لم يكن الدستور وحده من زيفت حقائقه، لكنه كان الضحية الأكبر والأبرز، فمنذ إقراره وحتى كتابة هذه السطور رأينا بوضوح كم كان القفز على ثوابته وتبرّير نصوصه متاحاً ويسيراً، فمبدأ الشراكة والتوافق وتقسيم الوزارات والمؤسسات وغيرها الكثير الكثير، كلها شواهد وحقائق جلية، وبراهين قاطعة، على عدم الالتزام ببنوده وعهوده، وبالتالي وضع الدستور على رفوف النسيان مثلما وضع العراق في خانة التزييف واللامبالاة.
لا فرق عندنا أن اُلتزم بالدستور كونه وثيقة لها القول الفصل في حل النزاعات والخلافات والحروب الكلامية والتصريحات البربرية والتي يبدع بها قادة العراق الأفذاذ، لكنّ الفرق والعجب العجاب أنّ يكون الدستور بمثابة كلمات لا تغني ولاتسمن، ويخرج علينا سياسيو العراق الجديد بفكرة اللجوء إلى نصوصه لحل تلك الخلافات، هذه الفكرة هي بحد ذاتها استهلاك إعلامي ولفظي بائس، يتشدق بها أصحاب الأربطة ظناً منهم بأن الجمهور مازال يعيش في غياهب استلاب العقل، وكهوف التغفيل، والتسطيح الفكري، فمن قال لكم ولنا بأن الدستور هو المرجعية التي تحكم بالعدل؟!، ومن قال بأنه الكفيل بدرء المخاطر التي تحيط بالعراق؟!، هل صدقتم بعد أن عزفتم هذه الأكذوبة وتريدون إرغامنا على تصديقها، وانتم تعلمون قبل غيركم بأن المحاصصة هي خرق واضح وجريمة لا تغتفر بحق الدستور، طيب لماذا الإصرار على تلك المعزوفة؟، هل مازلتم مقتنعين بأن تصديقنا لتلك "الحدوتة" يعني بأننا سنلتمس لكم غطاءً قانونياً ومنطقياً يبعد عنكم التساؤلات الحقيقيّة؟.
لا تستهلكوا كثيراً بترديد تلك الأنشودة، ولا تسهبوا، وتصطلحوا، وتبحثوا، وتتقولوا، ويرمي بعضكم الآخر بتهمة خرق الدستور، فالكل يعرف وحتى "مغفلينا" بأن دفة الدولة تدار بمبدأ "شيلني وشيلك"، وبمبدأ التوافقات، والمحاصصات، والتقسيمات، والتسويغات، والتبرّيرات، والتلميعات، "وخذ وهات"، فأنتم وقبل غيركم يعرف كيف تحل المشكلة، فحلوها وارحمونا من كذبكم غير المقنع، والسلام.