مازالت المعارك مستمرة في مدينة حلب بين الجيش السوري والمسلحين الذين يريدون اسقاط النظام ، وقد تغلغلوا في المدينة وجعلوا سكانها دروعا بشرية امام اي هجوم حكومي متوقع ، تعد حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا ، وهي متاخمة لتركيا واذا احتلها المسلحون سيفتحون طريق امدادات مباشر عبر الاراضي التركية ، ويرى بعض المراقبين ان دور حلب في المعركة القائمة يشبه دور مدينة بني غازي في معركة اسقاط نظام القذافي في ليبيا ، منها يمكن تشكيل جيب خارج سيطرة دمشق وبحماية تركية ليكون ملاذا للمسلحين ، ولتشكيل حكومة مناوئة تقود الهجمات ضد الحكومة القائمة ، اذا ارادت حكومة الأسد البقاء فعليها ان تستعيد حلب بأي ثمن . كل ما يقال عن تطورات الربيع العربي يمكن ان يقال عن القضية السورية الا ان الفارق الاكثر اهمية ان سورية تخضع لسيناريو خاص يشبه السيناريو الذي نفذته القوى الدولية في العراق ، كل من العراق وسورية يتشابهان في بعض السمات الاستراتيجية التي تجعل منهما هدفا للقوى التي تريد الهيمنة على العالم ، كل من البلدين يقع في قلب الهلال الشيعي الذي يؤطر منطقة الشرق الاوسط ، والذي يجعل اسرائيل تعيش الهاجس التلمودي الموروث الذي يتنبأ بأن نهايتها على ايدي الشيعة ، فالمغزى الجغرافي لموقع البلدين يثير قلق اسرائيل ومن يواليها ، في وقت تريد تل ابيب ان تتزعم الشرق الاوسط الكبير الذي لا يعيقه فيها سوى وجود ايران والكتلة السكانية الشيعية الممتدة مع ساحل الخليج جنوبا صعودا الى سوريا ولبنان ، وكل من العراق وسورية يمتلك تاريخا متميزا في قيادة العالم العربي وبلورة احداثه ومواقفه المهمة وحفظ التوازن في المنطقة ، وكل منهما له تأريخه في مواجهة اسرائيل عسكريا وهما عمق الجبهة البرية لأي حرب عربية متوقعة ضد تل ابيب مستقبلا ، وكل منهما يتفاعل مع ايران وقضاياها وقادران على تشكيل منظومة مصالح مشتركة معها في المنطقة . نجحت القوى الدولية في تحويل العراق الى منطقة صراع هشة فاقدة الهوية مجهولة المصير ، منطقة فراغ جيوسياسي غير محسومة ومستعدة لقبول اي تدخل اجنبي ، العراق الآن بلد قلق فقير مهدم ينخره الفساد والارهاب وتزدهر فيه الطائفية السياسية ويفتقر الى الاستقلال ووحدته الترابية مهددة وحكومته مبعثرة وثروته مسروقة ، وهو غير قادر في ظروفه هذه على اداء اي دور خطير داخلي او خارجي ، والآن يريدون ان يحولوا سورية الى نموذج مماثل للعراق من التدهور الأمني والفقر والفساد وهيمنة التيار التكفيري ، كلا البلدين مهدد بالتقسيم لا حداث فراغ سياسي كبير في المنطقة لخدمة اسرائيل . بامكان الشعب السوري ان يقف بوجه هذا المخطط ويحافظ على استقلال بلده ووحدته ، صحيح ان مخططات القوى الدولية كبيرة ومدعومة بامكانيات كبيرة الا ان ارادة الشعوب هي الاكبر والاقوى دائما ، واذا استطاعت القوى الدولية انهاك الشعب العراقي وتغييبه عن التحولات التي تخص بلده فهي لن تستطيع فعل ذلك في سورية لأن الشعب السوري مازال في بداية الطريق وبأمكانه افشال المشاريع المشبوهة منذ الآن .