ومن حيث أن الأمر هكذا هو في حقيقته فقد صار البرلمان ما للمحاكم العليا من صفات تلزمها بالموضوعية المطلقة والعدل المطلق بعيداً عن المصالح والتحزبات والضرورات التي يجدها هذا أو ذاك من أعضاء البرلمان.
وحتّى يقوم البرلمان بهذه المهمة وحتّى يقترب من هذه الصورة التي تشرعن وجوده فقد صار لزاماً عليه أن يرى في كل مشروع قانون فضيلة قائمة بذاتها ليس لها صلة بأي وضع آخر، فمشاريع القوانين إجراءات ضامنة لتنفيذ أو انجاز مهمة معينة قد ترتبط بغيرها وقد تكون مفردة ولها استقلالها التام وعلى هذا الأساس يجب على البرلمان أن يبتعد كثيراً عما يمس بهذه القاعدة ويشوه معالمها فيجعل من جلساته معارك جانبية من أجل الفوز بما يعزز من وجود هذا ويلحق الهزيمة بذاك.
فما معروض على أعضاء البرلمان إنما هو مصلحة شعب ويجب أن ينظر إليها من هذه الزاوية بوصفها مصلحة مقدسة ولا يجب أن تكون موضوعاً للمساومة أو المناورة وكما يحدث في البرلمان حيث مازالت الكتل المتقاطعة سياسياً متقاطعة برلمانياً ومختلفة في ما يجب أن تكون متفقة.
وقد عطل هذا الاختلاف الكثير من مصالح الشعب بسبب تعطيله النظر في القوانين التي فيها ما يفتح على الناس آفاق الحياة ويمهد السبيل إلى انجاز ما عندهم من مشاريع.
إنّ لمجلس النواب وكما قلنا مهمة وطنية كبرى وعليه أن يكون بمستوى هذه المسؤولية فينسى انه منتمي إلى هذه الكتلة أو تلك، لأنه هنا انما يمثل الشعب كله ومصالح الشعب تنتظر إخلاصه وتفانيه في خدمتها فلا يعطل منها شيئاً ولا يضيع الفرصة في انجاز شيء.
فقد أصبح عادة لهذا المجلس أنّ يؤجل النظر في مشروعات القوانين وليس لديه من عذر غير انه مختلف مع نفسه وكل عضو من أعضائه له ما يشترط من مواقف قبل أن يعطي موافقته على هذا القرار أو غيره.
نرى مثل هذه التصرفات والممارسات يجب أنّ تنتهي وتقف عنده فلطالما كانت وراء ما يعانيه الشعب من جمود وركود في الحياة وقصور في الأداء، وضعف في الخدمات، فقد مضت الأيام والأشهر والسنين ومازال العراق على ما هو عليه لم يغير في أوضاعه شيئاً لأن بعض أعضاء البرلمان لا يشعرون بالمسؤولية وليس هناك ما يفرض عليهم أنّ يكونوا مسؤولين حقاً.