بسم الله الرحمن الرحيم
اعتمد الدستور العراقي مبدأ النسب والنسبية في شتى القضايا والامور.. فالمقاعد البرلمانية توزع حسب النسب السكانية لكل محافظة، كذلك موازنة الدولة، وملاكاتها وفرصها.. وهذا مبدأ مهم لا تنعم به دول كثيرة.. وهو مبدأ يؤسس للمواطنة دون ان يلغي او يهمش او يسلب حق احد. ويؤسس لمشاركة عادلة ومتكافئة في القاعدة وفي الاعلى.. وستطمئن الاغلبية السكانية ان الدولة ستكون دولتهاً دون تعطيل من الشركاء.. وسيطمئن الشركاء ان لهم نفس الحقوق، وان الاغلبية السكانية لن تستطيع التفرد حتى لو ارادت ذلك، خصوصاً مع استكمال "مجلس الاتحاد"، وقانون النفط والغاز، وتوزيع الموارد المالية، واحترام الدستور في صلاحيات المحافظات والاقاليم وحكوماتها المحلية كاعلى سلطة تنفيذية هناك، مما يجعل الدولة دولتهم ايضاً.
اذا استقرت هذه المفاهيم والممارسات.. ودفعت المنافع المشتركة الاكثر اغراءاً المصالح الضيقة والمباشرة والمتصادمة الى الوراء، واذا ما تولد احساس، بعد كل التجارب والمخاطر التي مر بها الجميع، ان العيش المشترك هو اضمن واكثر حماية من حلول العداء والتخاصم والفرقة، واذا ما تشكلت مصالح مشتركة داخلية وخارجية اعلى مما يمكن لكل طرف ان يحققه منعزلاً، وصارت الدولة، بكل مكوناتها الاتحادية والاقليمية والمحلية، احدى تلك المصالح.. يتضرر من يعرقلها ويستفيد من فاعليتها الجميع.. وان الدولة، ليست موقعاً واحداً يسترضيه او يتقاتل عليه الفرقاء، بل مجموع المواقع والمؤسسات القابلة للتوزع والتدوير، والتي للكل فيها كلمتهم وصلاحياتهم وحقوقهم الاجرائية والدستورية، فان الشراكة ستخرج من المحاصصة والتصادم والصفقات السرية، لتكون جوهر العقد التاسيسي الذي ينظم ما يستتبعه ذلك، وينطلق بالبلاد للامام (مبادرة السيد عمار الحكيم حول السلم الاهلي). ليزول توصيف الامور سياسياً على الاقل باسماء الهويات كالشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيين وغيرهم.. لنبدأ التعامل مع بعضنا كمواطنين. دون قمع يخفي الهويات الخاصة.. ودون هوية واحدة تطغى على غيرها او تعرقل عمل غيرها.. فالمواطنة هنا اعتراف بالاخر وتعايش معه وليس تذويب او تهميش او اقصاء او انصهار.. المواطنة بهذا المعنى ستكون اقرب لمفهوم التعايش او التوالف Co-existenceوليس القسر او الاندماج Integration. المواطنة لن تكون هنا الخوف من الاخر والحذر منه او عرقلة مصالحه ومنافعه، بل ستكون الانفتاح عليه والتشارك معه، واستثمار قوة البعض للبعض الاخر وطنياً واقليمياً ودولياً، وهذه هي البيئة التي يزدهر وينطلق فيها المواطن، وتزدهر وتنطلق فيها الاوطان.