تساءل المراقبون عن اهمية تحرير الموصل ولماذا تاخر كل هذا الوقت ومن هو المستفيد من ابقاء الوضع العراقي في مرحلة المراوحة في المكان وعدم التعاطي الاستراتيجي مع عمليات تحرير الموصل بما يخدم الواقع الوطني سيما واننا امام كمّ شاخص من سياسيي داعش واعلاميي هذا التنظيم الارهابي حيث يحاول هذا الطابور تاخير عمليات التحرير او التشويش عليها او احتواء نتائجها وربطها بما يسمى بالتحالف الامريكي الذي اثبتت الوقائع انحيازه لداعش ورفدها بالمؤون والذخائر.
بلاشك لم تكن انجازات الجيش العراقي في الموصل تقتصر على توسيع رقعة المناطق المحررة وابعاد شبح داعش عن الجغرافيا العراقية فحسب بل ان هذه الانجازات تشكل بحد ذاتها اعادة تشكيل للعقل والوعي العراقي الجمعي لان يدرك خطر الفرقة والتخاصم واللهاث وراء سراب الشعارات والمدعيات البراقة حيث ان انهاء وجود داعش يعني عودة الامن والسلام للمناطق العراقية على عكس مايشاع بان المرحلة القادمة ستكون اشد واخطر على الوضع العراقي وهي بلاشك مزاعم سياسيي داعش الذين يحاولون الترويج لمقولات خداعية ترهيبية واحباطية تصور المرحلة القادمة في العراق بانها مرحلة صراعات جديدة ومرحلة حروب داخل الوضع العراقي بينما تؤكد المؤشرات بان دحر الارهاب والقضاء على راس الحية في الموصل هو بداية لمخاضات سياسية وافق استراتيجي جديد يعني ان العراقيين سياخذون دورهم في بناء العراق وفي توجيه بوصلته الوطنية بما يخدم الاهداف التحررية السامية كما يعني سحب ذرائع التدخل الامريكي في العراق وارسال قواته وطائراته بذريعة القضاء على الارهاب بينما يقتصر دورها في حقيقة الامر على دعم هذه الجماعات واعطائها جرعات جديدة للتوالد والبقاء ولو باشكال واساليب معينة .
ان دواعش السياسة في العراق فقدوا اوراقهم بعد الضربات المحكمة للجيش العراقي وبعد انتصاراته الاخيرة ليحاولوا اثارة اللغط هنا او هناك كما ان القيادة السياسية في العراق سلبتهم ورقة اتهام الحشد الشعبي بمدعيات لااساس لها من الصحة حيث دمج الحشد الشعبي بالاطار العسكري كما ان الاحداث والمشاهد اكدت ان الحشد الشعبي هو الام الحنون لاهالي الموصل حيث قدم لهم جميع المساعدات وجميع وسائل العيش الكريم وهاهي قوافل من اجلكم التي سيرها الحشد الشعبي للموصل خير شاهد وخير دليل وهاهي مواقفهم الوطنية والاخوية كمساعدة المحاصرين وانقاذ الجرحى واطعام المحتاجين شكلت دليلا على وطنية الحشد وعدم وقوعه في فخ الطائفية كما تحاول بعض الابواق الضرب على هذا الوتر .
ومن هنا تبدو المعطيات القادمة في الموصل بانها تبشر بالخير وان دواعش السياسة قد فقدوا اوراقهم وان النازحين من اهالي الموصل يلقون حبا ودعما واستقبالا من بقية ابناء وموكونات الشعب العراقي وقواه الحية , وبالمحصلة فان العراق على ابواب مرحلة سياسية وامنية جديدة ستعيد لمّ شمله وصياغة وضعه وفق المنظور الوطني والاخوي والاستراتيجي بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية .
السؤال المطروح هل يشكّل تحرير الموصل نهاية “داعش” في العراق؟ بعد ان وصلت عمليّات تحرير مدينة الموصل إلى مراحلها الأخيرة، حيث اقتربت القوّات العراقيّة من الجامع النوري الذي يشكل حالة رمزية لان زعيم داعش البغدادي اعلن منه دولة الخلافة وهدد بدخول كربلاء المقدسة من المدينة. وتعدّ خسارة الموصل ضربة كبيرة بالنّسبة إلى تنظيم “داعش”، لما تشكّله من أهميّة استراتيجيّة وإقتصاديّة وحتّى رمزيّة، لان استعادة الموصل لا تعني إنهاء وجود “داعش” في العراق، فحسب بل تعني تجريدهم من اي هوية تساهم في انسجامهم مع المجتمعات التي صنفوها وفق معتقداتهم بالتكفيرية .
المعادلة تقول انه كلّما خسر “داعش” الأراضي والمناطق الاستراتيجيّة، لجأ إلى الهجوم على الأهداف المدنيّة والمناطق الهشّة عسكريّاً في محاولة للحفاظ على وجوده في العراق. وفي أكثر الإنفجارات دمويّة في العام الجاري، فجّر تنظيم “داعش” العديد من عجلاته في الاسواق والساحات والمطاعم والاماكن العامة في محاولة منه للفت اانظار الى وجوده وسط زحمة انباء الانتصارات التي يسجلها عليه الجيش العراقي والحشد الشعبي المقدس. والاهم هو ان وتيرة الانتصارات في الجانب الايمن تتواصل وتتسع في وقت يلقى النازحون حفاوة من قبل ابناء الشعب العراقي كما ان الحشد الشعبي سير قوافل مساعداتهم للنازحين من اجل اغاثتهم وتوفير الحواضن الانسانية لهم . كما ان القوّات العسكريّة العراقية أصبحت أكثر دراية ومعرفة بتكتيكات داعش القتاليّة، مما افشل جميع محاولاتهم لشن هجمات معاكسة وبالتالي دفع باعداد كبيرة منهم اما الى الهروب او التسليم او البقاء في جيوب محاصرة داخل الموصل ستتحول في القريب العاجل الى مقابر تلفظ اجسادهم النتنة .
وبالتالي لم يفلح داعش في تنفيذ سلسلة من الهجمات المعقّدة، كما كان يتوقّع أن يحصل في ردّه على عمليّات تحرير الجانب الايمن من الموصل.ويبدو أنّ “داعش” خسر الحرب الإعلاميّة أيضاً. وكان يمتلك قدرات هائلة في استخدام تكنولوجيا الإتّصالات في شنّ حرب دعائيّة مؤثّرة. وفي هذا الصدد بات داعش امام خيار التحول الى حالة الانكفاء او الاحتراق في مراجل الصهر الحراري.