ولكن هنالك معالم أخرى نقرأها في حياة العقيلة زينب (عليها السلام) سيما بعد شهادة الإمام زين العابدين (عليه السلام) لها بقوله: (عمّة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة) فهي التي تربت في مهد جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ ونمت في جامعة أبيها أمير المؤمنين الذي كان يقول (عليه السلام): (علمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح من كلّ باب ألف باب).
وهي المتغذية من نبع أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهي التي طوت فترة من الدهر بصحبة الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، فهي من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، (من أهل بيت قد زقوا العلم زقا).
وقد ورد عن الشيخ الصدوق: أنّ زينب (عليها السلام) كانت لها نيابة خاصة عن الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين من مرضه.
فهي لم تختزن العلوم لنفسها بل أفاضت من علومها ومروياتها على المسالمين، ليأخذوا منها كما أخذوا من جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك لأن (زكاة العلم نشره).
وكانت تروي عن أمها الزهراء (عليها السلام)؛ وأبيها أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ وأخويها الحسن والحسين (عليهما السلام)، كما قد روى عنها ابن عباس حبر الأمة، والإمام زين العابدين؛ وزوجها عبد الله بن جعفر؛ وغيرهم.. ممّا يدلّ على سعة علمها واطلاعها ومعرفتها للحقائق الشرعية وللأسرار المحمدية، فهي التي قد أفيض عليها من الأسرار والعلوم إلهاما لطفاً من الباري لها وإعظاماً لشخصيتها. ومما لاشكّ فيه هو دورها العظيم في إيصال صوت مظلومية أمها الزهراء (عليها السلام) حينما خرجت إلى القوم تخاصمهم بالبرهان والمنطق والعقل والشرع مما يتعلق بأمر فدك، التي غصبوها منها. وقد روى ابن عباس خطبة أمها عنها بقوله: (حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليه السلام) ).
ويظهر من بعض المصادر التاريخية أن السيدة زينب (عليها السلام) كان لها مجلس في بيتها أيام خلافة أبيها أمير المؤمنين في الكوفة، وكانت تفسّر القرآن للنساء، ومما يروى في هذا الصدد: دخول أبيها أمير المؤمنين عليها حينما كانت تفسّر القرآن الكريم للنساء، وهي في معرض تفسير آية (كهيعص)، فقال لها: يا نور عيني، سمعتك تفسرين (كهيعص) للنساء؟ فقالت: نعم. فقال (عليه السلام): هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم شرح الإمام (عليه السلام) لها المصائب، فبكت بكاءً عالياً لذلك.
وحينما ننظر إلى خطابها بالكوفة ووقعه وتأثيره في الناس، وكما يصفها الراوي حذيم الأسدي: (لم أر - والله - خفرة قط أنطق منها، كأنها تنطق وتفرغ عن لسان علي (عليه السلام) )، ثم يقول: وقد أشارت إلى الناس أن أنصتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس.. وقد أخذ كلامها فيهم مأخذه، وأثر فيهم بالغ الأثر وصف الراوي حالة الناس: فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم في أفواههم.
فهي ابنة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) التي وقفت أمام المهاجرين والأنصار وأنت أنّة أجهش القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس كما في الرواية.
ولم تكن العقيلة زينب (عليها السلام) تمتلك هذه العلوم فحسب وإنما كانت على معرفة ودراية بأسرار وخفايا الكون والمسمى بعلم المنايا والبلايا، وهذا ما يظهر ممّا ذكره الفاضل الدربندي: إنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين منهم ميثم التمار؛ ورشيد الهجري، وغيرهما.
فحقاً شهد لها سيد الساجدين والعابدين: ( عمّة .. أنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفاهمة غير مفهمة ).