🖋 لطالما كان التعصب والنَفَس الطائفي وراء تمجيد وتقديس مجرمين لا يستحقون التبجيل .. بل وشتم وإتهام مَن لا ذنب له سوى كونه ليس على دين السلاطين ..
🖋 كم غطى التعصب على منجزات رجال ، وكم أخفى التاريخ قذارة آخرين !
🖋 صلاح الدين الأيوبي هو واحد من أولئك الذين قُدّسوا بغير وجه حق ، سوى أنّه أوغل في إستئصال التشيع في مصر !
🖋 نعم أنَّ السيوف لم تُشهَر دائماً إبتغاء مرضات الله ، بل أنَّ أغلب السيوف التي شُهرت في الإسلام كانت لتثبيت أركان الطغيان ، وتُزَخرَف للخداع بمقولات إسلامية ..
🖋 تُدْعى الخيول لقتال الحسين بلسان : " يا خيل الله أركبي وبالجنة أبشري "
مع أنَّ الهدف الحقيقي :
" إملئ ركابي فضة او ذهبا .. إنّي قتلتُ السيد المهذبا .. قتلتُ خير الناس أمّاً وأبا " !!
🖋 أمام كل هذا التزييف نبقى بحاجة ماسة الى التحرر من أوهام كثيرة حوَلّها التاريخ المرتشي او المتعصب الى حقائق .
🖋 نحن بحاجة دائمة الى إعادة قراءة التاريخ ؛ لكشف التضليل والتزييف المُقرف الذي حوّل جبناء الى أبطال ، ومجرمين الى صالحين وبالعكس ..
🖋 المقطع التاريخي الذي أُريد أنْ أتوقف عنده هو سقوط الدولة الفاطمية ، وهي دولة شيعية ينتسب قادتها الى السيد محمد بن السيد اسماعيل بن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
وقد حكمت مصر والمغرب العربي وبلاد الشام والحجاز ، بين عامي ( ٢٨٦ _٥٦٧ هج ) .
أي أنّها حكمت ما يقرب من ثلاثة قرون ، ولها إنجازات ضخمة هناك .
🖋 يكفي أنْ نذكر منها تأسيس الأزهر الشريف ، الذي أُشتق إسمه من إسم الزهراء ( سلام الله عليها ) ، وهو لم يزل منارة علم في مصر العزيزة .
بل هم الذين بنوا وأسسوا مدينة القاهرة ( ١ ) .
🖋 الذي أستفزني ودعاني للكتابة في ذلك أمران :
أولهما وأهمهما :
أنَّ الشيعة مع أنّهم يعرفون أنَّ الآخر يختلق الفرص ليمعن فيهم قتلاً وتعذيباً وإستئصالاً ، ومع ذلك وفي كل مرة هم مَن يُخدعون ويصدقون بإخلاص الذئب فيدخلونه الى بيوتهم .
وثانيهما :
أنَّ المؤرخين في تحليلهم لعدم إنتشار التشيع في مصر ، مع أنَّ الشيعة حكموها لقرون ، يُخْفون حقيقة إجرام الأيوبي ويدّعون أنَّ سبب ذلك هو أنَّ الأمراء الفاطميين لم يكونوا مهتمين بنشر التشيع ، وكان كل هدفهم السلطة لا غير ، وهو أمر يجانب الحقيقة بمسافات .
🖋 يعتبر كثير من المؤرخين أنَّ بداية إنهيار الدولة الفاطمية وسقوطها كان لسببين :
الأول : هو الخلافات والتنافس على السلطة بين الأمراء الفاطميين أنفسهم، وهو السبب الرئيس الذي أغرى بهم اعداؤهم .
الثاني: الوثوق والإغترار بمَن لا يُوثَق به ، وطلب المعونة ممَن لا يرعوي عن إستئصال التشيع متى سنحت له الفرصة .
🖋 وما نريد الوقوف عنده الآن هو السبب الثاني ؛ لحاجتنا لذلك في المقطع الزمني الذي نعيش فيه لأخذ العظة والعبرة .
🖋 نعم ، عندما تقام دولة على مخلفات دولة تضيع حقائق وتبرز أباطيل وتموت عقائد وتحيا مذاهب ويذهب فقهاء ويأتي أدعياء !
🖋 وبسقوط الدولة الفاطمية وتأسيس الدولة الأيوبية غُيّبت حقائق وضُيّعت عقائد وارتفعت رايات وطويت أخرى .
ومع ذلك ومن بين السطور يستطيع المنصف أنْ يشم رائحة الغدر .
لايعرف الناس عن صلاح الدين الأيوبي ( يوسف بن أيّوب ) سوى قتاله للصليبيين ، مع أنّه هادنهم بعد ذلك !
🖋 والوجه القذر والمخفي من القصة هو :
أنّه في اوآخر الدولة الفاطمية وبعد ضعفها نتيجة الصراعات بين قادتها، انسلخت الشام عن الدوله الفاطمية ، وتسلط عليها نور الدين محمود زنكي ( ٢ ) ، وعادت تابعة الى بغداد عاصمة الدولة العباسية ، المريضة ايضاً بصراعاتها .
وفي مصر كان الصراع محتدماً للفوز بمنصب الوزير بين الأمراء .
فأستنجد الوزير شاور ( ٣ ) بوالي الشام نور الدين زنكي لأجل تثبيت الوزير في منصبه ، مقابل أنْ يكون لنور الدين ثلثا إيرادات مصر !
وقيل أنَّ الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله ، وهو آخر الخلفاء الفاطميين ، بعد أنْ رأى أنَّ مصر ستتعرض لهجوم صليبي بالتنسيق مع الوزير شاور ، هو الذي أستنجد بنور الدين محمود زنكي لمساعدته في صدِّ ذلك الهجوم .
ومن هنا بدأت القصة ..
قصة دخول صلاح الدين الأيوبي على خط التآمر ومن ثم إسقاط الدولة الفاطمية .
كان ذلك في عام ( ٥٦٤ ) هج ، الى أنْ أستولى على الحكم تماماً بعد وفاة الخليفة الفاطمي العاضد او إغتياله عام ( ٥٦٧ ) هج ، بتدبير من صلاح الدين نفسه !
وبين هذين العامين وبعدهما كانت هناك دماء ومآس وقصص .
🖋 يروي المقريزي :
أنّه لمّا أستنجد الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين محمود زنكي لمساعدته في صدِّ هجوم للصليبيين عن طريق وزيره ( شاور ) المتآمر معهم !
فجَهّز زنكي شيركوه ( ٤ ) ومعه صلاح الدين الأيوبي وسيّرهم الى مصر مع جيش كبير .
وبعد قتل شاور بمكيدة من قبل صلاح الدين .
نزل شيركوه القاهرة فأكرمه العاضد وقلّده الوزارة لكنه توفي بعد شهرين وخمسة أيام .
🖋 وبعد وفاة شيركوه قلّد العاضد الوزارة لصلاح الدين الأيوبي ، يوسف بن أيوب ، ومن هنا بدأ الغدر !
⁃ اذ عمل الأيوبي من اللحظة الأولى لنفسه فبذل الأموال وأضعف العاضد بإستنفاد ما عنده من المال ، ولم يزل أمره في إزدياد وأمر العاضد في نقصان .
⁃ وأقطع أصحابه البلاد ، وأبعد أهل مصر وأضعفهم ، وأستبد بالأمور ومنع العاضد من التصرف ، وتتبع جند العاضد وأخذ دُور الأمراء فوهبها لأصحابه .
⁃ هدم دار المعونة وأقام بدلها مدرسة للشافعية .
⁃ عزل القضاة الشيعة ، وقلّد القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعي ، وعزل سائر القضاة في الأقاليم واستناب قضاة شافعية .
⁃ ثم قبض على سائر مَن بقي من أمراء الدولة وأنزل أصحابه في دورهم في ليلة واحدة .
⁃ وتحَكَم أصحابه في البلاد والعباد .
⁃ أسقط من الآذان حي على خير العمل .
⁃ أحرق نفائس الكتب التي كانت بدار الحكمة ودار العلم ، وأغلق الجامع الأزهر .
يروي المقريزي :
أبطل صلاح الدين الخطبة في الجامع الأزهر ، فلم يزل معطلاً عن إقامة الجمعة فيه مئة عام منذ صلاح الدين إلى بيبرس ( ٥ ) .
ولشدة الطغيان تَخَفى الناس من تلك السنة بمذهب مالك والشافعي .
واختفى مذهب الشيعة .
🖋 هذه هي ملامح الإنقلاب الأيوبي في مصر ، ذلك الإنقلاب الذي باركه الفقهاء والمؤرخون " العرب " واعتبروه من الفتوحات ؛ لا لشئ إلّا لأنَّ الفاطميين شيعة !
🖋 [ إستئصال الشيعة ]
بعد أنْ أسقط صلاح الدين حكم الفاطميين وأمسك بزمام الأمور في مصر استدار نحو الشيعة ليستأصلهم من الساحة هناك .
القضية كما هي واضحة فلو كان الأمر يتعلق ببعد سياسي لأكتفى بتصفية الفاطميين كحكم وسلطة ، لكن صلاح الدين لم يكتف إلّا بإستئصال المذهب ذاته والبطش بالشيعة بكل الوسائل والسبل الإجرامية .
🖋 ولو كان الشيعة وقتئذ أقلية كما يُدّعى لما تطلب الأمر من صلاح الدين أنْ يتطرف في مواجهتهم إلى هذا الحد .
و لو لم يكن وزن الشيعة ووجودهم مؤثراً لما كان هناك داعٍّ لكل هذا البطش .
والتبرير جاهز ..
أنَّ الشيعة روافض وزنادقة ، وفي إبادتهم نصر للدين وتقرب إلى الله سبحانه !
🖋 يقول المقريزي :
حمل صلاح الدين الناس جميعاً على عقيدة الأشعري في مصر وبلاد الشام ومنها إلى أرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب حتى أصبحت العقيدة الأشعرية هي العقيدة السائدة ، ومَن خالفها تُضرب عنقه .
وسلّم صلاح الدين الفاطميين وأتباعهم الى خادمه قراقوش ( ٦ ) فعزل الرجال عن النساء ليكون ذلك أسرع الى إستئصالهم .
🖋 الغريب أنَّ ابن خلكان كتب : أنَّ هذه الفعلة من أشرف أفعاله فلنعم ما فعل ؛ فإنَّ هؤلاء باطنيون زنادقة .
ويعرب ابن خلكان عن فرحه وسعادته البالغة بمنجزات صلاح الدين بقوله : وأضحى الدين واحداً بعد أنْ كان أدياناً ، والبدعة خاشعة ، والجمعة جامعة .
والمذلة في شيع الضلالة شائعة !
ويقول آخر :
وأخذ صلاح الدين في نصر السنة وإشاعة الحق وإهانة المبتدعة والإنتقام من الروافض وكانوا بمصر كثيرين .
🖋 وكان من نتائج السياسة الدموية التي اتبعها صلاح الدين في مواجهة الشيعة أنْ هرب الشيعة إلى الشام وجنوب مصر ليبتعدوا عن بطشه .
🖋 بل يروي إبن الأثير محاولات من المصريين للتخلص من جبروت الأيوبي ، يقول :
غضب أهالي جنوب مصر ، السودان ، ونهضوا لحرب جيش صلاح الدين ، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم بالمنصورة فأحرقها على أموالهم وأولادهم ، وحاصرهم وأُعطوا الأمان فخرجوا الى الجيزة ، فعبر اليهم شمس الدولة أخو صلاح الدين الأكبر في جيش كبير فأبادهم بالسيف ولم يبق منهم إلّا القليل الشريد .
🖋 وفي سياق روايته أحداث عام ( ٥٧٢ ) هج ، يكتب ابن تغري : وفيها كان مقدم السودان من صعيد مصر ، في مئة ألف ليعيدوا الدولة الفاطمية ، فخرج إليهم أخو صلاح الدين الملك العادل بمَن معه من عساكر مصر فكانت بينهم واقعة هائلة وقُتل كبير السودان ومن معه .
🖋 وفي نفس العام أيضاً وقعت ثورة أخرى في مدينة قفط بصعيد مصر أرسل لها صلاح الدين أخاه على رأس جيش ضخم فقتل من أهلها ثلاثة آلاف ، وصلبهم على شجرها بعمائمهم .
📌 يا زعماء الشيعة ..
ألا من قارئ لهذا التاريخ متعظٍّ منه قبل فوات الأوان ؟!!
******
( ١ ) بناها القائد الفاطمي جوهر الصقلي بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، ودخلها المعز عام ( ٣٦٢ ) هج ، وأسماها ( القاهرة ) ، وقيل أنَّه أسماها بذلك تبركًا بالكوكب القاهر ، الذي هو كوكب المريخ المعروف .
( ٢ ) كتب شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ( ت : ٧٤٨ هج ، سيَر أعلام النبلاء ، الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروت ، الطبعة : التاسعة ، ج ٢٠ ، ص ٥٣٢ ، في سيرة نور الدين : محمود بن عمادِ الدِّين زَنْكِي ( ت : ٥٦٩ هج ) ، صاحب الشام . كان الصليبيون قد هجموا على بلاد المسلمين .
فجهز نور الدين جيشاً بقيادة أسد الدين شيركوه ، فافتتح مصر ، وقهر دولتها " الرافضية " ، وهربت منه الفرنجة ، وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين ، ثم لصلاح الدين ، فأباد العبيديين واستأصلهم ، وأقام الدعوة العباسية .
[ العبيديون : إسم آخر للفاطميين نسبة الى مؤسس السلالة عبيد الله المهدي بالله ] .
( ٣ ) شاور بن مجير السعدي وزير الخليفة الفاطمي في عهد الحروب الصليبية .
قيل : هو الذي طلب مساعدة والي الشام نور الدين زنكي للحفاظ على منصبه في صراعه مع أمراء آخرين ، فأرسل الأخير شيركوه وصلاح الدين الأيوبي الى مصر لمساندته .
وقيل : أنّه في صراعاته كان يستقوي أحياناً بالصليبيين .
قتله صلاح الدين بمكيدة .
( ٤ ) هو أسد الدّين شيركوه ، قائد جيش الشام ، وهو عمّ صلاح الدين الأيوبي .
( ٥ ) ركن الدين بيبرس ، لُقّب بـأبي الفتوح ، سلطان مصر والشام ، ورابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي ، كان مملوكاً يباع في الأسواق ، وانتهى به الأمر سلطاناً ، ( ت : ٦٧٦ هج ) .
( ٦ ) قراقوش : أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي ، الملقب بهاء الدين ، كان خادماً لصلاح الدين الأيوبي ، وكان يعتمد عليه كثيرا ، ( ت : ٥٩٧ هج ) .
مصادر المقالة :
١. إبن الأثير ، الشيباني ، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم ، ( ت : ٦٣٠ هج ) ، الكامل في التاريخ ، دار صادر للطباعة ، بيروت .
٢. إبن خَلِّكَان ، شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ، ( ت : ٦٨١ هج ) ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، الناشر : دار الثقافة ، لبنان .
٣. الحنفي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري ، ( ت : ٨٧٤ هج ) ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، الناشر : مطبعة دار الكتب المصرية .
٤. السيوطي ، جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : ٩١١ هج ) ، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ، دار إحياء الكتب العربية .
٥. المقريزي ، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ، ( ت : ٨٤٥ هج ) ، المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار ، المعروف بالخطط المقريزية ، مكتبة مدبولي ، مصر ، ط ١ .
٦. الورداني ، صالح ، معاصر ، مصري ، من إسرة شافعية المذهب ، وهو من المستبصرين ، من كتابه : الشيعة في مصر .