في كل مفترق، عند كل منعطف، ومع كل قرارٍ يخص الوطن، تهمس الحكومة العراقية، ثم تصرخ، ثم تبرر، ثم ترتجف، وتردد كمن أصابها مسٌّ من وهن: “الأمريكي سيقول…
الأمريكي لن يرضى… نخشى من عقوبات الأمريكي… نتحفظ خشية انزعاج الأمريكي…!” ، أي بؤسٍ هذا الذي نعيشه؟ وأي نكبة هذه التي ابتُلي بها العراق حين أُوكل أمره إلى من لا يُحسن سوى انتظار الإملاء من خلف المحيط؟، كأن السيادة في عرفهم جرمٌ يُعاقَب عليه، وكأن الاستقلال عندهم بدعةٌ تُستنكر، وكأن الوطن لا يتحرك إلا بإشارة من إصبع واشنطن.
أيها السياسيون، أما آن لكم أن تستفيقوا من غيبوبة “القبول الأمريكي”؟ أما آن لخرائط القرار أن تُرسَم ببوصلة الوطن لا بمزاج السفير؟
ما بالكم تنظرون إلى أمريكا كما ينظر التابع إلى سيّده، والخادم إلى سيد القصر، والعبد إلى صاحب النخاسة؟، إن كنتم لا تجرؤون على قول “لا” لمندوبٍ سياسيٍّ في بغداد، فكيف لكم أن تحموا مصالح أمة؟، وإن كنتم ترتجفون من تقريرٍ غربي، فكيف تصمدون أمام زلزال شعب سيحاسب يوماً من فرّط وتخاذل؟،
هل أصبح العراق دولة “تحت التمرين”، لا يكتمل قرارها إلا بختم واشنطن؟ هل صار رئيس الحكومة متحدثًا باسم السفارة، لا باسم الجمهورية؟
لقد رأيناكم تؤجلون، تماطلون، تُسوّفون، تتراجعون، لا لأجل دراسة القرار، بل لأنكم بانتظار “ما يقوله الأمريكي”، و”ماذا يفكر الأمريكي”، و”ما الذي يرضي الأمريكي”!،
يا من تظنون أمريكا إلهًا يُعبد، تذكروا أن في هذه الأرض رجالاً حملوا نعوشهم على أكتافهم وواجهوا الموت في سبيل أن لا يُرفَع فوق سماء بغداد سوى قرار عراقي…
تذكروا أن السيادة ليست منحة من دولة، ولا هبة من سفارة، بل دمٌ نقيّ سال من صدور الحشد والمقاومة والشهداء الأحرار. إن كنتم لا تملكون الجرأة على اتخاذ قرارٍ يغضب الأمريكي، فلا تملكون شرعية البقاء دقيقة واحدة في موقع يُفترض أنه سيادي.
إننا نرى بأمّ أعيننا، كل يوم، كيف تتنازلون طواعيةً عن كرامة القرار، وتستبدلون هيبة الدولة بـ”الرضا الأمريكي”، حتى كدنا نوقن أن العراق لم يُحرَّر من الاحتلال، بل فقط غيّر زيّه!
ا ساكني المكاتب الوثيرة: السيادة لا تُستورد، والعزة لا تُطلب بالتوسل، والكرامة لا تُمنَح لمن يركع… اكتبوا ذلك على جدران مكاتبكم، قبل أن يكتبه الشعب على لافتات غضبه.