السفر السادس : يكون المؤمن ذا سر في الحياة
أن يكون المؤمن ذا سر في الحياة ، من الأمور التي غفل عنها عامة الخلق ، فإنهم اكتفوا بعمارة الدنيا ، من دون أن يكون لهم سعي متميز لما يحقق لهم سعادة الأبد.. إن على كل مؤمن - يعتقد بحياة أخرى تتجلى فيها ثمرة الأعمال - أن يحمل همّاً خاصّاً في مجال تحقيق صلة متميزة مع ربه والتي تعتبر هي المحور في كل نشاطاته.. ومن الواضح أن طبيعة هذه الصلة تختلف من عبد إلى عبد ، بحسب ما أوتي من قابليات يمنحها له رب الوجود ، إلى أن يصل الأمر إلى حبيبه المصطفى (ص) الذي كان مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل
وأنا أقول بهذا المعنى يقـول القائل ، وقد أجاد إذا أراد هذا المراد :
قلوب العارفين لها عيون ----- ترى ما لا يراه الناظرونا
والسنة باسرار تناجي ----- تغيب عن الكرام الكاتبينا
وافئدة تطير بلا جناح ----- الى ملكوت رب العالمينا
فهذا ما يتعلق بالسنّة الأولى .
والثانية : هي مداراة الناس .
وهي السنّة عن النبي (ص) ، وقد قدّمنا لك عن علي (ع) : أنّ أحبّ الخلق إلى الله من تأسّى بنبيه.
كما وحكمتها كحكمة كتمان السرّ ، بل كتمان السرّ على ما فسّرناه نوعٌ من أنواع مدارة الناس.
وفي الكافي عن الصادق (ع) قال : قال رسول الله (ص) : أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ، وعنه عن جدّه أيضاً قال : مداراة الناس نصف الإيمان ، والرفق بهم نصف العيش. الكافي : 2/117 ..
ثم قال الصادق (ع) : خالطوا الأبرار سرّاً ، وخالطوا الفجّار جهاراً ، ولا تميلوا عليهم فيظلموكم ، فإنه سيأتي عليكم زمانٌ لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا مَن ظنّوا أنه أبله ، وصبّر نفسه على أن يُقال أنه أبلهٌ لا عقل له. الكافي : 2/96 ..
وعنه أيضاً عن جده (ص) : ثلاثةٌ مَن لم تكن فيه لم يتمّ له عمل : ورعٌ يحجزه عن معاصي الله ، وخلقٌ يداري به الناس ، وحلمٌ يردّ به جهل الجاهل . الكافي : 2/95 ..
وفي الحديث عن الصادق (ع) : من كفّ يده عن الناس ، فإنما يكفّ عنهم يداً واحدةً ، ويكفّون عنه أيدٍ كثيرة . الكافي : 2/96 ..
فيا أخي !.. ما يصدر من بعض مَن يدّعي الصلاح والتقوى من أني لا أبالي بالناس ، ولست محتاجاً ، ومَن يكون الناس ؟.. إلى غير ذلك من الكلمات التي تصدر منهم في مقام عدم المداراة كلّه ، من اتّباع هوى النفس ، والجهل بطريقة أهل البيت (ع) . (4)
__________________
يامهدي ... فـ هذي أيادينا تعلّقتْ بـ حبلِ السماء تهزّ بابَ العطف والوجود ليسّاقطَ ثمرُ الشفاعةِ رطباً جنيّاً يحيي قلوبَ السائلين والباحثين في ليلة النصف عن سبلِ النجاة
|