وتمثل الدولة السلطة التي تعلوا على أي سلطة أخرى، كانت السلطة مجتمعة في شخص الملك حسب نظرية التفويض الإلهي بالحكم، ومن الأخطاء الشائعة، انه عندما يذكر مصطلح (تداول السلطة)، ينصرف الذهن إلى التداول السلمي للسلطة، لكن الأصح إن مصطلح التداول يعطي معنى عام، ويخصص بحسب ما يضاف إلية، فإذا قلنا تداول سلمي للسلطة، يكون سلميا وبالطرق الديمقراطية وخير وسيلة معبرة عنها الانتخابات وقطعا الديمقراطية بالاقتراع السري والنزاهة وعدم التزوير وعدم وجود المحددات والشروط، لان الدول الدكتاتورية والشمولية ايضا اجرت انتخابات!! ، واذا قلنا تداول السلطة عنفي ،يكون عنفيا بالانقلابات وغيرها من الاساليب التي تستخدم القوة، وكما ورد في نص ملحمي يروي قصة النزاع بين(اكا)و (كلكامش)، ووصل هذا النص مدونا على اثنا عشر قطعة من ألواح الطين ونصها:(أن رسل (اكا) شرعوا بالسفر من كيش إلى كلكامش في الوركاء)،وقد أرسل (اكا) وهو الملك الأخير لسلالة كيش الأولى، يطلب من كلكامش الاستسلام، وعلية فقد عرض كلكامش الأمر على مجلس الشيوخ والمحاربين في الوركاء وقد رفض مجلس الشيوخ مواجهة(اكا)، وعرض كلكامش الأمر على مجلس(رجال المدينة) والمحاربين وكان جوابهم :(لاتذعن لبيت كيش ولنضربه بالسلاح إن مدينة الوركاء من صنع يد الإلهة)، وتنتهي الملحمة بهزيمة(اكا)وجيشه ، حيث كان نظاما قائما على مشاركة(المواطنين)مع الحاكم في القضايا المصيرية، مثل إعلان الحرب، وذلك عندما استشار كلكامش مجلس الشيوخ والمحاربين في قضية الحرب ضد (اكا)، فالسلطة دائما يتم ربط عناصرها بالإلهة والكاهن والساحر والملك المتمثل بالفرعون أو القائد وصاحب المال ك(النمرود)، وبلعم بن باعورا الكاهن واستمر هذا النهج إلى يومنا الحاضر.
إن العراق اليوم يقف في مرحلة الانتقال إلى مرحلة التحول الديمقراطي، ولم يصل بعد إلى مرحلة النضج الديمقراطي، ولم يعش بعد المرحلة الديمقراطية، فلا تتحقق الديمقراطية بشكل اوتماتيكي أو استنساخي، وان تجربة البلدان المتقدمة ديمقراطيا وكما مثبت في التاريخ أن النظام الدستوري المدني قد سبق النظام الديمقراطي إلى الوجود بسنوات طويلة، فلم تصبح أنظمة أوربا ديمقراطية إلا بعد انتقال دستوري مدني، ثم مرحلة تحول ديمقراطي مدني، فالأساس هو دولة
الانتقال الدستوري المدني، أي دولة المؤسسات والقانون..دولة المواطنة، وهي دولة قوية بالمواطن ومع المواطن وليس ضد المواطن، ولا هي دولة هشة تحت رحمة الآخرين،وعراق اليوم يمر بمرحلة انتقالية صنعها تاريخ سيء هو تاريخ الشمولية، وينتظرها مستقبل صعب هو انجاز الديمقراطية، لذلك نراها تزدحم بالمتناقضات والمتغيرات، والتي نلمسها في سلوكيات النخب السياسية التي تتصرف بسياسة بعيدة عن السياسة المدنية وقريبة من غير المدنية، فالمدنية تتمثل في بناء المجتمع المتساوي المتحاب المتصافي، لا التصفيات والتنافس والتنابذ، وسياسة التوافق وسياسة الاستيلاء على السلطة، وليس المشاركة في السلطة، وما السياسات المذهبية(سنة ــــشيعةـــاسلام ـــ مسيحية)،(عرب ـــاكرادــــ تركمان الخ) ، والمناطقية إلا نتاج صفقات ظرفية آنية مؤقتة تنظر إلى مصالح عاقدي الصفقات أولا وليس لبناء الدولة، صحيح تم إجراء انتخابات ودستور وبرلمان منتخب وتعددية حزبية وصحافة حرةــ وقضاء مستقل ــ واحترام حقوق الإنسان، لكن هناك خلل في التطبيق وسوء بالإدارة، ويتطلب الأمر نهوض في الشؤون الاقتصادية وصولا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بالاقتصاد المتوازن الذي يقضي على الفقر والبطالة والفساد .
والعدالة الاجتماعية بتشجيع الطبقة الوسطى المستنيرة والواعية باستيعاب جميع الثقافات وعندما نصل إلى الدولة الدستورية المدنية ، ونترك التركة التي خلفتها الحكومات السابقة، فمنها غير المستقرة وتمثلت ب(أداء الحكومات الملكية في العراق)،والمنفعلة(أداء الحكم الجمهوري ألقاسمي)،والضعيفة(أداء الحكم الجمهوري ألعارفي)، والمركزية القاسية الفاسدة(أداء الحكم البكري ـــ ألصدامي)، والمضطربة بالأزمات المخيبة للآمال أداء حكومات ما بعد (٢٠٠٣) كما وصفها الدكتورعامر عبد الجبار ،فالصراع على السلطة في العراق قديما وحديثا أضاع سنوات طويلة من التقدم والازدهار والتنمية، وملايين من الأرواح التي أزهقت وعوائل تفككت، ونساء ترملت ، وأمهات أثكلت، وأطفال يتمت ، والصراع لازال مستمرا والطريق لازال طويلا ولا يوجد من يقصر المسافات ويقرب تحقيق الأمنيات، وان ما نشاهده مع الأسف سلاح مدفعية للهدم و(التفليش) وليس سلاح مهندسين للبناء فالسلطة تتغول على حساب السلطات الأخرى ويصبح رئيسها هو الأول ولا يوجد غيره والمشكلة إن أغلبية المجتمع تصفق له حتى وان كان ظالما منذ العصور القديمة والى يومنا هذا فهل تتغير النظرة لدى الشعب ويختار أصحاب المشاريع المدنية ودولة المواطن وليس دولة الحزب ورئيسه في هذه الانتخابات.