بعدما واروا جثمانه الثرى انصرف المودعون ، و شيئاً فشيئاً نسوه ، لم يعد يذكره أحد فكراسي المناصب دوارة ومن يدورون حولها ينصب اهتمامهم على من يمتطيها فقط .
أما من ترجل عنها فهو ماضٍ مرفوع على رف النسيان ، يعلوه غبار الجحود
لم يعد يرد ذكره إلا لُماماً و كأنما كأن تمثالاً من ملح ذاب بالتدريج . هذه هي العلاقات في زماننا .
و في حين أن الوفاء قد أصبح مُرادِفاً آخر للمستحيل و مسميات آخرى يتنصل منها الكثيرون ، شخص ما بقي وفياً بصمت .
أشهر مضت ولا تزال صورة الراحل تتصدر احدى غرف الدائره التي كان يعمل فيها منذ أشهر فيكاد يُخيل إليك أنه قد أتى من زمن آخر يرفُلُ بالطيبة ويحكمه الوفاء .
لا تستهجنوا تعجبي فنحن جميعاً نعلم أن الأواصر قد أصبحت ضعيفة بين ذوي القربى ناهيك عن اشخاص ربطتهم علاقة عمل .
ربما ربطتهما صداقة قوية ، و ربما هي مجرد علاقة عمل رسمية ، لكن من المؤكد أن هذه العلاقة لم تحكمها المصلحة الشخصية وإلا كانت قد انتهت بمجرد إلقاء آخر حفنة من التراب على قبر الراحل “رحمه الله “.
اليوم أدركت أن للوفاء أهله . وأن البعض لا يزال يحمل لواءه .
أيقنت ايضاً أنه لا يزالُ للطيبين مكان هُنا .. و اننا وإن بحثنا عن الخير ولم نجده ، فالمهم أن يجده الاخرون فينا
فالخير باقٍ في الدنيا حتى تقوم الساعة .
اليوم أدركت أن ايامنا لا تزالُ حبلى ..
و قد تنجبُ يوماً
الخل الوفي .
الدكتور
يوسف السعيدي