وجهت سفن البحرية الأمريكية ٧ أبريل الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات العسكرية الجوية بحمص. أطلقت مدمرتان أمريكيتان "يو أس أس بورتر" و "يو أس أس روس" ٥٩ صاروخا مجنحا من طراز "توماهوك" استهدفت الطائرات الحربية ومنظومات الدفاع الجوي والرادارات ومستودعات الذخيرة وخزانات الوقود.
وجاءت هذه الضربة بموافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن القوات الجوية السورية استخدمت قاعدة الشعيرات في القيام بالهجوم الكيميائي في مدينة خان شيخون. وقال ترامب إنه "من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية القاتلة".
لقد اتهمت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى القوات الجوية السورية في استخدام المواد السامة أثناء توجيه الضربة الجوية على مدينة خان شيخون اليوم الثلاثاء ٤ أبريل. من جهتها نفت الحكومة السورية هذه الاتهامات مشيرة إلى أن الضربة استهدفت مواقع الإرهابيين بما فيها مستودعاً كان يحتوى على المواد السامة. أدى الانفجار إلى انتشار الغازات السامة ومقتل العشرات من المدنيين.
على الرغم من أن ملابسات الحادث الذي وقع في خان شيخون لا تزال غامضة حتى الآن، قد أعدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مشروع القرار وقدمته إلى مجلس الأمن الدولي وحملت المسؤولية عن مقتل المدنيين على عاتق الحكومة السورية.
تسمح مأساة خان شيخون لواشنطن تكرار سيناريو الذي تم إعداده في عام ٢٠١٣ للهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية. أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنذاك عن جاهزية لتوجيه الضربات على مواقع الجيش السوري من أجل "منع استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل".
لكن عدد من الأسباب منع الولايات المتحدة من بدء العدوان واسعة النطاق ضد سوريا في العام ٢٠١٣ وعلى إثر نشر الأخبار عن استخدام الأسلحة الكيميائية في وسائل الإعلام ظهرت التفاصيل الجديدة وحقائق لا تتوافق مع الرواية الرسمية التي أشارت بشكل غير مباشر إلى تورط الولايات المتحدة ومجموعات التي تدعمها لمسرحية الأسلحة الكيميائية.
تبين أنه تم تخطيط هذا الاستفزاز بخبراء عسكريين أمريكيين بشكل دقيق ومبكر. ويتجلى ذلك من الرسائل المسربة التابعة لعقيد الركن القوات المسلحة الأمريكية أنتوني ماكدونالد الذي كان يتولى منصب رئيس قسم التخطيط في الإدارة الاستطلاعية لدى أركان القوات البرية آنذاك. في التأريخ ٢٢ أغسطس بعد الهجوم الكيميائي استلم العقيد ماكدونالد رسالة من زميله سيد يوجن فيورست بتهاني "إجراء العملية الناجحة" مع رابط المقال عن الهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية المنشور في صحيفة "واشنطن بوست".
كان تسريب رسائل ماكدونالد من الدلائل العديدة على عدم مسؤولية الحكومة السورية لاستخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية.
لقد اتهمت الدول الغربية دمشق في استخدام المواد السامة ولكن فشلت محاولتها فشلاً ذريعاً بعد أن لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة أكدت في العام ٢٠١٣ أن استخدام الذخائر الكيميائية تم على أيدي عناصر المعارضة بحسب ما قالته مديرة اللجنة كارلا ديل بونتي. وفي وقت لاحق ظهرت فيديوهات عديدة تثبت وجود الأسلحة الكيميائية عند مجموعات المعارضة.
علاوة على ذلك، حتى المحللون الأمريكيون أنفسهم أشار إلى أن الاتهامات الموجهة للحكومة السورية بشأن الهجومات الكيميائية تثير الشكوك ونشر الضباط المتقاعدون لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية رسالة مفتوحة إلى باراك أوباما اتهموا فيها رئيس الوكالة جورج برينان في توفير المعلومات المغلوطة للحكومة الأمريكية والقيام بالاستفزاز المقصود ضد نواب الكونغرس ووسائل الإعلام والشعب الأمريكي.
هذا وفي نهاية الأمر كانت واشنطن مجبرة على الانضمام للمبادرة الروسية لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية تحت قيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي انتهت بنجاح في يناير العام ٢٠١٥.
أخذت وسائل الإعلام الغربية موقفاً منحازاً للغاية تجاه الحادث في خان شيخون بنفس الطريفة كما في الغوطة الشرقية واتهمت الحكومة السورية في مقتل المدنيين دون انتظار النتائج الأولية للتحقيق. علاوة على ذلك، في محاولة منع القراء من الشكك المفرطة حذفت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية مقالاً عن خطط الولايات المتحدة بتمثيل الهجوم الكيميائي في عام ٢٠١٣ من على موقعها.
يطرح قرار الولايات المتحدة بإعادة إلى سيناريو الغوطة الشرقية العديد من الأسئلة. أولاً، يتناقد القرار مع وعود ترامب الانتخابية وخاصة رفض استهداف حكومة بشار الأسد وتركيز الجهود على مكافحة الإرهاب. ثانياً، لا تتوافق اتهامات دمشق باستخدام المواد السامة مع تصريحات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتدميرها الكامل ضمن البرنامج الذي شاركت فيه الولايات المتحدة. ثالثاً، ﻻ يبدو هدف البيت الأبيض من تصعيد النزاع واضحاً.
هذا ومن المرجح أن الهجوم الكيميائي في خان شيخون هو عبارة أن الاستفزاز الأمريكي من أجل إيجاد ذريعة للتدخل العسكري في سوريا ومحاولة زيادة شعبية الإدارة الأمريكية داخل البلد على حساب إراقة دماء السوريين.