في ظل التصعيد العسكري المتواصل في البحر الأحمر، أعلنت سلطنة عُمان، في ٦ أيار ٢٠٢٥، عن نجاح جهودها في التوسط لاتفاق غير مباشر لوقف إطلاق النار بين جماعة الحوثي في اليمن والولايات المتحدة الأمريكية. وجاء هذا الإعلان في لحظة فارقة، بعد شهور من التوترات والهجمات المتبادلة، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذه الهدنة وأبعادها السياسية والعسكرية.
ينص الاتفاق، الذي تم بوساطة عمانية وبدعم من قنوات دبلوماسية غير معلنة، على التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن المرتبطة بالولايات المتحدة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مقابل وقف الغارات الجوية الأمريكية على مواقع الجماعة في اليمن. ورغم عدم وجود اتفاق رسمي أو معلن، فقد أكدت التصريحات العمانية وجود “تفاهمات عملية” بين الجانبين.
وتأتي هذه الخطوة بعد موجة تصعيد بدأت في أواخر عام ٢٠٢٣، حين كثّف الحوثيون هجماتهم على الملاحة الدولية بزعم دعمهم للمقاومة الفلسطينية في غزة. وردّت واشنطن بشن غارات جوية على مواقع حوثية، ضمن ما وصفته بـ”حماية حرية الملاحة ومصالحها الحيوية”. وقد أدى ذلك إلى اتساع رقعة النزاع، ما جعل التهدئة ضرورة ملحّة، ليس فقط لليمن، بل للمنطقة بأسرها.
من جانبها، يبدو أن واشنطن تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى تقليص انخراطها العسكري في صراعات إقليمية معقدة، خصوصًا في ظل تركيزها على أولويات كبرى مثل الصين وروسيا. أما الحوثيون، فقد يسعون إلى استثمار التهدئة لتعزيز موقعهم التفاوضي داخليًا، وإعادة ترتيب أوراقهم سياسيًا واقتصاديًا.
وقد قوبل الاتفاق غير المعلن بترحيب حذر من بعض دول الخليج، مثل قطر والكويت، اللتين اعتبرتاه خطوة نحو استقرار الملاحة الإقليمية. في المقابل، لم تصدر إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، موقفًا صريحًا، ما يعكس طبيعة الاتفاق غير الرسمية، وربما رغبتها في الإبقاء على هامش للمناورة التكتيكية.
ورغم أهمية هذا الاتفاق كخطوة تهدئة، إلا أن هشاشته واضحة. فغياب إطار قانوني ملزم، واستمرار الخلافات الجوهرية بين الطرفين، يشيران إلى أن الهدنة قد تكون مؤقتة، ما لم تُتبع بخطوات أوسع تشمل الحل الشامل للملف اليمني. كما أن استقرار البحر الأحمر سيبقى مرهونًا بمدى التزام الأطراف وعدم وقوع “خروقات عسكرية” في المدى القريب.
يبقى الاتفاق غير المباشر بين الحوثيين وواشنطن محطة اختبار حقيقية لقدرة الدبلوماسية الإقليمية، ممثلة في سلطنة عُمان، على نزع فتيل الأزمات. لكنه، في النهاية، مجرد خطوة أولى، تحتاج إلى جهود أعمق وأكثر شمولًا لإحلال السلام في اليمن، وضمان ألّا يتحول البحر الأحمر إلى ساحة حرب مفتوحة.