بعد نحو أسبوع من إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، اخذت الامور تتجلى وتتضح وتتبلور بمقدار كبير، لاسيما بعد اعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج النهائية، رغم الكثير من الاشكاليات والملابسات التي رافقت العملية الانتخابية، سواء في خطواتها ومراحلها الأولى، أو تلك التي تخللتها الخطوات المراحل اللاحقة، دون ان يعني اعلان النتائج النهائية اغلاق الباب وقطع الطريق امام أية اثارات وإشكالات أخرى، صغيرة كانت ام كبيرة، رئيسية وجوهرية كانت أم ثانوية وهامشية. وما دامت المقدمات مرتبكة وحافلة بالقضايا الاشكالية والتشكيكية، فأنه من الطبيعي جدا ان تكون المعطيات والنتائج والمآلات مرتبكة وقلقة ومشوشة. فقد حفلت الشهور القلائل الماضية، وتحديدا الأسبوعان الماضيان بكثير من اللغط حول امور عديدة، من بينها، نزاهة وكفاءة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وامكانيات وفرص نجاح تجربة استخدام اجهزة العد والفرز الالكترونية، وتفسير موقف ورؤية المرجعية الدينية من الانتخابات، وبما يرتبط بها من كتل وكيانات وشخوص، قرروا خوض غمار التنافس الانتخابي، ناهيك عن مهنية وحيادية عمل هيئة المساءلة والعدالة عند دراستها ملفات المرشحين، والبت في شمولهم او عدم شمولهم بقانونها. في الواقع كل تلك الأمور، وربما غيرها، القت بظلالها الثقيلة على الاجواء الانتخابية، ولانبالغ اذا قلنا، انها بلورت وصاغت معالم وملامح مشهد سياسي، تبدو المؤشرات الاولية الى انه سوف يكون قلقا ومرتبكا ومضطربا الى حد ما. ولعل بعض المؤشرات الاولية رافقت يوم الانتخابات والايام الاخرى التي أعقبته. ففي وقت مبكر ظهرت مشاكل فنية ـ تقنية في عمل عدد لايستهان به من اجهزة العد والفرز الالكترونية، والتي تسببت بتعطيل انطلاق العملية الانتخابية لعدة ساعات في مراكز اقتراع غير قليلة، وبالتالي حرمان اعداد من المواطنين من التصويت، لاسيما وان المفوضية لم تمدد فترة التصويت كما كان معمولا به في الانتخابات السابقة، الامر الذي ادى الى مزيد من الانخفاض والتراجع بنسب المشاركة في مختلف المحافظات. الى جانب ذلك، فإن حالات التلاعب والتزوير المختلفة، طغت على المشهد الانتخابي، والمفارقة هنا هي ان اغلب الكتل والقوائم اكدت ذلك وحذرت منه، واعتبرته امرا خطيرا يهدد سلامة العملية الانتخابية، ويطعن في نزاهتها وشفافيتها. ولا شك ان الكم الهائل من الشكاوى التي وردت لمفوضية الانتخابات، والتي بلغت اكثر من الف وخمسمئة شكوى، تؤكد حجم الاشكاليات في هذا الجانب. أضف الى ذلك فإن قضية الضغوطات والاملاءات السياسية على مفوضية الانتخابات، باتت الشغل الشاغل لوسائل الاعلام والاوساط السياسية المختلفة، وما عززها واكدها، هو تبادل الاتهامات بين بعض اعضائها بصورة علنية. وكل هذه الظروف والملابسات هي التي كانت وراء تأخر اعلان النتائج، فبينما قيل قبل بضعة شهور ان اجهزة العد والفرز الالكترونية الجديدة ستكفل ظهور نتائج الانتخابات في غضون ساعات قلائل، تأخر الامر الى اكثر من ثماني واربعين ساعة، ولم يكن ذلك نهاية المطاف، بل ان المفوضية، وتجنبا للكثير من الانتقادات والاحراجات والاتهامات، وربما التهديدات، راحت تكرر بين وقت واخر، الاعلان عبر مؤتمرات صحفية لاعضائها، ما كانت تسميه "نتائج اولية" للانتخابات. في مقابل ذلك كانت الدعوات لاعادة عملية العد والفرز لصناديق الاقتراع يدويا ـ بالطريقة التقليدية تتعالى، بين من يطالب بإجراء العد والفرز اليدوي على نسبة ٥% من الصناديق عبر اختيارها عشوائيا، وبين من يطالب بذلك لـ ٢٥% من الصناديق، الى من يطالب بإعادة عملية العد والفرز بالكامل. ليس ذلك فحسب، بل ان كيانات وقوى سياسية راحت تهدد بالخروج الى الشارع، اذا لم تتم معالجة الاشكاليات، التي تسببت بحرمانها من الكثير من اصواتها، كما زعمت، وجانب من تلك التهديدات تحولت الى واقع حال، ترجمته مواجهات مسلحة واضطرابات وارتباكات امنية خطيرة ومقلقة في محافظات السليمانية وكركوك واربيل. وازاء ذلك لم يكن امام مفوضية الانتخابات إلا أن تعلن النتائج النهائية للانتخابات، والتي لا تبدو نهائية فعلا مع وجود ذلك القدر الكبير من الاشكاليات، وهذا ما حصل فعلا قبل يومين، ولتؤكد عبر بيان لها، ان من لديه اعتراض يمكنه ان يلجأ الى الوسائل القانونية والجهات القضائية المعنية بالبت في الشكاوى والطعون، علما ان ذلك لايعفي المفوضية من مسؤولية جانب كبير من الاخطاء والتجاوزات والارتباكات. وما يزيد من ارتباك المشهد السياسي لمرحلة مابعد الانتخابات، هو تقارب نتائج القوائم والكتل الرئيسية، ذلك التقارب، الذي ربما يعقد مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، وهوية من يترأسها، وكذلك فأن وجود عدد غير قليل من القوى والكيانات التي حصلت على عدد متواضع من المقاعد البرلمانية، يضيف هو الآخر قدرا اكبر من التعقيد، خصوصا اذا عرفنا انه من الصعب تجاوز تلك القوى والكيانات بالكامل، فضلا عن ان معظمها ربما يرغب بأن يكون له حضور ودور في الحكومة المقبلة، وما يرتبط بها من مفاصل تنفيذية. والقضية الاخرى، التي ستكون من ابرز سمات المشهد السياسي المقبل، تتمثل بغياب عدد من الشخصيات السياسية البارزة من قوى مختلفة، اما اختيارا، باعتبار ان تلك الشخصيات قررت مسبقا عدم المشاركة في الانتخابات، او بسبب خسارتها المفاجئة فيها. وطبيعي ان ذلك الغياب لن يمر بسلاسة، ولا بد ان تشهد كواليس التفاوض، مساومات وضغوطات لايجاد فرص ومواقع في المفاصل التنفيذية لبعض ممن فشلوا في الوصول الى ـ او البقاء في ـ المفصل التشريعي، الرقابي، المتمثل بمجلس النواب. واغلب الظن ان ارتباك المشهد السياسي يمكن ان يدوم بضعة شهور، حتى يصل الفرقاء الى تفاهمات وتوافقات الحد الادنى، وخيارات اضعف الايمان!.