كلما تأخر حسم المعركة في الانبار حصلت عصابة داعش على فرص إضافية للضرب في خلفيات الجبهة السياسية للبلد ، فعندما تتوقف النيران على السواتر ويصبح الجميع في دائرة الانتظار لاسباب غامضة يتفرغ العدو للجبهة السياسية فيوجه اليها ضرباته الخطيرة . كانت محافظة ديالى دائما الخاصرة الواهنة ، ومن يستهدفها يستهدف التعايش المذهبي والقومي الذي يمتد تاريخه الى عصور ما قبل الميلاد ، ديالى ملتقى الاقوام العربية والفارسية والكردية والتركمانية ، وشكلها السكاني الحالي هو شكلها القديم الذي لم تغيره غزوات الاباطرة ولا صراعات الدول . استطاع الداعشيون ان يوجهوا ضربة مؤلمة لمحافظة ديالى ، الضربة التي اسفرت عن إبادة عمياء لمدينة بني سعد الصغيرة الفقيرة التي تعيش خارج الزمان بعزلتها وحرمانها وفقرها، تعيش اربعينيات القرن الماضي بكل ملامحها المتخلفة وقد غلبت عليها البراءة والطيبة المتوارثة ، عندما تأتي رسل الموت الى بني سعد فتقلب عاليها سافلها وتخلط دم الضحايا بتراب الطرقات تكون ديالى كلها قد وقفت على شفير الفناء ، لحظة حقد نادرة ، هزيمة الداعشيين في ديالى اذ أخرجوا منها اذلة صاغرين ، سقوط بعض رموزهم في البورصة السياسية ، انصهار الشرف الديني والحزبي في ديالى بنار الفساد ، فقدان موارد التمويل الناتجة من سرقة أموال الدولة ... بني سعد تدفع ثمن كل ذلك ، هكذا هي جبهاتنا المتناقضة ننتصر في مكان بدم الشهداء ، لكننا نهزم في مكان آخر بخيانات الاراذل ، السماسرة الذين باعوا نينوى يكررون الصفقة في بني سعد التي كانت بنيتها اضعف من تحمل انتقام بهذا الحجم ، باعوها لكي يجري نحرها بتشف بالغ ، لأن باعة نينوى مازالوا سالمين غانمين لذا بامكانهم ان يكرروا اللعبة في أي مكان يعجبهم . ان مذبحة بني سعد ليس نهاية مشهد بل هي بداية لمشهد سياسي وامني في ديالى مجهول النائج ، في ديالى يوجد ساسة من كل المكونات ورؤساء عشائر وعلماء دين ومثقفون ووجهاء ، لكنهم حاضرون في الساحة جسدا غائبون روحا وعملا ، يجب ان تعود الروح الى ديالى ، يجب ان تعود الارادة والتفاؤل والمبادرة الإيجابية لمواجهة الخطر المشترك . الخطر الذي يهدد المحافظة لن يكون فيه طرف رابح ، لن يستطيع احد ان يتمتع بلذة الشماتة ، انه حريق يلتهم الجميع ، لذا يجب ان يبادر الجميع لاطفاءه ، سنة ديالى لايحتاجون الى أحد يتباكى على مصيرهم المجهول ، وشيعة ديالى لا يحتاجون الى رادود يلطم عوضا عنهم ويرثي لمصيرهم الكارثي ، وكذا بقية المكونات ، ان تطييف المأساة تجارة لدى الكبار ، انها مضاربة بدم المواطن ، على الأهالي في ديالى ان يفهموا عناصر اللعبة ويتعرفوا على اللاعبين قبل ان يتخذوا موقفا .