منذ صباح الجمعة، شهدت مناطق مثل الكرادة والمنصور وزيونة حركة نشطة لفرق العمل التابعة للمرشحين، وهي تحمل صورًا ضخمة وتتنافس على المساحات الأكثر ظهورًا. هذا التنافس أدى إلى ازدحام وفوضى في بعض المناطق، خصوصًا بعد محاولات بعض الفرق تثبيت لافتاتهم في مواقع سبق أن حجزها مرشحون آخرون، ما استدعى تدخل الجهات الأمنية لتنظيم الوضع ومنع الاحتكاكات.
أحد العاملين في مجال الدعاية والإعلان أشار إلى أن الأسعار هذا العام بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث يصل سعر الموقع الواحد في مناطق مثل ساحة الحرية أو شارع أبو نؤاس أو قرب جسر الجادرية إلى أكثر من ٢٠٠٠ دولار شهريًا، حسب حجم اللافتة وموقعها، حتى أن جدران الأبنية القديمة أصبحت مطلوبة دعائيًا.
أسعار خيالية واحتكار دعائي
تفاوتت الأسعار بين المناطق، إذ بلغ سعر موقع متوسط في منطقة مزدحمة نحو ٥٠٠ دولار، بينما تجاوزت بعض الواجهات الرئيسة في مداخل العاصمة ٣٠٠٠ دولار. أما اللوحات الرقمية الإلكترونية، فقد ارتفعت أسعارها إلى أكثر من ٥٠٠٠ دولار شهريًا، تُدفع مقدمًا لشركات خاصة أو مكاتب إعلان مرخصة.
مرشح مستقل وصف الوضع بأنه مرهق للمرشحين ذوي الإمكانيات المحدودة، مشيرًا إلى أن المال السياسي يهيمن على المشهد الدعائي، حيث تستأجر الكتل الكبيرة جميع المواقع الجذابة مسبقًا، مما يدفع المستقلين إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كبديل أقل تكلفة.
بين القانون والفوضى
من جهتها، أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن الفرق الرقابية ستتابع الالتزام بالضوابط المحددة، مشيرة إلى أن تعليق الصور في أماكن غير مخصصة أو على الممتلكات العامة والدينية يُعد مخالفة صريحة يعاقب عليها وفق قانون الانتخابات رقم (٩) لسنة ٢٠٢٠.
لكن مراقبين يرون أن ضعف التنسيق بين الجهات المحلية والمفوضية قد يؤدي إلى تجاوزات ميدانية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى رقابة بلدية فعالة.
المواطن بين الزحام الدعائي والملل السياسي
في الشارع، عبّر مواطنون عن استيائهم من كثافة اللافتات التي غطت أعمدة الإنارة والجسور والحدائق، معتبرين أن المشهد الدعائي بات متكررًا في كل دورة انتخابية دون أن يقترن ببرامج واقعية تخدم الناس.
أحد المواطنين من منطقة الكاظمية قال: "كل دورة نرى الصور نفسها والوعود نفسها.. لكن النتائج لا تتغير. الدعاية أصبحت تجارة أكثر من كونها وسيلة تواصل مع الناخب".
شعارات متشابهة وحضور بصري مبكر
المتابعون للدعاية الانتخابية لاحظوا تشابهًا كبيرًا في الشعارات هذا العام، مثل "نحو التغيير"، و"صوتك يصنع المستقبل"، و"معًا من أجل العراق الجديد"، بينما اختار بعض المرشحين التركيز على الخطاب الخدماتي مثل "خدمة المواطن أولًا" و"نحو تحسين المعيشة والتعليم".
ويرى محللون أن السباق المبكر لحجز المواقع يعكس شدة التنافس في هذه الدورة، خاصة في المحافظات الكبرى كالبصرة والنجف ونينوى، حيث يسعى المرشحون إلى ترسيخ حضور بصري قوي قبل بدء الحملات الميدانية واللقاءات الجماهيرية.
وبين صراع النفوذ المالي، وسباق الصور العملاقة، ومحاولات استمالة الناخب عبر الواجهة الإعلانية، يبدو أن الحملة الانتخابية دخلت مرحلة الدعاية المكلفة، التي قد ترسم ملامح السباق قبل يوم الاقتراع.
ويبقى السؤال الذي يردده المواطنون: هل ستثمر هذه الحملات عن برامج واقعية وخدمات ملموسة، أم ستبقى مجرد سباق على الصور والمواقع دون مضمون