لعبة الحية والدرج (السلم والثعبان) تحمل فلسفة حياتية يستشعرها لاعبوها على مختلف شرائحهم ومواطنهم، من ينظر اليوم إلى واقع العملية السياسية في العراق لا يتوانى لحظة عن ربطها برقعة تلكم اللعبة التي تكاد أن تكون لعبة شعبية عالمية.
لم تكن نوازع السذاجة أو الجهل أو الخنوع هي التي أوصلت دفة السلطة في العراق إلى مترئسيها في -الوقت الراهن- بل هي رغبة الخلاص من صخرة الدكتاتورية والظلامية التي جثمت عقوداً من الذل والحرمان على صدر المواطن (عديم الحيلة)، فبعد أن أثخن جسد العراق بطعنات حروب أكلت زهرة شباب هذا الشعب المبتلى، اقتلع المواطن أشواك الخيبة بأصابع الأمل والتمسك بالبقاء - وهي ذات الأصابع التي تلونت بصبغة الحسم والإصرار في محابر الصبر- وسارَ في مسالك تحديد المصير الانتخابية في دورات ثلاث، إلا أن (كناغر) المحاصصات الفئوية والكتلية وثبت على سلم طموح المواطن الذي لا يرغب بأكثر من حياة كريمة تساوي بينه وبين أشقائه من الدول العربية أو الدول المجاورة.
حين يرمى (نرد) المماحكات السياسية من قبضة محترفي (لَكْمِ) الإنجازات الوطنية الخلاصية تتأرجح مصائر الشعوب بين سلم الاقتراب من تحقق منجزاتهم الإنسانية الواقعية و(فم الثعبان) الذي لا يكتفي ببلع طموحاتهم بل يقذفهم بطرف ذيله في مهاوي التناحرات السياسية التي لا ترعى (إلاً و لا ذمة) في من أوصلهم إلى سدة الحكم.
ربّما يكون لهذا (المقال) هدف البوح بخوالج النفس التي عافت الخوض في مدلهمات (السيسنة) المعاصرة التي لا تمت إلى ارض السياسة بصلة، إلا إن ما فتق رغبة التسطير بقلم الحرقة والألم، تلكم الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس الأعلى الإسلامي (عمار الحكيم) في الاحتفال المركزي لذكرى ولادة الإمام الحجة ( عجل الله فرجه)، وللأمانة (السيد عمّار الحكيم) ليس هو الوحيد الذي يشغل حيز الاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية بمساحة التشخيص لعلل العملية السياسية العراقية التي تقف – بعد عقد من الزمن- على حافة العودة إلى (المربع الأول )، إلا أن ما شدني في هذه الكلمة تلك البنود التي تفصح عن أجندة المعالجات الايجابية التي تسهم في إخراج العراق من عنق زجاجة ما يسمى (بسحب الثقة) والتي تمثل رماداً يذر في أعين من يحاول (البصبصة) في منظومات الفساد المستشرية بين أوصال الكتل المختلفة الأجندات والمخالفة الإدعاءات.
إنّ من يدقق النظر في واقع الحراك السياسي للكثير من الكتل المتشاركة في تحديد مصير الواقع الدولي للعراق يلحظ بشكل جلي عمق الهوة التي أنتجتها خلافاتهم ومخالفاتهم المتكررة، وهذه الهوة مرتكزها الأساس ابتعادهم عن أهم مفردات المشروع الإصلاحي الذي تردد صداه في كلمة سماحة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي: (الواقعيّة، المصداقية ، الجدية).
الواقعية: ضمان حقيقي يكفل تعايشاً عملي مع طبيعة البيئة التي تشكل موطن المعالجة بعد تحديد العلة وهي ما يفتقر إليه النظام السياسي العراقي منذ أزله ولحد الآن، فالأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق دأبت منذ أولياتها إلى الابتعاد عن واقع الشعب والتعامل معه على هذا الأساس.
ولا تقل المصداقية التي تعقب الواقعية أهمية في تراتبية المعالجة الحقة من حيث مواكبتها لضمان كسب الثقة من قبل جمهور المستفيدين من تلكم الانجازات، وهذا ما لم تتوصل إلى تحقيقه الغالبية العظمى من الأنظمة السلطوية في العراق.
أما الحديث عن الجدية فله شجونه التي لا تبدأ إلا وتنتهي زفرات حرقة تعتمرها صدور عامة الشعب الذي لم يلمس جدية فعالة منذ ألف السقوط والخشية أن لا يلمسوها حتى يائها.
الواقعية بحتميتها، والمصداقية بلزوميتها، والجدية بأهميتها ثوابت يتبناها المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ويدعو إلى بثها في أوصال العملية السياسية العراقية، وتشكل علاجاً ليزرياً فعالاً يحمي تلكم العملية من قيصريات قد تؤدي بلا شك إلى وفاتها مع أول مشرط جراحة يجريها معالج مبتدئ، ولكنّ نرد المصالح، وثعبان التكتلات، وسلم إنزال المواطن من على مبتغيات الوصول إلى الفتح المبين، رقعة حراك تأبى العملية السياسية إلا التمركز فيها.
قد لا يتمكن المتمني من تحقيق أمنياته التي ترفد حياته ببقايا أمل لمواجهة واقعه المبتعد عن مصداقية زعامته وجديتهم، إلا أن مساندة دعاة هذه المفاهيم القيمية الإنسانية تشكل عتبة خلاص قد تسفر في يوم من الأيام الولوج إلى عالم التمنيات اللامستحيلة في واقع السياسة المتلاشي.