الله وتنهى عن الإشراك وعن عبادة الأوثان ، ولكنّهم بدّلوا وغيّروا ما أنزل الله من الأحكام والشرايع واختلفوا فيها (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ ) أي في الكتب السماوية ، وهم العلماء (لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي لفي اختلاف وجدال فيما بينهم بعيد عن الصواب .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-09-2013, 04:29 PM
174– ثمّ عاد سبحانه إلى ذمّ علماء اليهود وغيرهم الذين يغمضون أعينهم عن الحقّ ولا يرشدون قومهم إلى الصواب ، يرون قومهم يتخبّطون في الضلال وفي نهج الإشراك فيسكتون على ما يشاهدون منهم كأنّهم لا يعلمون ، وذلك خيفة أن يمقتهم قومهم إن صرّحوا لهم بالحقّ وخيفة أن يقطعوا عنهم الهدايا والأموال التي يحصلون عليها باسم الدين وخيفة على الرياسة التي هم فيها ، فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ ) أي في الكنب السماوية من أمر التوحيد والنهي عن الإشراك وغير ذلك من أمور الدين (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ) أي يستبدلون بذلك من مال الدنيا الذي هو قليل بالنسبة للآخرة (أُولَـئِكَ ) الذين كتموا الحقّ ولم يصرّحوا به (مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ) أي لا يدخل في بطونهم ولا يأكلون في أفواههم (إِلاَّ النَّارَ ) وذلك لأنّهم أرواح أثيرية والنار تدخل في جوفهم من كلّ مكان لا يمنعها حاجز ، وقد سبق تفسيرها في أوّل الكتاب (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) بل يكلّم المتّقين بالتهنئة بدخول الجنة (وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ) أي ولا يمحو ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي مؤلم موجع .
175 – (أُولَـئِكَ ) العلماء الذين سبق ذكرهم (الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ ) أي استبدلوا (الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ) لأنّهم سكتوا على أعمال قومهم السيّئة ولم يرشدوهم إلى الصلاح وكانوا قادرين على إصلاحهم ولم ينهوهم عن الإشراك خيفة أن يمقتهم قومهم ولا يعطوهم من المال (فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) يعني لو أنّهم ذاقوا عذاب تلك النار دقيقة واحدة لتركوا المال والرياسة وصاروا يطلبون الآخرة والمغفرة من الله وذلك بامتثال أمر ربّهم ودعوة قومهم إلى التوحيد ونهيهم عن الإشراك ، ولكن شغلَهم حبّ المال والرياسة عن الآخرة والمغفرة .
176 – (ذَلِكَ ) العذاب لهم (بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) أي بأنّ الله نزّل الكتب السماوية كلّها تدعو إلى التوحيد وإلى عبادة الله وتنهى عن الإشراك وعن عبادة الأوثان ، ولكنّهم بدّلوا وغيّروا ما أنزل الله من الأحكام والشرايع واختلفوا فيها (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ ) أي في الكتب السماوية ، وهم العلماء (لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي لفي اختلاف وجدال فيما بينهم بعيد عن الصواب .
177 – لَمّا كثر الكلام بين المسلمين واليهود في أمر القبلة نزلت هذه الآية (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) البرّ هو عمل الخير ، والمعنى ليس عمل الخير خاصّاً بالتوجّه نحو القبلة سواء مكة أو بيت المقدس (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ ) وحده ولم يشركْ به (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني يوم القيامة ، أي وآمن بالبعث (وَالْمَلآئِكَةِ ) أي وآمنَ بالملائكة أنّهم عباد الله لا بناته كما يزعم المشركون (وَالْكِتَابِ ) أي وآمنَ بالكتب السماوية كلّها (وَالنَّبِيِّينَ ) أي وآمنَ بجميع الأنبياء لا ينكر أحداً منهم (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) أي على حبّ الله وفي سبيل الله ، أمّا إذا أعطى المال على حبّ الناس فليس ذلك من أعمال الخير ولا يؤجر عليه ، وذلك من ينفق ماله في سبيل الأئمة والمشايخ وعلى حبّهم أو في سبيل الأنبياء فلا يؤجر عليه وليس ذلك من أعمال البرّ ، بل هو نوع من الإشراك ، ومن ذلك الوقف ، فوقف الأملاك للأئمة والمشايخ لا يجوز لأنّه نوع من الإشراك ، فعمل البرّ هو أن تؤتي المال على حبّ الله إلى (ذَوِي الْقُرْبَى )أي إلى الفقراء من أقربائك (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ) يعني الأيتام والمحتاجين (وَابْنَ السَّبِيلِ ) يعني المسافر المنقطع به والغريب عن وطنه والضيف (وَالسَّآئِلِينَ ) أي الطالبين للصدقة ، لأنّه ليس كلّ مسكين يطلب (وَفِي الرِّقَابِ ) الرقاب جمع رقبة ، يعني ويعطي المال في فكّ الرقاب من الأسر ، كقوله تعالى في سورة البلد {فَكُّ رَقَبَةٍ} ، وكذلك عتق العبد إذا كبر سنّه (وَأَقَامَ الصَّلاةَ) أي واظب عليها وأدّاها بوقتها (وَآتَى الزَّكَاةَ) أي أعطى زكاة ماله ، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) يعني العهود والنذور التي بينهم وبين الله تعالى ، والعقود التي بينهم وبين الناس ، وكلاهما يلزم الوفاء به (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء) البأساء هي الفقر والضراء هي المرض (وَحِينَ الْبَأْسِ ) يعني ويصبرون وقت الحرب وقتال الأعداء (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) بقولهم آمنّا ، وإنّهم أبرار (وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) حقاً ، أي الذين اتّقوا نار جهنّم بفعل هذه الخصال الحميدة .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-12-2013, 12:12 PM
180 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الغنيّ إذا حضرته الوفاة فليوصِ لوالديه ولأقربائه الفقراء بأن يعطوهم من المال الموروث زيادة على حصّتهم فقال (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي فُرِض عليكم (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) يعني إذا دنا وقت موته (إِن تَرَكَ خَيْرًا) يعني إن ترك مالاً كثيراً (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) أي فعليه أن يوصي لوالديه وأقاربه الفقراء سواء كانوا وارثيه أم غير وارثيه ، لأنّ هذه الوصية جعالة غير الإرث وخاصة للفقراء منهم ، وذلك بأن يعطيهم الوصيّ من المال الموروث يعني من النقود أو الأطعمة كالحنطة والتمر والزبيب ..الخ على مقدار ما أوصى به الميّت (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالشيء المناسب لهم وذلك بأن يعطي المحتاج منهم أكثر (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أي حقاً واجباً على من آثر التقوى .
181 – (فَمَن بَدَّلَهُ ) أي فمن بدّل كلام الموصي ، يعني بدّل الوصية (بَعْدَمَا سَمِعَهُ ) من الموصي (فَإِنَّمَا إِثْمُهُ ) أي إثم التبديل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) من الموصي والشهود ، يعني على الذين يبدّلون وصية الميّت (إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .
182 – (فَمَنْ خَافَ) أي خشي (مِن مُّوصٍ) أي من الموصي ، وذلك عند وصيّته قبل وفاته (جَنَفًا) أي ميلاً عن الحقّ فيما يوصي به لأقربائه (أَوْ إِثْمًا) الإثم أن يكون الميل عن الحقّ على وجه العمد ، والجنف أن يكون الميل على وجه الخطأ من حيث لا يدري (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي فأصلح ذلك الشخص الحاضر عند المريض وقت وصيّته بين المريض الموصي وبين أقربائه ، بأن يقول له إنّ فلاناً من أقربائك وهو فقير فلا تنسَه ، وفلان يتيم وهو من أقربائك فاجعل له جعالة ، وزيد محتاج فأعطِ زيداً أكثر من عمرو ، فهذا الرجل المصلح (فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ) بل يؤجر على ذلك (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ) يغفر للميّت إذا أوصى لوالديه وأقاربه الفقراء والأيتام والأرامل (رَّحِيمٌ) بالفقراء إذْ جعل لهم جعالة وأوصى لهم بالزكاة .
تعريف
للمستحضر أن يوصي بثلث من ماله ليصرف بعد وفاته ، أو يهب منه على أقربائه أو غيرهم من الفقراء قبل موته والباقي يصرَف بعد وفاته على إطعام الفقراء والأيتام أو كسوتهم أو غير ذلك مِمّا أوصى به الميّت وليس للمستحضر أن يهب لأحد أو يوصي بالإنفاق من ماله بعد موته أكثر من الثلث إذا كان له أولاد ، ولا يجوز للوصي أن يتصرّف بأموال الموصي برأيه ، ويجب أن يقام ناظر على الوصي لئلاّ يخون الوصية فيأكل من مال الأيتام ، ويجب أن يكون الناظر من أقرباء الميّت وإذا لم يوجد أحد من أقرباء الميّت أو من الورثة فمن غيرهم ولا يجوز أن يكون الناظر أبا الوصيّ أو ابنه أو أخاه لئلاّ يتّفق مع الوصيّ على أكل مال الأيتام ، وإذا زاد من الثلث عند الوصيّ بعد العمل بالوصيّة يجب أن يعاد للورثة ويقسّم عليهم . وتبقى وصاية الوصيّ ثابتة على صغار الورثة حتّى يبلغوا رشدهم ، أمّا البالغ رشده وصاحب الحقّ من الورثة له أن يتصرّف في حقّه كيف يشاء وليس للوصيّ حقّ عليه .
183 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) كاليهود والنصارى وغيرهم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أي لكي تتّقوا المعاصي بفعل الصوم .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-16-2013, 12:03 PM
184 - ثمّ بيّن سبحانه مدّة الصيام فقال (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) ويريد بذلك أيام شهر رمضان ، وإنّما سمّاها معدودات لأنّ الشهر القمري قد يكون 29 يوماً أو 30 يوماً ولا يكون 31 وكانت العادة عند العرب أنّهم يعدّون الدراهم إذا كانت تحت الثلاثين وإذا زادت عن ذلك فإنّهم يزِنونَها وزناً ولا يعدّونها (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) وهنا حذف في الكلام والتقدير : فمن كان مريضاً أو على سفر وكان لا يطيق الصوم فعدّة من أيّامٍ أخر . يدلّ على ذلك قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) . (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أي فليفطر تلك الأيام التي مرض بِها أو سافر فيها ثمّ يصوم بعد ذلك على عددها (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) أي وعلى الذين يطيقون الصوم من المرضى والمسافرين فدية إذا أفطروا ولم يصوموا . ثمّ بيّن سبحانه مقدار الفدية فقال (طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أي إطعام مسكين واحد عن كلّ يوم من إفطاره ، وذلك بأن يعطي نصف صاع من الحنطة عن كلّ يوم (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ) أي فمن أطعم أكثر من مسكين (فَهُوَ ) أي التطوّع بالطعام للمساكين (خَيْرٌ لَّهُ ) عند ربّه ، أي للمتطوّع (وَأَن تَصُومُواْ ) أيها المرضى والمسافرون الذين تطيقون الصوم (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من الإفطار والفدية (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) منافع الصوم للصحة والجزاء في الآخرة .
ويباح الإفطار للمسافر ما دام في الطريق ، فإذا وصل المدينة التي قصدها وأراد أن يقيم فيها يوماً واحداً فعليه أن يصوم ذلك اليوم ولا يباح له الإفطار إلاّ إذا سافر إلى غيرها ، والدليل على ذلك قوله تعالى في آخر هذه السورة {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} يعني إذا تداينتم في الطريق قبل أن تصلوا المدينة ، لأنّ في المدينة كثيراً من الكتبة موجودون .
والمريض يباح له الإفطار إن كان لا يطيق الصيام ، ثمّ يصوم بدل ما أفطر عند الصحة . وأمّا المريض الذي يطيق الصيام وأراد الإفطار فعليه دية الإفطار ويصوم بدلها عند الصحة . وكذلك المسافر إن كان لا يطيق الصيام بسبب الحرّ إن كان وقت الصيف ، أو كان ماشياً على قدميه ولا يتمكّن من الصيام بسبب التعب ، أو كان في الحرب أو غير ذلك من الأسباب فيباح له الإفطار ثمّ يصوم بدلها عند رجوعه إلى بلده إذا رجع وعند الإمكان إذا لم يرجع . وأمّا المسافر الذي يتمكّن من الصيام لزوال هذه الأسباب فعليه دية الإفطار إذا أفطر ويصوم بدلها عند رجوعه إلى بلده .
186 – سأل النبيَّ أحدُ أصحابه قائلاً : أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت هذه الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ ) يا محمّد (عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) أي أسمع دعاء الداعي كما يسمعه قريب المسافة منهم (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) أي ألبّي الداعي لدعوته وأجيبه عند طلبته وأفعل ما هو الصالح له ، فإنْ كان في دعواه صلاح له أعطيته ما طلب , وإذا لم يكن فيها صلاح أخّرت طلبه لوقت آخر (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ) بالطاعة , أي فليطلبوا إجابتي لهم ورضاي عنهم بالطاعة لي . فلفظة أجاب معناها جاوبه على سؤاله , ولفظة استجاب معناها طلب منه الجواب على سؤاله . وهذا مثل قولهم أوقد واستوقد , وأمسك واستمسك , فأوقد معناها أشعل النار , واستوقد معناها طلب إيقاد النار , فكذلك لفظة أجاب واستجاب (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي ) أي وليصدّقوا رسلي وبي , يعني بما وصفوني عندهم بأنّي واحد كريم مجيب غفور إلى غير ذلك من الصفات الحسنى (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) أي لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه .
187 – كانت عادة الصوم عند الناس قبل الإسلام ثلاثاً وعشرين ساعة ، أي أنّهم يأكلون بعد غروب الشمس بساعة واحدة ثمّ يصومون ما بقي من الليل والنهار كلّه ثمّ يفطرون بعد غروب الشمس بساعة . وكان النكاح عندهم لا يجوز في أيام الصوم ولياليه . وهذه عادة اليهود حتّى الآن ، فلمّا نزلت آية الصيام على النبيّ أخذ المسلمون يصومون كما اعتادوه من الصيام ، فلمّا كان وقت الإفطار قصيراً وهو ساعة واحدة من الزمن صار بعض المسلمين لا يصلون إلى إفطارهم ولا يأكلون شيئاً من الطعام ، وذلك بسبب أشغال تعوقهم عن الإفطار في ذلك الوقت ، أو أنّهم ينامون في ذلك الوقت صدفة فإذا انتبهوا من نومهم رأوا أنّ وقت الإفطار قد ذهب منهم فيبقون على صومهم إلى اليوم الثاني فيشقّ ذلك عليهم .
وكان بعض الشباب من المسلمين لا يستطيعون الصبر عن النكاح فإذا صار وقت الإفطار أتوا نساءهم ، فعلم الله تعالى بذلك فأراد سبحانه أن يخفّف عنهم فأراد سبحانه أن يخفّف عنهم فأنزل هذه الآية (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ) أي كلّ ليلة في صبيحتها الصيام (الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ) أي الجماع (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) أي هنّ سكن لكم وأنتم سكن لهنّ ، وهذا كقوله تعالى في سورة الأعراف {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} , (عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ) في الجماع ، فالمخاتلة والمخاتنة بمعنى واحد وهو المخادعة ، وذلك أنّ الرجل كان يخدع زوجته ويجامعها وهي كارهة ذلك في ليالي الصيام (فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) أي فتاب على الذين تابوا منكم (وَعَفَا عَنكُمْ ) أي وعفا عن الذين لم يتوبوا ، لأنّ الذين جامعوا نساءهم بعضهم قد ندموا وتابوا وبعضهم جامعوا وسكتوا ، (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) أي لا حرج عليكم في جماعهنّ بالليل ، (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ) أي واطلبوا الحلال الذي فرضه الله لكم ، ولا تطلبوا الحرام في غير نسائكم ، (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ ) طول الليل ، يعني في أيّ وقت شئتم من أوقات الليل (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) أي حتّى يتبيّن لكم وميض الفجر من سواد الليل ، (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) .
وقد أخطأ المسلمون في إفطارهم في الوقت الحاضر1 لأنّ أبناء السنّة يفطرون وقت غروب الشمس ، والشيعة يفطرون بعد ذلك باثنتي عشرة دقيقة ، أي وقت المغرب ، بينما أنّ الله تعالى يقول (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) ولم يقل إلى وقت المغرب ، ولا يكون الليل إلاّ عند الظلام وظهور النجوم ، ولا يجوز الإفطار إلاّ بعد غروب الشمس بنصف ساعة .
والدليل على ذلك أنهم يسمّون صلاة المغرب وصلاة العشاء ، فصلاة المغرب تكون وقت المغرب أي بعد غروب الشمس بخمس دقائق ، ولا يصحّ أن تسمّى صلاة العشاء بصلاة المغرب ، ولا أن تصلّيها وقت المغرب ، ولكن يصحّ تسميتها بصلاة اللّيل لأنّ وقتها يكون بعد غروب الشمس بساعة ونصف الساعة ، فكذلك تسمية الليل ، لأنّ الليل لا يكون إلاّ وقت حلول الظلام وعند رؤية النجوم ، فأمّا بعد غروب الشمس ببضع دقائق فلا يسمّى ذلك الوقت بالليل ، بل يسمّى وقت المغرب أو وقت الغروب على الأصحّ ، (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) أي ولا تنكحوا نساءكم وقت الصلاة والدعاء واعتكاف الناس في المساجد ، فاتركوا النساء وقت الصلاة واعتكفوا أي واظبوا على الصلاة والدعاء في المساجد كما يعتكف قومكم وأهل بلدتكم . فإنّ الله تعالى نَهى عن النساء وجماعهنّ في أوّل وقت من الليل ، وذلك خاصّ في شهر رمضان2 ، أي من وقت الإفطار إلى بعد صلاة العشاء بساعة ، لأنّ اعتكاف الناس في المساجد يكون في ذلك الوقت ، (تِلْكَ ) الأحكام التي ذكرت (حُدُودُ اللّهِ ) أي أحكامه المحدودة (فَلاَ تَقْرَبُوهَا ) بالمخالفة والتغيير ، (كَذَلِكَ ) أي مثل هذا البيان الذي ذكر (يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ ) أي حججه وأدلّته على ما أمرهم به ونَهاهم عنه (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) المحارم ، أي يجتنبونَها .
-----------------------------------------------
1 [ وكما أنّ تأخير السحور لا يتجاوز وقت وميض الفجر فلا يجب كذلك تعجيل الإفطار أن يسبق صلاة المغرب التي لَها وقت معلوم ، والليل وقت يكون بعد الانتهاء من صلاة المغرب وسنّتها – المراجع ]
2 [كما أنّ ذلك يسبّب اضطراب المعدة وسوء الهضم ، وأمراضاً نفسية أخرى ، يمنع علم الصحة مثل ذلك الإتيان – المراجع ]
188 – (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل ويأخذها بغير حقّ (وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ) أي وترسلوها إلى الحكّام والقضاة رشوة ، يقال أدلى دلوه أي أرسله في البئر ، (لِتَأْكُلُواْ ) بالتحاكم (فَرِيقًا ) أي قسماً (مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ ) أي ترسلون الأموال إلى الحكّام رشوة ليحكموا لكم ويجعلوا الحقّ معكم وبذلك تغصبون أموال الناس (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّ الذي أخذتموه من المال ليس لكم بل هو مال الناس . فالرشوة حرام على من يعطيها ومن يأخذها .
---------------------------------------------------------------
1 [وقال الرسول عليه السلام "الراشي والمرتشي والرائش في النار" – المراجع .]
189 – كانت العادة عند اليهود أنّهم يتصدّقون في أوّل كلّ شهر ، فكان أكثرهم يأتي جاره الفقير من السطح ليعطيه طعاماً فيتّفق أنّ زوجته عريانة أو مكشوفة الساقين أو يبدو شيء من جسمها فيراها الذي ينقل الطعام فيغتمّ الفقير من ذلك ، وكان بعضهم يتعمّد الذهاب إلى بيت جاره من السطح ليرى زوجة جاره أو بناته . فلمّا ظهر الإسلام جاء معاذ بن جبل إلى النبيّ وقال : يا رسول الله إنّ اليهود يقولون أنّ الله تعالى جعل الأهلّة لنعمل الخير عند رؤيتها ، فهل هذا صحيح ؟ فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الأهِلَّةِ ) جمع هلال ، والمعنى يسألونك عن الأهلّة هل هي مواقيت لعمل البرّ ، أي لفعل الطاعات (قُلْ ) يا محمّد (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ) ،1 يعرفون بِها الحساب وعدد الشهور والسنين وما يحتاجون إليه من وقت صومهم وإفطارهم وعدّة نسائهم وحلول ديونِهم وغير ذلك (وَالْحَجِّ ) أي وكذلك يعرفون بِها وقت الحجّ ، (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) أي وليس الذي تفعلونه من إعطائكم الصدقات رأس كلّ شهر هو البرّ بأنّكم تأتون البيوت من ظهورها ، أي من سطوحها فتتسلّطون على نساء الفقراء وتنظرون إليهنّ بشهوة ، فالظهر هو السطح ، والظهرة المرتفع من الأرض (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) المعاصي وتجنّب المحرّمات (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) لتقديم الصدقات واتركوا تلك العادات (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بالثواب إن تركتم تلك العادات وامتثلتم أمر ربّكم .
---------------------------------------------
2 [ وجاء في التوراة أيضاً "صنع القمر للمواقيت " مزمور 104 : 19 – المراجع ]
190 – سافر فريق من المسلمين لمحاربة المشركين من أهل مكّة فصادفوا بطريقهم نفراً من المشركين ولكنّهم ليسوا من أهل مكّة ومعهم أموال فقتلوهم وأخذوا أموالَهم ، فنزلت هذه الآية (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) أي لوجه الله ولأجل الدين ولا تقاتلوا لأجل المال (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني قاتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين ولا تقاتلوا غيرهم إنْ لم يتعرّضوا لقتالكم (وَلاَ تَعْتَدُواْ ) على أحد إنْ لم يعتدوا عليكم (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) على الناس 1
-----------------------------------------------
1 [لو نُفّذت أحكام الإسلام كاملة فإنّها خير ضمانة لغير المسلمين ، لأنّه غير اعتدائي ، وقد نظر إلى غير المسلمين مراعياً حقوقهم وواجباتهم ، أمّا الطعون التي تُوجّه إليه فمصدرها الاستعمار – المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-19-2013, 03:55 PM
191 – (وَاقْتُلُوهُمْ ) أي المشركين (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) أي حيث ظفرتم بهم وأدركتموهم 1 ، والخطاب موجّه للمسلمين (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) أي كما أخرجوكم من مكّة (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) يريد بالفتنة إغواءَهم للناس وصدّهم عن الإيمان ، لأنّ أهل مكّة كانوا يغوون الناس بقولهم أنّ محمّداً ساحرٌ فلا تصدّقوه ، والقتل يريد به في الأشهر الحرم فعابوهم فنزلت هذه الآية ، والمعنى إنّ إغواء أهل مكّة للناس وصدّهم إيّاهم عن الإيمان أشدّ عند الله من القتل في الأشهر الحرم (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ) والخطاب للمسلمين (فَإِن قَاتَلُوكُمْ ) أي بدؤوكم بالقتال (فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) أي جزاؤهم القتل والإخراج من الديار .
-----------------------------------------------
1 [لأنّهم هم الذين بدؤوكم القتال ، وإلاّ فالإسلام لم يقم على السوط ولا على السيف ولا على النار كما قال المسيح – المراجع ]
192 – (فَإِنِ انتَهَوْاْ ) عن غيّهم وأسلموا (فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) لِمن تاب (رَّحِيمٌ ) بِمن أسلم .
193 – (وَقَاتِلُوهُمْ ) أي المشركين (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) أي حتّى لا يغووا أحداً ولا يصدّوا الناس عن الإيمان (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) الدين هو الطاعة والانقياد ، والمعنى حتّى ينقادوا لأمر الله (فَإِنِ انتَهَواْ ) عن إغوائهم وصدّهم الناس عن الإيمان (فَلاَ عُدْوَانَ ) أي فلا عقوبة (إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) يعني فلا عقوبة على من ترك الفتنة وأسلم ولكنّ العقوبة على الظالمين الذين يفتنون الناس ويصدّونهم عن الإيمان .
194 – إنّ مشركي العرب منعوا النبيّ من العمرة في الشهر الحرام ، وهو شهر ذي القعدة في عام الحديبية السنة السادسة بعد الهجرة ، وكانت الهدنة بين الطرفين ، ولكنّ المشركين خانوا العهد بعد ذلك ، فلمّا أراد النبيّ قتالهم تحرّج المسلمون من القتال حيث كان ذلك في الأشهر الحرم أيضاً ، فنزلت هذه الآية فقام المسلمون لقتال المشركين وتغلّبوا عليهم وفتحوا مكّة (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ) أي هذا الشهر بذاك الشهر ، فكما اعتدَوا عليكم في الشهر الحرام ومنعوكم من الدخول إلى مكّة فقاتلوهم في الشهر الحرام وامنعوهم من دخول البيت .
فلمّا فتح النبيّ مكّة أمر مناديه فنادى "ألا لا يحجّنّ اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ." والأشهر الحرم أربعة ، وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ، كانوا يحرّمون فيها القتال حتّى لو أنّ رجلاً لقي قاتل أبيه أو أخيه في إحداها لم يتعرّض له بسوء ، وإنّما سمّي ذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) الحرمات جمع حرمة ، والمعنى : وكلّ حرمة يهتكونها لكم فاهتكوا حرمة لهم بدلها وعاقبوهم بمثل ما اعتدوا عليكم ، وذلك قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) يعني عاقبوهم بمثل اعتدائهم عليكم (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بالنصرة ، يعني أنّ الله ينصر المتّقين .
197 – (الْحَجُّ ) أي أشهر الحجّ (أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) أي معروفات عند الناس ، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجة (فَمَن فَرَضَ ) على نفسه (فِيهِنَّ الْحَجَّ ) أي في هذه الأشهر (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) ، الرفث هو الفحش والجماع ، والفسوق هو المعاصي بأجمعها ، والجدال هو المشاجرة بين خصمين ، والمعنى : فلا جماع ولا معاصي ولا مشاجرة تكون منكم في أيام الحجّ ، بل يلزم عليكم الطاعة والتعبّد لله (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) فيجازيكم عليه (وَتَزَوَّدُواْ ) من عمل الخير (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ ) للحياة الأثيرية هو (التَّقْوَى وَاتَّقُونِ ) فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه (يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) أي يا ذوي العقول .
204 – كان رجل منافق يسمّى الأخنس بن شريق وهو حلو المنطق ، وكان إذا لقي رسول الله ألانَ له القول وادّعا أنّه يحبّه وأنّه مسلم وأخذ يتحدّث معه في شأن الدنيا وقال له : يعلم الله ما في قلبي من المحبّة لك والصدق ، وإذا تولّى عنه جاء إلى قريش وأخذ في ذمّ محمّد وصار يحرّضهم على قتاله ، فنزلت فيه هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ) يا محمّد لأنّك تظنّه صادقاً (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي يعجبك ما يقوله في أمر الدنيا (وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) من المحبّة لك ، ولكنّه كاذب منافق عدوّ (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) أي شديد العداوة وليس كما يقوله ويدّعيه من المحبّة .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-25-2013, 02:01 PM
205 – (وَإِذَا تَوَلَّى ) عنك يا محمّد وأدبر (سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا ) أي أخذ يعمل في المكر والخديعة ليوقع العداوة والقتال بين الناس (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) أي يهلك الزرع والأولاد بسبب الحرب والعداوة ، كما فعل بثقيف حيث كان بينه وبينهم خصومة فبيّتهم ليلاً وأهلك مواشيهم وأحرق زرعهم (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) ويمقت من يسعى به .
206 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُ ) أي لذلك المنافق (اتَّقِ اللّهَ ) ولا تفسد في الأرض (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ) أي أوقعته العزّة في الإثم ، يعني حمله التكبّر على فعل الإثم ولم يمتنع عن الفساد (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ) أي كفاه عذاب جهنّم (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الذي مهّده لنفسه ، يعني بئس المكان جهنّم الذي اختارها ومهّدها لنفسه .
208 – أسلم قوم من اليهود ثمّ حرّموا على أنفسهم لحم الإبل وذلك لِما اعتادوا عليه في اليهوديّة ، فأنزل الله فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ ) أي في الاستسلام والانقياد لأوامر الله (كَآفَّةً ) أي جميعها ، والمعنى : إنقادوا لجميع أوامر الله فلا تأخذوا بعضها وتتركوا الأخرى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) أي ولا تلازموا العادات التي خطّها الشيطان وسنّها لكم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) أي ظاهر العداوة .
210 – (هَلْ يَنظُرُونَ ) يعني هل ينتظر العذاب هؤلاء المكذّبون بآيات الله (إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) أي إلاّ أن يبعث الله عليهم العذاب في ظلل من السحاب كما بعث على قوم شعيب من قبلهم ، والظلل جمع ظلّة وهي السحابة (وَالْمَلآئِكَةُ ) أي ويبعث عليهم ملائكة العذاب فتقبض أرواحهم (وَقُضِيَ الأَمْرُ ) أي وحينئذٍ ينتهي بهم الأمر فلا توبتهم تقبل ولا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا الصالحات ولا ينجيهم أحد من عذابنا (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) الأمر كناية عن المخلوقات الروحانية فكلّ قسم منها يسمّى "أمر" وجمعها "أمور" ، والمعنى : إلى الله ترجع نفوس البشر والجنّ وكلّ مخلوق أثيري فيحكم فيها ما يشاء ولا يحكم فيها غيره .
211 – إنّ قريشاً سألوا النبيّ أن يأتيهم بمعجزة مادّية فيصدّقونه ، فنزلت هذه الآية (سَلْ ) يا محمّد (بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أي كم أعطيناهم من معجزة واضحة تدلّ على صدق أنبيائهم فكفروا بها وكذّبوا . فإنّ موسى جاء بالعصا والمعجزات الأخرى إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا به ولم يصدّقوه بل كذّبوا وقالوا هذا سحر مبين ، فانتقمنا منهم وأغرقناهم في اليمّ . وإنّ عيسى أنبأهم بالمغيّبات وأحيا لهم الأموات وأبرأ الأكمه والأبرص وغير ذلك من المعجزات فلم يؤمن به اليهود بل كذّبوه وأرادوا قتله .
وهكذا باقي الأنبياء كلّ من جاء بمعجزة مادّية فإنّ قومه يكذّبون بها ويقولون هذا سحرٌ مبين . وكذلك أنت يا محمّد لو أعطيناك معجزة مادّية لكذّب بها قومك وقالوا هذا سحرٌ مبين ، ولكن الأحسن من ذلك هي المعجزات العلمية والأدلّة العقليّة التي أنزلناها عليك فادعهم إلى الإيمان بِها فهي تؤثّر فيهم أكثر من المعجزات المادّية . وذلك قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} . فقوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعني إذا لم يطمئنّ قلبك يا محمّد بهذا الجواب فاسأل بني إسرائيل كم آتيناهم من معجزة فكذّبوا بها وأبدلوها بالكفر (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ ) بالكفر (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ ) على لسان محمّد ، ويريد بالنعمة آيات القرآن والموعظة والهداية إلى طريق الحقّ فهي نعمة من الله على الناس وعلى الأنبياء أيضاً ولذلك قال الله تعالى في سورة الضحى مخاطباً رسوله : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي حدّث الناس برسالتك ولا تخشَ أحداً (فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن جحد بآياته وكذّب رسله .
213 – (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فاختلفوا ، أي كانوا على ملّة واحدة ليس فيهم من يشرك بالله ، وذلك في زمن آدم ، فاختلفوا من بعده إلى مذاهب شتّى وأشركوا ، (فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ) بالجنّة لمن أطاعه (وَمُنذِرِينَ ) بالنار لمن عصاه وأشرك به (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) يعني الكتب السماوية (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ (لِيَحْكُمَ ) كلّ نبيّ (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) من الأديان والمذاهب الباطلة ويرشدهم إلى دين الحقّ (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) أي في الكتاب (إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ ) وهم علماء الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم الذين طلبوا الدنيا والرياسة (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أي وكان اختلاف هؤلاء العلماء في الكتاب بعد الذي جاءهم من البيّنات على صدقه ، وسبب ذلك الاختلاف كان (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسداً بينهم وظلماً وطلباً للرياسة (فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ) إلى طريق الإسلام (لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) أي لِما كانوا مختلفين فيه من الحقّ ، والمعنى أنّ الله تعالى أوضح لهم الطريق حتّى عرفوا الحقّ من الباطل (بِإِذْنِهِ ) أي وكان هداهم إلى طريق الإسلام بإذنٍ من الله ، لأنّ الله تعالى أذن لملائكته فأرشدتْهم إلى ذلك بالإلهام والإيحاء ، وإنّهم كانوا أهلاً للهداية حيث لم يكونوا أهل تكبّر وحسد ، والله يهدي من يشاء ، أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-28-2013, 03:42 AM
214 – كان بعض من أسلم في زمن النبيّ لا يقومون بالواجب ولا ينشرون الدعوة ولا يجاهدون في سبيل الله بل اكتفوا بمجرّد القول حيث قالوا آمنّا ، فإذا سألهم بعض أصحابهم عن سبب امتناعهم عن الجهاد قالوا نخاف من الأذى والقتل ، فنزلت فيهم هذه الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ ) أيّها المسلمون ، والتقدير: أظننتم أنّكم تثابون بمجرّد قولكم آمنّا دون أن تعملوا أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) يوم القيامة بدون عمل (وَلَمَّا يَأْتِكُم ) من الأذى والمحن تضجرون وتنفرون 1 ، فليس هذا عمل المسلم ، ألا تكونون (مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ) من المؤمنين في الأمم السالفة (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ) البأس هو الشدّة وجمعه بأساء ، والضرّ هو الفقر والمرض وجمعه ضرّاء ، والمعنى أصابتهم الشدائد بسبب الجهاد ، والفقر بسبب تركهم ديارهم وأموالهم في سبيل الله لأنّهم اتّبعوا رسلهم (وَزُلْزِلُواْ ) أي أزعِجوا وأوذوا فصبروا ونصروا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي يقول بعضهم لبعض (مَتَى نَصْرُ اللّهِ ) يعني يقول المؤمنون لرسولهم متى نصر الله ، فيقول الرسول في جوابهم (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) يعني يقول لهم اصبروا وسيأتيكم النصر عن قريب .
--------------------------------------------
1 [وهذه الآية يستمرّ حكمها كلّ حين ، وخاصّةً عند ظهور المهدي إذ تحتّم على الذين اتّبعوه أن يجاهروا بالدعوة ، بين أهليهم وفي محلاّتهم ، وفي تجوالهم ومنتزهاتهم ليلاً ونهاراً لأنّهم بذلك ينقذون نفوساً كثيرة من المروق من الإسلام ، ويحبّذون الإسلام لآخرين - المراجع ]
217 – إنّ رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من كفّار قريش في أوّل يوم من رجب وكان قد اشتبه فيه هل هو من جماد أو من رجب ، وكانت العادة عند العرب أنّهم يتركون القتال في الأشهر الحرم ، فلمّا قُتِل رجل من قريش جاؤوا إلى النبيّ يسألونه على وجه الإنكار هل يباح القتال في الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) يريد به شهر رجب (قِتَالٍ فِيهِ ) أي هل يباح القتال فيه (قُلْ ) يا محمّد لهم (قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) أي القتال فيه عظيم وذنب كبير (وَ ) لكن (صَدٌّ ) منكم أيّها المشركون (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله ، وهو دين الإسلام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام ، لأنّ المشركين كانوا يصدّون الناس عن دين الإسلام ولا يدعونهم يؤمنون (وَكُفْرٌ ) منكم (بِهِ ) أي بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وكفر منكم بالمسجد الحرام ، لأنّهم وضعوا الأصنام فوق الكعبة وكانوا يعبدونها (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ) يعني أهل المسجد وهم النبيّ والمسلمون (مِنْهُ ) أي من المسجد ، يعني إخراج المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة (أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ ) والمعنى أنّ أفعالكم هذه وكفركم بالله وفي المسجد الحرام أعظم عند الله من قتل رجل مشرك في الشهر الحرام (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أي وإنّ افتتناكم الناس بالكفر وصدّهم عن دين الإسلام أعظم وزراً عند الله من قتل رجل مشرك . ثمّ أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفّار وتعنّتهم فقال (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني أهل مكة والخطاب للمسلمين (حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) أي إنْ قدروا على ذلك ، وقد ارتدّ فريق من المسلمين بعد وفاة النبيّ فقاتلهم أبو بكر فرجع قسم منهم إلى دين الإسلام ثانية (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) يعني فيموت على كفره ولا يعود إلى دين الإسلام (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أي ذهبت أعمالهم التي عملوها وقت إسلامهم أدراج الرياح ، أي خسروا نتائج أعمالهم ، أمّا في الدنيا فإنّهم أبدلوا حسن الذكر والشرف الذي نالهم في الإسلام بسوء الذكر والعار الذي نالهم عند ارتدادهم عن الإسلام ، وأمّا الذي خسروه في الآخرة فإنّهم أبدلوا الجنّة بالنار وحسن الذكر بالعار ومرضاة الله بغضبه (وَأُوْلَـئِكَ ) الكفار والمرتدّون (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي دائمون في النار .
219 – جاء نفر من الصحابة إلى النبيّ فقالوا يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر هل يباحان ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الْخَمْرِ) وهو كلّ شراب مسكر (وَالْمَيْسِرِ ) وهو القمار (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) أي وزر عظيم ، لأنّ بسببهما تكون أكثر المعاصي وتنتج أكثر الجرائم (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) منفعة الخمر للبايع والصانع وفي الطب كمعقّم ، ومنفعة القمار للسلعة التي يلعبون بها وصانعها والرابح الذي يأخذ مال صاحبه من غير كدّ ولا مشقّة (وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) أي ما فيهما من الإثم أكبر مِمّا فيهما من النفع ، لأنّ النفع لبعض الناس والضرر لكثير منهم ، وإنّ الشارب والمقامر يقترفان بواسطتهما الآثام من وجوه كثيرة (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ) من أموالهم (قُلِ الْعَفْوَ ) والعفو معناه الترك ، كقوله تعالى في سورة البقرة {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ، أي فمن ترك له ، والمعنى : قل يا محمّد لهم إذا أردتم الإنفاق في سبيل الله فأنفقوا من أموالكم المتروكة مهما شئتم ، أي من المال الزائد المتروك في الصندوق أو المودع في البنك . والإنفاق غير الزكاة الواجبة ، لأنّ الزكاة خاصّة للفقراء ، وأمّا الإنفاق فيصرف في الجهاد ولبناء المساجد والمدارس والمستشفيات الخيرية ودور الضيافة وغير ذلك . وهذا الإنفاق خاصّ بالأغنياء دون الفقراء (كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) في مصالح دينكم .
220 – جاء رجل من الصحابة إلى النبيّ فقال يا رسول الله عندي يتيم وله عندي دراهم وقريب أن تنفد أيجوز أن أجعلها في حانوتي وأجعله شريكاً معي في الحانوت ليربح منها ولا تنفد دراهمه ؟ فنزلت هذه الآية (وَيَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الْيَتَامَى ) أي عن أمر اليتامى ومشاركتهم (قُلْ ) يا محمّد لهم (إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ) أي إعملوا لهم ما هو الصالح ، والمعنى الكسب لهم خير من البطالة (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ) في كسبكم وصناعاتكم فيعملون بأجرة أو تشاركونهم (فَإِخْوَانُكُمْ ) في الدين ، وحقّ الأخ أن يعمل لأخيه ما هو الصالح (وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ ) منكم (مِنَ الْمُصْلِحِ ) للأيتام فيجازي كلاً على عمله (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ ) العنت هو المشقّة ، والمعنى : ولو شاء الله لكلّفكم ما يشقّ عليكم من أمر اليتامى ولكن أذِن لكم في مخالطتهم ومشاركتهم ليسهّل الأمر عليكم (إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) فينتقم مِمّن يريد فساد حال اليتامى (حَكِيمٌ ) في أفعاله فلا يكلّف نفساً إلاّ ما وسعها .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
01-31-2013, 05:01 PM
222 – جاء رجل من الصحابة إلى النبيّ فسأله عن حكم النساء وقت الحيض ، فنزلت هذه الآية (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) أي عن أمر المحيض وحكمه (قُلْ هُوَ أَذًى ) للنساء ، لأنّ جماع الحائض يسبّب لها مرضاً في بيت الأرحام (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ) أي اعزلوا فراشكم عن فراشهنّ وقت النوم (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ ) بالجماع (حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ) من الدم ويغتسلن منه (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) بالماء واغتسلن (فَأْتُوهُنَّ ) أي فارجعوا إليهنّ في الفراش وجامعوهنّ إنْ شئتم ذلك (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) أي من الجهة التي أمركم الله بتجنّبها وقت الحيض ، ويقصد بذلك الفرج . فالحائض لا يباح جماعها سواء قُبلاً كان أم دبراً ، وأقلّ مدّة للحائض خمسة أيام إذا طهرت قبل الخمسة وأوسطها سبعة وأكثرها حتّى تطهر (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) من الذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) بالماء إذا جامعوا نساءهم .
223 – (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) أي نساؤكم مزدرعٌ لكم ومحترَث تزرعون فيهنّ البنين والبنات (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أي كيف شئتم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة {انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ، أي كيف يؤفكون . والتقدير فأتوا نساءكم كيف شئتم نياماً أو جلوساً أو غير ذلك ، لأنّ اليهود قالوا إذا جامع الرجل زوجته من الخلف في فرجها جاء الولد أحول ، فنزلت هذه الآية تكذيباً لهم ، (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ) من الأعمال الصالحة (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ ) بعد موتكم ، أي تصيرون إليه وإلى حكمه فتجدون جزاء أعمالكم إنْ خيراً فخيراً تجدون وإن شرّاً فشرّاً تحصدون (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) بدخول الجنة .
224 – إنّ عبد الله بن روّاحة حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يبرّه بشيء ولا يصلح بينه وبين امرأته ، فكان يقول إنّي حلفت بهذا فلا يحلّ لي أن أفعله , فنزلت هذه الآية (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ) أي لا تجعلوا اليمين بالله سبباً لترك الخيرات عن الناس وقطع البِرّ عنهم (أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ ) البِرّ هو فعل الخير ، والمعنى : لا تحلفوا بالله على أن لا تبرّوا الفقراء , ولا تتّقوا في صلة الرحم ، ولا تصلحوا بين الناس ، فلا تحلفوا على ترك هذه الأعمال الصالحة ، ثمّ إذا سألكم سائل عنها تقولون لا نفعل ذلك لأنّنا حلفنا على تركها (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأيمانكم وأقوالكم (عَلِيمٌ ) بنيّاتكم وأفعالكم فيجازي كلاً على عمله .
225 – (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ) اللغو هو الكلام الذي لا فائدة فيه ، والأيمان جمع يمين وهو الحلف بالله , والمعنى : لا يؤاخذكم الله بالحنث على أيمانكم التي لا فائدة فيها , وذلك مثل أن يحلف الإنسان أنّه لا يعطي فقيراً بعد يومه شيئاً ، ثمّ يحنث عن يمينه ويعطي صدقة للفقراء ، فلا يؤاخذه الله في حنثه على ذلك . أو يحلف أنّه لا يصلح بعد يومه بين الناس ، ثمّ يحنث ويصلح بين المتخاصمين ، فإنّ الله تعالى لا يؤاخذه على ذلك ، وهكذا كلّ يمين يقسم عليه الإنسان أن لا يعمل من عمل الخير شيئاً فهو لغو . وكذلك إذا حلف يميناً على شيء وهو يرى نفسه أنّه صادق ثمّ تبيّن أنّه عكس ذلك ولكن لم يكن يعلم فلا يؤاخذه الله على ذلك ، ولكن عليه أن يخبر من حلف له بأنّه قد أخطأ بيمينه والصحيح هو كذا وكذا . (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) من المكر والخديعة مع من تعاقدتم معه على بيع أو شراء أو شركة وحلفتم على ذلك يميناً ثمّ حنثتم اليمين وخنتم العهد فإنّ الله تعالى يؤاخذكم عليه ويلزمكم كفّارته .
ونظير هذه الآية في سورة المائدة وهي قوله تعالى {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ، (وَاللّهُ غَفُورٌ ) لمن تاب وأعطى الكفّارة (حَلِيمٌ ) يمهل عبيده ليتوبوا .
233 – (وَالْوَالِدَاتُ ) تقديره وعلى الوالدات المطلّقات أن (يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ ) من أزواجهنّ (أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) لولده ، أمّا إذا لم يرد إتمام الرضاعة لولده بسبب فقره وعدم استطاعته على النفقة جاز له أن يأخذه قبل ذلك بثلاثة أشهر ، فيكون رضاعه واحداً وعشرين شهراً (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ) أي وعلى أبي الولد (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) أي رزق الوالدات وكسوتهنّ (بِالْمَعْرُوفِ ) يعني ما يستطيع أن ينفق على أمّ الولد . والمعنى : على الأمّهات إرضاع أولادهنّ سنتين كاملتين إن أراد الأب إتمام الرضاعة ، وعلى الأب نفقة أمّ الولد وكسوتها ما دامت ترضع ولده (لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ) يعني إلاّ قدر إمكانها (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) والمعنى : لا يأخذ الأب ولده طلباً للإضرار بأمّه ولا يقطع النفقة عنها فيضرّ بحالها (وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ) أي ولا تنزلوا الضرّ بالأب بسبب ولده ، وذلك بأن تطلبوا منه نفقة أكثر مِمّا يطيقه ، ولا تمتنع الأم من الإرضاع إذا أعطيَت نفقتها وذلك لأجل أن تضرّ بوالده (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) من الرزق والكسوة للوالدة إذا مات الوالد ، والمعنى إذا مات الوالد أو كان عاجزاً أو مريضاً أو أصابه جنون فالوارث يقوم بالنفقة مقامه ، والوارث هو من كان أقرب للوالد كابنه الكبير مثلاً فهو يقوم بالنفقة لزوجة أبيه المطلّقة المرضعة (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً ) يعني فإن أراد الأبوان فطام الولد قبل الحولين (عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ) بينهما ، يعني بين الأم والأب (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) أي فلا حرج عليهما في ذلك (وَإِنْ أَرَدتُّمْ ) أيّها الآباء (أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ ) أي تطلبوا لهم مرضعات غير أمّهاتهم ، وذلك إذا انقطع لبن الأم أو اعتراها مرض أو أبت إرضاعه لسبب من الأسباب أو كان الأب فقيراً ولا يتمكّن من دفع النفقة وعنده من يرضع الولد له مجّاناً ووافقت على ذلك أمّه (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) أي فلا حرج عليكم في ذلك (إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ) والمعنى إذا سلّمتم لأمّ الولد بقايا ما آتيتم لها من النفقة بالمعروف ، يعني بلا مماطلة ولا تأخير . فإذا جاءت الأم بالولد وسلّمته لأبيه وقالت خذ ولدك فإنّي لا أرضعه لأنّي أريد أن أتزوّج ، أو انقطع لبنها ، أو لسبب آخر ، فحينئذٍ لا حرج على الأب أن يطلب لولده مرضعة أخرى ترضعه (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فيجازي كلاً على عمله .
ثمّ إذا تزوّجت أمّ الولد فليس لها نفقة بعد ذلك وتكون النفقة للولد فقط . واعلم أنّ لفظة "ولد" تطلق على الذكر والأنثى معاً ولا فرق في الحكم بين الذكر والأنثى في النفقة ومدّة الرضاعة وغير ذلك مِمّا ذُكِر في هذه الآية .
237 – (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ) أباح الله تعالى طلاق المرأة التي لم تمسّها أي لم تدخل بِها سواء فرضت لَها مهراً أو لم تفرض ، وذلك قوله تعالى (أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ) والتقدير : ما لم تمسّوهنّ مِمّن فرضتم أو لم تفرضوا لَهنّ فريضة .
فالتي فرضت لَها مهراً وأردت طلاقها فلها نصف المهر ، أمّا التي لم تفرض لها مهراً كالبديلة والموهوبة وغير ذلك فلها جعالة : أي تجعل لها مقداراً من المال ، وذلك قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ ) أي أعطوهنّ من متاع الدنيا ، وذلك للمطلقة التي لم تفرض لها فريضة ، أي للتي ليس لَها مهر كالبديلة والموهوبة (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ) أي على الغنيّ قدر تمكينه (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ ) أي على الفقير قدر تمكينه (مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ) أي وسطاً ليس فيه إسراف ولا تقتير (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) أي واجباً على الذين يحسنون الطاعة ويجتنبون المعصية .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
02-04-2013, 04:36 PM
239 – (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ ) جمع صلاة ، أي داوموا عليها بأوقاتها ولو كان ذلك في الحرب ، وهي خمس صلوات فقد جاء ذكر ثلاث منها في سورة هود وهي صلاة الصبح أي الفجر وصلاة العصر والمغرب وذلك قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} فقوله تعالى {طَرَفَيِ النَّهَارِ} يعني الصبح والعصر {وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} يعني أوّل الليل وهي صلاة المغرب فهذه ثلاث , وجاء ذكر اثنتين من الصلاة أيضاُ في سورة الإسراء وهي صلاة الظهر وصلاة العشاء , وذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ودلوك الشمس زوالها وهي صلاة الظهر ، وغسق الليل ظلامه وهي صلاة العشاء فصار المجموع خمساً ، وقوله (والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) هي صلاة الجمعة (وَقُومُواْ ) بعد الصلاة (لِلّهِ قَانِتِينَ ) أي ذاكرين في جميع أوقاتكم وحركاتكم وسكناتكم ، ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة الجمعة {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي واذكروه دائماً .
ويباح الجمع بين الصلاتين عند الضرورة والحرب والسفر فيجمع بين الصلاتين عند اغتنام الفرصة .
240 – ثمّ بيّن سبحانه حكم الصلاة عند الخوف من العدو ، أي وقت الحرب وذلك عند سيرهم مشاةً أو رُكباناً والعدوّ يتربّص بهم فقال : (فَإنْ خِفْتُمْ ) من عدوّ وكنتم سائرين (فَرِجَالاً ) أي فصلّوا راجلين ، جمع راجل ، يعني فصلّوا وأنتم ماشون على أرجلكم (أَوْ رُكْبَانًا ) أي راكبين على ظهور دوابّكم ، والإنسان مخيّر في هذه الحالة بالتمام أو أن يقصر فيصلّي ركعتين ، وذلك لقوله تعالى في سورة النساء {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} .
وتكون صلاة وقت الخوف بلا ركوع ولا سجود بل بالإيماء ، وذلك عند المسير لا عند الإقامة ، ويسقط عند التوجّه إلى القبلة ، وإذا لم يمكنه الوضوء فبالتيمّم . وإذا كان الإنسان في مواضع الحرب وصار وقت الصلاة فليصلّ في مكانه ولو كان اتّجاهه لغير القبلة ، ولا حرج عليه أن يصلّي وهو جالس أو نائم إذا لم يمكنه القيام لسبب من الأسباب (فَإِذَا أَمِنتُمْ ) من العدوّ وزال الخوف عنكم (فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم ) أي فصلّوا بركوع وسجود والتوجّه إلى القبلة كما علّمكم أن تصلّوا (مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) قبل الإسلام .
241 – (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ) أي يموتون (وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) أي يتركون زوجات (وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ) يعني فليوصوا قبل موتهم وصيّة لهنّ (مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ ) يعني ما ينتفعن به من النفقة والكسوة والسكنى سنة كاملة (غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) أي لا يخرجن من بيوت الأزواج (فَإِنْ خَرَجْنَ ) باختيارهنّ قبل الحول وبعد انتهاء المدّة من غير أن يخرجهنّ الورثة (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) يا معشر أولياء الميّت (فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ ) من التزيّن والتعرّض للخطبة (مِن مَّعْرُوفٍ ) أي مِمّا ليس ينكر شرعاً ، فوليّ الميّت عليه أن يقوم بنفقة الزوجة حولاً كاملاً ، فإذا خرجت زوجة الميّت قبل الحول وبعد انتهاء المدّة لكي تتزوّج ولم تعد لدار زوجها الميّت سقط حقّها من النفقة (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) ينتقم مِمّن يخالف أوامره (حَكِيمٌ ) في أفعاله فلا يأمركم بشيء إلاّ فيه صلاح لكم .
244 – (أَلَمْ تَرَ ) أيّها السامع ، والمعنى ألم تسمع بقصّة هؤلاء فتتفكّر في أمرهم وتعتبر بقصّتهم ، فلفظة "ترى" مأخوذة من الرأي وهو الفكر والعلم (إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ) هاربين من أعدائهم ، وهم بنو إسرائيل خرجوا من مصر مع موسى بن عمران (وَهُمْ أُلُوفٌ ) في العدد ، فكان عددهم ستمائة ألف رجل عدا الأطفال [خروج – الإصحاح الثاني عشر (التوراة) ] ، ساروا حتّى نزلوا قرب أرض كنعان ، فأمرهم موسى بجهاد عدوّهم والدخول إلى قرية أريحا فامتنعوا عن الجهاد (حَذَرَ الْمَوْتِ ) أي خرجوا من ديارهم حذراً من الموت تحت حكم فرعون لأنّه استعبدهم وقتل أبناءهم ، ونزل الطاعون بهم أيضاً فمات شيوخهم فهربوا من مصر ، ولَمّا أمرهم موسى بجهاد أعدائهم امتنعوا خوف القتل أيضاً (فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ) في هذا القفر فإنّكم لا تدخلون أرض كنعان بل يدخلها أولادكم بعد أربعين سنة هذا جزاء عنادكم وتكبّركم على الله وعلى رسوله .
فمات الآباء بالتدريج في تلك البرّية ولم يبق منهم إلاّ رجلين وهما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة لأنّهما كانا صالِحَين (ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) بعد أربعين سنة ، أي أحيا ذكرهم بأولادهم حيث نصرهم على أعدائهم وأدخلهم أرض كنعان ، فالموت كناية عن الذلّ كقوله تعالى في سورة آل عمران {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} . والإحياء كناية عن العزّ والنصر (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) بكثرة النعم والتجاوز عن سيّئاتهم (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) هذه النعم بل يكفرون بدل الشكر .
ومضمون الآية أنّ الله تعالى يحرّض المؤمنين على جهاد عدوّهم لينتصروا عليهم ويحيون كأولاد بني إسرائيل لَمّا جاهدوا وانتصروا ، ولا يمتنع المسلمون عن الجهاد فيهلكوا ويموتوا كما مات بنو إسرائيل .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
02-06-2013, 05:06 PM
247 – (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ ) أي إلى جماعة الأشراف والرؤساء (مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ ) وفاة (مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ) وهو صموئيل الأوّل (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ) أي اجعل لنا ملكاً لكي (نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ ) صموئيل (هَلْ عَسَيْتُمْ ) أي هل ثبتّم على قولكم وأصررتم على محاربة أعدائكم ، ولا تزال هذه الكلمة مستعملة عندنا في العراق ولكن أبدلوا السين بالصاد لتقارب الحرفين فيقولون "عصى" بدل "عسى" وذلك إذا أراد أحد أن يقلع مسماراً من خشبة بيده أو من الجدار ولم يتمكّن من قلعه فيقول عاصي لا ينقلع ، يريد ثابت في مكانه لا ينقلع ، ومثل هذه الكلمة قوله تعالى في سورة التكوير {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} يعني إذا ثبت مكانه وطال زمانه ، ويكون ذلك حين وقوف الأرض عن دورتها المحورية فحينئذٍ يكون طول الليل ألف سنة من سنيّنا وكذلك يكون طول النهار ، (إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ) قالوا نعم ثابتين على قولنا ومصرّين على قتال أعدائنا ، فقال صموئيل أخاف (أَلاَّ تُقَاتِلُواْ ) وتجبنوا كما جبن قوم موسى لَمّا أمرهم أن يحاربوا الكنعانيّين ويدخلوا أريحا .
(قَالُواْ ) أي قال الملأ من بني إسرائيل (وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) معناه وأيّ داعٍ لنا إلى ترك القتال وأيّ غرض لنا فيه (وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا ) مطرودين ، لأنّ الفلسطينيّين حاربوهم وأخذوا بلادهم وأسروا أولادهم .
فاليهود كانوا يقيمون في أرض كنعان وأعداؤهم في فلسطين (وَأَبْنَآئِنَا ) أسرى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ) على يد الملك الذي طلبوه (تَوَلَّوْاْ ) أي أعرضوا عن القيام به وضيّعوا أمر الله (إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) وَفَوا بعهدهم وقاتلوا عدوّهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) هذا تهديد لِمَن يتولّى عن القتال .
248 – (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ) صموئيل (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ ) أي اختار لكم (طَالُوتَ مَلِكًا ) وقد بعثه أبوه من جعبة إلى أرض صوف ، وهو شاب حسن الصورة من نسل بنيامين بن يعقوب ، واسمه شاؤول وأبوه قيس ، وإنّما سمّي طالوت لطوله لأنّه كان أطول الرجال في زمانه ، وكان هذا الاسم يكنّى به كلّ رجل طويل ، وما تزال هذه العادة موجودة بين الناس إذ يكنّون كلّ شخص طويل بإسم "طنطل" . وكانت لأبيه أتن ": حمير" ضلّت فبعثه أبوه ليتجسّس عنها فصار طريقه على النبيّ صموئيل ، وكان الله تعالى قد أوحى إليه بأنّ رجلاً من بنيامين سيأتيك غداً وأوصافه كذا وكذا فامسحه ملكاً على بني إسرائيل . فلمّا جاءه بشّره بالملوكيّة وأنبأه عن مستقبل حياته وصبّ على رأسه قنينة الزيت "عطر" ومسحه ليكون ملكاً على بني إسرائيل .
فلمّا أخبرهم صموئيل بأنّ طالوت يكون ملكاً أنكروا ذلك و(قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ) يعني من أين له الملك ؟ لأنّ النبوّة كانت في سبط لاوي بن يعقوب ، والملك في سبط يهوذا ، وطالوت من سبط بنيامين (وَنَحْنُ أَحَقُّ ) أي أولى (بِالْمُلْكِ مِنْهُ ) لأنّنا من سبط النبوّة والمملكة (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ) لكي يقوم بشأن المملكة (قَالَ ) نبيّهم (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ) أي اختاره من بينكم وهو أعلم بالمصالح منكم (وَزَادَهُ بَسْطَةً ) أي سعة (فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) والمَلِك لا بدّ أن يكون من أهل العلم وأن يكون جسيماً لأنّه أعظم في النفوس وأهيَب في القلوب (وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء ) وليس ذلك بالوراثة (وَاللّهُ وَاسِعٌ ) الفضل والعطاء يوسّع على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر (عَلِيمٌ ) بمن يصطفيه لذلك .
249 – فحينئذٍ قالوا نريد علامة على صحّة قولك بأنّ الله جعله ملكاً علينا (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ) أي علامة تمليك الله لطالوت (أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) أي يرجع إليكم ، وكان أعداؤهم أخذوه منهم في الحرب ، لأنّ بني إسرائيل كانوا يحملونه أمامهم في الحرب فينتصرون على أعدائهم ، فلمّا أشركوا بالله وعملوا المعاصي انتصر عدوّهم عليهم وأخذوا التابوت منهم .
وكان التابوت من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف مغشّى بصفائح الذهب من داخل ومن خارج وفيه أربع حلقات من ذهب على قوائمه الأربع يرفع بِها وعليه إكليل من الذهب . وقد صنِع التابوت في عهد موسى وكانت فيه قطع الألواح التي كتب فيها التوراة وهي من حجر وفيه بعض ملابس موسى وهارون .
فلمّا أخذه الفلسطينيّون أنزل الله عليهم الوباء فمات كثير منهم فعلموا أنّ الذي أصابهم كان بسبب التابوت فوضعوه على عربة وشدّوا بِها بقرتين وساقوهما ، فبعث الله تعالى ملائكة تسوق البقرتين إلى بني إسرائيل فأخذوه وفرحوا به . فقوله تعالى (فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي في رجوعه تهدئة لقلوبكم وتطميناً لنفوسكم (وَ ) فيه (بَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ) أي مِمّا ترك رجالهم وأولادهم ، ويريد بذلك الأسفار التي كتبوها بعد وفاة موسى عن تاريخ بني إسرائيل ورحلاتهم وحروبهم ، وفيه قطع الألواح الحجرية ولوحا الشهادة أي التوراة وقنينة عطر وبعض ملابس موسى وهارون (تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ ) يقال زيد حملني على قتل عمرو ، أي دعاني إلى قتله وساقني إلى ذلك ، فقوله تعالى (تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ ) أي تدفعهم إلى إرجاع التابوت لبني إسرائيل وتسوقهم إلى ذاك ، حتّى وضعوه على عربة وأطلقوها ، فأخذت الملائكة تسوق البقرتين إلى بني إسرائيل حتّى أوصلته إليهم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ ) أي في رجوع التابوت إليكم علامة لكم على ملك طالوت (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) أي إن كنتم مصدّقين .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
02-09-2013, 04:01 PM
250 – (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ) يعني فلمّا سار بهم وانفصلوا عن بلادهم ، وكان عددهم ثلاثمائة ألف (قَالَ ) طالوت لجنوده (إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ) أي مختبركم وممتحنكم ، وذلك ليعلم طالوت من يصبر منهم على القتال ومن هو قليل الصبر ، وكان الاختبار على ذلك بالصبر على العطش عند حضور الماء ، فمن صبر ولم يشرب من النهر فهو يصبر على القتال وهو ذو عزم وثبات ، ومن لم يصبر على العطش فلا يصبر على القتال أيضاً ، وذلك قوله (فَمَن شَرِبَ مِنْهُ ) أي من ماء النهر (فَلَيْسَ مِنِّي ) أي ليس من أصحابي وأتباعي (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) يعني من لم يشرب منه ولم يذق طعمه فإنّه من أتباعي (إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) سهواً ثمّ رمى بِها ولم يشربها فلا بأس عليه . ثمّ أخبر الله تعالى عنهم فقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) أي فشربت جنوده من ماء النهر إلاّ قليلاً منهم لم يشربوا ، وكان عدد الذين لم يشربوا ثلاثمائة رجل 1 ، (فَلَمَّا جَاوَزَهُ ) أي فلمّا جاوز النهر (هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي طالوت وجنوده الذين آمنوا بأنّ الله سينصرهم (قَالُواْ ) أي قال الذين شربوا من النهر (لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ) أي لا قوّة لنا بقتالهم ، وهم العمالقة (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ ) وهم الذين لم يشربوا من النهر (كَم مِّن فِئَةٍ ) أي فرقة (قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ) أي بإرادة الله ، ومعناه إذا أراد الله نصر قوم على أعدائهم أذِن لملائكته أن تأتي إلى هؤلاء فتشجّعهم بالوحي والإلهام وتثبّتهم على القتال ، وتأتي إلى أعدائهم فتخذلهم وتلقي الرعب في قلوبهم حتّى ينهزموا ويكون النصر للفئة القليلة (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالنصرة لهم على أعدائهم .
----------------------------------------------
1 [ومن عجب أنّ مسلمي بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وكذا سيكون أصحاب المهدي –– المراجع ]
251 – (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أي لَمّا خرجوا لقتالهم ، وجالوت يسمّى بالعبريّة جليات وهو رئيس الفلسطينيّين وأشجعهم (قَالُواْ ) أصحاب طالوت (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في قلوب أعدائنا (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قوم جالوت .
252 – (فَهَزَمُوهُم ) يعني أصحاب طالوت هزموا أصحاب جالوت (بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ) يعني لداوود 1 ، فصار ملكاً على بني إسرائيل بعد طالوت "شاؤول" (وَالْحِكْمَةَ ) أي العلم والمعرفة فكان نبيّاً وملكاً وعالماً (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) أن يعلّمه من العلم ومنطق الطير وصنعة الدروع (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) أي لولا أنّ الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسد أهل الأرض كلّهم وذلك بالكفر والمعاصي ، ولفسدت الأرض أيضاً عقوبةً لَهم وذلك بقلّة النبات والأثمار وكثرة الحشرات والميكروبات التي تسبّب الأمراض . وذلك كقوله تعالى في سورة الروم {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ، (وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) بإزالة أكثر الفساد عنهم .
-------------------------------------------
1[ذكرت التوراة أنّ داوود أخذ حصاة من الأرض فوضعها في صكبانه "مِعجاله" ورمى بِها جالوت فأصابت جبهته فسال الدم على وجهه وسقط على الأرض فهجم عليه داوود وقطع رأسه ، وهجم أصحابه على الفلسطينيّين فهزموهم –– المراجع ]
253 – (تِلْكَ ) إشارة إلى ما تقدّم من تمليك طالوت وهو رجل فقير ، وتمليك داوود وهو راعي غنم ، ونصرة داوود على جالوت وهو شاب صغير ، وإرجاع التابوت إلى بني إسرائيل وهو ذهب ثمين ، فتلك (آيَاتُ اللّهِ ) أي دلالات الله على قدرته (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي نقرؤها عليك (بِالْحَقِّ ) أي بالصدق لا اختلاف فيها (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) إلى قومك كما أرسلنا أولائك إلى قومهم فبشّر وأنذر .
255 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) بمحمّد (أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) في سبيل الله ولا تبخلوا بالمال (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ) أي يوم القيامة (لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ) ولا شراء (وَلاَ خُلَّةٌ ) بين الكافرين ، أي لا محبّة بينهم ولا صداقة (وَلاَ شَفَاعَةٌ ) للجاحدين والمشركين (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم فإنّ الله لا يظلم الناس شيئاً .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
02-13-2013, 04:17 PM
260 – لّمّا ذكر الله تعالى في الآية السابقة مجادلة النمرود مع سيّدنا إبراهيم ذكر في هذه الآية مجادلة عزريا مع النبيّ إرميا فقال:
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) وهو عزريا بن هوشعيا [وهذا غير عزرا بن سرايا الذي كتب التوراة بعد تمزيقها] والقرية هي بيت المقدس (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) أي متهدّمة لأنّ نبوخذنصر قد هدّمها ، فجاء عزريا مع جمع من اليهود من نواحي بيت المقدس ليذهبوا إلى مصر خوفاً من الكلدانيّين فمرّوا ببيت المقدس وهي متهدّمة ، فسألوا النبيّ إرميا قائلين أنذهب إلى مصر أم نقيم في بيت المقدس ، فقال لهم لا تذهبوا إلى مصر بل ابقوا هنا والله تعالى يجمعكم بعد التشتيت ويعمّر هذه القرية بعد خرابِها (قَالَ ) عزريا مستنكراً ذلك (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) أي كيف تعمر هذه القرية بعد الخراب ، وكيف تجتمع بنو إسرائيل بعد القتل والتشتيت فهذا لا يمكن ، فإنّنا لا نبقى هنا بل نذهب إلى مصر .
فلمّا ساروا تاه عزريا في الطريق فلجأ إلى كهف كان في طريقه فدخله هو وحماره ونام ليلته في الكهف فانحدرت صخرة من الجبل وسدّت باب الكهف فمات في مكانه ومات حماره أيضاً فتبدّدت أوصالهما وتناثر لحمهما داخل الكهف ، وبعد مائة سنة خلق الله تعالى جسم عزريا من تلك الرمم البالية وكذلك خلق جسم حماره في ذلك الكهف 1 ولكن تمّ خلق جسم عزريا قبل حماره فبعث الله فيه الروح فقام حياً ، وتفطّرت الصخرة وسقطت عن باب الكهف ، فبعث الله تعالى ملكاً على صورة إنسان يسأله فقال له : كم لبثت في هذا المكان ؟ قال عزريا : يوماً أو بعض يوم ، لأنّه ظنّ أنّه كان نائماً فانتبه من نومه ، فقال الملك : بل لبثت مائة عام ، فقال عزريا : ما الدليل على ذلك ؟ قال : أنظر إلى حمارك في دور التكوين بارزاً عن الأرض مخلوقاً من الطين وانظر إلى العظام كيف ننشزها عن الطين أي كيف نرفعها من التراب الرطب ونجعلها على هيئة حمار ثمّ نكسوها لحماً من ذلك الطين بالتدريج ثمّ نتمّم خلقه فيكون حماراً كاملاً .
فصار عزريا ينظر إلى حماره وهو ممدود في الطين في دور التكوين فلمّا تمّ خلقه نهض من الأرض وقام ، فحينئذٍ قال عزريا : أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير .
التفسير :
(فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ) في ذلك الكهف (ثُمَّ بَعَثَهُ ) والمعنى بعث روحه إلى جسمه ، أي أحياه بعد تلك المدة ، فبعث الله ملكاً يسأله (قَالَ ) الملَك لعزريا (كَمْ لَبِثْتَ ) في هذا الكهف (قَالَ ) عزريا (لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ ) الملَك (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ ) لم ينتن (وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) أي لم يتغيّر مع كثرة السنين (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) في دور التكوين كيف يقوم من الطين الناشف (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ) ليستدلّوا على قدرة الله (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ ) التي لحمارك المتكوّنة من تراب رطب (كَيْفَ نُنشِزُهَا ) أي كيف نرفعها من طين ناشف ونجعلها على هيئة حمار (ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) بالتدريج من ذلك التراب الرطب (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) أي تبيّن لعزريا وشاهد بعينه إحياء حماره (قَالَ أَعْلَمُ ) أي أتيقّن (أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . فلمّا رجع إلى بيت المقدس وجدها عامرة بالبناء وآهلة بالسكّان . فإن شئت زيادة إيضاح على خلق الأجسام من التراب فاقرأ كتابنا "الردّ على الملحدين" تحت موضوع "رأي العين" .
-------------------------------------------------
1يتمّ خلق الأجسام في الأرض من تراب رطب أو طين ناشف وذلك على ثلاث حالات : أوّلاً أن يكون ذلك التراب بقايا رمم بالية ، ثانياَ يكمل خلقه بمدّة أربعين يوماً ، ثالثاً أن يكون ذلك في مكان مظلم ، ولذلك قال الله تعالى في سورة الزمر {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}.
274 – هذه الآية معطوفة على آية 271 وهي قوله تعالى (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ..الخ ) ، وتكون هذه الآية بعدها .
لَمّا ذكر سبحانه في تلك الآية بأنّ الصدقات للفقراء ، خصّ في هذه الآية بعض الفقراء بالأقدميّة فقال (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) الحصار هو المنع والحبس ، ويريد بذلك الفقراء من المهاجرين الذين منعوهم أموالهم وحبسوها عنهم فلم يبقَ لهم من المال ما يتاجرون به ولا ما يكتسبون فيه . وكذلك المجاهدين لأنّهم منعوا أنفسهم عن الكسب والتجارة بالحرب والدفاع عن الدين وعن إخوانهم المسلمين .
ويدخل في ذلك طالب العلم والواعظ لأنّهم منعوا أنفسهم عن الكسب ، وقوله (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا ) أي ذهاباً وتصرّفاً (فِي الأَرْضِ ) للكسب والتجارة (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ ) بحالهم (أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ) أي يظنّهم الجاهل بحالهم أنّهم أغنياء وذلك لِما يرى منهم التعفّف ، والتعفّف هو الامتناع عن السؤال والتجمّل في اللباس والستر لِما هم فيه من الفقر (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) أي تعرف حالهم بالنظر إلى وجوههم لِما فيها من علامة الفقر (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) أي إلحاحاً في المسألة بل يعبّرون بكلمات تنبئ عنهم أنّهم فقراء (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه ويزيدكم من فضله بِما أنفقتم .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
عبد القهار
02-19-2013, 12:41 AM
276 – ثمّ حذّر سبحانه عن أخذ الربا وبيّن ما لصاحبه من العذاب يوم القيامة فقال (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ) في الدنيا (لاَ يَقُومُونَ ) يوم القيامة من قبورهم (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ) السكران (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) التخبّط هو الضرب على الأرض والسير على غير اهتداء ، والمسّ هو شدّة السكر وهي كلمة عربيّة استعملتها الفرس ، فتقول في أغانيها :"مس بودم هوشيارم كردي" أي كنت سكراناً فأصحيتني . فقوله تعالى (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) يعني كمثل السكران الذي يتخبّطه الشيطان من شدّة السكر فيذهب به يميناً وشمالاً ويلقيه في المهالك . وهذا كقوله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، وقوله (ذَلِكَ ) أي ذلك العذاب لهم (بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) فردّ الله عليهم وذمّ فعلهم فقال (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) في جميع الكتب السماوية السالفة فكيف يحلّونه بأهوائهم ويجعلونه مثل البيع (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهي عن الربا (فَانتَهَىَ ) عن أخذ الربا وتاب (فَلَهُ مَا سَلَفَ ) معناه فله ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي (وَأَمْرُهُ ) في الرزق والعيش (إِلَى اللّهِ ) فإنّ الله يرزقه إذا اتّعظ وترك الربا واكتسب من الحلال وترك الحرام (وَمَنْ عَادَ ) إلى أكل الربا بعد التحريم (فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .
279 – كان بعض المسلمين يشتغلون في الربا في زمن الجاهلية أي قبل إسلامهم وكانت لهم بقايا على أصحابهم فلمّا أسلموا وصار وقت الطلب طالبوا قومهم بذلك ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ ) أي واتركوا (مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) على الناس (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) إيماناً حقيقياً .
280 – ثمّ أخذ سبحانه يهدّدهم ويتوعّدهم فقال (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ) أي فإن لم تقبلوا أمر الله ولم تتركوا بقيّة الربا (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) أي فاعلموا أنّ الله تعالى يأذن لرسوله بحربكم ومقاتلتكم إن لم تفعلوا ما أمِرتم به (وَإِن تُبْتُمْ ) من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) دون الزيادة (لاَ تَظْلِمُونَ ) الناس بأخذ الزيادة على رأس المال (وَلاَ تُظْلَمُونَ ) بالنقصان من رأس المال .
281 – (وَإِن كَانَ ) المديون (ذُو عُسْرَةٍ ) لا يتمكّن من دفع ما عليه من الدين (فَنَظِرَةٌ ) النظِرة تصغير الانتظار ، والمعنى فانتظروه (إِلَى مَيْسَرَةٍ ) الميسرة تصغير يسار ، والمعنى فانتظروه حتّى تتيسّر له الدراهم فيعطيكم (وَأَن تَصَدَّقُواْ ) أصلها وأن تتصدّقوا , فحذفت إحدى التاءين لتسهيل الكلام ، والمعنى وأن تتصدّقوا على المُعسر بما عليه من الدين (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من مطالبته (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر والثواب بذلك .
287 – (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) أخبر سبحانه بأنّه لا يكلّف الإنسان شيئاً لا يتمكّن عليه وليس بمقدوره (لَهَا مَا كَسَبَتْ ) من الأجر والثواب (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) من الشرّ والعقاب بفعل السيّئات ، فلا يؤاخذ أحد بذنب غيره (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا ) بالعقاب (إِن نَّسِينَا ) شيئاً من الطاعات (أَوْ أَخْطَأْنَا ) سهواً غير متعمّدين ، وهذا معطوف على ما قبله ، والتقدير : وقالوا ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) الإصر كلّ أمر يثقل على الإنسان القيام به ومن ذلك قول النابغة :
يا مانعَ الضيمِ أنْ يَغشَى سُراتَهُمُ والحاملَ الإصرِ منهمْ بعدَ ما غَرِقوا
والمعنى : ولا تحمل علينا أمراً يثقل علينا القيام به (كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) أي على الأمم الماضية من الأحكام الشاقة (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) من الأحكام ، وذلك كالصوم الذي يصومه اليهود وهو ثلاث وعشرون ساعة من كلّ يوم يصومونه وتتنجّس الحائض عندهم حتّى أنّه من يمسّ فراشها يتنجّس ويجب عليه الغسل ، ويجب على زوجها أن يعزل فراشه ولا يجامعها إلاّ بعد سبعة أيّام من طهرها فيكون انقطاعه عنها أربعة عشر يوماً ، وغير ذلك من الأحكام الشاقّة (وَاعْفُ عَنَّا ) ذنوبنا يعني امح ذنوبنا التي لم يطّلع عليها غيرك (وَاغْفِرْ لَنَا ) خطايانا ، يعني استر خطايانا التي اطّلعت عليها الناس وأنسِهم إيّاها (وَارْحَمْنَآ ) في عالم البرزخ ، أي ارحمنا بعد موتنا كما رحمتنا في الدنيا (أَنتَ مَوْلاَنَا ) أي سيّدنا (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .
تمّ بعون الله تفسير المتشابه من سورة البقرة
ويليه تفسير سورة آل عمران .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن (http://www.quran-ayat.com/shabaha/2b.htm#121)
لـ( محمد علي حسن الحلي ) رحمه الله تعالى
vBulletin 3.8.4 © 2000 - 2025
Jannat Alhusain Network © 2025