العصر العباسي
الاجواء الاجتماعية العامة
كانت البيئة الاقتصاديّة في تلك الفترة جيدة ممّا فسح مجالاً واسعاً للترف الذي كانت من نتائجه الانحطاط الأخلاقي وتعاطي الناس والأمراء المحرمات سرّاً وعلناً .
وتُحدِّثنا كتب التاريخ بأنّه تكاثرت الجواري والغلمان والانغماس في الخلاعة والمجون والتبذير في الطعام واللباس وأنّ الأمراء العبّاسيّين شجّعوا تعدّد المذاهب الإسلامية وأيضا انتشرت فلسفة التصوُّف في هذا العصر وكانت بغداد والبصرة والكوفة وحلب أهمّ مراكز الأدب العبّاسي بالإضافة إلى المدينة والفسطاط بمصر.
********************
ظهور أغراض جديدة للشعر والنثر
ظهرت أبواب جديدة من الشعر مثل الفلسفي والصرفي والتعليمي وقصص الحكايات إضافةً إلى الشعر الهزلي وقد كثر شعر الزهد والوصف كوصف الصيد وأنواع الأطعمة والبساتين والقصور وكذلك قوي شعر المدح والرثاء حيث أصبح بعض الشعراء في هذا العصر بوقاً للعظماء .
والملاحظ أنّ الخطابة ضعفت إضافة إلى الشعر السياسي وكذلك الغزل العذري وأيضا شعر الفخر والحماسة كما نلاحظ أنّ الهجاء أصبح أداةً للتكسّب ومن ناحية أخرى نرى أنّ فنون النثر تعدّدت فكان منها الرسائل الإخوانيّة في الشكر والعتاب والتعازي والتهاني إضافة إلى المقالات والمناظرات والعهود والقصص والمقامات وتمّ تدوين التاريخ في هذا العصر فعنى أصحابه بالأحداث والسِير وكثرت الترجمة فتدفّقت على العرب سيول الفلسفة اليونانيّة وغيرها.
********************
أهمّ الشعراء والادباء والكتّاب
ابن المقفّع : ت سنة ١٤٣هـ، كتابي( الأدب الصغير ,الأدب الكبير)
ابن هشام البصري ت سنة ١٥١هـ كتاب (السيرة النبوية)
بشّار بن برد: ت سنة ١٦٧هـ (مخطوطة شعريّة بالمكتبة الآصفيّة بالهند)
السيّد الحميري : ت سنة ١٧٣هـ (ديوان جمعه وحقّقه هادي شاكر)
الخليل الفراهيدي : ت سنة ١٨٠هـ (العروض)
سيبويه : عمرو بن عثمان ت سنة ١٨٣هـ (كتاب سيبويه)
رابعة العدوية : توفّيت سنة ١٨٥هـ كانت من أعيان عصرها
الكسائي : ت سنة ١٨٩هـ (معاني القرآن)
أبو نؤاس : ت سنة ١٩٨هـ ديوان شعر (الفكاهة والائتناس)
الفراء : ت سنة ٢٠٧هـ (المعاني)
أبو العتاهية : ت سنة ٢١١هـ (ديوان شعر اكثره في الزهد والمديح)
أبو تمام: ت سنة ٢٣٢هـ (ديوان وتصانيف عديدة)
ديك الجن: عبد السلام بن رغبان ت سنة ٢٣٥هـ (ديوان شعر)
ابن السكّيت: ت سنة ٢٤٤هـ ( اصلاح المنطق)
دِعبل الخزاعي: ت سنة ٢٤٦هـ وله ديوان شعر وهو شاعر جريء له مواقف شعريّة خالدة في حقّ أهل البيت(عليهم السلام).
الجاحظ: ت سنة ٢٥٥هـ (البيان والتبيين والبخلاء)
ابن الرومي : ت سنة ٢٨٣هـ (ديوان شعر اشتهر بالهجاء والرثاء)
البحتري : ت سنة ٢٨٤هـ (الحماسة واشتهر بالوصف)
ابن عبد ربّه : ت سنة ٣٢٨هـ (العقد الفريد وديوان شعر)
الفارابي : ت سنة ٣٣٩هـ فيلسوف (السيرة الفاضلة ورسالة العقل)
المتنبي : ت سنة ٣٥٤هـ يعتبر من أعاظمهم في التاريخ (ديوان باسمه)
أبو الفراس الحمداني : ت سنة ٣٥٧هـ (ديوان شعر)
الصاحب بن عبّاد : ت سنة ٣٨٥هـ (ديوان)(الفرق بين الضاد والظاء)
ابن جنّي : ت سنة ٣٩٢هـ (الخصائص في النحو)
الشريف الرضي : محمّد بن الطاهر ت سنة ٤٠٦هـ (خصائص الأئمّة وحقائق التنزيل، وديوان شعر) جمع خطب الإمام علي(ع) بنهج البلاغة
الشريف المرتضى : ت سنة ٤٣٦هـ (ديوان علم المرتضى)
أبو العلاء المعرّي : ت سنة ٤٤٩هـ (ديوان لزوم ما لا يلزم)
الزمخشري : ت سنة ٥٣٨هـ (أساس البلاغة)
********************
(نموذج للاطلاع) دعبل الخزاعي
هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، وُلد في الكوفة سنة ١٤٨هـ، عاصر من الأئمّة الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) فقد روي انه قال:
(دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي وَ مولاي عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا(ع) فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَرَأَيْتُهُ جَالِساً جِلْسَةَ الْحَزِينِ الْكَئِيبِ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ حَوْلِهِ فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ مَرْحَباً بِكَ يَا دِعْبِلُ مَرْحَباً بِنَاصِرِنَا بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ ثُمَّ إِنَّهُ وَسَّعَ لِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَنِي إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ قَالَ لِي يَا دِعْبِلُ أُحِبُّ أَنْ تُنْشِدَنِي شِعْراً فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ حُزْنٍ كَانَتْ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ َيَّامُ سُرُورٍ كَانَتْ عَلَى أَعْدَائِنَا خُصُوصاً بَنِي أُمَيَّةَ يَا دِعْبِلُ مَنْ بَكَى أَوْ أَبْكَى عَلَى مُصَابِنَا وَلَوْ وَاحِداً كَانَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يَا دِعْبِلُ مَنْ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ عَلَى مُصَابِنَا وَبَكَى لِمَا أَصَابَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَنَا فِي زُمْرَتِنَا يَا دِعْبِلُ مَنْ بَكَى عَلَى مُصَابِ جَدِّيَ الْحُسَيْنِ(ع) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ الْبَتَّةَ ثُمَّ إِنَّهُ(ع) نَهَضَ وَضَرَبَ سِتْراً بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِهِ وَأَجْلَسَ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ لِيَبْكُوا عَلَى مُصَابِ جَدِّهِمُ الْحُسَيْنِ(ع) ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا دِعْبِلُ ارْثِ الْحُسَيْنَ فَأَنْتَ نَاصِرُنَا وَ مَادِحُنَا مَا دُمْتَ حَيّاً فَلَا تُقَصِّرْ عَنْ نَصْرِنَا مَا اسْتَطَعْتَ قَالَ دِعْبِلٌ فَاسْتَعْبَرْتُ وَ سَالَتْ عَبْرَتِي وَ أَنْشَأَتُ)
لقد تربى في أجواء اُسرة موالية لأهل البيت(عليهم السلام) فهو شاعر شيعي مُلتزم شجاع فصيح .
ومن شجاعته انه تحدّى الخلفاء العبّاسيّين علناً وهجاهم وقد ضلّ بسبب قوة لسانه وهجائه يعيش الاضطهاد ومن شجاعته فَقد رُوِيَ أنَّه : قيل لدعبل : لماذا تهجو من تخشى سطوته ؟ قال : أنا أحمل خشبي على ظهري منذ خمسين سنة ، فلا أجد من يصلبني عليها » .
ويذكر التاريخ أنّ المتوكّل منع الناس من زيارة قبر الإمام الحسين(ع) فقال دعبل كلمته المشهورة:
زُر خيرَ قبر بالعراق يُزارُ واعصي الحمار فمن نهاك حمارُ
وقال في زمن المأمون وهو يهجو الرشيد الذي قد دفن قرب مرقد الامام علي الرضا ( عليه السلام ):
قَبرانِ في طوسِ خيـرِ الخَلقِ كُلِّهِمُ وقبـرُ شـرِّهِمُ هـذا مـن العبـرِ
ما ينفع الرِّجس من قُربِ الزَّكيِّ وما على الزَّكي بقرب الرِّجس من ضَررِ
وفي مقارنة هجائية بين العباسيين والامويين في ظلم الاثنين لأهل البيت(ع) من قتل أئمّة الاسلام وعلمائه والصالحين حيث يقول:
قتلٌ وأسرٌ وتحريق ومنهبةٌ فِعلُ الغزاةِ بأرضِ الروم والخَزر
أرى اُميّةَ معذُورين إن قَتَلوا ولا أرى لبني العبّاس من عُذرِ
دعبل له أشعار كثيرة ليس بالمدح السياسي فقط وإنّما قال الغزل اللطيف والرثاء وكان هجاؤه لم يسلمْ منه أحد من الحكام .
ومن أشهر شعره قصيدته التائية التي قالها في خراسان عند الإمام الرضا(ع) فقد روي عن ابي الصلت:(سَمِعْتُ دِعْبِلَ بْنَ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ أَنْشَدْتُ مَوْلَايَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا(ع) قَصِيدَتِي الَّتِي أَوَّلُهَا
مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلَاوَةٍ وَ مَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ الْعَرَصَاتِ
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِي
خُرُوجُ إِمَامٍ لَا مَحَالَةَ خَارِجٌ يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَ الْبَرَكَاتِ
يُمَيِّزُ فِينَا كُلَّ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ وَ يُجْزِي عَلَى النَّعْمَاءِ وَ النَّقِمَاتِ
بَكَى الرِّضَا(ع) بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ لِي يَا خُزَاعِيُّ نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ)
وتعد من أروع وأشهر قصائد الأدب الشيعي ومنها :
لآل رسول الله بالخيف من منى وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار عليّ والحسين وجعفر وحمزة والسجّاد ذي الثفنات
ثم يقول:
قفا نسأل الدار التي خف أهلها متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى أفانين في الآفاق مفترقات
ثم يقول:
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً وقد مات عطشاناً بشطّ فرات
إذن للطمت الخدّ فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يابنة الخير واندبي نجوم سماوات بأرض فلاة
قبور بكوفان، واُخرى بطيبة واُخرى بفخ نالها صلواتي
واُخرى بأرض الجوزجان محلّها وقبر بباخمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكيّة تضمّنها الرحمان في الغرفات
قبور ببطن النهر من أرض كربلا معرسهم منها بشطّ فرات
تُوفوا عطاشاً بالفرات فليتني توفيت فيهم قبل حين وفاتي
وآل رسول الله تسبى حريمهم وآل زياد آمنوا السربات
وآل زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات
ثم يقول:
فيا ربّ زدني من يقيني بصيرة وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي
سأبكيهم ما حجّ لله راكب وما ناح قمري على الشجرات
فيا عين بكيهم، وجودي بعبرة فقد آن للتسكاب والهملات
ثم يقول:
وآل رسول الله تدمى نحورهم وآل زياد آمنوا السربات
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم اكفاً عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد لقطع قلبي أثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كلّ حق وباطل ويجزي على النعماء والنقمات
سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم كفاني ما ألقى من العبرات
فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس ابشري فغير بعيد كلّ ما هو آت
وقد أشار إليها الولي الصدر في الخطبة الأولى من الجمعة الثالثة عشر فقال:
(فتكون الزهراء سلام الله عليها أفضل من التسعة المعصومين من أولاد الحسين بل حتى أفضل من الحسن والحسين أنفسهم مع علو شأنهم العالي (سلام الله عليهم) وهم يفتخرون الأئمة يفتخرون انها أمهم وجدتهم بالرغم من علو مقامهم فهي اولى بثبوت الصفات العالية لها منهم (سلام الله عليها وعليهم). فحين علمت بمقتل الحسين (سلام الله عليه) حزنت وهو قول الشاعر دعبل الخزاعي :
افاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشط فرات
اذا للطمت الخد فاطم عند واجريت دمع العين في الوجنات
الى ان يقول
افاطم قومي يا ابنت الخير واندبي نجوم سماوات بارض فلات
وانت لا يخفاك ـ قد يكون تقول ـ : بان دعبل يتخيل ويتوهم ان الزهراء (سلام الله عليها) تسمع هذا الكلام ؟ حبيبي .. هذا الكلام سمعه الامام الرضا (سلام الله عليه) لانه تلاه في محضره ولم ينكر عليه بشيء اقره واقرار الامام حجة، فليست الكلمة لدعبل (رضوان الله عليه) فقط بل للامام الرضا كأنها صادرة منه وهو خطاب للزهراء ونعلم انها ترد الجواب)
استشهد ظلماً وعدواناً عام ٢٤٦ هـ ، وأختلف في مقتله فمنهم من قال : أنه هجا الخليفة العباسي المعتصم فقتله ، وقيل : أُغتيل في منطقة السوس بعد أن هجا ابن طوّق التغلبي