رد: خُطْبَةِ ٱلصِّدِيقَةُ ٱلشَّهِيدَةُ فَاطِمَةُ ٱلزِّهْرَاءِ عَلَيْهَا ٱلسَّلاَمُ
ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَٱخْتِيَارٍ، وَرَغْبَةٍ وَإِيثَارٍ، فَمُحَمَّدٌ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ تَعَبِ هٰذِهِ ٱلدَّارِ فِي رَاحةٍ، قَدْ حُفَّ بِالْمَلاَئِكَةِ ٱلأَبْرَارِ، وَرِضْوَانِ ٱلرَّبَّ الْغَفَّارِ، وَمُجَاوَرَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، صَلَّىٰ اللهُ عَلَىٰ أَبِي، نَبِيَّهِ وَأَمِينِهِ عَلَىٰ الْوَحْيِ وَصَفِيِّهِ، وَخِيَرَتِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، وَٱلسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:
أَنْتُمْ عِبَادَ اللهِ نُصْبُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَحَمَلَةُ دِينِهِ وَوَحْيِهِ، وَأُمَنَاؤُ اللهِ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ، وَبُلَغَاؤُهُ إِلَىٰ ٱلأُمَمِ، زَعِيمُ حَقٌّ لَهُ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ ٱسْتَخْلَفَهَا عَلَيْكُمْ، كِتَابُ اللهِ ٱلنَّاطِقُ، وَالْقُرْآنُ ٱلصَّادِقُ، وَٱلنُّورُ ٱلسَّاطِعُ، وَٱلضِّيَاءُ ٱللاَّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصَائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَوَاهِرُهُ، مُغْتَبِطٌ بِهِ أَشْيَاعُهُ، قَائِدٌ إِلَىٰ ٱلرِّضْوَانِ ٱتِّبَاعُهُ، مُؤَدٍّ إِلَىٰ ٱلنَّجَاةِ إِسْتِمَاعُهُ، بِهِ تُنَالُ حُجَجُ اللهِ الْمُنَوَّرَةُ، وَعَزَائِمُهُ الْمُفَسَّرَةُ، وَمَحَارِمُهُ الْمُحَذَّرَةُ، وَبَيِّنَاتُهُ الْجَالِيَةُ، وَبَرَاهِينُهُ الْكَافِيَةُ، وَفَضَائِلُهُ الْمَنْدُوبَةُ، وَرُخَصُهُ الْمَوْهُوبَةُ، وَشَرَائِعُهُ الْمَكْتُوبَةُ، فَجَعَلَ اللهُ ٱلإِيمَانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ ٱلشِّرْكِ، وَٱلصَّلاَةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ مِنِ الْكِبْرِ، وَٱلزَّكَاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَمَاءً فِي ٱلرِّزْقِ، وَٱلصِّيَامَ تَثْبِيتاً للإِخْلاَصِ، وَالْحَجَّ تَشْيِيداً لِلدِّينِ، وَالْعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ، وَإِطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً للْفُرْقَةِ، وَالْجِهَادَ عِزاً لِلإِسْلاَمِ، وَٱلصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَىٰ ٱسْتِيجَابِ ٱلأَجْرِ، وَٱلأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ، وَبِرَّ الْوَالِدَيْنِ وِقَايَةً مِنَ ٱلسَّخَطِ، وَصِلَةَ ٱلأَرْحَامِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ تَغْيِيراً لِلْبَخْسِ، وَٱلنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ ٱلرِّجْسِ، وَٱجْتِنَابَ الْقَذْفِ حِجَاباً عَنِ ٱللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ ٱلسَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ، وَحَرَّمَ ٱلشِّرْكَ إِخْلاَصاً لَهُ بِٱلرُّبُوبِيَّةِ، فَـ ﴿اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ وَأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّه ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.
ثُمَّ قَالَتْ:
أَيُّهَا ٱلنَّاسُ! إِعْلَمُوا أَنِّي فَاطِمَةُ، وَأَبِي مُحَمَّدٌ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَلاَ أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ فَإِنْ تَعْزُوهُ وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِي دُونَ نِسَائِكُمْ، وَأَخَا ٱبْنِ عَمِّي دُونَ رِجَالِكُمْ، وَلَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إِلَيْهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَبَلَّغَ بٱلرِّسَالَةَ، صَادِعاً بِٱلنِّذَارَةِ، مَائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضَارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ، دَاعِياً إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنةِ، يُكَسِّرُ ٱلأَصْنَامَ، وَيَنْكُتُ الْهَّامَ، حَتَّىٰ ٱنْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا ٱلدُّبُرَ، حَتَّىٰ تَفَرَّىٰ ٱللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأَسْفَرَ الْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ ٱلدِّينِ، وَخَرِسَتْ شَقَاشِقُ ٱلشَّيَاطِينِ، وَطَاحَ وَشِيظُ ٱلنِّفَاقِ، وَٱنْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَٱلشِّقَاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ ٱلإِخْلاَصِ، وَنَفَرٌ مِنَ الْبِيضِ الْخِمَاصِ، ﴿وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ﴾ مُذْقَةَ ٱلشَّارِبِ، وَنُهْزَةَ ٱلطَّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلاَنِ، وَمَوْطِئَ ٱلأَقْدَامِ، تَشْرَبُونَ ٱلطَّرَقَ، وَتَقْتَاتُونَ الْقِدَّ وَالْوَرَقَ، أَذِلَّةً خَاسِئِينَ، تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَأَنْقَذَكُمُ اللهُ َتَعَالَىٰ بِمُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، بَعْدَ ٱللَّتَيَّا وَٱلَّتِي، بَعْدَ أَنْ مُنِيَ بِبُهَمِ ٱلرِّجَالِ، وَذُؤْبَانِ الْعَرَبِ، وَمَرَدَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ﴾ أَوْ نَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطَانِ، أَوَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَذَفَ أَخَاهُ فِي لَهَوَاتِهَا، فَلاَ يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأُ صِمَاخَهَا بِأَخْمَصِهِ، وَيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً فِي ذَاتِ اللهِ، مُجْتَهِداً فِي أَمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رَسُولِ اللهِ، سِيِّداً فِي أَوْلِيَاءِ اللهِ، مُشْمِّراً نَاصِحاً، مُجِدّاً كَادِحاً، وَأَنْتُمْ فِي رَفَاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فَاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنَا ٱلدَّوَائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ ٱلأَخْبَارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ ٱلنِّزَالِ، وَتَفِرُّونَ مِنَ الْقِتَالِ.
|