الدكتور حسين الاسدي
امتازت موازنة عام ٢٠٢٣ بالزيادة بعجزها فقد بلغ (٦٤ ترليون د.ع) بزيادة عن موازنة ٢٠٢١ تقدر بـ(٣٦ ترليون د.ع) والذي يشكل (١٨٪) فارقاً بين الموازنتين فهو يساوي (٣٢٪) من مجموع الموازنة الكلي المقدر بـ(١٩٩ ترليون د.ع) وهنا لابد من دق ناقوس الخطر حيث ان زيادة العجز في الموازنة العامة يعني زيادة الديون العامة فعندما يتراكم العجز المالي، تضطر الحكومات إلى الاقتراض لتمويل النفقات الزائدة وهذا يؤدي إلى زيادة الديون العامة، مما يزيد الضغط على الموارد المالية في المستقبل ويزيد تكلفة الفوائد على الديون، زيادة الديون العامة يمكن أن تؤثر سلبًا على التوازن المالي للحكومة وتقلل من قدرتها على تنفيذ السياسات الاقتصادية وتحفيز النمو الاقتصادي كما تؤدي زيادة الديون العامة إلى تدهور التصنيف الائتماني للبلد وترفع تكلفة استدانته في المستقبل وهذا واضح في موازنة ٢٠٢٣ حيث ان طريقة سداد العجز يتم من خلال الاقتراض وكذلك زيادة العجز يؤدي الى تضخم النقد فيلجأ البنك المركزي لأجل تمويل العجز المالي الى طباعة المزيد من النقد، وهو ما يزيد من الكمية المتداولة من النقد فتضخم النقد يعني زيادة المعروض النقدي في الاقتصاد بشكل غير متناسب مع زيادة السلع والخدمات الفعلية المتاحة وهذا يؤدي إلى زيادة التضخم، حيث يزيد الطلب على السلع والخدمات وترتفع أسعارها.
تضخم النقد يؤثر سلبًا على الاقتصاد بعدة طرق. فبزيادة الأموال المتداولة، تقل قوة الشراء للعملة الوطنية وترتفع أسعار السلع والخدمات كما يؤدي تضخم النقد إلى عدم الاستقرار المالي وتدهور القيمة الحقيقية للمدخرات والاستثمارات بالإضافة إلى ذلك، يترافق التضخم مع عدم الثقة في العملة الوطنية ويزيد من التوتر الاقتصادي والاجتماعي.
وهذا ما يحصل فعلاً حيث نلاحظ التلاعب بالقيمة النقدية للدينار العراقي فتارة ترتفع قيمته وأخرى تقلل وكل ذلك لسد العجز الحاصل في الموازنة العامة ومن الطبيعي فقدان الثقة بالعملة الوطنية وهروب المستثمرين والشركات من البلد، لذلك زيادة العجز المالي التي تؤدي إلى تضخم النقد فتتشكل مشكلة خطيرة تؤثر على استقرار الاقتصاد وقدرة الحكومة على تحقيق التوازن المالي والاقتصادي والنتيجة الطبيعية هي ضعف الاستثمار والنمو الاقتصادي فزيادة العجز المالي يعني تخصيص موارد مالية إضافية لسد العجز، وبالتالي يقلل من الاستثمار في قطاعات أخرى مهمة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية فينتج ضعف الاستثمار إلى تقليل النشاط الاقتصادي وتأثيره سلبًا على النمو الاقتصادي.
عندما يقلل العجز المالي من إمكانية الحكومة في استثمار الموارد في مشاريع تنموية، ينخفض الإنتاج الاقتصادي ويتباطأ النمو الاقتصادي، فيؤدي الى ضعف الاستثمار وفقدان فرص العمل وتدهور الظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة كما أنه يقلل من قدرة الاقتصاد على المنافسة وجذب الاستثمارات الأجنبية المهمة لتعزيز النمو وتحسين الظروف الاقتصادية، بصفة عامة، زيادة العجز المالي في الموازنة العامة ينطوي على خطورة على النظام المالي والاقتصاد الوطني، ويؤثر سلبًا على الديناميكية الاقتصادية والاستثمارات والنمو الاقتصادي، مما ينعكس على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد والمواطنين فتأتي زيادة الأعباء الضريبية حيث هي مرتبطة بزيادة الإنفاق الحكومي وبالتالي زيادة الضرائب أو فرض رسوم جديدة لتمويل هذا العجز، ان زيادة الأعباء الضريبية تعني زيادة المبالغ التي يجب دفعها من قبل المواطنين والشركات كضرائب ورسوم وهي تزيد الأعباء الضريبية على المواطنين والشركات من التكاليف وتقلل من الدخل المتاح لديهم وتؤثر على القدرة الشرائية للأفراد وتقلل من الإنفاق الاستهلاكي، مما يؤثر على النمو الاقتصادي بالإضافة إلى ذلك، تؤدي زيادة الأعباء الضريبية إلى تحفيز التهرب الضريبي وتقليل الثقة بالنظام الضريبي.
ولذا لجأت الحكومة في موازنة ٢٠٢٣ الى الضرائب والرسوم فشملت في الجدول (أ) منها الضرائب على الدخول والثروات والضرائب السلعية ورسوم الإنتاج والرسوم كل ذلك لسد العجز الحاصل في الموازنة ، ان زيادة الضرائب أو فرض رسوم جديدة لتمويل العجز المالي يمكن أن تؤثر على القطاع الخاص وتعوق نشاطه الاقتصادي فعلى سبيل المثال، زيادة ضريبة القيمة المضافة على المنتجات والخدمات يمكن أن تزيد من تكلفتها للمستهلكين وتقلل من الطلب عليها وهذا بدوره يمكن أن يؤثر سلبًا على الشركات ويقلل من أرباحها وإمكانية استثمارها وتوسعها، فانخفاض الثقة وعدم الاستقرار الاقتصادي سببه زيادة العجز المالي في الموازنة العامة فانه يؤدي إلى انخفاض الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الشؤون المالية وتحقيق التوازن الاقتصادي عندما تواجه الحكومة صعوبات في تمويل نفقاتها العامة والخدمات الأساسية، فيؤدي ذلك إلى عدم الثقة من قبل المستثمرين والأفراد في الاقتصاد.
انخفاض الثقة يؤدي إلى تدهور الاستثمار وتأخر المشاريع الاقتصادية وتراجع النشاط الاقتصادي إذا لم يكن هناك ثقة في الاستقرار المالي والمؤسساتية للحكومة، يتردد المستثمرون في توجيه استثماراتهم ويميلون إلى تقليل النشاط الاقتصادي وهذا يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي وفرص العمل وتحسين الظروف الاقتصادية.
عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن زيادة العجز المالي يؤثر أيضًا على العلاقات الخارجية للبلد، فإذا كانت الحكومة غير قادرة على تلبية التزاماتها المالية، فانه يقلل من الثقة في البلد ويزيد من تكاليف الاقتراض الخارجي فيتعرض البلد لضغوط مالية خارجية ويواجه صعوبات في الحصول على التمويل اللازم من المؤسسات المالية الدولية.
ان انخفاض الثقة وعدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن زيادة العجز المالي يؤثر على الثقة في الحكومة والنظام المالي، مما يتسبب في تأثير سلبي على الاستثمارات والتجارة الداخلية والخارجية ويعتبر الاستقرار المالي والاقتصادي أحد العوامل الرئيسية التي تجذب الاستثمارات وتعزز النمو الاقتصادي.
عندما يتردى الاستقرار الاقتصادي بسبب زيادة العجز المالي، فإن المستثمرين والأفراد يصبحون أكثر ترددًا في الاستثمار في الاقتصاد المتضرر فانهم قد يعتبرونه بيئة غير مستقرة وغير مواتية للاستثمارات، مما يؤدي إلى تأخر المشاريع الجديدة وتراجع النشاط الاقتصادي العام، بالإضافة إلى ذلك، انخفاض الثقة قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يزيد من تكاليف الحياة ويضغط على القدرة الشرائية للمواطنين فيتعرض القطاع المصرفي لضغوط إضافية، حيث يصبح من الصعب توفير التمويل وتقديم القروض بسبب عدم الثقة في النظام المالي، بصفة عامة، انخفاض الثقة وعدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن زيادة العجز المالي يخلق دورة سلبية تؤثر على الاقتصاد بشكل عام فيتراجع الاستثمار والنمو الاقتصادي، وتتراجع الثقة وتتزايد التوترات المالية، مما يؤدي في النهاية إلى تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد ويخلق تأثيراً سلبياً على مستقبلها وهو امر لم تدركه الحكومات المتعاقبة فما زالت تجتر الأخطاء وتعيد الدورة الاقتصادية تلو الأخرى.