ظاهرة الفساد الاداري ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان او مكان معينين. فقد عثر فريق الاثار الهولندي عام 1997 في موقع (داكا) في سوريا على الواح لكتابات مسمارية تبين موقعا اداريا بدرجة (أرشيف دائرة الرقابة حاليا) يكشف عن قضايا خاصة بالفساد الاداري وقبول الرشاوي من قبل الموظفين العاملين في البلاط الملكي الأشوري قبل آلاف السنين....
وثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهندية (حوالي 300 عام ق.م) كتب عليه العبارة الاتية: يستحيل على المرء ان لا يذوق عسلا او سما امتد اليه لسانه، وعليه فأنه يستحيل ايضا على من يدير اموال الحكومة الا يذوق من ثروة الملك ولو نزرا قليلا.
والفساد لغةً يشير الى التلف وخروج الشئ عن الاعتدال ونقيضه الصلاح.
اما تعريف الفساد الاداري اصطلاحا بحسب صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 1996 فانه -أي الفساد الاداري – هو سوء استخدام السلطة العامة من اجل الحصول على مكسب خاص يتحقق حينما يتقبل الموظف الرسمي الرشوة او يطلبها او يستجديها او يبتزها.
وقد عرفه البعض بكونه استغلال الموظف العام لموقع عمله وصلاحياته للحصول على كسب غير مشروع او منافع شخصية يتعذر تحقيقها بطريقة مشروعة او أنه سلوك غير رسمي وشرعي تفرضه ظروف معينة وتساعد عليه ويقتضيه التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي..
ان ظاهرة الفساد تحكمها مجموعة عوامل متداخلة ومتفاعلة فيما بينها وهذه العوامل تمثل بطبيعتها المباشرة او غير المباشرة الجذور الاساسية التي تنبت عليها فروع واغصان شجرة الفساد ومن ابرز تلك العوامل ما ياتي:-
1- العوامل السياسية / تؤدي هذه العوامل الى خلق ظاهرة الفساد وذلك انطلاقا من فساد النظام السياسي(المنتخب) او المتسلط - وهذا ما حدث ويحدث حاليا في بلدنا العراق- وخلاصة تلك العوامل تلاحظ من خلال تدخل النخب والاحزاب في عمل اجهزة الدولة.
2- العوامل الاقتصادية / سوء التخطيط لعملية التنمية الاقتصادية وفقا لأسس علمية وغياب دراسة الجدوى لأغلب المشاريع وسوء توزيع الثروة وتدني مستوى الدخل الفردي.
3- العوامل الاجتماعية والثقافية / قد نجد كثيرا من القيم واطر البناء الاجتماعي للمجتمعات تشكل بمجموعها عوائق في بناء نظام او جهاز اداري متطور مثل الولاء للعشيرة والطائفة والمذهب وضعف الولاء للوطن كل ذلك يتسبب بممارسات غير عادلة وغير اخلاقية مثل المحاباة في انجاز الاعمال والتفرقة في تقديم الخدمة لافراد المجتمع. ومن المعلوم ان انعدام المساواة الاجتماعية هي سمة بارزة في مجتمعات العالم الثالث ناجمة بطبيعتها عن تفشي التخلف الثقافي وتدني مستوى التعليم
4-العوامل التنظيمية (الادارية) ويمكن ايراد خلاصة لها من خلال تشخيص امراض المركزية والبيروقراطية المفرطة وضعف اجهزة الرقابة وفسادها وتخلف الاجراءات الادارية وعدم مواكبتها لروح العصر وحاجات المجتمع فضلا عن ضعف سياسات التوظيف وفسادها وعدم الاخذ بنظرية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
5- عوامل خارجية او ما يصطلح عليه بالفساد العابر للحدود وقد شهدت البلاد في الاونة التاريخية الاخيرة شيوع هذه العوامل على نحو واسع من خلال دخول الشركات الاجنبية السرية منها والعلنية على خط الاحداث في عراق ما بعد 2003
وعلى اية حال فانه يغدو من المستساغ التمييز بين ثلاثة اتجاهات يسير بمقتضاها تعريف الفساد الاداري جنبا الى جنب مع العوامل المذكورة انفا:
اول هذه الاتجاهات ينظر الى الفساد بوصفه أنحرافا عن مسؤوليات الوظيفة العامة مثال ذلك الرشوة والمحاباة في اعطاء المناصب وسوء توزيع الموارد.
الثاني / ينظر الى الفساد كتطبيق لنظام السوق او المشروع الأقتصادي وهذا الاتجاه قائم على اساس ادخال منطق المتاجرة والسوق على الوظيفة العامة ويتجسد شكل الفساد فيه عندما ينظر الموظف العام الى منصبه كمشروع اقتصادي من حقه استثماره والحصول على اكبر عائد منه.
ثالثا:- ينظر الاتجاه الثالث للفساد بوصفه خروجا عن مفهوم المصلحة العامة وتغليب المصلحة الخاصة.
والاتجاهات المذكورة اعلاه لا تخرج بدورها عن انواع الفساد الاداري التي يمكن حصرها بالاتي:
1- الفساد العرضي و هو الفساد الذي يحدث عند قاعدة الهرم الحكومي من قبل صغار الموظفين ويعبر غالبا عن سلوك شخصي اكثر منه تعبيرا عن نظام عام كحالات الاختلاس على نطاق محدود او تلقي الرشوة الخفيفة او سرقة ادوات مكتبية وما الى ذلك.
2- الفساد المنتظم او النظامي systematic corruption: وهو الذي يحدث حين تتحول ادارة المنظمة الى ادارة فاسدة بمعنى ان يدير العمل برمته شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل عنصر منها على الاخر مثال ذلك شبكة الفساد التي تضم مدير الدائرة ومدراء المشاريع والمدير المالي والتجاري.
3-الفساد الشامل / وهو النهب الواسع للمال العام عن طريق الصفقات الوهمية وتحويل الممتلكات العامة الى مصالح خاصة وبحجم كبير و ويمارس هذا النوع من قبل القمة المتربعة على راس الهرم ويشمل:
1- الفساد السياسي Political Corruption: أي السلوك السياسي الفاسد والمخالف للقانون واستخدام المال العام لتحقيق اهداف معينة من خلال التأثير في العملية السياسية ويتجلى في فضائح الحملات الانتخابية.
2- الفساد المالي / Financial Corruption: والمراد به السلوك غير قانوني المتسبب في هدر المال العام وتحقيق منافع شخصية من وراء ذلك.
يتبع