أنتقام المختار بن عبيد الثقفي من قتلة الامام الحسين علية السلام
تحتفظ القوانين والسنن الإلهية بثبوتها وعدم تغيرها واْن امتد بها الزمن. ومن هذا القوانين قانون العدل. فالظالم والمظلوم تحت ظل هذا القانون الإلهي. فللمظلوم حق لا يضيع ودعوةً مستجابة والظالم له سيف العدل يرغم أنفه ويقتص منه ولو بعد حين، ولقد سجل التاريخ أسماءً عديدة من الصنفين، ولم يسجل قضيةً هي وضوحاً أشد من واقعة كربلاء وما حدث فيها من ظلم لم يكن له مثيل في التاريخ.فمن أكثر ظلماً من قتلة الحسين بن علي (عليهما السلام)؟ الذين قتلوه هذا القتلة البشعة ومثّلوا بجسده الشريف، وسلبوا ونهبوا رحله، ونكّلوا بعياله، لقد حرموه من الماء فقتل عطشاناً، ورموه بالحجارة والنبال والرماح، وعلته السيوف وفُلِق جبينه بالحجر ورمي قلبه الشريف بسهم مثلث وسحقت الخيل صدره وظهره ثم احتز رأسه الشريف وحمل على رمح طويل.. وقبل هذا كله قطعوا قلبه حينما قتلوا طفله الرضيع بين يديه وقتلوا جميع إخوته وصحبته. فهل يرى الناضر أبشع من هذه الصورة؟
فقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) لم يمهلهم الله تعالى بعد الإمام الحسين (عليه السلام) قطّعوا إلا برهةً من الزمن حتى اقتص منهم على أيدي المختار الثقفي وإبراهيم بن مالك الأشتر (رحمهما الله) حيث تتبعا بما عندهم من الرجال، جميع قتلة الحسين (عليه السلام) فرداً فرداً، وقتلوهم بما فعلوا كلّ في قبال فعله هذا في الدنيا. أما في القبر والقيامة والآخرة فسوء حالهم وشدة عذابهم ما يعلمه الله تعالى.
وللعبرة والعظمة لأولي العقول المتدبرة. وتشجيعاً وإسعاداً للقلوب المحبة لأهل البيت وتثبتاً لهم على نهج الطاعة لله ورسوله جمع المجدد الثاني الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بعض العقوبات الدنيوية لقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في كراسه الموسوم بـ(قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) والجزاء الدنيوي) حسب ما سجله التاريخ عنهم، عند قيام ثورة التوابين وأخذ رفع راية يا لثارات الحسين (عليه السلام).
عبيدالله بن زياد
يبعثه المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر إلى قتال عبيدالله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركبْ رَحِمَك الله، فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خُطايَ معك، وأحبُّ أن تَغْبَرَّ قدمايَ في نصر آل محمّد صلّى الله عليه وآله. ثمّ ودّعه وانصرف.. فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابنَ زياد، ثمّ نزل نهرَ الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم:يا أهلَ الحقّ وأنصار الدين، هذا ابنُ زيادٍ قاتلُ حسين بن عليٍّ وأهلِ بيته، قد أتاكم اللهُ به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر؛ لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا.. ونادى أهل العراق: يا آلَ ثارات الحسين. فجال أصحاب ابن الأشتر جولةً..، وحمل ابن الأشتر يميناً فخالط القلب وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغُمّة وقد قُتل عبيدُ الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم.
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابنَ زياد، فجاء رجل فنزع خُفَّيه وتأمّله.. فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاجتزّ رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده.فبعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد ورؤوس أعيان مَن كان معه إلى المختار، فقُدِم بالرؤوس والمختارُ يتغدّى، فأُلقيت بين يَدَيه.. فقال: الحمد لله ربّ العالمين! وُضع رأسُ الحسين بن عليّ عليه السّلام بين يدَي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيتُ برأس ابن زياد وأنا أتغدّى! فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بالنعل إلى مولىً له وقال له: إغسلْها؛ فإنّي وضعتُها على وجهِ نجسٍ كافر. ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفيّة وإلى عليّ بن الحسين عليه السّلام، فأُدخل عليه وهو يتغدّى.. فقال عليه السّلام: أُدخِلتُ على ابن زياد ( أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ) وهو يتغدّى ورأسُ أبي بين يدَيه، فقلت: اللهمّ لا تُمتْني حتّى تُريَني رأسَ ابنِ زياد وأنا أتغدّى.. فالحمد لله الذي أجاب دعوتي
عمر بن سعد
أمّا عمر بن سعد.. فكان المختارُ قد سُئل في أمانه، فآمَنَه على شرط ألاّ يخرج من الكوفة، فإن خرج منها فدمُه هدر. فأتى عمرَ بن سعد رجلٌ فقال له: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، واللهِ ما أحسَبُه غيرَك! قال الراوي: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام ( الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ) فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً.. ثمّ أرسل ولدَه حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عَمرة وبعث معه رجلين فجاؤوا برأس عمر بن سعد فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار يا أبا عَمرة، ألْحِقْه به.. فقتله، فقال المختار بعد ذلك: عُمَر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ( أي الأكبر )، ولا سَواء!
واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد، وأخافَ الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعامٌ ولا شراب حتّى أقتلَ قَتَلَةَ الحسينِ بن عليّ عليه السّلام وأهلِ بيته، وما مِن دِيني أترك أحداً منهم حيّاً. وقال: أعْلِموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته.. فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قَتَلَة الحسين أو ممّن أعان عليه، إلاّ قتله.
أبحر بن كعب
لما قتل سيد الشهداء (عليه السلام)، عمد أبحر بن كعب إلى الإمام (عليه السلام)، فكانت يداه بعد ذلك تتيبسان في الصيف كأنهما عودان، وتترطبان في الشتاء فتنضحان دماً وقيحاً.
وفي رواية أخرى: كانت يداه تقطران في الشتاء دماً.
وبعد ما خرج إبراهيم بن الأشتر مع جيشه على قتلة سيد الشهداء (عليه السلام) للانتقام وأخذ الثأر، أسر منهم جماعة، وكان فيهم: أبحر بن كعب، فلما قدموا إليه أبحر بن كعب، قال إبراهيم (رحمه الله): يا ويلك ما فعلت يوم الطف؟
قال: أخذت قناع زينب (عليها السلام) من رأسها وقرطيها من أذنيها، فجذبت حتى خرمت أذنيها!.
فقال له إبراهيم ـ وهو يبكي ـ : يا ويلك ما قالت لك؟
قال: قالت: قطع الله يديك ورجليك وأحرقك الله تعالى بنار الدنيا قبل نار الآخرة.
فقال إبراهيم له: يا ويلك ما خجلت من الله تعالى؟! ولاراقبت من جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! ولا أدركتك الرأفة عليها؟
ثم قال له: اطلع يديك فأطلع يديه، وإذا هما مقطوعتان، ثم قطع إبراهيم رجليه، ثم أحرق بالنار في ثورة المختار.
أبو الأشرس
كان أبو الأشرس من أعيان جيش عبيد الله بن زياد (عليه اللعنة) فلما خرج إبراهيم بن الأشتر (رحمه الله) مع جيشه للانتقام والأخذ بالثأر من قتلة سيد الشهداء (عليه السلام) وقع بين الجيشين قتال بشاطئ نهر الخازر قرب الموصل فقتل فيها أبو الأشرس وبعث برأسه إلى المختار.
أخنس بن زيد
قال السدّي: أضافني رجل في ليلة كنت أحب الجليس، فرحبت به وقربته وأكرمته، وجلسنا نتسامر، فانتهى في سمره إلى طفّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الحسين (عليه السلام)، فتأوهت الصعداء، وتزفرت كملاً.
فقال: ما بالك؟
قلت: ذكرت مصاباً يهون عنده كل مصاب، مصاب الحسين(عليه السلام) لأن جده (صلى الله عليه وآله) قال: (إن من طولب بدم ولدي الحسين(عليه السلام) يوم القيامة لخفيف الميزان).
قال: قال هكذا جده؟
قلت: نعم.
وقال (صلى الله عليه وآله): (ولدي الحسين يقتل ظلماً وعدواناً، ألا ومن قتله يدخل في تابوت من نار، ويعذّب بعذاب نصف أهل النار، وقد غلت يداه ورجلاه وله رائحة يتعوذ أهل النار منها، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك، (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب)(1)، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنم، فالويل لهم من عذاب جهنم).
قال: لا تصدق هذا الكلام يا أخي؟
قلت: كيف هذا؟ وقد قال (صلى الله عليه وآله): (لا كذبت ولا كذّبت).
قال: ترى قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قاتل ولدي الحسين لايطول عمره). وها أنا ـ وحقّك ـ قد تجاوزت التسعين، مع أنك ما تعرفني.
قلت: لا والله.
قال: أنا الأخنس بن زيد وقد حضرت قتله.
قلت: وما صنعت يوم الطفّ؟!
قال: أنا الذي أمرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطء جسد الحسين (عليه السلام) بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه وجررت نطعاً من تحت علي بن الحسين (عليه السلام) وهو عليل، حتى كببته على وجهه، وخرمت أذني صفية بنت الحسين (عليه السلام) لقرطين كانا في أذنيها.
قال السدّي: فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً، وخرجت أعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت..
فقام يزهرها، فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطف، فصاح بي: أدركني يا أخي..
فكببت الشربة عليها وأنا غير محب لذلك، فلما شمت النار رائحة الماء، ازدادت قوة..
فصاح بي: ما هذه النار وما يطفؤها؟!
قلت: ألق بنفسك في النهر.
فرمى بنفسه، فكلما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه، كالخشبة البالية في الريح البارح.
هذا وأنا أنظره، فوالله الذي لا إله إلا هو، لم تطفأ حتى صار فحماً، وسار على وجه الماء.
أخنس بن مرثد
كان أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي من جيش عمر بن سعد (لعنه الله) فلما هجم القوم على سيد الشهداء (عليه السلام) وسلبوا ما كان عليه (عليه السلام)، سلب أخنس عمامته (عليه السلام)، فاعتم بها، فصار معتوهاً مجذوماً.
إسحاق بن حوية
لما قتل سيد الشهداء (عليه السلام) مال الناس إلى سلبه ينهبونه، وأخذ قميصه (عليه السلام) إسحاق بن حوية، فصار أبرص، ثم أخذه المختار وقتله ثم اُحرق بالنار.
أسماء بن خارجة
عزم المختار (رحمه الله) على هدم دار أسماء بن خارجة الفزاري وإحراقها، لأنه عمل في قتل مسلم بن عقيل (عليه السلام)، فجعل المختار يقول: أما ورب السماء والماء، ورب الضياء والظلماء، لتنزلنّ نار من السماء حمراء دهماء سحماء ولتحرقن دار أسماء.
فبلغ ذلك أسماء، فقال: قد سجع أبو إسحاق بداري، فليس لي مقام هنا بعد هذا.
فخرج أسماء إلى البادية هارباً، وأرسل المختار إلى داره فهدمها.
أسود الأوسي
لما هجم القوم على سيد الشهداء (عليه السلام) وسلبوا ما كان عليه (عليه السلام) يوم عاشوراء، أخذ نعليه (عليه السلام) أسود الأوسي، فقتله المختار ثم أحرق بالنار.
أسود بن حنظلة
لما هجم القوم على الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، وسلبوا ما كان عليه (عليه السلام)، أخذ سيفه رجل من بني نهشل من بني دارم، يقال: الأسود بن حنظلة، فقتله المختار ثم اُحرق بالنار.
أم هجام
لما وصل أسارى آل الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الكوفة، كانت امرأة تسمى بـ (أمّ هجام) على سطح دارها تشاهد الأسارى، فلما وقع نظرها على رأس سيد الشهداء (عليه السلام) المقدس وهو على الرمح تجاسرت عليه.
فلما سمعت بذلك زينب (عليه السلام) دعت على أم هجام..
فسقطت من سطح دارها إلى الأرض وهلكت.
ابن أبي جويرة المزني
كان ابن أبي جويرة المزني من عسكر عمر بن سعد (لعنه الله)، فجاء على فرس له نحو الإمام الحسين (عليه السلام)، فلما نظر إلى النار تتقد حول مخيم الحسين (عليه السلام) صفق بيده، ونادى: يا حسين ويا أصحاب الحسين أبشروا بالنار، فقد تعجلتموها في الدنيا.
فقال الحسين (عليه السلام): من الرجل؟!
فقيل: ابن أبي جويرة المزني.
فقال الحسين (عليه السلام): اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا.
فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار، فاحترق.