بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) الشعراء /٢٢٤
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) الشعراء /٢٢٧
وإن كعب بن مالك ـ أحد شعراء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه السلام ـ حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل ، أتي النبي صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه السلام فقال : إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد عملت وكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : ( إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه.مسند أحمد :ج٣ ص ٤٥٦ (غ٢،٩). على أن في وسع الباحث أن يقول : إن المراد بالشعراء في الآية الكريمة كل من يأتي بكلام شعري منظوما أو منثوراً ، فتكون مصادقها أحزاب الباطل وقوالة الزور . فعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام : (إنهم القصاصون) رواه شيخنا الصدوق في عقائده (غ٣/٩). والمقصود لشعراء الجاهلية وشعراء الباطل الذين يخالفون أمر الله ويناظرون بالأباطيل يجادلون بالحجج وفي كل مذهب يذهبون . وأن هذا الشاعر الذي ذكرته هو وطني وثاروا ضد ظلم الاحتلال وظلم القيادة العراقية في ظل البعث الظالم..وهو الشاعر
أحمد الصافي النجفي
يُعَدّ الشاعر أحمد الصافي النجفي (١٨٩٧ _ ١٩٧٧) بسيرته الشعرية والنضالية قيمة تراثية تستحق التأمل والانبهار في كل حين.وهو احمد بن صافي بن السيد قاسم الحسيني
ولد في النجف الأشرف .. عام ١٨٩٧ ، وتوفي عام ١٩٧٧
درس في الحلقات العلمية في النجف الأشراف
وله من دواوينة : الأمواج ١٩٣٢ ، أشعة ملونة " ١٩٣٨ ، الأغوار ١٩٤٤ ، التيار ١٩٤٦ ، الحان اللهيب ١٩٤٩ ، هواجس ١٩٤٩ ، حصاد السجن ١٩٥١ ، شرر ١٩٥٢ ، الشلال ١٩٦٢ ، السبعين ١٩٦٧ ، ثمالة الكأس ١٩٧١ ، القصائد الأخير
عاش الصافي النجفي حياة عجاف. حياة ممزقة بين السقم واليتم والألم والحرمان. مات أبوه ولم يبلغ الثانية عشرة، وتوفيت أمّه ولم يكمل السابعة عشرة من عمره، فداهمته الأحزان والعلل. عاش غريباً داخل نفسه وغريباً بين أهله وعشيرته "بل الغريب من هو في غربته غريب "كما يقول أبو حيان التوحيدي. فكتب الصافي، بحسّ مرهف وبدمع مذرف، أجمل قصائد الغربة، ونجتزئ شيئاً من قصيدة "شاعر وأزهار" لنلمس عذوبة هذا الشاعر وفرط حساسيته الراجفة بالألم والمعاناة .وبعد عناء تمكن من الفرار من سجنه في العراق من القرن الماضي عبر الحدود السورية ووصل إلى لبنان حيث كان له صديق الخمسينيات
..بعد بحث وسؤال تمكن من معرفة محلات صديقه وهي محلات حلويات البحصلي
وكان أحمد بدويا ورث الثياب وعانى من وغثاء السفر والتخفي ما عانى والبدوي حتى اليوم يحب أصناف الحلويات ..
جلس إلى إحدى الطاولات وطلب أنواعا شتى مما شاهده من أطايب وأكل بشراهة ذئب جائع وصاحب المحل والعمال يحدجونه بنظراتهم شزرا وعندما شبع لم يكن يملك درهما ليدفع ثمن ما أكل فطلب ورقة وقلم وكتب ((اثنان حدث في الحلاوة عنهما..ثغر الحبيب وطعم حلوى البحصلي
وطلب للخادم دفع الورقة لصاحب المحل وعندما شاهدها البحصلي عرف بأنه النجفي فرحب به وأخذه لبى ضيافته. خاص له في جبل لبنان وأعطاه مفتاحين الأول للبيت والثاني
لقد كان الصافي مطارداً من الإنجليز، فحط الرحال، بعد طول غياب، في أرض لبنان، ليناصب الفرنسيين العداء الذين قرروا إبعاد صوته الذي كان يتسلل إليهم من بين الأصوات كفورة دم ولمعة نجم في سماء لا تكدرها الغيوم. فكان لهم ما أرادوا وله ما أراد :
سجنت وقد مرت ثلاثون حجة
من العمر فيها للـسجون تشـوقت
سعى دعبل للسجن طول حياته
فخاب، وفي المسعى لسجني توفقت
مرّت بالصافي السنون، وحياته سجال بين المرض والمنون. بيد أنّ النضال كان يهبه أسباب الحياة، ويُلبس خصومه عوامل الخواء :
خسئت إنكـلترا والله
أعـمى مـقلتــيها
قبرها في كـلّ أرض
حفـرته بــيديـها
سجنتني دون ذنــب
غير لعني أبــويها
أمّنت حربي، وسجني
يعلن الحرب عليها !
وله أيضاً ونعم ما قال:
بمجتمع النفاقِ أضعتُ عمري
وفي سوق الكسادِ عرضتُ شعري
ولولا أنني أرضيتُ فنّي
بشعري ما ظفرتُ بأيّ أجر
ولو صحَّ الطلاقُ لأيّ قومٍ
إذن طلَّقتُ قومي منذ دهر
أمُتُّ لهم بجسمي لا بروحي
وأحيا بين عصرٍ غيرِ عصري
وكنتُ اخترتُ شعباً غيرَ شعبي
وَلُوعاً بالحقائق حُرَّ فكر
ولكن كيف أسلو عن لسانٍ
وتاريخٍ تضمَّن خيرَ ذُخر؟
وكيف أعاف أجملَ ذكرياتي
وعهدَ صِباً بقلبي مستقرّ؟
يُكلِّفني النفاقَ محيطُ سوءٍ
وتأبى همّتي وكريمُ نَجْري
**
وله أيضاً
بمجتمع النفاقِ أضعتُ عمري
وفي سوق الكسادِ عرضتُ شعري
ولولا أنني أرضيتُ فنّي
بشعري ما ظفرتُ بأيّ أجر
ولو صحَّ الطلاقُ لأيّ قومٍ
إذن طلَّقتُ قومي منذ دهر
أمُتُّ لهم بجسمي لا بروحي
وأحيا بين عصرٍ غيرِ عصري
وكنتُ اخترتُ شعباً غيرَ شعبي
وَلُوعاً بالحقائق حُرَّ فكر
ولكن كيف أسلو عن لسانٍ
وتاريخٍ تضمَّن خيرَ ذُخر؟
وكيف أعاف أجملَ ذكرياتي
وعهدَ صِباً بقلبي مستقرّ؟
يُكلِّفني النفاقَ محيطُ سوءٍ
وتأبى همّتي وكريمُ نَجْري
وقال :
جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلامُ * قلت مَنْ؟ قال مَنْ بشعرِك هامُوا
كان ذاك السلامُ لـي مهرجاناً *مهرجاني على الرصيف يُقـامُ
سُئل ذات مرة في لبنان عن أمير الشعراء فقال :
سألتـْني الشعراءُ أيـن أميرُهمْ * فأجبـتُ: إيليـا بقـولٍ مطلقِ
قالوا: وأنت! فقلتُ :ذاك أميرُكمْ * فأنا الأميرُ لأمةٍ لم تُخْلَقِ
عندما أشتد عليه المرض في السجن وکان الإنجليز يعلّلونه کل يوم بأنهم أبرقوا إلي حکومة العراق يسألونها رأيها فيه، وقد مرّ عليه سبعة وعشرون يوماً وهو يستغيث من الداء وهم لا يسمحون بنقله إلي المستشفي، ولمّا إشتدّت عليه وطأة الداء أنشأ قائلاً:
سُجِنتُ وقد أصبحت سلوتي *** من السقمِ، عَدّي لأضلُعي
أعالجُ بالصبرِ برحَ السّقامِ *** ولکنّ علاجيَ لم ينجعِ
أتاني الطبيبُ وولّي سُديً *** وراحَ الشفيعُ فلم يشفعِ
وکم قيلَ مدِّدْ مدي الإصطبارِ *** ومهما عراکَ فلا تجزع
وکم ذا أمدُّ مدي الإصطبارِ *** فإن زدتُ في مدِّه يُقطع
ولکنّهم صادفوا عقدةً *** بأمريَ تُعيي حِجي الألمعي
حکومةُ لبنانَ قد راجعت *** فرنسا لفکِّي فلم تسطعِ
وراحت فرنسا إلي الإنکليزِ *** تراجعُهم جَلَّ مِن مرجعِ
وقد راجعَ الإنکليزُ العراقَ *** ولليومِ بالأمرِ لم يُصدَعِ
فقلتُ: إعجبوا أيّها السامعونَ *** ويا أيّها الخلقُ قولوا معي :
أمِن قوّتي صرتُ أم من ضعفِهم *** خطيراً علي دولٍ أربعِ؟ !
بعد ثورة العشرين كان من الأشخاص المطلوبين للاعتقال والمحاكمة ثم الصادر بحقهم عقوبة الشنق، فقال في ذلك:
ولئن أُشْنَقْ تكنْ مقبرتي *** منبراً يعلنُ جرمَ الإنجليزِ
وذات مرة اعتقلته القوات البريطانية إثر وشاية ملفقة، وزجّته في السجن لمدة ٤٣ يوماً تفاقمت إثرها حالته الصحية، وشارف على الخطر، لكن القائمين على السجن نقلوه تحت الحراسة إلى مستشفى سان جورج، ثم أعادوه إلى السجن حينما تماثل للشفاء فكتب في مدة سجنة تلك ديواناً كاملاً باسم حصاد السجن ومن ابيات هذا الديوان:
رمونا كالبضائعِ في سجونٍ *** وعافونا ولم يُبدوا اكتراثا
رمونا في السجن بلا أثاثٍ *** فأصبحْنا لسجنِهمُ أثاثا.
رحل عن الحياة في السابع والعشرين من شهر يونيو (حزيران) سنة ١٩٧٧ في وهج الحرب الاهلية اللبنانية حيث اصابته رصاصة أطلقها عليه قناص في منتصف يناير ١٩٧٦ وهو يبحث عن رغيف خبز يأكله بعد أن أمضى ثلاثة أيام لم يذق فيها الطعام, فحمله بعض المارة إلى مستشفى المقاصد, ولم يطل بها مكوثه لصعوبة الوضع القائم انذاك, فنقل إلى بغداد وقد كف بصره قبل عودته وأصبح مقعداً لابستطيع الحراك فلما وصلها انشد قائلا :
يا عودةً للدارِ ما أقساها *** أسمعُ بغدادَ ولا أراها .
وقال بعدها:
بين الرصاصِ نفدتُّ ضمنَ معاركٍ *** فبرغمِ أنفِ الموتِ ها أنا سالمُ
ولها ثقوبٌ في جداري خمسةٌ *** قد أخطأتْ جسمي وهنّ علائمُ
وهناك أجريت له عملية جراحية ناجحة لإخراج الرصاصة من صدره، ولكن العملية زادت جسده نحولا وضعفا فاسلم الروح بعد عدة أيام لبارئها وهو في "٨٠" من عمره، بعد أن ترك تراثاً شعرياً خصباً، وترجمة دقيقة لـ رباعيات الخيام الخالدة ومن قصائده
من مؤلفاته الشعرية
غلاف ديوان حصاد السجن
الأمواج ١٩٣٢
أشعة ملونة ١٩٣٨
الأغوار ١٩٤٤
الحان اللهيب ١٩٤٤
شرار ١٩٥٢
اللفحات ١٩٥٥
التيار ١٩٤٦
حصاد السجن ١٩٥١
هواجس ١٩٥٨
الشلال ١٩٦٤
إيمان الصافي ١٩٥٥
ورباعيات عمر الخيام ١٩٣٤
حصاد السجن
كلفته وزارة المعارف في إيران ترجمة كتاب في (علم النفس) لمؤلفيه علي الجارم وأحمد أمين من العربية إلى الفارسية لتدرّس في دار المعلمين بطهران فترجمه بدقة إلى الفارسية..
أين كان صدام والبعث عن حماية شاعر العراق والعرب؟ وكان في ذلك الوقت يعادل الدينار العراقي ٣ دولار و٣٠ بنس......
.لماذا لم يصرفوا له راتب شهري يستحق قدر الشاعر أحمد صافي النجفي ..نعم أنه كان يعتبر البعث هو حزب فاشل سوف يدمر العراق وفعلاً دمر العراق.. وكان أيضاً مناضل ولهذا كان قد نفي من العراق وعاش في بيروت في حالة فقر يرثى لها في حين كان العراق في ذلك الوقت بلداً له احتياطي قوي جداً أكثر من احتياط الكويت والخليجين .. وللأسف هذا حياة العراقيين في عصر البعث.. ويداً بيد للتعاون والتآخي ولنعمل سوياً لحياة أفضل ولنحمي الأيتام والأرامل والفقراء المتعففين والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي
السيد صباح بهبهاني البهبهاني بهباني
behbahani@t-online.de