يبدو أن التوسع السياسي للعرب المسلمين في عام ١٥ هجرية وما تلاه بقوة السيف والجيش كان باعثا للقلق والأرق لكثير من صفوة صحابة الرسول (ص) خاصة اولئك الذين بدأوا يدركون الخطر الذي تتعرض له ” الذات الاسلامية ” من المؤمنين بنشر الدين ببعديه التوحيدي والأخلاقي بالطريقة الانسانية والتي من شأنها كان أن تتسلل رويدا رويدا الى النفس البشرية ،،اؤلئك المؤمنون لعلهم ادركوا؛ أن الاسلام ماء نقي يغسل الناس من ادرانهم الحيوانية يسمو بهم الى الاخلاق الرفيعة لينالوا ثقة الله بأن يجعلهم خلفاء في الارض ،، اؤلئك الصفوة أدركوا أن الدم لسوف يزيد ادران الناس ،، و تلك ركامات حيوانية اخرى ...ومن هنا تعجلوا في ثلاثينيات القرن الاول الهجري لجمع القرآن الكريم خشية التلاعب بمفرداته وحركانه اللغوية لصالح الطموحات السياسية والمنافع المادية التي بدت واضحة وجلية بل وخطيرة على الذات الاسلامية في الربع الثالث من عمرحكم الصفوة " الحكم الراشدي" ..وحسنا فعل الأمام علي (ع) وحفظة القرآن آنذاك من كتابة القرآن الصحيح وكما هوعليه الآن ليجنبوه فاحشة التحرش السياسي به ،، بعدما نالت تلك التحرشات من سنة الرسول ،، بالرغم من أن أصحاب محمد (ص) ومستمعيه ومعاشريه مازالو أحياءا وأن نعل خاتم الآنبياء لم يبلى بعد " يومئذ "!!!…..ومما لاتراب عليه ولاطين أن ؛ منطقة الاسلام الصحيحة ماكانت ولازالت الا في عهد محمد (ص) نقيــة لاغير... كما أن تلك المنطقة كانت بلا شك أعلى قمة في الاسلام،،، قمة لم يصل أحد من بعده اليها .. على أن محاولات التسلق لتلك القمة من بعض تلاميذه ؛ لم يقدر لها التوفيق ..أولى تلك المحاولات كانت لفظةالخلافـة !!! ” فقد حاولت الحكومة ـ بضم الحاء ـبأطلاق عبارة عظيمة وخطيرة ،، كلمة ( خليفة رسول الله) على أول حكام العرب المسلمين لموازاة القمة المحمدية .. فخليفة رسول الله يجب أن يكون مستخلفا من رسول الله ،، وهذا ما لم يوصي به الرسول (ص) مطلقا .. فكانت تلك المحاولة الناجحة " دنيويا " أولى الخروجات من منطقة الاسلام الصحيح ..مما ترتب عليه فيما بعد دفع الاسلام الى المستنقع السياسي وتقبيحه ،، كما أن تلك المحاولة قد أسست لأن يكون لرسول الله خلفاء من الماجنين والشاذين كيزيد ابن معاوية صاحب أول حانة قدمها للتاريخ الاسلامي وأول جرأة سافلة على آل محمد " عليهم السلام " وأول من رجم البيت العتيق من المشركين والمسلمين وأول من فض بكارة حياء المدينة المنورة..وبأستخدام لفظة الخلافة المصطنعة للوجاهة السياسية والتي ارتدى ثيابها كل حكام الدولة الاسلامية ( راشدية وأموية وعباسية ) والتي كانت تفتقد وتفتقر لموافقة المستخلف أصلا ،، وما ترتب عليها من حقوق الهية بأسم الأسلام ( لخلفاء !!!! رسول الله ) .. قد فتح للقبح الأخلاقي ابوابا مشرعة لدخول البيت الاسلامي الصحيح والجميل .. بل والجلوس كأرباب بيوت في صدر ذلك البيت المهيب ……. ومنذ استخدام الخلافة بغير أذن صاحبها تحولت ( الحكومة )ـ بفتح الحاء ـ في عهد الاسلام الصحيح الى ( الحكومة) ـ بضم الحاء ـ في فترة حكم الصحابة ….بيد أن المغرب الاسلامي العربي والبربري قد عرف تلك الهفوة الدينية والسياسية فتجنبها لفظا ومعنى ودلالة حينما اسسوا كياناتهم السياسية المعروفة بدول الأئمة ( كالدولة الادريسية والتي كانوا أئمتها من الشيعة الأثنا عشرية وشعبها من الخوارج) وكذلك ( الدولة الصفرية ) و( الدولة الرستمية ) ولايمكن التغاضي عن الدولة الاموية الاندلسية في بواكير قيامها عندما كانت امارة اسلامية وجل شعبها من البربر،، الا انها وبعد اتساع الوجود العربي القريشي والشامي على حساب الوجود البربري اعلنت خلافتها لرسول الله من غير أذنه وموافقته ،، طبعا …..ومما لاشك فيه أن نظام الخلافة المزعوم كنظام حكم سياسي أداته ؛ الدين الاسلامي قد أهتم في بداياته بأدارة امور الدولة وشؤون الناس ،، بدلا من الاهتمام بنشر الفكر الاسلامي الصحيح مخالفا في ذلك بجزء منه أو بتمامه غايات محمد ( ص ) كما أرادها الله للناس أجمعين ..واذا كان هنالك من يقول أن الخلافة كانت دينية ( بصرف النظر عن شرعيتها) فأن محمدا (ص) قد كفّرّ وكذّب مسيلمة ولم يذهب لقتاله وبعث دعاته بالود والمحبة للأقوام الجزيرية ليبشروا بالدين ويقضوا بين الناس كحكماء وليسوا كحكام ويعلمونهم كيفية توزيع الصدقات والزكاة على فقرائهم ومحتاجيهم ،، يبشروهم بالاسلام ولايخيفونهم منه ،، ويفصلون لهم المعروف( العرف المقبول من الناس) ويرشدونهم كيفية ألأمربه لينالوا رضا الله ورضا الناس،، ويفصلون لهم المنكر ( ما تبغضه نفوس الناس) ويرشدونهم كيفية النهي عنه بالحسنى وباللين ليتجنبوا غضب الله وغضب الناس ….واذا كانت الخلافة سياسية ؛،، فمحمد(ص) لم يعين واليا ولا زعيما قبليا ولا أمينا للصدقات ولم يلزم قوما بعينه بتبعية سياسية في عموم شبه الجزيرة العربية ،، أو بأي معنى آخر للتبعية للمدينة المنورة .. حتى مكة بعد فتحها وتطهيرها من الدنس الوثني وهي كانت الغاية الأهم التي أرادها رب العزة من حياة ونبوة محمد (ص) ؛ فقد تركها كمدينة أو قرية لمجتمعها بدون التدخل بحياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية …وعلى العكس من رسالة رسول الله ؛”فأن الخلافة !!” أحالت الاقوام العربية في شبه الجزيرة تابعين للمدينة من الناحيتين الدينية والسياسية ، أولا ،،،، ثم ربطت شعوب و مدن الشام والعراق ومصر والشمال الافريقي بوثاق التبعية السياسية والدينية لمدينة يثرب ،، فعينت الولاة والعمال والقادة العسكريين وجباة الآموال والقضاة من قبل العاصمة يثرب ...وألأدهى والأمر من ذلك ؛ أن الوظائف المذكورة لم تكن من نصيب أهل تلك الدول بل كانت حقا حصريا لقريش .. . فهم الأمراء اينما حلوا .. فبالخلافة وحدها عادت قريش هذه المرة غير مكتفية بالزعامة الدينية للجزيرة العربية أيام الصنمية وشعائر الوثنية ،، بل تعدت الى زعامة سياسية ودينية معا في الجزيرة ونصف العالم القديم على الرغم من أن ٨٠% من القريشين أنذاك كانوا من المسلمين المرغمين على الاسلام ..وهذا ما لم يكن يريده محمد صاحب الخلق العظيم ولم يخطط له ولم يوصي به مطلقا ، وما تكليف أسامة بن زيد بقيادة الجيش لدرء الخطر الروماني الا وصية عملية على الارض ، على أن الناس سواسية وأكفأهم خيرهم في الأمارة .. وما الدين دولة عند محمد (ص) ولو كان الأمر غير ذلك؛ لقال لحشود المسلمين من المهاجرين والانصار والأعراب في غدير (خم) حينما كان يشير على علي (ع) : (اللهم أني خلفت علي فوالي من بايعه ؟؟)،، ولكنه ( ص) قال :ـ اللهم والي من والاه …… فالأمر بلاشك وكما أراده الحبيب (ص) للأمة بعده ومنهاجا للتذكير بالدين على الطريقة الاسلامية ؛ أن جعل الدين ولاية لكل المؤمنين وليس حصريا بالمسلمين، يتولى أمرها أكفأ المؤمنين علما وتقية وحبا لله و للناس بمختلف الوانهم .. ولاية ليس لها حدود سياسية ولاعواصم ولاجيوش ،، ولاية تقوم على أساس بث الفضيلة في الذات الانسية بقوة الاقناع والحجة والتبصير وبالسلوك الأنموذج وبالعدل .. لا خلافة تقوم على اساس تفضيل قريش واقصاء الانصار والأنتقاص من الأعراب و البقية ،، ولا على اساس نشر الجنود والأمراء والسلاطين في الارض بدلا من نشر فضيلة الاسلام الصحيح ،، خلافة جعلت من القرآن غمدا لسيوفها ،، خلافة استحلت حرية الناس فأحالتهم عبيدا ورقيقا واستلبت اموالهم واراضيهم،،، خلافـــــــــــــة ما أوصى بها الله أحدا من أنبياءه ولا محمدأ من بعده أحدا ……