مجلس الامن يصوت على الاتفاق النووي.. "كارتر" في جولة للمنطقة تشمل بغداد.. "ظريف" يزور العاصمة العراقية ودولاً خليجية.. زيارات "قطرية" لاربيل بعد بغداد.. معاونو "صالح" في القاهرة يفاوضون لحل الازمة اليمنية.. كبار المسؤولين الاوروبيين يتوالون على طهران، وكلام عن حلول اقليمية ومحاربة مشتركة لـ"داعش"، ان لم تكن باتفاقات مباشرة فعبر تفاهمات ميدانية غير مباشرة.. القوات العراقية تتقدم في المعارك في الانبار والفلوجة ولو ببطىء.. الحشد الشعبي والبيشمركة والقوى الشعبية والعشائرية يزدادون قوة وتنظيماً ومبادرة.. اجتماعات الظل بين الاطراف الاساسية لحل الازمة السورية.. الاكراد يعززون سيطرتهم على الحدود مع تركياوفي الحسكة.. ولعل الانقلاب الكبير بعد النووي هو الموقف التركي وسماحه للطيران الامريكي بالانطلاق من "انجليك" لضرب "داعش"، وتفجيرات الاخيرة فيتركيا، وغلق الحدود التركية-العراقية-السورية، وقيام قوات الامن التركية بحملة امنية ضد كل من "داعش" و"حزب العمال"، وقيامها بقصف مواقع الاخير في مناطق "منديل" في العراق، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات سياسية وامنية داخل تركيا،وفي الملف الكردي وضد حركة "داعش" في العراق وسوريا.
فرغم تفجيرات "بني سعد"، واستمرار العبوات والمحاولات والتحركات هنا وهناك، وبدون الاستهانة والتقليل من المخاطر والصعوبات، لكن الواضح ان "داعش" تخسر مزيداً من الارض، وتتكبد خسائر مهمة في مقاتليها وقدراتها ولوجستيكياتها. كما انها تخسر المزيد من الظروف المؤاتية لها. فـ"داعش" اعتمدت في قوتها وانتشارها على مصدرين اساسيين.. الاول استغلال التناقضات بين الساحات وداخل كل ساحة.. والثاني الاعتماد المطلق على التطرف الديني. اذا صح ما نقول، فان تناقضاً بين مصدري القوة لابد ان يقع، بل لعله قد وقع.. لهذا نتكلم عن تحولات جذرية.
فتطرف "داعش" لم يأتِ من فراغ.. بل يعتمد فكراً له تاريخ طويل وراسخ، ويتمتع بانتشار واسع في صفوف ملايين المسلمين. فـ"القاعدة" بكل قياداتها التاريخية لم تعلن "الخلافة".. اما "البغدادي" فلقد خطى الخطوة التي تدغدغ المشاعر، فاكتسب شعبية في قطاعات قد لا نراها او يراها البعض، لاننا نعيش او يعيشون خارجها.. لكنها قطاعات مليونية منتشرة في بقاع الارض ولا ترى في جرائم وقسوة "داعش" سوى تطبيق احكام قد سجل التاريخ مثلها واكثر منها.. فالبعض يتساءل لماذا تصر "داعش" على استفزاز مشاعر الناس، وتصر على اظهار صور قطع الرؤوس وحرق الناس ودفنهم احياء.. ولماذا تقتل وتنكل بمخالفيها من الشيعة والسنة والمسيحيين والازديين والبوذيين وغيرهم.. ولماذا تفتح كل هذه الجبهات مع دول وقوى ان لم تكن داعمة، فعلى الاقل مهادنة لها؟ والجواب هو ان ما يهمها ليس المجتمعات والدول والشعوب، بل يهمها تحريك قواها التي تعبد الله على حرف، والتي ترسخت تلك المفاهيم المتطرفة في عقولها عبر فتاوى ومدارس انتشرت منذ عقود بل قرون. فهي ان تساهلت في ذلك فستخسر جاذبيتها وقوتها في نظر جمهورها.. فـ"داعش" ان خيرت بين التطرف وبين استغلال التناقضات وكسب الاصدقاء، او الشعوب والدول، فانها ستختار بدون تردد الاول. فهو حبلها السري، ان انقطع فلن ينفعها كل ما عداه. فـالتناقضات ان ساعدت "داعش" على الصعود والانتشار، لكن التطرف والغلو هو الذي يمد "داعش" بعنصر الحياة. ونعتقد ان انقلاباً يحدث منذ فترة قد يحرم "داعش" من مصادر مهمة للدعم والتعايش. وان منطقها يرتد عليها وانها تذبح نفسها بنفسها.. وان مصادر قوتها، او بالاحرى مصدر قوتها الاساس اي التطرف، سيكون هو مصدر ضعفها وموتها.. فالدول والشعوب قد لا ترفض التطرف عندما يكون لمصلحتها وخارج ساحاتها.. لكنه عندما يبدأ بالمس بامنها وبناها فانها ستضطر لحماية نفسها والوقوف بوجهه. ولان تطرف "داعش" لا حدود له.. لذلك فانه سينال الاخرين، بما في ذلك من دعم او هادن يوماً. فالتطرف يرتد على نفسه، ويؤلب الاخرين، ويجعل لهم عدوا مشتركاً.. فيجتمعون عليه، رغم تناقضاتهم وخلافاتهم.