بسم الله الرحمن الرحيم
اقر مجلس الوزراء الاحد الماضي موازنة ٢٠١٦.. هناك الكثير من الملاحظات وبعضها في غاية الاهمية كغياب الحسابات الختامية، وانها ما زالت موازنة تخصيصات وبنود تفتقد الاهداف التي يمكن عبر ادواتها المالية والنقدية والاقتصادية ان تحركها في القطاعين العام والخاص، وانها قد بنيت وستطبق وفق قوانين وتعليمات بالية اكل الدهر عليها وشرب في معظم تطبيقاتها ومبانيها واهدافها. رغم ذلك كله يجب تقديم الشكر والتهنئة لوزارة المالية ووزيرها على الجهد الاستثنائي الذي بُذل لتقديم الموازنة والنجاح في تمريرها.. اولاً، في مراعاة التوقيت، والنجاح في اعداد موازنة في موعدها المقرر (تشرين الاول) في ظروف غاية في الصعوبة من حيث الشدة المالية وضغوطات الحرب واعبائها والوحدات المالية والمواطنين ومتطلباتهم.. وثانياً في الواقعية التي تمتعت بها، فمع بعض الاستثناءات فانها لم تغرق نفسها في ارقام خيالية وتقديرات مفرطة يفرح بها الجميع اليوم، ليُصدموا ويكتشفوا الوقائع الصعبة طوال العام، وثالثاً في التخفيضات التي اجرتها في العديد من الفقرات، مع الحفاظ على توازن عام مقبول، وغير ذلك.
بنيت التقديرات على صادرات نفطية معدلها اليومي ٣.٦ مليون برميل.. بسعر معدله اليومي ٤٥ دولاراً للبرميل، اي ٦٩.٧٧٣ ترليون دينار.. وعلى موارد غير نفطية مقدارها ١٣.٦٧١ ترليون دينار عراقي.. وبذلك ستكون مجمل الواردات المخططة ٨٣.٤٤٤ ترليون دينار.. اما النفقات بكافة ابوابها فبلغت ١٠٦.١٧٢ ترليون دينار، اي بعجز يبلغ ٢٢.٧٢٧ ترليون دينار.. وخُصص للموازنة التشغيلية ٧٦.٥٧٩ ترليون دينار وللموازنة الاستثمارية ٢٩.٥٩٣ ترليون دينار. وقد اجرى مجلس الوزراء بعض التعديلات البسيطة التي لن تعدل كثيراً من الارقام اعلاه، ولاشك ان مجلس النواب سيجري بدوره تعديلات اخرى.
نعتقد ان تقديرات الموارد واقعية بل قد تكون متحفظة بعض الشيء، وهذا امر محمود.. فالمعدل اليومي لسعر البرميل لعام ٢٠١٥ حتى نهاية ايلول كان ٤٨.١٥٧ دولاراً للبرميل.. وتقديرات الغالبية الساحقة للمحللين تشير الى استقرار اسعار النفط او حتى زيادتها بعض الشيء في عام ٢٠١٦ لاسباب عديدة اهمها الزيادة الطبيعية للاستهلاك، وانخفاض الانتاج العالمي في الولايات المتحدة وتوقع هبوطها اكثر، واحتمال زيادة سعر الفائدة الامريكي، وبعض التحسن الذي قد يظهر في الاقتصاديات الاوروبية والاسيوية. اما تقدير الصادرات النفطية فهي واقعية ايضاً.. فالمعدلات المطروحة هي المعدلات التي نحققها الان سواء من المنافذ الجنوبية او من جيهان. وسيسأل سائل ان صادرات الاقليم قد لا تصل الخزينة، وجوابه ان الدفع للاقليم –حسب قانون الموازنة- سيخفض بنفس النسبة. ولاشك ان عدم تسليم كامل الصادرات، وعدم دفع كامل المستحقات هي ممارسة ضارة ومحزنة تعبر عن خلل كبير في العلاقات الوطنية نتحمل جميعاً مسؤولياتها. اما الواردات غير النفطية فقد يكون فيها بعض التفاؤل خصوصاً في باب الجبايات.
فاذا كان كلامنا صحيحاً، فيمكننا القول ان الموارد شبه المؤكدة كافية لتغطية النفقات التشغيلية، ليزول بالتالي ذلك القلق، او تلك الاشاعات من انهيار اقتصادي مرتقب، او من ان الاوضاع المالية الصعبة ستمس الناس في مصادر رزقها وعيشها الاساسية. اما ما يتعلق بالموازنة الاستثمارية، التي تزيد ارقامها بعض الشيء عن ارقام العجز، والذي من المفترض ان يسدد عبر القروض، فهناك عدة ملاحظات.
الاولى، انه امر طبيعي ان تسدد الاستثمارات عبر الاقتراض.. فالمشكلة ليست بالقروض بل في امكانية سدادها. وهذا يعتمد بدوره بمدى رشد وانتاجية المشاريع الاستثمارية ومدى صيانتها وادامتها. فالاستثمارات الحكومية خلال الاعوام، بل العقود الماضية، بقيت بنسب تنفيذ واطئة جداً.. وكانت مصدر تساؤلات كثيرة عن هدرها وتوقيتاتها وكلفها ونوعيتها، سواء توفرت اموالها عن طريق الواردات الحكومية او عن طريق الاقتراض. فالدولة عموماً رجل اعمال فاشل.. لذلك كنا نتمنى ان تتضمن موازنة ٢٠١٦ مبادىء ومواد تطلق الاستثمارات من خارج اطارات الدولة ومن داخلها، وهو ما لم تفعله، بل احياناً وقفت بوجهه بذريعة تحقيق موارد اضافية للموازنة، نفعها قليل وضررها كبير، ذلك ان تحققت اصلاً.. وهذا يشكل ثغرة كبيرة، واصلاحه لا يتعلق بالموازنة فقط، بل يتعلق بقيام وزارة المالية والدولة بمجملها باصلاحات في فلسفتها الاقتصادية، وما يلازم ذلك من اصلاحات تشريعية واجرائية وفي التعليمات ومؤسسات الرقابة والمسائلة تسمح بانطلاق الاستثمارات سواء من القطاع العام او القطاع الخاص.