بَعيداً عَن الشِعارات البرَّاقة والهِتافَات التي تَتلاعَب بِمشاعِر الشعوب للمُطالبَةِ بِحقٍّ مَا، أو إِنهاءِ حَالاتِ فَسادٍ سياسيٍّ أَو مَاليٍّ في بَلدٍ مُعيّن، نَتَناوَل في مَقالِنا اليّوم شِعارَ حقّ (الدِّفاع الشَّرعي) لِقِوىٰ مِحور المُقاومة الإِسلامية.
▫️مِنَ الناحيةِ القانُونيّة.
يُقصد بحقِّ الدِّفاع الشَّرعي: تَولّي شخصٍ بنفسهِ صدّ الاعتداء الحَالِ بالقوَّة اللازمة لتَعذُّر الاستِعانة بالسُلطةِ لحمايةِ حقِّ المُعتدى عليهِ(١)، وَأقرَّ القَانونُ الجِنائي الدّولي حقَّ الدِّفاع الشّرعي علىٰ المُستويين الفَردي والجَماعي، فالمادَّة (٣١/أولاً) مِن النظام الأساسي للمَحكمةِ الجنائية الدولية أباحت ذلِك بِنصّها: (لا يُسأل الشخص جنائياً إذا كانَ وقت ارتكاب السلوك الجنائي يَتصرَّف علىٰ نحوٍ معقولٍ للدِّفاعِ عن نفسهِ أو عن شخصٍ آخرٍ يُدافع في حالةِ الحربِ عن مُمتلكاتٍ لا غِنىٰ عَنها، لبقاءِ الشَّخص أو لبقاءِ شخصٍ آخرٍ أو عن مُمتلكاتٍ لا غِنىٰ عنها لإنجازِ مُهمة عسكرية ضدَّ استخدامٍ وشيكٍ وغيرِ مشروعٍ للقوَّة، وذلِك بطريقةٍ تَتناسب مع ذلِك الخطر الذَّي يُهدد هذا الشخص أو الشخصَ الآخر أو المُمتلكاتِ المَقصود حِمايتها)(٢)، كَما إنَّ حقَّ الدِّفاع الشَّرعي كفَلتهُ الشرائِع القديمة وَكذلِك كافَّة القوانين الحَديثة دونَ استثناءٍ، حيثُ أَباحت للأنسانِ حِراسة وَحِماية نفسهِ حَيث لا تَتوافَر حِماية الدَّولة وَحِراستها لهُ، وَتناوَلت الشريعة الاسلامية الغرَّاء صراحةً حقَّ الدِّفاع المَشروع(۳).
▫️مِنَ النَاحيةِ الشَرعيّة.
بدايةً, إنَّ غايةَ العَقل مِن هذهِ الحياة ليسَ إلاّ التَرَّقي الدُنيوي وَالأُخروي، وَمِن المَعلوم إنَّ استيلاءَ اليهُود وأعوَانهم علىٰ بلادِ المُسلمين، يفرِض تَخلّي المسلمين عَن عَقائِدهم وَمَبادئهِم دُنيوياً وَحينها لا عِزّ يَبقىٰ ولا شرف أو كرامة تَدوم، أمّا الأُخرَوِي فواضحٌ في قولهِ تعَالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾(٤),فَالفِطرة السَليمة تُوجِب الدِّفاع عَن الحُقوق وَإنَّ العقلَ يختصُّ بوجوبِ حِفظ كِيان الإسلام المُتقوِّم بعَقائِدهِ وشعائِرهِ.
إنَّ مِنَ الواجب علىٰ الإنسانَ، حِماية نفسهِ أو نفسِ غيرهِ، وحقُّهِ في الدِّفاعِ عن كُلِّ إعتداءٍ غير مشروعٍ بالقوَّةِ اللازمة لدفعِ هذا الاعتداء، أي بِمعنىٰ إدراكهِ بأنّ تكليفه الشَّرعي يُوجِب الدِّفاع عن عقيدتهِ وَعِرضه وَأرضهِ من أيِّ اعتداءٍ يخلّ بِما يُدين أو يُعرِّضه للهَتكِ والهلاك (٥), كما يَرىٰ فُقهاءُ الشريعة أنَّ هذا الوُجوب تَشريفٌ من اللهِ سُبحانَهُ وَتَعالىٰ للإنسان وتكريمٌ له، لأنَّه يرمِز إلىٰ مَا ميَّزه بهِ عن غيرهِ مِن قُدرةٍ علىٰ بناءِ نفسهِ والتحكُّم في غرائِزهِ وقابلّيتهِ لتحمُّل المسؤولية، فإن أَدىٰ واجبه التشريفي وَأطاعَ وامتَثل، شَرَّفه الله بَعد ذلِك بعظيم ثوابهِ وَإن قصَّر وعَصىٰ كان جديراً بعقابِ اللهِ وسخطهِ بِظلمِه لنفسهِ وغيره (٦), وهُناك عَشرات النُصوص في العقيدةِ الاسلامية تَرىٰ إنّ الدِّفاع الشرعي عن النفسِ واجِبُ علىٰ كُلِّ مُسلمٍ ولا يَجوز أَن يَركن المُؤمن إلىٰ الذِّلة والتخاذُل في ذلِك (٧), وَإنَّ هذه المَسؤولية لا تَقتصِر علىٰ جانبِ الرؤيةِ والمَفهوم، بَل تحتاج إلىٰ تطبيقٍ واقعيٍّ علىٰ أرضِ الواقِع.
إنَّ الإستِعداد وَالتجهيز وَالتَسليح وَالتدريب وَالتخطيط الجيّد لِخوضِ الحرب، قَال تعَالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ (٨)، مَاهو إلاّ دليلُ التَماسُكِ وَوحدةِ الصفِّ ووحدةِ الكَلِمة وَالمَوقف، وِإنّ خِيار المُقاومةَ هو أحد علائِم عَصرنا (٩)، وَمِمَّا وَعَدنا الله سُبحانَهُ وَرَسولهُ وأهلُ البّيتِ عَليهِ وَعَليهِم السَّلام بِها، خاصّةً مُقاومة المُحتلين وَالباغين، وَيَنبغي أن نُشير إلىٰ أنَّ فُقهاءَنا قسَّموا الحَّرب إلىٰ قسمين: حربٌ دِفاعية وَحربٌ ابتدائية، فالحربُ الدِّفاعية مُتَّفقون عَليها وَلا إشكال فيها.
أمَّا الجِهاد الإبتدائي فَهو مَحلُ بحثٍ، باشتِراط حُضور المَعصوم صَلوات اللهِ عَليهِ أو عَدم حضورهِ، وَهُنا يكون للفَقيه الجَامِع للشروطِ أَن يُفتي بهِ، وَالجميعُ متَّفقون علىٰ مَشروعية المُقاومة سَواء كانوا ممَّن يَقول بولايةِ الفقيهِ العامّة أو المُقيّدة.
▫️لِذا فإنَّ إستحضارات التَصدّي وَتوحيد ساحَةِ المُواجَهة لمِن الأُمور المِفصلية وَالوَاجِبة، التي تدعوّ لدعمِ المُجاهدين المُدافعين عن الأرضِ والمُقدَّسات، وَمَا نَصرُ حِزب اللـــهِ اليّوم إلاّ دليلٌ علىٰ إنتزاعِ الحُقوقِ وَردعٍ لليَهودِ وأعوانِهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
١. د. علي حسين الخلف، د. سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، جامعة بغداد، كلية القانون ۱۹۸۲، ص ۲۷.
٢. الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الدولي، القاضي علي عبد اليمة جعفر، موقع مجلس القضاء الأعلى العراقي.
٣. د. سمير علي، أصول قانون العقوبات، القسم العام - دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والطباعة والنشر، ١٩٩٦، ص ٣٥٣.
٤. القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية ١٢٠.
٥. الشيخ أبو الصلاح تقي الدين الحلبي، الكافي في الفقه مكتبة الامام امير المؤمنين العامة، أصفهان - ١٤٠٣هـ / ۱۹۸۳م، ص ٣٤-٣٥.
٦. السيد محمد باقر الصدر، الفتاوى الواضحة، طه، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ۱۹۸۳ ، ص ١٢٥.
٧. عبد الأمير كاظم زاهد, قراءات في الفكر الإسلامي المعاصر, منشورات المنتدى الوطني للفكر والثقافة, النجف الأشرف, ٢٠٠٨, ص٢٨٢.
٨. القرآن الكريم، سورة الأنفال، الآية ٦٠.
٩. مشروعية المقاومة في عصر الغيبة، الشيخ حسين عبيد القريشي، موقع أقلام.