المحاصصة مسؤولية الجميع.. وليس القوى الكبيرة فقط

كانت اولى مهام المجلس اختيار رئيسه.. ومالت الاغلبية لاختيار السيد بحر العلوم.. بينما فضل اخرون مجلساً مصغراً شبيهاً بـ"مجلس السيادة" للمرحوم عبد الكريم قاسم.

تقرر التصويت على المبدأ. وفاز الرأي الاول.. وحصل اعتراض وتهديد بالانسحاب. فاعيد النقاش، واقر مبدأ التوافق في الامور الاساسية.. اقترح البعض ٣ اعضاء كتمثيل للمكونات الكبيرة.. فاعترض المكون الاكبر لغبن يصيبه، واحتج اخرون بان مقعداً واحداً يمثلهم لن يكفي لتوازناتهم الداخلية.. فاتجه النقاش الى ٥ ، ثم ٧، ليستقر في النهاية عند ٩ اعضاء، يتداولونها شهرياً وحسب الاحرف الابجدية. فسارت الامور انسيابية وجيدة عموماً.. وحصل التداول في مواعيده.. وكان "مجلس الحكم" منسجماً عموماً في مواجهة السفير بريمر واطروحاته.. كما كان صبوراً وحكيماً -كافراد وفريق- في ايجاد حلول لوجهات النظر المختلفة بين الاطراف العراقية، التي كانت تصل احياناً لمستويات من التقاطع والتأزم الشديدين.
وجاءت المهمة الثانية لتشكيل الحكومة، وهنا لعب غير الكبار دورهم في زرع بذور المحاصصة. جرى الامر في آب عند رئاسة الدكتور الجعفري.. واستمرت النقاشات للايام الاولى لرئاسة الدكتور الجلبي. كان عدد الوزارات انذاك ٢٣ وزارة.. وكان بالامكان الاتفاق على توليفة تلائم القوى الكبيرة.. لكن المستقلين والقوى الاصغر اصروا على تقديم مرشحيهم ايضاً.. مما تطلب رفع عدد الوزارات الى ٢٥.. ليرشح كل عضو وزيراً. فادمجت وزارات، واضيفت اخرى كالبيئة والمهجرين وحقوق الانسان. رغم ذلك، تشكلت الحكومة خلال اسبوعين، بينما استغرقت في حكومة علاوي شهراً.. والجعفري اربعين يوماً.. والمالكي ٩ اشهر، كدليل للتعطيل المتزايد الذي تسببه المحاصصة.. يضاف الى ذلك ان اياً من اعضاء مجلس الحكم، اي اصحاب القرار، لم يرشح للوزارة الاولى، بينما، عند تعمق المحاصصة، تغيرت السلوكيات، لمصلحة اشخاص واحزاب، بالضد من مصلحة المواطن والجماعة والوطن.
فالمحاصصة لم تلد من فراغ.. بل ولدت من واقع معقد بمتضادات يجب تصريفها في قنوات تحقق التوازن والفاعلية في آن واحد. وهو ما اجتهد الدستور لتحقيقه.. الذي بتعطيله، وتغييب او تعطيل مؤسساته وقوانينه، تعمقت المحاصصة لتصبح حاكمة ومعطلة ومتصارعة، دفعة واحدة.