ورغم أن الأجواء العامة تشبه إلى حد كبير انتخابات عام ٢٠٢١، إلا أن المتغير الإقليمي هذه المرة يبدو أكثر تعقيدًا، مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، واحتمالات اندلاع مواجهة قد تؤثر بشكل مباشر على الداخل العراقي. بعض المراقبين لا يستبعدون أن تؤدي هذه التطورات إلى تأجيل الانتخابات أو عرقلتها، خاصة إذا دخل العراق في دوامة اضطرابات غير محسوبة.
اللافت أن المزاج الشعبي لا يزال يميل إلى المقاطعة، وربما يكون أثقل من السابق، بفعل انسحاب التيار الصدري من السباق الانتخابي، وهو التيار الذي تصدّر نتائج انتخابات ٢٠٢١. هذا الانسحاب يترك فراغًا كبيرًا في المشهد، ويزيد من حالة التردد لدى جمهور واسع من الناخبين.
في المقابل، يواجه التيار الموالي لإيران تحديات داخلية تتعلق بتراجع شعبيته، رغم احتفاظه بقدراته التنظيمية واللوجستية، التي تمكّنه من تحشيد أنصاره. أما التيار المدني والعلماني، المرتبط بأجواء انتفاضة تشرين ٢٠١٩، فيعاني من انقسام داخل قواعده الشعبية بين مؤيدين ومعارضين للمشاركة، ما يضعف من فرصه في تحقيق نتائج مؤثرة.
تعتمد معظم القوى السياسية على شبكاتها الحزبية والزبائنية التي بنتها خلال السنوات الماضية، عبر تقديم الوظائف والامتيازات لفئات محددة من الجمهور، لكنها لا تملك ضمانات كافية لجذب الناخبين المترددين أو الصامتين.
من جهة أخرى، تراجعت نبرة الخطاب الطائفي في الدعاية الانتخابية، رغم محاولات إثارة المخاوف من ضياع حقوق مكونات معينة أو عودة رموز النظام السابق. إلا أن هذه الرسائل لم تعد تحظى بتأثير كبير على قرار الناخب، الذي يبدو أكثر اهتمامًا بالقضايا المعيشية والسياسية المباشرة.
يبقى موقف المرجعية الدينية في النجف عاملًا حاسمًا في تحديد نسبة المشاركة، خصوصًا بين الجمهور الشيعي المحافظ. ففي انتخابات ٢٠٢١، لم تدع المرجعية بشكل صريح إلى التصويت، ما انعكس على حجم الإقبال. وإذا قررت المرجعية هذه المرة كسر صمتها والدعوة للمشاركة، فقد يغيّر ذلك موقف شريحة واسعة من الناخبين الذين جددوا بطاقاتهم الانتخابية.
أما التيار الصدري، فرغم إعلانه المقاطعة، لا يزال يحتفظ بورقة ضغط قوية، تتمثل في إمكانية توجيه جمهوره للتصويت لقائمة محددة، ما قد يمنحها أكثر من خمسين مقعدًا ويجعلها في صدارة المشهد. لكن السؤال يبقى: هل سيستخدم الصدر هذه الورقة، أم يختار إحراقها يوم الاقتراع؟
في حال امتنع الصدر عن التدخل، فإن المنافسة داخل الساحة الشيعية ستنحصر بين قوى الإطار التنسيقي وقائمة الإعمار والبناء التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. ومع انخفاض نسبة التصويت المتوقعة، فإن جمهور القوى الحالية سيكون صاحب الكلمة الفصل في تشكيل البرلمان المقبل والحكومة المنبثقة عنه.
ويرى مراقبون أن السوداني قد يجد نفسه في موقف مشابه لنوري المالكي في انتخابات ٢٠١٠ و٢٠١٤، ما يجعله لاعبًا محوريًا في المرحلة المقبلة، ويصعّب من مهمة من يسعى إلى منعه من ولاية ثانية.