صمت رسمي… وذاكرة شعب ترفض النسيان
في مشهدٍ سياسيٍّ مشحون بالتناقضات، عاد إلى الواجهة اسم رافع الرفاعي، المفتي السابق لساحات الاعتصام في الأنبار، من دون تمهيدٍ أو توضيح رسمي.
عودةٌ أربكت المشهد الشعبي وأثارت عاصفة من التساؤلات: من سمح؟ ولماذا الآن؟ وهل هي مصالحة وطنية حقيقية أم صفقة سياسية غامضة تُدار خلف الأبواب المغلقة؟
من الميكروفون إلى الظل… ثم العودة بلا تبرير
الرفاعي، الذي كان أحد أبرز الأصوات التي أجّجت الخطاب الطائفي في مرحلةٍ حرجة من تاريخ العراق، اختفى بعد أن اشتعلت نار الفتنة التي ساهم في إذكائها بخطبه وفتاواه.
كان يحرض تحت شعار “الحقوق”، بينما كان يزرع الكراهية في قلوب العراقيين، ويقدّم الغطاء الديني لكل تمرّدٍ سياسي أو عشائري ضد الدولة.
واليوم، يعود الرجل دون إعلانٍ أو تبرير من الجهات الرسمية، وكأن ذاكرة هذا الشعب قد مُسحت، وكأن ما جرى بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ لم يكن سوى مشهدٍ عابر من فيلمٍ منسي.
صفقة أم مصالحة؟
في بلدٍ تكثر فيه “الصفقات السرية” وتختفي فيه الحقيقة بين سطور البيانات الباهتة، تبدو عودة الرفاعي جزءًا من مشروعٍ سياسيٍّ أكبر يُراد تمريره بهدوء.
فهل هي عودة برعاية إقليمية؟ أم بمباركة قوى داخلية تبحث عن توازنٍ طائفيٍّ مزيّف؟
الصمت الرسمي، وعدم صدور أي توضيح من الحكومة، يزيد الشكوك ويُغذّي المخاوف من أن العراق يُساق مرة أخرى إلى إعادة تدوير رموز الفتنة تحت عناوين براقة كـ”المصالحة الوطنية” أو “العودة إلى الصفّ الوطني”.
الشعب لا ينسى… والذاكرة ليست للبيع
العراقيون الذين دفنوا أبناءهم في الحرب على الإرهاب، لا يمكن أن ينسوا من كان يغذي النار بخطابه.
لا يمكن أن يُقنعهم أحد بأن من كان بالأمس يحرّض على الدولة، صار اليوم داعية سلام!
فالمسامحة لا تكون بلا اعترافٍ بالذنب، والمصالحة لا تُبنى على تغييب الحقيقة.
إنّ عودة الرفاعي بلا مساءلة، تعني أن الذاكرة الوطنية تُمحى، وأن تضحيات الشهداء تُختزل في جملة سياسية منمّقة.
الخطر في الصمت
إنّ أخطر ما في المشهد ليس عودة الرجل، بل صمت الحكومة والنخب السياسية والإعلامية.
فالصمت هنا مشاركة في تزييف الوعي، وتواطؤ مع مشروعٍ يريد إعادة خلط الأوراق في بلدٍ ما زال يترنح بين جراح الأمس وأوهام الغد.
ومن يسكت اليوم عن عودة رموز التحريض، سيجد نفسه غدًا أمام عودة وجوهٍ أشدّ ظلمةً وخطرًا.
كلمة للنخب
اليوم، يُمتحن وعي العراقيين.
إما أن يطالبوا بكشف الحقائق ومحاسبة من سمح بإعادة هذا الملف إلى الحياة،
أو يرضخوا لصمتٍ سيكلفهم مستقبلهم.
السكوت ليس حيادًا، بل قبولٌ بالمهانة.
وإن كانت ثمة “مصالحة” حقيقية، فلتبدأ بمصارحةٍ صادقة مع الشعب، لا بمصافحة من أيقظ الفتنة وتركها تأكل الجميع.
-إنذار
إنّ عودة رافع الرفاعي ليست حدثًا عابرًا، بل إنذارًا مبكرًا بأن الذاكرة الوطنية تتعرض للمحو المتعمد.
وإن لم تُواجه هذه العودة بالمساءلة والموقف، فسنستيقظ يومًا على مشهدٍ أسوأ… حيث يعود الجميع، ويُدان فقط من وقف يومًا في وجه الفتنة.