أفادت تقارير بأن الجيش الأميركي نشر قوة كبيرة من قاذفات الشبح “بي-٢” في جزيرة دييغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي، في خطوة من المرجح أن تفسرها إيران على أنها عمل واضح من أعمال الترهيب.قال محللون ودبلوماسيون إن قرار واشنطن عدم التنسيق مع الدول الأوروبية بشأن مفاوضاتها مع إيران القادمة سيقلل من نفوذها ويزيد في نهاية المطاف من احتمالية القيام بعمل عسكري أمريكي وإسرائيلي ضد طهران. وقال دبلوماسيين أوروبيين إن الولايات المتحدة لم تُطلع الدول الأوروبية على المحادثات النووية في عُمان قبل أن يعلنها الرئيس دونالد ترامب يوم الثاني من شهر أبريل ٢٠٢٥، رغم أنها ورقة رابحة في احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران
تهميش الأوروبيين في المحادثات الأميركية-الإيرانية قد يؤدي إلى اتفاقات منفصلة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الأوروبية، ويضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير في قضايا الأمن الإقليمي. ومع ذلك، فإن الأوروبيين يستطيعون استعادة دورهم من خلال استثمار أوراقهم الاقتصادية والشرعية الدولية، والتحرك بفعالية كمجموعة موحدة في أي تسوية مستقبلية.رغم الدور التقليدي الذي لعبته أوروبا، ولا سيما الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى تهميش متزايد للدور الأوروبي في أي مفاوضات أميركية-إيرانية محتملة، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية. وقد بدا واضحًا أن واشنطن وطهران تتجهان إلى صيغة محادثات ثنائية، تتجاهل إلى حد بعيد الأوروبيين الذين يمتلكون ورقة ضغط اقتصادية ودبلوماسية مهمة
أسباب التهميش
ـ استراتيجية ترامب القائمة على الحسم المباشر: لا يرى ترامب أهمية كبيرة لإشراك أطراف متعددة في التفاوض، مفضلًا الحوارات الثنائية التي تتيح له فرض أجندته وشروطه.
ـ فقدان الثقة الإيراني بالأوروبيين: بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام ٢٠١٨، فشل الأوروبيون في تفعيل آليات مثل “إنستكس” للالتفاف على العقوبات الأميركية، مما أفقدهم المصداقية لدى طهران.
ـ التصدعات داخل الاتحاد الأوروبي: ضعف الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي بشأن إيران، خاصة مع اختلاف أولويات الدول الأعضاء، أضعف من فعاليتهم كطرف تفاوضي. رغم التهميش، لا تزال أوروبا تمتلك ورقة ضغط مهمة تتمثل في: العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران، والتي تطمح طهران لاستعادتها. الشرعية الدولية، كون الأوروبيين لا يزالون جزءًا من الاتفاق النووي (JCPOA) ويسهمون في إطاره القانوني. الوساطة والاحتواء، حيث لا تزال بعض العواصم الأوروبية (مثل باريس وفيينا) تُعد أرضًا مقبولة للوساطة والتفاوض.
تهميش الأوروبيين في محادثات أميركا وإيران يزيد من مخاطر عمل عسكري ضد طهران
بينما تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يتراجع الدور الأوروبي تدريجيًا من دائرة التأثير في مسار الأزمة. فالأوروبيون، الذين كانوا في السابق ركيزة أساسية في الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، باتوا اليوم شبه مغيبين عن أي مبادرة تفاوضية جدية، سواء بسبب سياسة واشنطن التهميشية أو عجزهم الذاتي عن فرض حضورهم. هذا التراجع لا يمثل مجرد إقصاء دبلوماسي، بل يفتح الباب أمام سيناريو أكثر خطورة: الخيار العسكري. لطالما لعبت أوروبا دور الوسيط الذي يوازن بين تصلب واشنطن وتشدد طهران. ومع غياب هذا الطرف، تصبح قرارات المواجهة أكثر انفعالًا وأقل توازنًا. في حال انقطعت خطوط الاتصال غير الرسمية وغالبًا ما تتم عبر وسطاء أوروبيين، فإن الحسابات الخاطئة والرسائل غير المفهومة قد تدفع نحو صدام غير محسوب. وإن إيران، التي لم تعد ترى جدوى في الانتظار الأوروبي، قد تبادر بخطوات تصعيدية سواء في البرنامج النووي أو عبر أذرعها في المنطقة، ما يخلق بيئة مشحونة أكثر.
الأوروبيون لا يزالون متمسكين بالاتفاق النووي ويملكون نفوذًا في المؤسسات الدولية. و كثير من الاتصالات غير الرسمية بين طهران وواشنطن تمر عبر عواصم أوروبية. إن أوروبا لا تريد صراعًا عسكريًا في الشرق الأوسط، لما له من تبعات على أمنها الطاقي واستقرارها الداخلي.إن تهميش الأوروبيين لا يعني فقط خسارة طرف دبلوماسي، بل إزالة أحد آخر الحواجز أمام انزلاق المنطقة نحو مواجهة عسكرية. إن إعادة الاعتبار للدور الأوروبي ليس خدمة لمصالح القارة فقط، بل ضرورة لضمان أن الحلول السياسية تبقى مطروحة على الطاولة.
تآكل الثقة بين الترويكا وواشنطن
لم تعد الترويكا الأوروبية فرنسا، ألمانيا، بريطانيا تثق في النوايا الأميركية حيال إيران، لا سيما بعد سلسلة من التحركات الأحادية التي أقدمت عليها واشنطن دون تنسيق مسبق. ورغم وحدة الصف الظاهرية ضمن “الغرب”، إلا أن الواقع يكشف عن تصدعات استراتيجية، أبرزها شعور الترويكا بالتهميش في ملفات حساسة ترتبط بأمنها المباشر، وعلى رأسها الملف الإيراني. في إدارة ترامب الثانية، يبدو أن البيت الأبيض يتبع نهجًا أكثر فردية، يتجاوز الحلفاء الأوروبيين سواء في الخطاب أو في الفعل. فقد أطلقت واشنطن، بحسب تقارير متواترة، مبادرات تواصل مباشرة أو عبر وسطاء مع طهران، دون العودة أو إطلاع الأوروبيين، الشركاء الأصليين في صياغة الاتفاق النووي على فحوى تلك المبادرات.
أسباب تعمق فجوة الثقة
ـ الانسحاب الأميركي الأحادي من الاتفاق النووي في ٢٠١٨، رغم اعتراضات أوروبية حادة.
ـ إفشال آلية إنستكس الأوروبية نتيجة الضغوط الأميركية، ما زاد من حرج الأوروبيين أمام إيران.
إن النهج التفاوضي الأميركي غير الشفاف، والذي لا يمنح الأوروبيين سوى أدوار هامشية أو بروتوكولية. ويزداد التوتر داخل التحالف الغربي، بعد صعود أصوات أوروبية تدعو لاستقلالية القرار الأمني والدبلوماسي. بالضافة إلى تصلب الموقف الأوروبي تجاه واشنطن، ومحاولات للتمسك بالمبادئ المتعددة الأطراف رغم الانجراف الأميركي نحو الثنائيات. وإن إرباك الإستراتيجية الأوروبية في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل احتمال انفجار الوضع عسكريًا بين طهران وواشنطن دون قدرة أوروبية على التأثير أو الردع يزيد من عمق الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة. وبدون شك، إن قرار واشنطن عدم التنسيق مع الأوروبيين بشأن إيران سيقلل من نفوذ واشنطن التفاوضي.
إن قرار واشنطن بعدم التنسيق مع الأوروبيين بشأن الملف الإيراني قد يؤدي إلى تقليل النفوذ التفاوضي للولايات المتحدة، ويعكس تحولًا في النهج الدبلوماسي الذي لطالما اعتمد على التحالفات الدولية، خاصة مع أوروبا. وإذا استمرت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات أحادية دون التشاور مع حلفائها الأوروبيين، فقد يؤثر ذلك على قوتها التفاوضية في مواجهة إيران. كان التنسيق سابقاً مع الاتحاد الأوروبي جزءاً أساسياً من استراتيجية الضغط على إيران، خاصة في إطار الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في ٢٠١٥. كان التنسيق مع الأوروبيين يشكل رافعة هامة لتحقيق أهداف مشتركة، مثل الحد من الأنشطة النووية الإيرانية. من دون هذا التنسيق، قد تجد واشنطن نفسها معزولة بشكل أكبر على الساحة الدولية، حيث قد تنفصل مصالحها عن مصالح حلفائها الأوروبيين، مما يقلل من فعالية أي ضغط على إيران. في الوقت نفسه، قد يسهم ذلك في تقوية موقف إيران، التي قد تجد في غياب التنسيق بين واشنطن وأوروبا فرصة لتعزيز موقفها التفاوضي وتحقيق مكاسب دبلوماسية في غياب جبهة موحدة.
تهديد الترويكا بتفعيل “سناب باك”: ورقة ضغط أم قطيعة نهائية؟
في تحرك ينذر بتصعيد دبلوماسي خطير، أبلغت الترويكا الأوروبية ـ فرنسا، ألمانيا، بريطانياـ إيران بأنها ستفعل آلية إعادة فرض العقوبات – المعروفة بـ”سناب باك” ـ بحلول نهاية يونيو ٢٠٢٥، إذا لم تُظهر طهران تقدمًا ملموسًا في ملفها النووي. هذا التهديد الذي يحمل طابعًا رسميًا غير مسبوق منذ توقيع الاتفاق النووي، يكشف عن تحول استراتيجي في موقف أوروبا، من موقع الوسيط إلى موقع الضاغط. دلالات التلويح بتفعيل العقوبات:
ـ نهاية سياسة “الصبر الاستراتيجي” الأوروبية، بعد سنوات من محاولة احتواء التصعيد والحفاظ على الاتفاق النووي رغم انسحاب أميركا.
ـ تزايد القناعة الأوروبية بأن طهران تواصل خرق التزاماتها النووية دون نية حقيقية للعودة إلى المسار التفاوضي.
ـ رسالة غير مباشرة إلى واشنطن بأن أوروبا مستعدة لاتخاذ قرارات مستقلة، حتى لو تقاطعت مع مسار المفاوضات الأميركية-الإيرانية.
في حال تم تفعيل آلية “سناب باك”، ستعود جميع العقوبات الأممية على إيران، ما سيؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي رسميًا. وسيكون رد إيران حادًا على الأرجح، وقد يشمل التصعيد النووي أو الإقليمي، ما يفاقم من احتمالات المواجهة العسكرية. وإن التحرك الأوروبي قد يُستخدم كورقة ضغط أخيرة لدفع إيران نحو تنازلات سريعة قبل دخول مرحلة الانفجار الشامل.
اقتراح إيراني لاتفاق نووي مؤقت: مناورة تكتيكية أم رغبة في التهدئة؟
في خضم الجمود السياسي وارتفاع منسوب التوتر مع الغرب، تدرس إيران حاليًا تقديم اقتراح لعقد اتفاق نووي مؤقت كمرحلة تمهيدية لاستئناف المفاوضات الشاملة لاحقًا. ويمثل هذا التوجه محاولة واضحة لخفض التوتر وتفادي تفعيل الأوروبيين لآلية “سناب باك”، وفي الوقت نفسه اختبارًا لجدية الولايات المتحدة ، خصوصًا في ظل غياب دور أوروبي فعّال. ويعود ذلك إلى الخشية من ضربة عسكرية أميركية بعد تهديدات مباشرة من واشنطن في حال استمرار البرنامج النووي دون رقابة. ومحاولةإيران امتصاص الغضب الأوروبي بعد تلويح الترويكا بإعادة فرض العقوبات الدولية. وتحسين موقع التفاوض قبل الدخول في أي مفاوضات شاملة قد تفرض شروطًا قاسية على طهران.
كيف سيكون شكل الاتفاق المؤقت المحتمل
تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مؤقتًا مثل تخصيب اليورانيوم فوق نسبة معينة. ورفع جزئي أو تخفيف لبعض العقوبات المرتبطة بالقطاعات الإنسانية أو المصرفية. وعودة جزئية للتفتيش الدولي مقابل خطوات ملموسة من الغرب.قد تنظر واشنطن للعرض كمناورة، لكنها قد تقبل به لتجنب التصعيد قبل الانتخابات الأميركية .أما أوروبا فقد ترحب بالخطوة لتبرير عدم تفعيل آلية “سناب باك” مؤقتًا، رغم شعورها بالتهميش.زبمايتعلق الأمر بإسرائيل سترى فيه خطرًا مؤجلًا، وقد تواصل الضغط لإفشاله أو التصعيد ضده. إن الاقتراح الإيراني باتفاق مؤقت يعكس قلقًا إيرانيًا من المرحلة المقبلة، لكنه لا يضمن نجاح المسار الدبلوماسي ما لم يُقرن بتنسيق دولي شامل يعيد الثقة بين الأطراف وهي ثقة باتت شبه مفقودة، خاصة مع التباين بين واشنطن وأوروبا، وتصاعد تهديدات الردع العسكرية.
ماهي أوراق الضغط التي تملكها الترويكا الأوروبية على يران ؟
تعتبرآلية “سناب باك” إعادة فرض العقوبات الأممية هي أقوى ورقة حالية بيد الترويكا. بموجب الاتفاق النووي (JCPOA)، يمكن لأي طرف أن يُفعّل آلية إعادة فرض العقوبات الأممية حتى بدون موافقة مجلس الأمن. هذا يعني عودة عقوبات الأمم المتحدة القديمة، مثل حظر الأسلحة، وتجميد الأرصدة، وقيود الطيران، وهو ما سيعزل إيران دوليًا من جديد. رغم العقوبات الأميركية، لا تزال بعض الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة تتعامل مع إيران، وتُعد أوروبا ثاني شريك تجاري لإيران بعد الصين. وإن التهديد بوقف هذه العلاقات كليًا أو فرض قيود جديدة على التحويلات أو الصادرات قد يضر الاقتصاد الإيراني المتعثر. يمكن للترويكا استخدام أدوات مثل حظر التأمين البحري الأوروبي أو الضغط على شبكات نقل النفط كأدوات ضغط اقتصادية.
لا تزال أوروبا تحظى ببعض الثقة في طهران مقارنة بواشنطن، وتستطيع استخدامها كـ”جزرة” مقابل التراجع عن بعض الخطوات النووية. وإن تلويح أوروبا بحرمان إيران من الغطاء الأوروبي في المحافل الدولية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس حقوق الإنسان يعني تعريضها لعزلة أكبر وقرارات تقييدية أشد. يٌذكر بإن لدى الترويكا الأوروبية إحالة الملف رسميًا إلى مجلس الأمن مجددًا سيمنح المشروعية لأي تحرك دولي ضد إيران، بما في ذلك عقوبات أو حتى تهديدات باستخدام القوة. هذا الخيار يزيد من الضغط السياسي والنفسي على النظام الإيراني، الذي يحاول تجنب “تدويل” المواجهة مجددًا.
ما أسباب تهميش ترامب إلى الأوربيين، هل بسبب التنافس الاقتصادي؟
يعتبر التنافس الاقتصادي كان أحد الأسباب، خاصة في ملفات مثل العقوبات الثانوية التي فرضتها واشنطن على الشركات الأوروبية العاملة مع إيران. ومحاولة إجبار أوروبا على شراء الغاز والنفط الأميركي بدلاً من الإيراني أو الروسي. بالاضافة إلى الخلافات التجارية الحادة بين ترامب والاتحاد الأوروبي حول الرسوم الجمركية والميزان التجاري. يضاف لما تم ذكره أعلاه هو مبدأ “أميركا أولاً” هذه المبدأ التي تبناها ترامب جعلت سياسته الخارجية أحادية بامتياز، ترفض العمل ضمن تحالفات دولية. وكانت نظرة ترامب للمفاوضات مبنية على “الصفقات الثنائية”، ما جعله يتجاهل الأبعاد الجماعية والتنسيق مع الحلفاء التقليديين .بالتالي تهميش أوروبا كان انعكاسًا لطبيعة تفكيره السياسي أكثر منه موقفًا موجهًا ضد القارة نفسها..
أوروبا اليوم مُهمَّشة، فأذا أرادت أن تعود فاعلًا مؤثرًا، عليها التحرك بسرعة وفعالية كمجموعة موحدة، وتفعيل أدوات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي المتاحة لها. الحل الدبلوماسي لا يزال ممكنًا، لكن يحتاج إلى توازن دقيق بين التهديد بالعقوبات من جهة، والانفتاح على اتفاقات انتقالية مثل الاتفاق المؤقت المقترح من إيران من جهة أخرى. إذا استمرت إدارة ترامب الثانية في نهجها الأحادي، واستمرت أوروبا في موقع المتفرج، فإن السيناريو المرجّح سيكون تهميش كامل للدور الأوروبي، وتحول المفاوضات إلى حوار مغلق بين طهران وواشنطن.