يحب الشعب الياباني تناول السمك في وجباتهم، ولست مستثنى منهم، لذا أحب أيضاً تناول السمك المشوي العراقي المعروف بالمسكوف.
في يوم من الأيام، عندما كنت أتناول المسكوف الشهي، تأملت في الاختلاف بينه وبين الساشيمي (وهو شرائح من سمك نيئ يحبه اليابانيون). الفرق الواضح بينهما هو طريقة التحضير، فالمسكوف مشوي والساشيمي نيئ، تضاف إليه صلصة الصويا. وباعتقادي سبب الفرق في طريقة التحضير هو مصدر الأسماك التي تستخدم للطبق، فالمسكوف من أسماك نهرَيْ دجلة والفرات بينما الساشيمي من أسماك البحر. ويقال أن السمك النهري غير صالح للأكل نيئاً، وحتى الشعب الياباني لا يأكله من دون طبخ إلا نادراً.
ومن المعروف عن اليابان أنها عبارة عن جزر محاطة بالبحار، وهذا أدى إلى تطور ثقافة صيد الأسماك قرب سواحلها منذ القدم. أمّا العراق، فلا يملك باباً للبحر إلا عبر محافظة البصرة الفيحاء، وبالتالي من الطبيعي أن تتطور فيه ثقافة أخرى غير الصيد، وهي ثقافة الزراعة.
عُرفت منطقة بلاد الرافدين بإسم "الهلال الخصيب" في العصور القديمة، واعتُبرت مخازن للمؤونة في الشرق الأوسط، إلاّ أن الوضع الحالي الذي يُعتمد فيه على استيراد الكثير من المنتجات الزراعية مؤسف للغاية.
لِمَ لا يتم العمل على انعاش الزراعة من جديد في أرجاء العراق كإحدى طرق إعادة الإعمار؟ في حين أن تحقيق التطور الصناعي في العراق قد يتطلب وقتاً، يمكن للزراعة أن تلعب دوراً رئيسياً في تحسين حياة الناس من ناحية توفير المواد الغذائية وتقليل نسبة البطالة، إذ أن الزراعة هي قطاع ضخم ذو إمكانيات عالية لاستيعاب الطاقات الشبابية.
تبعاً لمنظمة الأغذية والزراعة، إن إنتاج الطماطم في البصرة وحدها يكفي لتلبية الطلب من كافة أراضي العراق، إلا أنه لا توجد وسيلة لنقل المنتجات الزراعية الطازجة إلى أماكن بعيدة عن مناطق الإنتاج في الوقت الحالي. لذا لا شكّ في أن إنشاء سلسلة إمداد ذات درجة حرارة مضبوطة داخلياً (شاحنات مبردة أو برادات) ستكون مهمة مع انتشار الزراعة في البلاد، ولعل ذلك سيسهّل على الناس الحصول على منتجات المحافظات أخرى. على سبيل مثال توفير طماطم البصرة الطازجة في سوق العاصمة، أو توفير أسماك البحر النيئة ليتناولها أهل الشمال على طريقة (ساشيمي) اليابانية.
لقد قامت حكومة اليابان بتقديم قرض ميسر لقطاع الري بقيمة ٨١ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٠٧ للمساهمة في تشجيع الزراعة في العراق. ذهب هذا الدعم لتحسين مرافق الري وإرشاد جمعية مصالح المياه في محافظتي واسط وذي قار. كما قدمت اليابان مساعدة لزراعة المحاصيل الجديدة وتعميمها في إقليم كردستان العراق. أتمنى أن تنضج ثمار مثل هذه المساعدات في أقرب وقت ممكن لكي تتمتع الأجيال الجديدة في البلاد بحياة أفضل في المستقبل القريب كما يستحقون.
إن العراق غني بالموارد الطبيعية وليس النفط والغاز فحسب، فهنالك كذلك المياه من النهرين والتربة الخصبة حولهما، فضلاً عن الموارد البشرية. وأعتقد أن على العراق أن يبتعد عن اعتماده المفرط على النفط لدرجة تصل إلى أنه يمثل ٥٠% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يرجع كما كان في الماضي، تزدهر وتنشط فيه مختلف القطاعات. واليابان بدورها مستعدة لدعم العراق الصديق لتحقيق تنوع اقتصاده من خلال تحسين البنى التحتية.
بقلم :السفير الياباني في بغداد