معرض الأزهار وارباك التأريخ

فالمعروف ان الانسان يتفاعل مع مظاهر الطبيعة والازهار عندما يتوفر له الحد الادنى من الرفاه الذي يقوده الى الاستقرار النفسي ، والرفاه مفهوم اقتصادي يشير الى مستوى معاشي افضل من الكفاف ، لكنه أقل من الترف ، مؤشر يتعامل مع عدة عناصر كالمستوى المعاشي الذي يضمن تجاوز الحرمان ثم الكفاف والانتقال الى الاكتفاء وما يرتبط به من الحاجات الغذائية والصحية والتعليمية ، ثم يأتي عنصر السكن المريح والثابت كعنصر ثان في الرفاه ، وبعد ذلك تأتي العافية والامان ، فالرفاه مع فقدان العافية والامان لاقيمة له ، والرفاه مع العافية بلا أمان لاقيمة له ، هذه هي ايضا عناصر بناء الطبقة الوسطى في المجتمع ليبقى الفقراء والاغنياء اقليتين على طرفي نقيض ، اما في دولة الضمانات والنظام الضريبي الرصين فحتى طبقتي الفقر المدقع والغنى المفرط تتلاشيان ليحدث انسجام طبقي نسبي لا يشذ عنه الا النادر وتختفي مظاهر الصراع ، ازدهار الطبقة الوسطى في البلد يبعث الحياة ، ويفتح باب تذوق الفنون والاداب والبحث عن الترفيه لتعويض ساعات العمل الشاقة ، تظهر الحاجة الى الحديقة والازهار ، الحديقة المنزلية جزء لا يتجزأ من مكونات البيت ، العرب سكان صحراء والازهار شيء نادر في حياتهم وشعرهم رغم نونية المتنبي وهو يمر بشعب بوان في بلاد فارس ، تغير مزاج الشعراء الصحراويين وهم يدخلون في قصور بني أمية وبني العباس الحافلة بالحدائق والنافورات ، والدولة الاندلسية اهتمت بالحدائق والقصور تقليدا للرومان ، المنزل البغدادي منذ القدم كان ذا حديقة أمامية غناء ، اما بيوت الباشوات فملحقة بالبساتين ، ومازالت منازل بغداد القديمة نسبيا عامرة بالحدائق واحواض الازهار ، في هذه الايام تغيرت ثقافة السكن متأثرة بالتضخم السكاني وتفضيل المال على الرفاه السكني ، المساكن القديمة في الكرادة والجادرية والاعظمية والعطيفية يجري تهديمها واعادة بناءها بشكل مشتملات صغيرة غالية الايجار لتختفي الحدائق والازهار ، وخطط الحكومة في الاسكان المستفبلي تعتمد البناء العمودي واول ضحاياه الحديقة وازهارها ، حتى الذين يحاولون الاحتفاظ ببيت ذي حديقة امامية لا يجلسون فيها بسبب الوضع الامني ، فالجلوس في الحديقة ليلا عمل غير مضمون العواقب . امانة بغداد اخترقت التأريخ لتقدم الازهار ونماذج الحدائق لامة تعيش مرحلة ما قبل الرفاه ، ماقبل الامن ، ما قبل بناء الطبقة الوسطى ، اختراق جيد يذكر الناس بالحياة في عصر مختلف .