01-25-2013, 02:23 PM
|
#6
|
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 121
معدل تقييم المستوى: 13

المستوى : 10 [ ]
الحياة
0 / 225
النشاط
40 / 8456
المؤشر
3%
|
تكوين النفوس في الأجسام
تكوين النفوس في الأجسام
قلنا فيما سبق أنّ النفس تتكوّن داخل الجسم المادّي وتنمو كلّما نمى الجسم وتكبر حتّى تصبح نفساً سامعة باصرة واعية عاقلة لا يعتريها خلل ولا نقص ، وذلك لأنّ الأجسام تتكوّن من مادّة حيّة نامية وسائل حيوي .
فالمادّة الحيّة تكون جاذبة للأثير مهما دامت على قوّة نموّها ، فإذا وقفت عن النموّ فحينئذٍ تعجز عن جذب الأثير إليها ، ويكون ذلك عند انتهاء شباب الإنسان ، فحينئذٍ تأخذ النفس حدّها ولا تنمو بعد ذلك ، ولذلك تكون نفوس الشيوخ والعجائز شابّة لا تهرم ، فالنفوس إذاً لا شيخ بينها ولا عجوز .
وأمّا السائل الحيوي فإنّه يكون موصلاً بين الأثير والأجسام أي هو همزة وصل بين النفوس والأجسام ، فإذا انتهى السائل الحيوي من الجسم أو تأكسد فالنفس تنفصل حينئذٍ عن الجسم ولا يبقى لَها اتّصال ، فعند ذلك يكون الموت .
فالمادّة التي تتكوّن منها الأجسام كائنة من شيئين : مادّة حية وسائل حيوي ؛ فالمادّة الحية هي التي يتكوّن منها جسم الجنين في بطن أمّه بعد اتّصال حيمن الرجل ببويضة المرأة لأنّها مجموعة من حجيرات دقيقة .
أمّا السائل الحيوي فيكون سبباً في اتّصال النفس بالجسم ، ولو لم تكن النطفة مادّة حية لَما أخذت في النموّ والازدياد ، وفي ذلك قال الشاعر :
إحفظْ منيّكَ ما استطعتَ فإنّه ماءُ الحياة يُصَبُّ في الأرحامِ
[مثل بطارية السيارة]
ولِنعطِكَ مثلاً في ذلك : إنّ الباتري الذي يستعمل في السيّارات لإضاءة المصابيح يتركّب من ثلاثة أشياء :
أوّلاً – صندوق أسود من الزفت والفحم وفيه ألواح من الرصاص ،
ثانياً – حامض كبريتيك مخفّف ،
ثالثاً– تيّار كهربائي .
فلنجعل جسم الإنسان بمثابة الصندوق ولنجعل السائل الحيوي مقام حامض الكبريتيك ولنجعل النفس مقام التيار الكهربائي ؛ فحامض الكبريتيك هو سبب اتصال التيار الكهربائي في الباتري ولولا الحامض لَما اتّصل التيار بالباتري ، ولو أننا أخلَينا الباتري من الحامض لأصبح لا يقبل التيّار ، لأنّ الحامض هم همزة وصل بين التيّار والباتري .
فكذلك يكون حكم السائل الحيوي بين النفس والجسم ؛ فالنفس يكون اتّصالُها بالجسم ما دام السائل الحيوي موجوداً فيه ، فإذا تأكسد السائل الحيوي فإنّ النفس تنفصل عن الجسم ولا يبقى لَها اتّصال ، وذلك هو الموت . فالموت ما هو إلاّ انفصال النفس عن الجسم بسبب تأكسد السائل الحيوي الذي في الجسم أو بأيّ عارض آخر كالقتل أو الحرق أو الغرق وما أشبه ذلك .
فجسم الجنين إذا تكوّن في بطن أمّه فإنّه يأخذ في جذب ذرّات الأثير إليه ويبني داخله هيكلاً أثيرياً يكون نسخة طبق الأصل ويبقى مستمرّاً على جذب الأثير عند ولادته حتّى ينتهي زمن شبابه فحينئذٍ يعجز عن جذب الأثير إليه فتأخذ النفس حدّها ولا تكبر بعد ذلك .
أمّا السائل الحيوي الذي في الجسم فلا تنتهي قواه عند انتهاء زمن الشباب بل يبقى واصلاً بين النفس والجسم حتّى الموت . فتكوين النفس داخل الجسم يكون عن جذب الجسم لذرّات الأثير ، وكذلك كلّ مادّة حية تكون جاذبة للأثير وتبني داخلها هيكلاً أثيرياً يشبه الهيكل المادّي تمام الشبه سواءً حيواناً كان أم أنّه إنسان أم نبات .
قال الله تعالى في سورة المؤمنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } فقوله تعالى{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} يعني غير الذي خلقه أوّلاً وهو الذي مرّ وصفه من أنّه خلقه من طين ثمّ من نطفة إلى غير ذلك ، فالخلق الأوّل الذي مرّ وصفه مادّي ، والخلق الآخر أثيري ، ويريد بذلك النفس ، والدليل على ذلك قوله تعالى{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ} ولم يقل : ثمّ خلقناه ؛ لأنّ الخلقة تكون للمادّيات والإنشاء يكون للأثيريات أي للنفوس ، ولفظة إنشاء معناها التأليف و التجمّع والتجاذب .
منقول من كتاب الإنسان بعد الموت
لـ (محمد علي حسن الحلي)
رحمه الله تعالى
|
|
|