سؤال لا تصعب الاجابة عليه بقدر ما يصعب التصريح به على الرغم من المجرى الدائم للنزيف الدموي والمالي العراقي لدرجة توحي بأن الهدف هو تجفيف الدماء والثروات العراقية معا ، واجزم ان الحكومة العراقية لم تفكر ولو لهنيهه بالسر الكامن خلف استمرار الخروقات الامنية لتسع سنوات مضت ومرشحة للاستمرار لمثلها وقد يزيد ، ولو كانت الحكومة قد فكرت فعلا بوضع نهاية للنزيف العراقي لاستفادت من عشرات الآلاف من الذين القي عليهم القبض حتى الآن من الضالعين بالعنف ولتمكنت من بناء قاعدة بيانات ضخمة توضع تحت تصرف جهاز وطني مخلص وكفوء للاستخبارات والمخابرا ت ، والدليل على عجز الحكومة هو انها لا تمتلك فعلا قاعدة بيانات ومختبرات متقدمة تستبق مخططات المجاميع المسلحة وتجهضها . . ترى اين ذهبت اعترافات المسلحين المقبوض عليهم ؟ ولماذا تتسائل الحكومة عمن ينفذ العمليات المسلحة بعد مرور تسع سنوات من بدايتها ؟ ولو كانت الحكومة قارئة لخريطة الامن من خلال وسائل بنيوية لأكتشفت فورا اولئك الكامنون الحقيقيون وراء الخروقات الامنية ولا تكتفي ببيانات (( دولة العراق الاسلامية)) . ولو جزمنا بأن الحكومة تمتلك مثل هذه المختبرات فمن المؤكد ان اغلب العاملين بها من المخترقين ومن غير المحترفين والدليل الواضح على ذلك ان القوى الامنية تكتشف خطط المسلحين فقط بعد تنفيذها وسقوط عشرات القتلى والجرحى وتدمير المنشآت والموسسات والممتلكات وما يتبع ذلك من اضرار اجتماعية كارثية تتراكم بمرور الايام التي تقع فيها الخروقات الامنية ، ويلاحظ المتمعن في الشأن الاجتماعي انه بعد الخروقات الامنية المتكررة والمستمرة تتصاعد اعداد اطفال الشوارع والمشردين والمتسكعين والمتسولين ، وواضح ايضا ان الحكومة لا تعي حتى هذه اللحظة ان الخروقات الامنية تأكل من مقبوليتها عند الشعب العراقي وتأكل من مقبولية النظام السياسي نفسه ، واذا كانت الحكومة عاجزة عن منع المسلحين الذين يثبتون في كل مرة انهم ينفذون ((غزواتهم)) بطريقة منسقة ومتزامنة يراد بها التأثير النفسي المحبط لمعنويات القوى الامنية والمواطنين معا فان على الحكومة ان تبحث عن تدابير اخرى بديلة لتحقيق الامن ومن هذه التدابير شراء او استيراد الامن من الخارج ، فلم يعد الامن الداخلي معتمدا على الكثرة البشرية والسلاح الثقيل والسيطرات المتعددت والرتب العسكرية العالية والمخبرين السريين ، و لا على اية منظومة امنية متورمة ومنخورة بالفساد المالي والاداري ( بحسب لجنة النزاهة) ومتخمة بالعناصر المسلكية التي لا هم لها غير عد الايام لتقبض راتبها الشهري المضخم . . انما يعتمد الامن الآن - ابتداء - على القضاء على الامية المعلوماتية واستيراد التقنيات الحديثة وادخال الاقمار الصناعية واستقدام الخبرات العالمية وارسال البعثات الدراسية - حصريا - من ابناء ضحايا الانظمة الدكتاتورية وضحايا القهر والاستبداد الذين لم يؤسفوا على رحيل النظام السابق ، والمفزع لنا جميعا اننا أعتدنا سماع تصريحات من قبيل ان التدهور الامني عادة ما يكون مسبوقا بتدهور سياسي ! ويعني بذلك - دون ريب - تدهور العلاقات بين اطراف العملية السياسية التي تقود البلاد الآن ، ويستشف من ذلك ، كما هو واضح ، ان الخروقات الامنية تتصل بتلك الاطراف ، فما هي مصلحة جهة سياسية معينة بقتل المواطنين العزل وما مقدار وطنيتها ؟؟ . كما اننا سمعنا ان تقريرا استخبارتيا امريكيا اكد (( ان البعثيين بسيطرون على اهم مفاصل الاجهزة الامنية )) ولابد انهم تسللوا عبر حهات سياسية ، وآخر ما سمعنا ، وقبيل عقد القمة العربية في بغداد ، ان وزارة الداخلية اصدرت تعميما تحذر به من حمايات المسؤولين واكدت ان بعضها مخترقة ، وقبل ذلك اكدت لجنة الخدمات النيابية ان دول الجوار تتنصت على الاتصالات العراقية عبر شركات الهاتف النقال العاملة في العراق وهي شركات من الكويت والخليج ، وذهب اللجنة الى التأكيد على ان بعض الملفات المبنية على التنصت قد فتحت لمقايضة المسؤولين العراقيين الذين سرقت مكالماتهم الهاتفية.
وفي الوقت الذي تصرف المليارات من الدولارات على الامن سنويا فان المسلحين ينفذون عملياتهم باموال زهيدة للغاية وقد لا تكلف المسلحين ١% من نثرية وزارة واحدة وربما لا يكلفها شيئا اذا ما صدقنا قول لجنة الامن النيابية بأن في وزارة النفط من يموّل العمليات المسلحة ، ومن المؤكد ان القول بتمويل وزارة لاعمال مسلحة يعني ان مفتاح الوزارة ليست بأيادي امينة ، ويتبجح بعض المسؤولين الحكوميين بأن الحكومة قد سيطرت على شركات الصيرفة التي تموّل وتمرر الاموال للمسلحين دون ان يعلم هؤلاء بان الاموال تتدفق وتمرر عبر شبكة مهولة من الافراد مقابل عمولة وان هذه الطريقة افضل من الطرائق المستعملة قبل ان ((تسيطر)) الحكومة على شركات ومحلات الصيرفة .
ان ما يريد المواطن ان يخلص إليه حقا هو الجواب الحقيقي والصحيح عمن يخرق الامن؟