تعيش مدينة الموصل - مركز محافظة نينوى- ومناطق اخرى قريبة منها، هذه الأيام ظروفا استثنائية، وكأنها تنتظر وتترقب شيئا ما.
الامر كذلك بالضبط، فالكثير من أبناء محافظة نينوى الرازحين منذ ماينيف على العامين تحت سطوة تنظيم داعش الإرهابي يتطلعون على احر من الجمر الى من يخلصهم من الجحيم الذي يعيشون فيه، وقد انتعشت امالهم كثيرا بعد سلسلة الانتصارات الكبيرة المتحققة في قضاء الفلوجة التابع لمحافظة الأنبار، الذي كان يعد احد اهم قلاع ومعاقل تنظيم داعش، والذي كانت مجمل المؤشرات والتحليلات تذهب الى استحالة تحريره من داعش، في مقابل ذلك فأن الدواعش يواجهون أوضاعا مرتبكة للغاية، ويعيشون حالة قلق وخوف شديد، وإغلبهم -قيادات وقواعد- يفكرون بالهروب والخلاص اكثر من تفكيرهم بالمواجهة وتحقيق الانتصار. هذا ما يقوله ويؤكده عدد غير قليل من أبناء محافظة نينوى، وبعضهم يقيم في احياء ومناطق خاضعة لسيطرة الدواعش، وبعضهم الاخر نزحوا من مدينتهم الى شمال العراق او الى جنوبه ووسطه، بيد انهم ظلوا يتابعون ويتقصون اخبار مايجري، مترقبين ومرتقبين ساعة الفرج والخلاص من داعش.
تقول مصادر مطلعة وشهود عيان من داخل مركز محافظة نينوى، انه بات من السهولة رؤية الشعارات المضادة والمنددة بالدواعش في الأماكن العامة وعلى جدران الأبنية والبيوت، وكذلك فأن المواجهات والمشاجرات بين عناصر داعش وأبناء المحافظة لم تعد من الامور الغريبة والملفتة، بل أصبحت ممارسات وسلوكيات يومية، لان الناس فقدت صبرها وتحملها من أساليب داعش القمعية الاجرامية من جانب، ومن جانب اخر اخذ الناس يشعرون بإن تنظيم داعش يمر بأسوأ وأضعف حالاته، لاسيما بعد انكساراته الكبيرة وهزائمه المنكرة في الفلوجة.
وتشير المصادر الى انه بينما كانت عصابات داعش تجبي الأموال وتأخذ الاتاوات بكل سهولة من الموظفين واصحاب المحال التجارية ورجال الاعمال، فأنها لم تعد قادرة على ارغام الكثير من ابناء محافظة نينوى على الخضوع لإرادتهم وقوانينهم الجائرة، وهو ما تسبب في المزيد من الانخفاض في عائداتهم المالية، خصوصا بعد انقطاع جزء لايستهان به من مصادر تمويلهم، التي تمثل موارد النفط المهرب من المناطق التي يسيطرون عليها نسبة كبيرة منها.
ومعروف ان تنظيم داعش يلجأ الى تنفيذ الاعدامات بحق من يعارضه، لكن هذا الأسلوب لم يعد مجديا، لانه أدى الى ارتفاع مستوى النقمة الشعبية وتجروء المواطنين على النقد والمعارضة بدرجة اكبر، ناهيك عن كشف حقيقة ذلك التنظيم الإرهابي. ووفق مصادر خاصة من داخل الموصل، احدثت عملية إعدام ثلاثة من خطباء الجوامع مؤخرا بسبب تثقيفهم المواطنين على تحريرهم مدينتهم من الظلم والارهاب، الى ارتباك كبير في أوساط الدواعش، لانه كسر حاجز الخوف منهم اكثر من ذي قبل.
وتؤكد مصادر استخبارية حكومية ان المنشورات التي ألقتها طائرات عراقية فوق محافظة نينوى قبل بضعة ايام انتشرت الى حد كبير وتداولها الناس بصورة غير متوقعة، وفشل عناصر داعش في منع تداولها، علما ان تلك المنشورات كانت تبشر أبناء محافظة نينوى بقرب تحريرهم من داعش، وتدعوهم الى التعاون مع القوات والاجهزة الامنية والعسكرية التي بدأت عملياتها لتحرير نينوى منذ أسابيع قلائل، فقد قامت قطعات من قوات الجيش وجهاز مكافحة الاٍرهاب والشرطة الاتحادية بتوجيه ضربات مركزة ودقيقة لاوكار الدواعش في عدة مناطق تابعة لمحافظة نينوى مثل قضاء الشرقاط، في ذات الوقت الذي قام فيه سلاح طيران الجيش يشن غارات على الدواعش ألحقت بهم خسائر فادحة.
ولاشك ان مثل تلك العمليات الاستباقية لها اثر كبير في تمهيد الأرضيات لمعركة التحرير الحاسمة، لانها تؤدي الى قطع خطوط الامداد عن المجاميع الإرهابية، وتقلص إمكانياتهم البشرية والمادية، فضلا عن انها تساهم الى حد كبير في كسر الروح المعنوية لديهم.
وتكشف اتصالات بين قيادات داعشية في الموصل، رصدتها الأجهزة الاستخباراتية، حجم القلق والفزع في صفوف التنظيم وتركيز التفكير في البحث عن مهرب، اما الى سوريا او الى تركيا في حال لم يتمكن مقاتلو داعش من الصمود امام قوات الجيش العراقي والحشد وأبناء العشائر.
ويشير مواطنون في الموصل الى ان الدواعش باتوا منهارين معنويا، لان الناس أصبحت تقف بوجههم من دون خوف، واذا ساروا في الشوارع فمن اليسير جدا عليهم ان يمروا بالشعار المألوف الموجه ضدهم (نهايتكم في الموصل ستكون مثل نهايتكم في الفلوجة)، ويعثروا على مئات المنشورات التي ألقتها الطائرات في الشوارع والأسواق وفي أيدي الناس تبشر بقرب نهايتهم وطوي صفحتهم مِّن العراق الى الابد.