قبل ايام اتصل بي صديق مصري عرفته منذ السبعينات حينما كان يدرس معنا ..في احد كلياتنا الطبيه ..بعد التحية والسلام سألني :انت لا تكتب عن الفضائيات العربيه وفضائحها بعد دخول الستلايت الى العراق وانتشاره في اقصى قصبه عراقيه على الحدود ...وقد عرفتك كاتبا متمرسا في اكثر من مجال ...ما المطلوب؟؟ اجاب ببساطه:برامج السوبر ستار والفضائح اليعربيه ..ولانني كنت اجيد اللغه المصريه ..التمسني ان اكتب مقالاُ عن الموضوع بنكهه مصريه ...اجبته لعلي اوفق في قادم الايام لذكر هذا الموضوع ...وان كانت همومنا نحن العراقيين اكثر ايلاما واعمق وجعاُ من بقية الهم العروبي .......تبحث الأمم الضعيفة عن أي انتصار تقنع به الذات أنها حققت شيئاً .. ولو مأساوياً! وهمٌ ـ بفتح الواو وسكون الهاء ـ لسنا بحاجة إليه ليعيد شيوخنا اليائسين إلى صباهم، وهمٌّ ـ بفتح الحاء وتشديد الميم ـ يظلل شوارعنا فيستنهضها من الأكفان التي تدثر بها البعض في رحلة البحث عن موت دون جثة! فما أكثر الجثث التي تمشي على قدمين، وما أكثر الأرواح التي غادرت بينما أصحابها ما زالوا بيننا.. يتكلمون.. يثرثرون.. يتوعدون.. يدغدغون مشاعر البسطاء والمخدوعين في الشارع العربي عموما والعراقي خصوصا .. هذا الشارع الذي تغنى به كثيرون.. ثوريونَ وأفاقون.. مناضلونَ ودجالون.. مفكرونَ وباعة (الثلاث ورقات) تجارُ حروبٍ وسماسرة وأنواعٌ أخرى من البشر الله تعالى أعلم بها.. كلٌّ يغنى على ليلاه .. وكلٌّ يدعي وصلا بليلى .. وليلى ربما تكون قد باعت عنترة في سوق النخاسة، أو أخفته بعيدا عن الثمن الباهظ للفحولة دون أن تدري أن كثيرا من المحللين أباحوا اللجوء للمجهول الأزرق..وربما استنسخته مجرد تمثال باهت الظل، ومجرد أبيات من الشعر، نلوكها صباح مساء، نوقد نار القبيلة في خيمة تظلل العابرين و.. نثرثر... ولأني لا أرى التليفزيون إلا في المناسبات، فقد أبديت جهلي الكامل، وما لبث أن اتصل بي الصديق حزيناً، وكأن خروج الفتاة (العربيه )نكسة تضاف إلى خيباتنا( المهببة)، التي لم تنته منذ النكبة وحتى ما بعد النكسة، دون أن ننسى بالطبع "الوكسة" التي نعيشها حالياً باسم السلام.. "..ونام يا حبيبي نام وأذبح لك جوزين حمام"! مصمصت شفتي، وأدركت انني لست إلا طفل في الشارع.. الشارع العربي.. المغضوب عليه، والمسلوب تحت وطأة رغيف الخبز، وطوابير (العاطلين عن العمل)، والمضحوك عليه بـ"بشعارات الوطنية الزائفة " التي تذهب اموالا إلى جيوب المنتفخين والمتورمين.. هذا الشارع المسكين.. الذي خرج في عاصمة عربية قبل سنوات ثائراً وهائجاً على خروج سوبر ستاره من مسابقة حربية استمرت ثلاثة أسابيع.. هاتفاً بالروح.. بالدم.. نفديك يا ملحم بركات ليكسر كل ما يقابله احتجاجاً، هو نفس الشارع الذي انقسم في ثلاث عواصم عربية كل يدعي وصلا بـملحم أو ديانا أو هيفاء وهبي.. وهو نفسه الذي وصفه زعيمٌ عربي راحل بـالحرامية.. وهو نفسه الذي استند إليه طغاةٌ لتمرير تزويرهم وطغيانهم. هذا الشارع وقف يوماً لصدام العار والجريمه هاتفاً نفس الهتاف التقليدي بالروح بالدم ثم انهال عليه (بالنعال) في اليوم التالي.. فأيهما نصدق؟ القهر.. أم العهر؟..
الدكتور
يوسف السعيدي