تحولت حديقة الحي الى مكب نفايات تتصاعد منها الروائح ويغني فيها الذباب ، جاء فصيل من الجنود الامركيين ونظفوها وزرعوها فظهرت المساحة الخضراء واحواض الازهار والشجيرات اليانعة ، وجاءت البلابل الملونة وغردت مجددا ، وتدفقت النافورات الملونة وشعر الجنود المحتلون بفرح غامر . بعد ٦ اشهر تم تسليم الحديقة الى دائرة الحدائق وانسحب منها المحتلون ، صباحا اختفت طوافات النافورات فتوقفت عن العمل ، في اليوم الثاني اختفت خراطيم الماء ، في اليوم الثالث اختفت الحنفيات فغرقت الحديقة حتى ماتت الشجيرات ، ثم بدأ اطفال قذرون يتسابقون لاصابة المصابيح الملونة برجمها بالحجارة حتى تساقطت شضاياها المذهبة على التراب ، رحلت الازهار وهاجرت العصافير ، ذات يوم جاء مفتش من الدائرة فوجد العامل الوحيد صفوان يقف على اطلال الحديقة وهي خاوية على عروشها ، سأله عن العمال الآخرين فأجابه : لا يوجد أحد غيري ، فاخرج المفتش قائمة وأكد ان سبعة عمال يعملون هنا وذكر اسماءهم واعمالهم ومنهم مشغل النافورات وعامل التقليم وعامل النظافة وعامل السقي وغيرهم ، ذات يوم جاء المهندس المسؤول مسرعا واراد تشغيل النافورات لان المدير العام سيأتي في جولة ، اكتشفوا ان الطوافات مفقودة فحدث جدل وصياح انتبه اليه الجيران فحضر رجل وقال : الطوافات عندي اسلمها لكم بشرط ان يتم تعييني حارسا للحديقة فوافق المهندس ، وعادت الطوافات وتدفقت النافورات ليوم واحد وسط الخراب فشاهدها المدير العام لكن حقيبة المهندس اصبحت تحمل عقدا قيمته ٤٠ مليون لشراء طوافات ! تسلم الحارس الجديد راتبه لشهر فقط وتحول الى شخصية وهمية اي يذهب راتبه لغيره ! لكن الطوافات اختفت من جديد . صفوان لوحده يعمل في الحديقة يوميا حتى الغروب يمر عليه المهندس ببدلته الانيقة ويوبخه لكثرة اسئلته عن بقية العمال ، ذات يوم ابلغه بالاستغناء عن خدماته بسبب التقليص لعدم وجود موازنة ، اكتشف ان التقليص يشمل العامل الحقيقي ولا يشمل الوهمي ! انفجر صفوان غاضبا فصرخ بالمهندس : انا اعرف قصة عمال الحديقة السبعة الوهميين ، فقط قل لي من يتسلم رواتبهم ؟ وقد نزلت هذه الكلمات كالصاعقة على المهندس فاتصل فورا بآمر شرطة المدينة قائلا : ابعث لي مفرزة لانقاذي فاني اتعرض لمحاولة تسليب ثم خلع سترته ومزق قميصه ، حضرت مفرزة مرعبة فاعتقلت صفوان بتهمة محاولة تسليب المهندس ، فذهب الاقرباء واخرجوه من السجن برشوة كبيرة ، التقى صفوان بالمهندس بعد اطلاق سراحه وفقدانه لعمله فسأله : كيف اقنعت آمر الشرطة باعتقالي بهذه السرعة ؟ قال المهندس ضاحكا : مثلما عندي سبعة عمال وهميين فان لدى الآمر العزيز عشرات الشرطة الوهميين يتسلم رواتبهم ، ولدى المحقق الذي اودعك السجن عشرات الموظفين الوهميين يتسلم رواتبهم ، الاسئلة التي تثيرها تشكل خطرا على الأمن الوطني ، فسأله عقيل : ما هو الحل ، اجاب المهندس : هذا بلد (مبيوع) وكل منا يبحث عن فرصته ، انصحك أن لا تتكلم فتكون حياتك هي الثمن .
حافظ آل بشارة