في عام ١٩٨٢ عندما تاسس المجلس الاعلى كانت تنضوي تحته مجموعة من الاحزاب والحركات الاسلامية الشيعية ولم يكن لمعظم هذه الاحزاب والحركات وجود جماهيري او حركة تنظيمية واقعية على الا رض وكانت تعتمد على كوادر نخبوية لاتمتلك سوى القدرة على التصريحات والتنظير الذي يفتقر الى فهم لحقيقية ما يجري في العراق , ولعل تاسيس المجلس الاعلى وزعامة السيد محمد باقر الحكيم اعطت زخماً كبيراً لاسم المجلس الاعلى والاحزاب والحركات المنضوية تحت خيمته .. واستطاع السيد الحكيم بما يمتلك من واجهة اجتماعية ودينية وسياسية ان يأخذ بيد هذه الاحزاب والحركات وجعل لها طنين ورنين في الاوساط السياسة ولم يكن لمنظمة بدر اي دور يذكر وانما كانت مجرد متنفس لعراقيين هاجروا من ضغط النظام في حينها اواؤلئك الذين وعوا حقيقة النظام السابق عندما وقعو اسرى جراء الحرب الايرانية العراقية وكان للسيد شهيد المحراب فضلاً كبيراً عليهم عندما اقنع الايرانيين في ضرورة الافراج عنهم وتوعيتهم والاستفادة منهم في مقارعة الحكم البعثي البغيض وكانت هذه خطوة بالاتجاه الصحيح لان اعداداً كبيرة من الجنود العراقيين عند خروجهم من الاسر الى حرية الفكر والعقيدة تحولوا الى رجال لاتاخذهم بالله لومة لائم ودافعوا عن مبادئهم واهدافهم بقوة وصلابة وسطّر البعض منهم ملاحم بطولية في التضحية والفداء ليس لها مثيل .
وجمعت البدريين وكوادر من حزب الدعوة ومنظمة العمل وغيرهم معسكرات التدريب الايرانية عندما كانوا يتدربون من اجل تشكيل جناح عسكري للمعارضة العراقية الشيعية ولم تساهم وحدة الهدف والمبادئ المشتركة في جمع كلمة هؤلاء الفرقاء رغم الجهود الكبيرة التي بذلها شهيد المحراب من اجل توحيد المعارضة العراقية في المهجر بجناحيها العسكري والسياسي وحصلت انسحابات من قبل قيادات الاحزاب والحركات المنضوية تحت لواء المجلس الاعلى مما اضطر السيد الحكيم الى تشكيل شورى مركزية جميع اعضائها من اتباع السيد الحكيم واصبح المجلس الاعلى الاسلامي العراقي من حينها كيان سياسي مستقل وتفرق الاخرون في عواصم الدول الغربية والاوربية وتركوا العمل والمواجهة للحكيم واتباع الحكيم .
كان ذلك التحول في مسيرة المجلس الاعلى في دورته الثامنة التي عقدت في طهران والتي عقدت تاسعتها في العراق عندما سقط النظام ولم تكن منظمة بدر في حينها كيان مستقل بل كانت جناحاً عسكرياً للمجلس الاعلى .
ان تاريخ تاسيس منظمة بدر يرجع الى نفس الحقبة الزمنية التي تاسس بها المجلس الاعلى ولعل الهدف لدى السيد محمد باقر الحكيم واحد من تأسيس كلا الجناحين الا ان الايرانيين كانوا ينظرون الى منظمة بدر ( فيلق بدر) على انه قوة ضاربة التحكم بزمام امورها يجب ان يكون بأيديهم ففي بداية التاسيس كان على رأس قيادة بدر امراء ايرانيين ويساعدهم عراقيين لايقولون لا للايرانيين الافي تشهدهم (ولولا التشهد كانت لائهم نعم) .
لقد كانت نواة منظمة بدر (فيلق بدر) تتكون من فئتين .. فئة المهجرين الذين زرعتهم مخابرات الحرس الثوري الايراني في صفوف البدريين ليكونوا عينهم على العراقيين في هذا التشكيل الكبير .. والفئة الاخرى فئة الاسرى الاحرار ( التوابين ) الذين افرزتهم الحرب الايرانية العراقية والذين عانوا التهميش والاقصاء بسبب النظرة الفوقية التي ينظر بها لهم اقطاب الفئة الاولى .. وتولدت طبقية في اوساط البدريين لم تنصف الاغلب الاعم من الاعداد الكبيرة في صفوف هذا التشكيل الجهادي ونشأت خلافات امتدت جذورها الى يومنا هذا .
وبعد انتفاضة شعبان المباركة ونزوح العراقيين الى ايران على اثر الاحداث الدامية التي اعقبت الثورة الشعبية انذاك دخلت الى صفوف ( فيلق بدر ) مجاميع كبيرة شكلت فئة ثالثة هي فئة المهاجرين وهذه التسمية تنطبق على الذين هاجروا الى ايران بعد الانتفاضة الشعبانية .. ومنذ ذلك الحين اصبحت نشاطات واعمال (فيلق بدر) تصب في مصلحة الوضع بالعراق خصوصا عندما تحولت قيادة بدر من الايرانيين الى السيد محمد باقر الحكيم مباشرةِ واصبح فيلق بددر ينقسم الى قسمين .. قسم يقوده المهجرين والاخر يقوده التوابين وتوزعت على كلا القسمين فئة المهاجرين وكان القسم الاكبر هو الذي يقوده التوابين والمعروف بولائه المطلق للسيد الحكيم والقسم الاخر ولائه للايرانيين والاجندة الايرانية ولكن الملفت للنظر ان القسم الذي يقوده المهجرين على رغم قلتهم الا انهم كانوا يسيطرون على مواقع متقدمة قيادية وبأيدهم التمويل والمفاصل الحساسة للتشكيل وكان ولائهم مطلق للقيادة الايرانية .
ان دخول ابناء الانتفاضة الشعبانية الى صفوف منظمة بدر في المهجر اعطاها حيوية ودماء جديدة استطاعت ان تحول عمل وجهاد منظمة بدر من فائدة الايرانيين الى فائدة العراق وتحرير العراق ولو بشكل مقيد وتخلفت الفئة اللاولى عندما تصدى السيد الحكيم لمسؤولية المنظمة وبرز دور الفئة الثانية وتقلدت مواقع قيادية متقدمة امثال ابو منتظر الحسيني والسيد ابو لقاء وابو ذو افقار الحسن وجميعهم كانوا من الموالين للسيد الحكيم لا لضباط الحرس الثوري الايراني .. واما ابو مهدي المهندس وابو حسن العامري وابو فرقد والصيدلي وناصري وابو جاسم العسكري وغيرهم بقوا في الصف الموالي للحرس الثوري الايراني ورفضوا بشكل قاطع قيادة السيد الحكيم وقسم منهم تركوا العمل ولم ينصاعوا لاوامر السيد الحكيم حتى بعد سقوط الحكم في العراق .. وعندما استوت السفينة على الجودي وثنيت الوسادة عاد هؤلاء ليستخدوا نفوذهم لدى الايرانيين من اجل خدمة المصالح الشخصية والاجندة الخارجية واقنعوا الايرانيين ان السيد عمار الحكيم لايمكن ان ينفذ خططهم ومصالحهم لانه يتجه باتجاه الوحدة الوطنية واستقلالية القرار العراقي وقدموا انفسهم على انهم عرابي المشروع الايراني في العراق .
وبعد المخاض الطويل منذ التاسيس الى يومنا هذا كانت الغلبة للموالين للعراق وتازايد عددهم داخل صفوف تنظيمات منظمة بدر مع تزايد ايمان الناس بقيادة ورمزية السادة ال الحكيم وهذا الامر يجعل عملية فصل بدر عن قيادة وتيار شيد المحراب لاتؤثر بشكل مباشر على مسيرة وجماهير المجلس الاعلى خصوصاً بعد نهضة التغيير والتطوير الذي احدثها السيد عمار الحكيم في صفوف التنظيمات .. وسوف يكون تاثير الانفصال سلبي على الامانة العامة لمنظمة بدر وسوف تجد نفسها امام تحدي كبير وهو نزوح البدريين وبأعداد كبيرة من تنظيمات المنظمة الى تنظيمات المجلس الاعلى .
ان ماحصل من اعلان لانفصال منظمة بدر عن قيادة وتيار شهيد المحراب سوف يحدث تحولاً كبيراً في السيطرة على تنظيمات المجلس الاعلى لانها سوف تكون تحت قيادة واحدة وخطاب سياسي واحد وسوف تتضح افاق المستقبل لدى جماهير تيار شهيد المحراب لوضوح رؤيا السيد عمار الحكيم وسلامة مشروعه الوطني .
اما منظمة بدر فسوف تبقى رهينة الاجندة الخارجية وستتحول الى جناح عسكري في العراق للحرس الثوري الايراني يستخدمها لتنفيذ مهام ترتبط بالامن القومي الايراني وستؤسس مجاميع وخلايا للعمل السري المسلح الذي يستهدف مصالح العراق من اجل مصالح اخرى شخصية وخارجية .
اذن افاق مستقبل المجلس الاعلى هي افاق عراقية تهدف الى خدمة المواطن العراقي وافاق مستقبل منظمة بدر هي افاق غامضة ترتبط بنوع المهمة التي تنيطها لها المخابرات الايرانية .